رحل عبد الرحمن رفيع وظلت قصائده تروي الحكايات

الشاعر البحريني الذي فر من مصيدة «الإخوان» وحزب «البعث» معا

عبد الرحمن رفيع
عبد الرحمن رفيع
TT

رحل عبد الرحمن رفيع وظلت قصائده تروي الحكايات

عبد الرحمن رفيع
عبد الرحمن رفيع

بعد معاناة طويلة مع المرض، أسلم الشاعر البحريني عبد الرحمن رفيع الروح، مساء أول من أمس، حيث كان طريح الفراش في المستشفى العسكري منذ منتصف ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي، ووري الثرى في مقبرة المنامة.
وعرف الراحل بشعره القريب من الفصحى والملتصق بالقرية، وأزقتها، وشخصياتها، مستحضرا رسالته التي يحملها ويتفانى من أجلها وهي الوصول للناس وإسعادهم.
لقد ظل رفيع إحدى أيقونات الزمن الجميل، وكانت قصائده ترمز للأيام الخوالي التي كانت تشع بعبق التراث، وتشدك كلماته وأشعاره إلى الحارة الخليجية حيث شخصيات الشاعر ما زالت طرية طيلة 60 عاما عبر شعره ومساجلاته وهو يحركها ويلاعبها بما يشبه المسرح الشعري المتقن الأداء. وبرع في نسج قصائد تشبه الحكايات الطريفة، المشبعة بالنقد الاجتماعي الساخر، التي تستلف لها من التراث الخليجي (البحريني تحديدا) جمالا ورونقا أخاذا، فراح ينسج منها الحكايات على هيئة قصائد شعبية ممسرحة، تروي جانبا من الحياة اليومية، وتؤدي عملا استعراضيا أبطاله شخصيات نسجها في قصائده. مستخدما لغة ترتقي على العامية، وهي دون الفصحى، يصطلح على تسميتها بـ«اللغة الوسطى»، كما قال ذات مرة لـ«الشرق الأوسط».
يشرح رفيع أسلوبه اللغوي، متحدثا لـ«الشرق الأوسط» (في حوار سابق)، بالقول: «ألتزم باللغة الثالثة التي يصفها توفيق الحكيم باللغة الوسطى، أحاول أن أستخدم كلمات متداولة ومفهومة، فلا أغوص في الأعماق الشعبية، ولكن أعتمد على لغة التخاطب المتداولة، اللغة البسيطة».
لقد تمتع بأسلوب شعري متميز، يعتمد على السماع أكثر من القراءة، وعلى طريقة الشاعر (الحكواتي) لكن هذا التلاقي والتطابق بين شخصية الشاعر والنص الشعري كان الحائل دون مزيد من الانتشار على الصعيد العربي، وفي لقائه القديم معي سألته عما يشعر إزاء ذلك، فقال: «مشكلة شعري أنه مسموع أكثر منه مقروء.. وهذه مشكلة العامية، فشعري يعتمد على الأذن، على طريقة الشعر القديم، عند العرب، في الجاهلية، حيث كانت الأذن سامعة والكتاب كانوا يعدون على الأصابع، فكان الإنسان العربي يعتمد على حاسة السمع».
على الرغم من أن عبد الرحمن رفيع، عرف كشاعر شعبي فإن قصائده التي نظمها باللغة الفصحى لا تقل أهمية عن عشرات القصائد العامية، ولعل قصيدته: من هنا الخليج. تعتبر واحدة من أكثر القصائد الفصيحة التي يعتز بها الشاعر. وجاء فيها:
من حقبة النفط، يصحو مرة أخرى
يثري الحياة، كما من نفطه أثرى
قفوا جميعا له، إن الخليج بدا
من الجهالة، من أسمالها، يعرى
خمسون عاما مضت،
شاد الأساس بها
واليوم ينهض، حتى يدخل العصرا
وقد لعبت الصدفة لعبتها في مسيرة عبد الرحمن رفيع، فهو نشأ في بيت ملتزم دينيا، وهذا قاده للتشبع بأوليات الثقافة الدينية، وتلقى تعليمه الأولي لدى مطوعة في الكتاتيب تعلمه القرآن الكريم لمدة 4 سنوات. لكن رجلا من جيرانه كان عائدا منتصف الخمسينات من دراسته في الجامعة الأميركية ببيروت، أهداه حزمة من كتب التراث العربي، أمثال: «الأغاني»، و«العقد الفريد»، و«البخلاء»، و«البيان والتبيين»، وغيرها.. هذه الكتب فتحت مداركه على التراث العربي وثرائه وتنوع مصادره، وكونت لديه أصول الحكاية ومداميك اللغة.
