لماذا تخلت الصين عن «وهم تغيير النظام» السوري؟

الرئيس بشار الأسد مستقبلاً وزير الخارجية الصيني وانغ يى في دمشق 17 الشهر الجاري (أ.ف.ب)
الرئيس بشار الأسد مستقبلاً وزير الخارجية الصيني وانغ يى في دمشق 17 الشهر الجاري (أ.ف.ب)
TT

لماذا تخلت الصين عن «وهم تغيير النظام» السوري؟

الرئيس بشار الأسد مستقبلاً وزير الخارجية الصيني وانغ يى في دمشق 17 الشهر الجاري (أ.ف.ب)
الرئيس بشار الأسد مستقبلاً وزير الخارجية الصيني وانغ يى في دمشق 17 الشهر الجاري (أ.ف.ب)

الخطة التي حملها وزير الخارجية الصيني وانغ يى، إلى الرئيس بشار الأسد في 17 الجاري، كانت الثالثة التي تقدمها بكين في العقد الأخير من الحرب السورية، وتعكس التدرج في خفض السقف السياسي للدولة الصاعدة في العالم من الحديث عن «هيئة حكم انتقالية» في 2012 إلى الدعوة إلى ضرورة «التخلي عن وهم تغيير النظام» السوري في 2021. وهي بذلك، تواكب التغييرات الكبرى في الميدان والمنطقة ومواقف الدول المنخرطة في الأزمة السورية.
فبعد مرور سنة على بدء الاحتجاجات، قدمت الصين في مارس (آذار) 2012 أول مبادرة سياسية، نقلها إلى وزير الخارجية الراحل وليد المعلم، المبعوث لي هوا شين من نظيره الصيني يانغ جيتشي، وتضمنت: «الوقف الفوري والشامل وغير المشروط لكل أعمال العنف من الحكومة السورية والأطراف المعنية، وإطلاق فوري لحوار سياسي شامل، من دون شروط مسبقة ولا حكم مسبق، بين الحكومة السورية ومختلف الأطراف تحت الوساطة النزيهة للمبعوث الأممي كوفي عنان»، إضافةً إلى «دور قيادي للأمم المتحدة في تنسيق جهود الإغاثة الإنسانية»، و«احترام سيادة سوريا»، و«رفض التدخل العسكري»، و«التزام مبادئ ميثاق الأمم المتحدة».
أما المبادرة الصينية الثانية، فجاءت لدى حضور وزير الخارجية يانغ جيتشي، اجتماعاً دولياً - إقليمياً أسفر عن «بيان جنيف» في يونيو (حزيران) 2012، الذي أقر تشكيل «هيئة حكم انتقالية» في سوريا. وركز الوزير الصيني في حينه على أربع نقاط هي: «أولاً، التمسك بالاتجاه الصحيح للحل السياسي عبر الحوار السياسي الواقعي. ثانياً، الدعم القوي لجهود الوساطة للمبعوث الخاص كوفي عنان. ثالثاً، احترام الخيار المستقل للشعب السوري. رابعاً، (المزاوجة بين) إلحاح الحل السياسي للمسألة السورية والتحلي بالصبر». وطوّرت بكين هذه الأفكار إلى مبادرة رباعية النقاط، قُدمت في نوفمبر (تشرين الثاني) 2012، ونصّت على «أولاً، وقف العنف بصورة تدريجية، والتعاون مع جهود (المبعوث الجديد الأخضر) الإبراهيمي. وثانياً، يعين كل طرف مفوضين عنه يتولون معاً، بمساعدة الإبراهيمي ومنظمات المجتمع الدولي المعنية، وضع خريطة طريق للانتقال السياسي، عبر مشاورات مكثفة يقوم بها مجلس انتقالي يضم أكبر نسبة ممكنة من الأطراف المتنازعة. ثالثاً، دعم جهود الإبراهيمي لإحراز تقدم حقيقي في تنفيذ بيان مؤتمر جنيف. رابعاً، دعوة جميع الأطراف لاتخاذ خطوات ملموسة لتخفيف المعاناة الإنسانية في سوريا».
تزامن قبول بكين فكرة «الانتقال السياسي» مع استقبال شخصيات سورية معارضة بينهم عبد العزيز الخير، القيادي في «هيئة التنسيق» والمختفي منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2012، ولقاءات صينية رفيعة مع المبعوثين الأمميين مع استمرار اللقاءات مع ممثلي الحكومة بينهم المستشارة الرئاسية بثينة شعبان، واعتماد عماد مصطفى سفيراً في بكين بعد سحبه من واشنطن.
