واشنطن وبغداد للتشديد على شراكة أبعد من مواجهة «داعش»

مساعدات أميركية طبية واقتصادية وسياسية

مروحية تابعة للتحالف الدولي بالقرب من بغداد في مايو الماضي (أ.ف.ب)
مروحية تابعة للتحالف الدولي بالقرب من بغداد في مايو الماضي (أ.ف.ب)
TT

واشنطن وبغداد للتشديد على شراكة أبعد من مواجهة «داعش»

مروحية تابعة للتحالف الدولي بالقرب من بغداد في مايو الماضي (أ.ف.ب)
مروحية تابعة للتحالف الدولي بالقرب من بغداد في مايو الماضي (أ.ف.ب)

واصلت الولايات المتحدة والعراق حوارهما الاستراتيجي في دورته الرابعة، حيث شهدت جلسات بين وزيري خارجية البلدين أنتوني بلينكن وفؤاد حسين، ومسؤولين عراقيين عسكريين مع نظرائهم الأميركيين، وكذلك اجتماع لجنة التنسيق العليا بين البلدين. وأعاد الجانبان التأكيد على المبادئ التي اتفقا عليها في اتفاقية الإطار الاستراتيجي، بحسب بيان المتحدث باسم الخارجية الأميركي نيد برايس.
وأضاف برايس أن الوزير بلينكن شجع الحكومة العراقية على مواصلة الجهود الرامية لتلبية مطالب الشعب العراقي بالعدالة والإنصاف، كما أعرب عن دعمه لجهود العراق في مكافحة الفساد والإصلاح الاقتصادي، وكذلك لإجراء الانتخابات في وقت لاحق من هذا العام. وأكد بلينكن مرة أخرى أن الولايات المتحدة لا تزال ملتزمة بمساعدة حكومة العراق لتحقيق مستقبل آمن ومستقر ومزدهر. مراقبون اعتبروا تلك العناوين تلخيصاً لجدول الأعمال الذي سيناقشه رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي مع الرئيس الأميركي جو بايدن غداً، حيث يسعى إلى الحصول على مواقف سياسية داعمة له، قبيل استعداده للمواجهات السياسية التي تنتظره، على رأسها تحديد موعد «مبدئي» لسحب القوات الأميركية المقاتلة، وتمكينه من مواجهة ضغوط الميليشيات المدعومة من إيران، إلى الانتخابات المبكرة، ومواجهة الفساد، وإجراء إصلاحات واسعة.
بلينكن كان أعلن قبيل اجتماعه بنظيره العراقي أنه على الرغم من أن الشراكة الأميركية - العراقية هي الأقرب في الحرب ضد «داعش»، فإنها اليوم أعمق وأوسع بكثير من ذلك. وأضاف أن الولايات المتحدة تفتخر بقيادة الجهود الدولية لدعم إجراء الانتخابات العراقية في أكتوبر (تشرين الأول)، على أن تكون انتخابات حرة ونزيهة، حتى يتمكن الشعب العراقي من إسماع أصواته واختيار قادته. من ناحيته، قال الوزير العراقي فؤاد حسين إن القضاء على «داعش» يحتاج عملاً وتعاوناً دوليين، فهذا التنظيم محلي وفاعل داخل العراق، ولكنه أيضاً تنظيم إقليمي ودولي يعتمد على آيديولوجية دولية. وأضاف: «نحن بحاجة بالتالي إلى التعاون والعمل مع التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة ضد داعش وتبادل المعلومات معه ومع والعراق لهزيمة داعش». وقال إن العلاقة مع الولايات المتحدة ليست مجرد علاقات عسكرية، بل هي علاقات واسعة النطاق. وسنتعاون في المستقبل بشكل أوسع ضمن كثير من المجالات التي تم ذكرها، كما سيتم إجراء حوارات استراتيجية تعتمد على دفع هذه الجهود قدماً لتحسين حياة الناس ومستقبل العراق. ونشكر الولايات المتحدة على مساعدة العراق ودعمه في مجلس الأمن لتأمين الإجماع لدعم العراق وإرسال مراقبين لمراقبة الجهود الانتخابية التي تعد مهمة جداً لمستقبل العراق وشعب العراق والديمقراطية في البلاد.
وفي بيان لاحق، أعلن بلينكن أن الولايات المتحدة ستقدم مساعدة إنسانية إضافية بقيمة 155 مليون دولار، لشعب العراق واللاجئين العراقيين في المنطقة والمجتمعات التي تستضيفهم. وأضاف أنه مع هذا المبلغ الإضافي يصل الدعم الإنساني الأميركي إلى العراق من وزارة الخارجية والوكالة الأميركية للتنمية الدولية إلى أكثر من 200 مليون دولار حتى الآن في السنة المالية 2021. وقد قدمت الولايات المتحدة منذ السنة المالية 2014 أكثر من 3 مليارات دولار من المساعدات الإنسانية للعراق والعراقيين في المنطقة. ويوفر هذا التمويل المأوى الحاسم والرعاية الصحية الأساسية والمساعدة الغذائية الطارئة وخدمات الحماية، مثل الاستجابة للعنف القائم على النوع الاجتماعي وخدمات المياه والصرف الصحي والنظافة في مختلف أنحاء العراق. وستدعم البرامج التي تمولها الولايات المتحدة العراقيين النازحين بسبب «داعش»، إذ لا يزال كثير منهم يواجهون الصعوبات إثر وباء «كوفيد - 19»، ويتمثل هذا الدعم بتعزيز الوصول إلى التوثيق المدني والخدمات القانونية وتحسين قدرة مرافق الرعاية الصحية وزيادة الوصول إلى فرص التعليم وسبل العيش.
إلى ذلك، أكد اجتماع لجنة التنسيق العليا بين جمهورية العراق والولايات المتحدة اتساع نطاق الدعم الأميركي للعراق. وعدّد البيان المشترك القضايا التي تمت معالجتها، حيث أعلنا أنه في قطاع الصحة والوباء، تعهدت واشنطن تقديم 500 ألف جرعة من لقاح «فايزر» في إطار مبادرة «كوفاكس»، ومواصلة تدريب الأطقم الصحية والوقائية العراقية للتخفيف من المخاطر الصحية المرتبطة بالتجمعات الكبيرة وتحسين الوقاية من العدوى ومكافحتها وتعزيز الإدارة والتنسيق في الاستجابة لحالات الطوارئ الصحية العامة. كما تنوي الولايات المتحدة تقديم المساعدة الفنية في مجال الطاقة المتجددة والتكيف مع المناخ، ودعم جهود العراق للالتزام باتفاقية باريس للمناخ، عبر مساعدته للتخفيف من حرق الغاز وتطوير مبادرات الطاقة المتجددة والنظيفة والترويج للحفاظ على المياه. كما ناقش الطرفان سبل النهوض بمشاريع الطاقة الحيوية مع الشركات الأميركية وتسهيل التجارة في المنتجات الزراعية الأميركية، ومساعدة العراق في تنفيذ إصلاحات اقتصادية، واستثمار ما يصل إلى مليار دولار لتعزيز نشاط القطاع الخاص الذي يخلق الوظائف ويوفر الفرص للعراقيين. كما ناقش الوفدان كيفية مساعدة الولايات المتحدة للحكومة العراقية ودعمها لحماية المتظاهرين والنشطاء والنساء في الحياة العامة والصحافيين ومتابعة المساءلة القضائية عن الجرائم العنيفة ضد تلك الجماعات. وكانت الولايات المتحدة قدمت أخيراً لبعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) 9.7 مليون دولار للمساعدة الفنية ذات الصلة بالانتخابات. كما استعرضت خططاً لتقديم ما يصل إلى 5.2 مليون دولار إضافية لفريق مراقبة الانتخابات التابع للبعثة الأممية. كما اتفقت الدولتان على أن وجود فريق مراقبة تابع لبعثة «يونامي» وآخر تابع لبعثة الاتحاد الأوروبي يمثل جهداً صادقاً من المجتمع الدولي لدعم مطالبات الشعب العراقي بإجراء انتخابات حرة ونزيهة في أكتوبر. كما ناقش الوفدان المساعدات التعليمية الأميركية للجامعات العراقية غير الحكومية وغير الهادفة للربح. كما ستخصص واشنطن أموالاً لدعم ترميم الجامعات المدمرة في نينوى، وستطلق مبادرة متحف افتراضي جديد بالتعاون مع مجلس الدولة للآثار والتراث باسم «كنوز بلاد ما بين النهرين»، ما سيوصل التراث الثقافي العراقي الغني إلى الملايين عبر الإنترنت.



أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
TT

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)

قرب ركام مبنى ما زال الدخان يتصاعد منه في مدينة صور، تحمل عائلة حقائب وتصعد على سلم مظلم إلى شقة خُلعت أبوابها ونوافذها، ولا يوجد فيها ماء ولا كهرباء، بعد أن استهدف القصف الإسرائيلي البنى التحتية والطرق، إضافة إلى الأبنية والمنازل.

في اليوم الثاني من سريان وقف إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل، كانت مئات العائلات صباح الخميس تتفقّد منازلها في أحياء استهدفتها الغارات الإسرائيلية، وحوّلتها إلى منطقة منكوبة.

لم تسلم سوى غرفة الجلوس في شقة عائلة نجدة. تقول ربّة المنزل دنيا نجدة (33 عاماً)، وهي أم لطفلين، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، بينما تقف على شرفتها المطلة على دمار واسع: «لم نتوقّع دماراً إلى هذا الحدّ. رأينا الصور لكن وجدنا الواقع مغايراً وصعباً».

وغطّى الزجاج أسرّة أطفالها وألعابهم، في حين تناثرت قطع من إطارات النوافذ الحديدية في كل مكان. وتضيف دنيا نجدة: «عندما وصلنا، وجدنا الدخان يتصاعد من المكان، وبالكاد استطعنا معاينة المنزل».

على الشرفة ذاتها، يقف والد زوجها سليمان نجدة (60 عاماً)، ويقول: «نشكو من انقطاع المياه والكهرباء... حتى المولدات الخاصة لا تعمل بعد انقطاع خطوط الشبكات».

