«المؤتمر الوطني» بعد أحداث جنوب أفريقيا

«المؤتمر الوطني» بعد أحداث جنوب أفريقيا
TT

«المؤتمر الوطني» بعد أحداث جنوب أفريقيا

«المؤتمر الوطني» بعد أحداث جنوب أفريقيا

انحسرت أعمال العنف التي شهدها إقليم كوازولو - ناتال الجنوب أفريقي بعد أن حصدت أرواح أكثر من ثلاثمائة قتيل، وتسببت في خسائر تفوق المليار دولار، وطرحت أسئلة حول مستقبل حُكم «المؤتمر الوطني الأفريقي» ونهجه الاقتصادي - الاجتماعي.
حافز العنف، كما بات معروفاً، هو تسليم الرئيس السابق جاكوب زوما نفسه إلى الشرطة لتنفيذ حكم قضى بسجنه 15 شهراً إثر إدانته بإهانة المحكمة برفضه الإدلاء بشهادته أمام «لجنة زوندو» التي تحقق في تهم فساد واستيلاء على أملاك عامة موجهة إلى زوما الشخصية المثيرة للجدل. وزوما هو من طلب تشكيل اللجنة التي يترأسها القاضي رايموند زوندو في 2018 بعد نشر الاتهامات ضده، في إطار فضيحة كانت قد أفضت إلى سحب «المؤتمر الوطني الأفريقي» دعمه له، وإرغامه على الاستقالة في فبراير (شباط) من السنة ذاتها.
وعلى غرار باقي القادة التاريخيين للمؤتمر الوطني، ثمة تداخل بين سيرة زوما والمسار الذي سلكه بلده للانتقال من نظام الفصل العنصري الذي ساد بين 1948 و1994 إلى الدولة الديمقراطية التعددية أو «أمة قوس قزح»، كما يسميها الجنوب أفريقيون. فمن طفل أمي في شوارع بلدة نكاندلا في إقليم ناتال إلى مشارك لنيلسون مانديلا في تأسيس «رمح الأمة»، الجناح العسكري لـ«المؤتمر الوطني»، إلى قيادة جهاز استخبارات المؤتمر وقضاء سنوات في سجن جزيرة روبن مع مانديلا، في طريق طويل تابعه بالانتقال إلى موزمبيق، حيث أشرف على تدريب وقيادة مقاتلي المؤتمر، قبل أن يضطر إلى مغادرة موزمبيق إلى زامبيا، ليعود من هناك إلى جنوب أفريقيا.
وفي غضون ذلك، انضم إلى الحزب الشيوعي لجنوب أفريقيا، حيث أصبح عضواً في مكتبه السياسي، قبل أن يتركه في عام 1990. ووسط كل ذلك، عاش الرجل حياة خاصة عاصفة بالزيجات والأبناء والصداقات، وتكوين العداوات، بطبيعة الحال.
لذلك، لم يكن غريباً أن يحظى الرجل بشعبية واسعة في مسقط رأسه كوازولو - ناتال، وأن يشكل الحكم عليه اختباراً للحكم الديمقراطي في كيب تاون الذي تعرض لأسوأ ضغط من الشارع منذ نهاية نظام الأبارتهايد.
الأسباب التقليدية التي تُفسر بها الأحداث المشابهة في كثير من بلدان العالم حاضرة أيضاً بقوة في الاضطرابات العنيفة في جنوب أفريقيا: الفساد والبطالة التي تشمل 74 في المائة من الشباب، و37 في المائة من إجمالي اليد العاملة، والآثار المدمرة التي تركها تفشي مرض «كوفيد - 19» على البلاد التي طبقت نظام إغلاق محكم أدى إلى خسارة صغار الكسبة قدرتهم على تحصيل قوتهم. وغني عن البيان أن انتشار العصابات المسلحة التي كانت تشكل جزءاً من المشهد العام في جنوب أفريقيا منذ عقود ساهم في إضفاء السمة الدموية على عمليات النهب واسعة النطاق، حيث سقط برصاص الشرطة، كما بسلاح المجرمين العاديين، عشرات الأشخاص. وقد اتخذ العنف طابعاً فئوياً، حيث ذكرت معلومات صحافية أن بعض أصحاب المتاجر من أصول هندية استخدموا السلاح في أثناء محاولاتهم منع السطو على ممتلكاتهم من قبل مهاجمين أكثرهم من السود.
المسار شديد التعرج الذي اتخذته جنوب أفريقيا في محاولة الحزب الحاكم الحفاظ على توازن دقيق بين السلام والعدالة، بين الاعتراف بخصوصيات ألوان «قوس قزح» من بيض وسود ومن أصول جنوب آسيوية ومولدين من كل هذه الأعراق، وبين رفع الظلم التاريخي اللاحق بالأكثرية السوداء، لم يكن سهلاً، وترك جروحاً عميقة على عملية بناء المؤسسات، وعلى توزيع الثروة التي ما زال 70 في المائة منها بين أيدي الأقلية البيضاء. محاولات نقل ملكية المزارع من البيض إلى السود، على سبيل المثال، لقيت استنكاراً غربياً، كان ذروته تنديد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب.
يضاف إلى ذلك أن نخب «المؤتمر الوطني» التي خاضت النضال على امتداد عقود بدأت تشيخ وتترهل، وتحل مكانها قوى ترغب في الاستفادة من امتيازات الحزب الحاكم، ولو على حساب برنامج الحزب المعلن، ومقررات مؤتمراته التي تؤكد على استمرار العمل من أجل العدالة الاجتماعية.
وقد انعكس هذا على النتائج التي حققها «المؤتمر» في انتخابات 2019، حيث انخفضت نسبة المقترعين لمصلحته إلى 57.5 في المائة، بعدما كانت 69.69 في المائة في انتخابات 2004 على سبيل المثال. ولا شك أن تعثر حل مشكلات البطالة والفساد والفقر يشكل السبب الأبرز في هذا التقلص في شعبية «المؤتمر». وعليه، يرى مراقبون أن ما جرى بين التاسع والسابع عشر من يوليو (تموز) مرشح للتكرار، والأهم أنه يعكس امتعاض بعض أوساط الحزب الحاكم من سياسة الرئيس الحالي سيريل رامافوزا. ولا يستبعد عدد من الكتاب المتخصصين في جنوب أفريقيا خروج عدد من قيادات «المؤتمر» من صفوفه، وتشكيل حزب جديد معارض، خصوصاً أن الطيف العريض من القوى التي انضوت تحت راية «المؤتمر» التاريخي للتخلص من النظام العنصري قد تضاءلت عناصر لحمته، وبات افتراقه ممكناً.