وفي المرحلة الثانوية تغير اتجاهه بعد أن تأثر بكتاب لطه حسين أهداه إياه مدير المدرسة وأستاذ اللغة العربية جواد الحبشي، وكان الكتاب يحمل اسم «حديث الأربعاء»، ومن خلال طه حسين قفز من مرحلة التراث لكتب المفكرين المعاصرين والذين يمثلون مرحلة النهضة الفكرية في العالم العربي، وهو يقول إن هذه المرحلة ساقته للاطلاع على مسرحيات شكسبير وغيرها.
على عكس جيله، لم يكن عبد الرحمن يميل رفيع للالتزام السياسي والأيديولوجي، فقد كاد التزامه الديني يسوقه لحضن جماعة الإخوان المسلمين، كما أن مرحلة دراسته الجامعية في القاهرة واحتكاكه بالتيارات القومية واليسارية آنذاك جعله قريبا لفترة من فكر حزب البعث، وعلى الرغم من أنه كما رفيقه غازي القصيبي فر من الانتماءات الحزبية، إلا أن تأثير تلك المرحلة كان جوهريا في حياته، فعلاقته بالتيارات السياسية والأحزاب فتحت مداركه لعالم أكثر اتساعا، وهو يقول عن الفترة التي أعقبت هذه المرحلة: «هنا بدأت أكتب القصيدة بمعناها الحقيقي».
كما هو معلوم، فإن عبد الرحمن رفيع لم يكمل دراسة الحقوق التي ابتعث من أجلها إلى القاهرة وأقفل عائدا إلى البحرين بعد 4 سنوات قضاها في كلية الحقوق، ليعمل معلما لمدة 7 سنوات، ثم انتقل إلى وزارة الدولة للشؤون القانونية حيث عمل فيها 5 سنوات، ثم إلى وزارة الإعلام (إدارة الإعلام والفنون)، ليعمل مراقبا للشؤون الثقافية حتى أحالته على التقاعد سنة 2003. وكانت لعبد الرحمن رفيع صداقة وطيدة مع الراحل الدكتور غازي القصيبي منذ الخمسينات حين كان القصيبي مقيما مع أسرته في البحرين، وقد بدأت هذه العلاقة وهما في الصف الأول ثانوي وامتدت حتى وفاة القصيبي، والواضح أنهما تزاملا سويا في الدراسة الجامعية في القاهرة، خلال مدة 5 سنوات التي أقام فيها رفيع في القاهرة لدراسة المرحلة الثانوية ودراسة الحقوق بجامعة القاهرة، قبل أن يقطع دراسته في السنة الثالثة ويقفل عائدا للبحرين. وهو رثى القصيبي في قصيدة من أبياتها:
سأكتب عنه اليوم كي أظهر الفضلا
ومن ذا الذي في فضله يدعي الجهلا
سأكتب عن غازي فتى الشعر هائما
بحب (أوال) ينشد البحر والنخلا
ستبقى على ثغر الزمان رواية
وتبلى الليالي الفانيات ولا تبلى
في مساجلاته المتكررة مع غازي القصيبي يروي عبد الرحمن رفيع أنه تحدى صديقه القديم أن يأتيه بقصيدة في الأدب العربية تنتهي بتاء مفتوحة.. وبعد طول بحث عجز القصيبي أن يأتيه (كما يقول) بتلك القصيدة، لكن رفيع استخرج له قصيدة نظمها في الرباط في أغسطس (آب) 1993، يقول فيها:
أحورا ما أراه أم بناتا
فلم أر قبل حسنهم بتاتا
إذا قاموا لمشي أو لرقص
تفتت منهم قلبي فتاتا
وبات الليل يشكو من هواهم
ولم يك قبل ذلك قط باتا
لقد ذبحوا فؤادي ذبح شاة
فرفقا بي فقلبي ليس شاتا
رأيتهمو فنحت على شبابي
وسيف في قد عشق السباتا
وقلت من التحسر ليت شعري
لقد ذهب الزمان بنا وفاتا
أطلعهم فأدعوهم بكفي
كما يدعو الكبار الطفل (تا تا)
ألا ليت الشباب يعود يوما
ولكن الشباب اليوم ماتا
في مسيرة عبد الرحمن محمد رفيع الشعرية نحو 9 مجموعات شعر فصيحة وعامية، أهمها: «أغاني البحار الأربعة» 1971، «الدوران حول البعيد» 1979، «ويسألني» 1981، «ولها ضحك الورد»، «ديوان الشعر الشعبي» 1981، «ديوان الشعر العربي»، «أولها كلام» 1991.
كذلك كتب عبد الرحمن رفيع مسرحية «زمان البطيخ» التي قدمها نادي الاتحاد الشعبي أوائل السبعينات، كما كتب أغاني مسرحية «عامر والقرد» من إخراج قحطان القحطاني والتي أديت على مسرح أوال في السبعينات كأول مسرحية أطفال في البحرين، وكانت له تجربة في الدراما، حيث كتب مقدمة مسلسل «عجايب الزمان» لتلفزيون البحرين ومن إنتاج حمد الشهابي.



غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر
TT

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

تشهد منطقة الباحة، جنوب السعودية، انطلاقة الملتقى الأول للأدب الساخر، الذي يبدأ في الفترة من 22-24 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وينظمه نادي الباحة الأدبي.

وأوضح رئيس النادي، الشاعر حسن الزهراني، أن محاور الملتقى تتناول «الأدب الساخر: المفهوم، والدلالات، والمصادر»، و«الاتجاهات الموضوعية للأدب الساخر، والخصائص الفنية للأدب الساخر في المملكة»، وكذلك «مستويات التأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظيراتها العربية»، و«حضور الأدب الساخر في الصحافة المحلية قديماً وحديثاً»، و«أثر القوالب التقنية الحديثة ومواقع التواصل في نشوء أشكال جديدة من الأدب الساخر محلياً»، و«سيميائية الصورة الصامتة في الكاريكاتير الساخر محلياً».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وشارك في صياغة محاور الملتقى لجنة استشارية تضم: الدكتور عبد الله الحيدري، والدكتور ماهر الرحيلي، والقاص محمد الراشدي، ورسام الكاريكاتير أيمن يعن الله الغامدي.

وكشف الزهراني أن النادي تلقى ما يزيد على 40 موضوعاً للمشاركة في الملتقى، وأقرت اللجنة 27 بحثاً تشمل؛ ورقة للدكتورة دلال بندر، بعنوان «حمزة شحاتة... الأديب الجاد ساخراً»، والدكتور محمد الخضير، بعنوان «الخصائص الفنية في الأدب الساخر عند حسن السبع في ديوانه ركلات ترجيح - دراسة بلاغية نقدية»، والدكتور صالح الحربي، بعنوان «المجنون ناقداً... النقد الأدبي في عصفورية القصيبي»، والدكتور عادل خميس الزهراني، بعنوان «الصياد في كمينه: صورة الحكيم في النكت الشعبية بمواقع التواصل الاجتماعي»، والدكتور حسن مشهور، بعنوان «الكتابة الساخرة وامتداداتها الأدبية... انتقال الأثر من عمومية الثقافة لخصوصيتها السعودية»، والدكتورة بسمة القثامي، بعنوان «السخرية في السيرة الذاتية السعودية»، والدكتورة كوثر القاضي، بعنوان «الشعر الحلمنتيشي: النشأة الحجازية وتطور المفهوم عند ابن البلد: أحمد قنديل»، والدكتور يوسف العارف، بعنوان «الأدب الساخر في المقالة الصحفية السعودية... الكاتبة ريهام زامكة أنموذجاً»، والدكتور سعد الرفاعي، بعنوان «المقالة الساخرة في الصحافة السعودية... الحربي الرطيان والسحيمي نموذجاً»، والدكتور عمر المحمود، بعنوان «الأدب الساخر: بين