سميرة سعيد... لن تسمح للزمن بتجاوزها

أربع أغنيات صدرت حتى الآن من ألبوم سميرة سعيد المرتقب، «إنسان آلي»؛ أقوى ما فيها إطلالات الفنانة الصاخبة. جديدها، فيديو كليب أغنية «مون شيري» الواثق من تجدده. لا تضيع وقتها ولا تسمح للزمن بتجاوزها. تلعب وإياه لعبة المطاردة المحسومة. إن حاول إزاحتها إلى الوراء، لقنته درساً عنوانه قدرتها السحرية على التكيف. فهي ابنة جيل قد لا يستسهل الاندماج في العصر، ولا الإمضاء بخط اليد على شروطه وأحكامه؛ مع ذلك ترفض الهوامش وتحجز مكانها في الوسط. لا بل تمد قدميها، مطمئنة إلى أن المكان لها، وهي ملكتُه، لا تتهاون مع التجديد، بارعة في إخراج المفاجآت من جيبها.
حين غنت «يوم ورا يوم» في عام 2002، لم يكن العالم قد ابتل بزخات «السوشيال ميديا». وحين قدمت «هوا هوا» في عام 2015، كانت قد صقلت بشجاعة فنانة مستعدة للمخاطرة وواثقة من نتائجها. حجزت موقعها في الصفوف الأولى حيث يجلس المُجددون تحت الضوء. ترسّخت الأغنيتان كـ«ترند»، ولم يكن هذا المفهوم رائجاً بمعنى جنون الانتشار والنجاح الساحق. إلى أن أطلت في يناير (كانون الثاني) هذا العام، بملاقط على ثيابها وشباب متقد! تأكدنا أن سميرة سعيد انتقلت من التقليدي إلى المودرن. ومن «مش حتنازل عنك أبداً» إلى الـ«Boom». يودع ألبومها الجديد، بأغنياته الأربع الصادرة، مغنيته بنسختها القديمة ويرحب بها في عالم الـ«Hit» حيث «اللوك» أيضاً سيد الموقف.
«مون شيري» ذروة التجديد بالمضمون والشكل. تُخرجها كبطاقة تعريف تؤكد انتماءها الكلي إلى روح العصر. خمسة يفتحون أمام سميرة سعيد صفحة جديدة: الكاتب محمد القياتي، والملحن بلال سرور، والموزع هاني يعقوب، والمخرج نضال هاني، وهي نفسها. للتوضيح، فإن الأغنية ليست «قوية» بمعنى الغناء البديع اللامع، العميق بالبُعد و«الثقل»، «قوتها» في «تنفيذ أوامر» صاحبتها، فهي تستجيب تماماً لرغبتها في كسر المألوف وإكثار الأصابع الدالة على فرادتها و«جنونها». «رأس المجنون لا يعتريه شيب»، يقول المثل الألماني.
لا تكبر سميرة سعيد إلا بالسنوات. يزورها العُمر، فتستضيفه على فنجان قهوة، ثم تودعه على الباب، «لا مين شاف ولا مين دري». الشباب هو الداخل، هو الأعماق الخلاقة. في المرء مرايا، بإمكانه وحده تلميعها لتخرج الصورة الفضلى منها. يطل من خلفها العُمر ويحاول تصدر المشهد. تصده بجوارح ممتلئة بالحياة، ونظرة مستقبلية ثاقبة. تروض وَقْع أضراسه على لحمها وتضبط شراهته. العُمر نزهة على أرصفتها. حقبة السبعينات في كليب «مون شيري» البسيط. فنانة من المغرب بأغنية عربية مُنكهة بالفرنسية والإنجليزية، على إيقاعات تُحمس على الرقص. كل ما في الأمر أن أنثى جميلة تقود بحُسنها ودلعها سيارة الأيام الفائتة، وتغني لـ«شيري» مع امتنان: «الدنيا إدتني كادو». و«أهلاً welcome hello»، و«أُمال الحب ماله، ما هو حلو أهو». ثم تُبورد بالعصائر؛ وتبقى تسريحة الشعر طاغية، بتموجها وخصوصيتها، كشكل النظارتين باللون الأحمر مع كفين أبيضين وفستان أخضر منقط، «خد قلبي أهو، إنت وأي حد غيرك إنت no».
دلع ذكي، يقيس بدقة حرارة الجو. لا يشبع الصيف من فن الـ«Hit» الموجود على رأس أولويات الفنانين، وعلينا الاعتراف به. تُنوع سميرة سعيد حتى لا تُتهم بـ«الخفة». فـ«مون شيري» لمن يهوى هذا الصنف، و«متاهة» مثلاً لهواة المزاج الآخر. تحمي نفسها من وصمة انحدار تلاحق مُجددين لا يجيدون تجنب الفارق بين الإبداع والابتذال. تُجدد بلغة العصر وصورته، مع انتباه إلى الألغام بين خطواتها. تُحسن القفز فوقها والبقاء في الأماكن الآمنة. فإن خطر على بال منتقد تصويب السهم في اتجاه «هتاتها»، آخرها «مون شيري»، لصدت وردت: الألبوم لكل الأذواق. هناك «بحب معاك»، و«الساعة اتنين بالليل» و«متاهة»، والآتي على الطريق. اختر ما شئت. الغناء مزاج.
تجمع الأغنيات صيحة الموضة. تطل في «بحب معاك» بالأبيض والكاراميل الفاخر، حيث الصقيع خارجي لا يجرؤ على خربطة دفئها. أصدرتها في الشتاء، مع بدايات السنة الجديدة، لعلها تكون ناصعة، تعود على حقولها بالخير. ثم أتبعتها بـ«متاهة» في مارس (آذار)، فأطلت بجرأة الأسود، وهو يفترسها بالكامل، وصولاً إلى أحمر شفاهها. بدت فاتنة بالشعر الأملس المتطاير، إلى أن أطلت بالضد تماماً: الأبيض الشجاع، قاهر ضبابية المرأة والمتغلب على ترددها. نقيضان في الأغنية، بطلهما «اللوك» ودلالاته. لا استهانة بأحمر الشفاه؛ وسميرة سعيد تلعبه «اللقيطة»: مرة أسود ومرة أحمر، «وبرمي اللوم على الحب اللي دمرنا».
الكاوبوي في كليب «الساعة اتنين بالليل» (أصدرته قبل شهر تقريباً)، استمرار رحلة التجديد بقيادة الديفا. إطلالتان بدل الواحدة: بالقبعة السوداء والجينز والشعر المجدول، ثم بالأبيض من الرأس إلى القدمين، ويبدو أن علاقتها بلون النقاء ليست عابرة. يلتقي الابتكار الخارجي بابتكار في المحتوى، فالأغنية جديدة على الأذن، وهي حال مَن لا يمر عليهم الليل من دون استنهاض الحسرات، فتتضخم وحدتهم ويحارون بمَن يستنجدون، وفي النهاية: «الميزة تصاحب نفسك، تزعل تفرح مع نفسك». «خطيرة» سميرة سعيد. «خطرُها» اتساع روحها.