جرائم العنف الأسري تحصد امرأة كل 10 دقائق في العالم

نساء يشاركن في احتجاج لإحياء اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة أمام بوابة براندنبورغ ببرلين (أ.ب)
نساء يشاركن في احتجاج لإحياء اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة أمام بوابة براندنبورغ ببرلين (أ.ب)
TT

جرائم العنف الأسري تحصد امرأة كل 10 دقائق في العالم

نساء يشاركن في احتجاج لإحياء اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة أمام بوابة براندنبورغ ببرلين (أ.ب)
نساء يشاركن في احتجاج لإحياء اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة أمام بوابة براندنبورغ ببرلين (أ.ب)

قُتلت 85 ألف امرأة وفتاة على الأقل عن سابق تصميم في مختلف أنحاء العالم عام 2023، معظمهن بأيدي أفراد عائلاتهنّ، وفقاً لإحصاءات نشرتها، (الاثنين)، الأمم المتحدة التي رأت أن بلوغ جرائم قتل النساء «التي كان يمكن تفاديها» هذا المستوى «يُنذر بالخطر».

ولاحظ تقرير لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة في فيينا، وهيئة الأمم المتحدة للمرأة في نيويورك أن «المنزل يظل المكان الأكثر خطورة» للنساء، إذ إن 60 في المائة من الـ85 ألفاً اللاتي قُتلن عام 2023، أي بمعدّل 140 كل يوم أو واحدة كل عشر دقائق، وقعن ضحايا «لأزواجهن أو أفراد آخرين من أسرهنّ».

وأفاد التقرير بأن هذه الظاهرة «عابرة للحدود، وتؤثر على كل الفئات الاجتماعية والمجموعات العمرية»، مشيراً إلى أن مناطق البحر الكاريبي وأميركا الوسطى وأفريقيا هي الأكثر تضرراً، تليها آسيا.

وفي قارتَي أميركا وأوروبا، يكون وراء غالبية جرائم قتل النساء شركاء حياتهنّ، في حين يكون قتلتهنّ في معظم الأحيان في بقية أنحاء العالم أفرادا من عائلاتهنّ.

وأبلغت كثيرات من الضحايا قبل مقتلهنّ عن تعرضهنّ للعنف الجسدي أو الجنسي أو النفسي، وفق بيانات متوافرة في بعض البلدان. ورأى التقرير أن «تجنّب كثير من جرائم القتل كان ممكناً»، من خلال «تدابير وأوامر قضائية زجرية» مثلاً.

وفي المناطق التي يمكن فيها تحديد اتجاه، بقي معدل قتل الإناث مستقراً، أو انخفض بشكل طفيف فقط منذ عام 2010، ما يدل على أن هذا الشكل من العنف «متجذر في الممارسات والقواعد» الاجتماعية ويصعب القضاء عليه، بحسب مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، الذي أجرى تحليلاً للأرقام التي استقاها التقرير من 107 دول.

ورغم الجهود المبذولة في كثير من الدول فإنه «لا تزال جرائم قتل النساء عند مستوى ينذر بالخطر»، وفق التقرير. لكنّ بياناً صحافياً نقل عن المديرة التنفيذية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة، شدّد على أن هذا الواقع «ليس قدراً محتوماً»، وأن على الدول تعزيز ترسانتها التشريعية، وتحسين عملية جمع البيانات.