وبعد غياب سياسي رفيع، لعشر سنوات عن سوريا واستخدام حق النقض (فيتو) لمرات غير مسبوقة في تاريخ الصين في مجلس الأمن، إلى جانب الحليف الروسي، زار وزير الخارجية وانغ يى، دمشق قبل أيام، والتقى في خطوة رمزية الرئيس الأسد بعد أدائه القسم لولاية رئاسية رابعة، وقدم خطته الرباعية الجديدة التي نصّت على: «أولاً، احترام سيادة سوريا الوطنية وسلامتها الإقليمية، واحترام الخيار الذي ارتضاه الشعب السوري، والتخلي عن وهم تغيير النظام، والسماح للشعب السوري بتقرير مستقبله ومصير بلاده بصورة مستقلة. ثانياً، منح الأولوية لمصلحة وازدهار الشعب السوري، كما ينبغي تسريع عملية إعادة الإعمار (...) والرفع الفوري لكل العقوبات أحادية الجانب، ووقف الحصار الاقتصادي المفروض على سوريا. ثالثاً، يتعين التمسك بموقف ثابت حول مكافحة الإرهاب بشكل فعال. وترى الصين أنه يتعين القضاء على كل المنظمات الإرهابية المدرجة على قائمة مجلس الأمن الدولي، مع رفض واضح للمعايير المزدوجة. رابعاً، تشجيع التوصل إلى حل سياسي شامل ومصالحة للقضية السورية، عبر تسوية بقيادة سورية وجبر الخلافات بين جميع الفصائل».
لكن لماذا تخلت بكين عن «وهم تغيير النظام»؟ أمور كثيرة دفعت الصين للعودة السياسية إلى سوريا، بينها التغيرات في الميدان واستقرار سوريا على ثلاث «مناطق نفوذ» وتدخل من جيوش خمس دول، والقلق من انهيار «الدولة السورية» وحصول فوضى وتفاقم الأزمة الاقتصادية والمعيشية، وتنامي دور «الجيش الإسلامي التركستاني» الذي يضم نحو 2500 مقاتل من «الإيغور» الصينيين، الذي ينتشرون شمال غربي سوريا قرب قاعدة حميميم الروسية، واحتمال عودة دورهم في الصين وآسيا، خصوصاً بعد الانسحاب الأميركي من أفغانستان وتصاعد التوتر الغربي - الصيني.
يضاف إلى ذلك تراجع دور أميركا في المنطقة، واحتمال انسحابها من العراق وسوريا، فضلاً عن رغبة الصين في البناء على مذكرة التفاهم الاستراتيجية التي وقّعتها مع إيران، التي تضمنت جوانب عسكرية واقتصادية وسياسية، والتعاون في مجالات الإعمار وخطوط الحديد والنفط والموانئ، وبينها إعادة إعمار سوريا وأفغانستان.
ولا شك في أن الجانب السوري يراهن على الدور الصيني و«التوجه شرقاً»، خصوصاً في مجال الإعمار، بسبب استمرار العقوبات الأميركية والأوروبية، وتنامي الأزمات الاقتصادية في سوريا. لكنّ ذلك يطرح أسئلة كثيرة: هل تقبل روسيا أو إيران بدور اقتصادي للصين وقيامها بـ«الهندسة الاجتماعية» في سوريا بعد التدخل العسكري لطهران منذ 2013 ولموسكو منذ 2015؟ هل تستطيع الصين القيام بدور اقتصادي وسياسي حقيقي من دون أدوات عسكرية لديها أو مغامرات عسكرية في هذه المنطقة؟ وإلى أي حد تقبل الشركات الصينية الإقبال على عقود في «سوريا الصغيرة» والتخلي عن أسواق عالمية محكومة بشروط العقوبات الغربية و«قانون قيصر»؟ هل تعبر الصين في حقل الألغام السوري بانحيازها فقط لموقف دمشق، من دون مراعاة مواقف اللاعبين الآخرين؟ هل تضم بكين، سوريا إلى مبادرة «الحزام»؟ وهل كتبت بكين النقاط الأربع الجديدة بحبر مختلف عن النقاط الأربع القديمة قبل عشر سنوات؟