ويقول الرجل، الذي يملك استراحة على شاطئ صور، الوجهة السياحية التي تجذب السكان والأجانب: «صور ولبنان لا يستحقان ما حصل... لكن الله سيعوضنا، وستعود المدينة أفضل مما كانت عليه».

وتعرّضت صور خلال الشهرين الماضيين لضربات عدّة؛ دمّرت أو ألحقت أضراراً بمئات الوحدات السكنية والبنى التحتية، وقطعت أوصال المدينة.

وأنذرت إسرائيل، خلال الأسابيع القليلة الماضية، مراراً سكان أحياء بأكملها بإخلائها، ما أثار الرعب وجعل المدينة تفرغ من قاطنيها، الذين كان عددهم يتجاوز 120 ألفاً.

لن يحصل بنقرة

خلال جولة في المدينة؛ حيث تعمل آليات على رفع الردم من الطرق الرئيسة، يحصي رئيس بلدية صور واتحاد بلدياتها، حسن دبوق لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أكثر من 50 مبنى، مؤلفة من 3 إلى 12 طابقاً دُمّرت كلياً جراء الغارات الإسرائيلية»، غير تضرّر عشرات الأبنية في محيطها، بنسبة تصل إلى 60 في المائة. ويضيف: «يمكن القول إنه يكاد لم يبقَ أي منزل بمنأى عن الضرر».

وشهدت شوارع المدينة زحمة سير مع عودة المئات من السكان إلى أحيائهم، في حين أبقت المؤسسات والمحال التجارية والمطاعم أبوابها موصدة.

ويوضح دبوق: «يتفقّد السكان منازلهم خلال النهار، ثم يغادرون ليلاً بسبب انقطاع الماء عن أنحاء المدينة والكهرباء عن الأحياء التي تعرّضت لضربات إسرائيلية قاسية».

ويقول إن الأولوية اليوم «للإسراع في إعادة الخدمات إلى المدينة، وتأمين سُبل الحياة للمواطنين»، مقرّاً بأن ذلك «لن يحصل بنقرة، ويحتاج إلى تعاون» بين المؤسسات المعنية.

ويضيف: «من المهم أيضاً إزالة الردم لفتح الشوارع حتى يتمكّن الناس من العودة».

واستهدفت غارة إسرائيلية في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) شركة مياه صور، ما أسفر عن تدميرها، ومقتل موظفيْن، وانقطاع المياه عن 30 ألف مشترك في المدينة ومحيطها، وفق ما قال رئيس مصلحة مياه صور وليد بركات.

ودمّرت الغارة مضخّات المياه وشبكة الأنابيب المتفرّعة منها، وفق ما شاهد مراسلو «وكالة الصحافة الفرنسية»، الخميس، في إطار جولة نظمها «حزب الله» للصحافيين في عدد من أحياء المدينة.

وتحتاج إعادة بنائها إلى فترة تتراوح بين 3 و6 أشهر، وفق بركات، الذي قال إن العمل جارٍ لتوفير خيار مؤقت يزوّد السكان العائدين بالمياه.

ويقول بركات: «لا صواريخ هنا، ولا منصات لإطلاقها، إنها منشأة عامة حيوية استهدفها العدوان الإسرائيلي».

قهر ومسكّنات

بحزن شديد، يعاين أنس مدللي (40 عاماً)، الخيّاط السوري المُقيم في صور منذ 10 سنوات، الأضرار التي لحقت بمنزله جراء استهداف مبنى مجاور قبل ساعة من بدء سريان وقف إطلاق النار. كانت أكوام من الركام تقفل مدخل المبنى الذي تقع فيه الشقة.

ويقول بأسى: «بكيت من القهر... منذ يوم أمس، وأنا أتناول المسكنات جراء الصدمة. أنظر إلى ألعاب أولادي والدمار وأبكي».

وغابت الزحمة، الخميس، عن سوق السمك في ميناء المدينة القديمة، الذي كان يعجّ بالزبائن قبل الحرب، بينما المراكب راسية في المكان منذ أكثر من شهرين، وينتظر الصيادون معجزة تعيدهم إلى البحر لتوفير قوتهم.

بين هؤلاء مهدي إسطنبولي (37 عاماً)، الذي يروي أنه ورفاقه لم يبحروا للصيد منذ أن حظر الجيش اللبناني في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) حركة القوارب في المنطقة البحرية جنوب لبنان.

ويقول: «لم يسمح الجيش لنا بعد بالخروج إلى البحر حفاظاً على سلامتنا» باعتبار المنطقة «حدودية» مع إسرائيل.

ويقول إسطنبولي: «نراقب الوضع... وننتظر»، مضيفاً: «نحن خرجنا من أزمة، لكن الناس سيعانون الآن من أزمات نفسية» بعد توقف الحرب.

ويقول أب لأربعة أطفال: «أحياناً وأنا أجلس عند البحر، أسمع صوت الموج وأجفل... يتهيّأ لي أن الطيران يقصف. نعاني من الصدمة».