التباس المصطلح وخصوصية التوظيف»، والدكتور ماجد الزهراني، بعنوان «المبدع ساخراً من النقاد... المسكوت عنه في السرد السعودي»، والمسرحي محمد ربيع الغامدي، بعنوان «تقييد أوابد السخرية كتاب: حدثتني سعدى عن رفعة مثالاً»، والدكتورة سميرة الزهراني، بعنوان «الأدب الساخر بين النقد والكتابة الإبداعية... محمد الراشدي أنموذجاً». والدكتور سلطان الخرعان، بعنوان «ملخص خطاب السخرية عند غازي القصيبي: رؤية سردية»، والدكتور محمد علي الزهراني، بعنوان «انفتاح الدلالة السيميائية للصورة الساخرة... الرسم الكاريكاتوري المصاحب لكوفيد-19 نموذجاً»، والكاتب نايف كريري، بعنوان «حضور الأدب الساخر في كتابات علي العمير الصحافية»، والدكتور عبد الله إبراهيم الزهراني، بعنوان «توظيف المثل في مقالات مشعل السديري الساخرة»، والكاتب مشعل الحارثي، بعنوان «الوجه الساخر لغازي القصيبي»، والكاتبة أمل المنتشري، بعنوان «موضوعات المقالة الساخرة وتقنياتها عند غازي القصيبي»، والدكتور معجب الزهراني، بعنوان «الجنون حجاباً وخطاباً: قراءة في رواية العصفورية لغازي القصيبي»، والدكتور محمد سالم الغامدي، بعنوان «مستويات الأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظرياتها العربية»، والدكتورة هند المطيري، بعنوان «السخرية في إخوانيات الأدباء والوزراء السعوديين: نماذج مختارة»، والدكتور صالح معيض الغامدي، بعنوان «السخرية وسيلة للنقد الاجتماعي في مقامات محمد علي قرامي»، والدكتور فهد الشريف بعنوان «أحمد العرفج... ساخر زمانه»، والدكتور عبد الله الحيدري، بعنوان «حسين سرحان (1332-1413هـ) ساخراً»، ويقدم الرسام أيمن الغامدي ورقة بعنوان «فن الكاريكاتير»، والدكتور يحيى عبد الهادي العبد اللطيف، بعنوان «مفهوم السخرية وتمثلها في الأجناس الأدبية».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وخصص نادي الباحة الأدبي جلسة شهادات للمبدعين في هذا المجال، وهما الكاتبان محمد الراشدي، وعلي الرباعي، وأعدّ فيلماً مرئياً عن رسوم الكاريكاتير الساخرة.

ولفت إلى تدشين النادي 4 كتب تمت طباعتها بشكل خاص للملتقى، وهي: «معجم الأدباء السعوديين»، للدكتورين عبد الله الحيدري وماهر الرحيلي، وكتاب «سامحونا... مقالات سعد الثوعي الساخرة»، للشاعرة خديجة السيد، وكتاب «السخرية في أدب علي العمير» للدكتور مرعي الوادعي، و«السخرية في روايات غازي القصيبي» للباحثة أسماء محمد صالح.