مصر والكويت لتعميق التعاون وزيادة التنسيق الإقليمي

وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)
TT

مصر والكويت لتعميق التعاون وزيادة التنسيق الإقليمي

وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)

أكدت مصر خلال زيارة وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي للكويت، على دعم القاهرة الكامل للأمن الخليجي بوصفه جزءاً لا يتجزأ من الأمن القومي المصري، وسط لقاءات ومباحثات تناولت مجالات التعاون، لا سيما الأمني والعسكري لمواجهة التحديات الأمنية المختلفة.

تلك الزيارة، بحسب خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، تأتي تأكيداً على مساعي مصر والكويت لتعميق التعاون وزيادة التنسيق الإقليمي بوتيرة أكبر ونشاط أوسع، خصوصاً في ضوء علاقات البلدين التاريخية، وكذلك حجم الاستثمارات بين البلدين الكبيرة، مشددين على أهمية التنسيق بين بلدين مهمين في المنطقة.

واستهل عبد العاطي زيارته إلى الكويت بلقاء ولي العهد الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح، الأحد، مؤكداً «عمق العلاقات التاريخية والروابط الأخوية التي تجمع البلدين الشقيقين، وتوافر الإرادة السياسية لدى قيادتي البلدين من أجل تطوير العلاقات لآفاق أرحب»، مبدياً «الحرص على تعزيز التعاون والتنسيق مع دولة الكويت وزيادة وتيرته»، وفق بيان صحافي لـ«الخارجية المصرية».

وأبدى الوزير المصري «تطلُّع مصر لتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري بين البلدين، أخذاً في الحسبان ما اتخذته الحكومة المصرية من خطوات طموحة لجذب الاستثمارات، وتنفيذ خطة الإصلاح الاقتصادي»، مشدداً على «دعم مصر الكامل للأمن الخليجي، بوصفه جزءاً لا يتجزأ من الأمن القومي المصري».

وفي مايو (أيار) الماضي، قال سفير الكويت بالقاهرة، غانم صقر الغانم، في مقابلة مع «القاهرة الإخبارية» إن الاستثمارات الكويتية في مصر متشعبة بعدة مجالات، وتبلغ أكثر من 15 مليار دولار، بينها 10 مليارات دولار للقطاع الخاص.

كما اجتمع عبد العاطي مع الشيخ فهد يوسف سعود الصباح، رئيس الوزراء بالإنابة ووزير الداخلية ووزير الدفاع الكويتي، مؤكداً «الحرص على الارتقاء بعلاقات التعاون إلى آفاق أرحب، بما يحقق طموحات ومصالح الشعبين الشقيقين»، وفق بيان ثانٍ لـ«الخارجية المصرية».

وزير الخارجية المصري يجتمع مع رئيس الوزراء بالإنابة ووزير الداخلية ووزير الدفاع الكويتي الشيخ فهد يوسف سعود الصباح (الخارجية المصرية)

فرص استثمارية

عرض الوزير المصري «الفرص الاستثمارية العديدة التي تذخر بها مصر في شتى القطاعات، والتي يمكن للشركات الكويتية الاستفادة منها، فضلاً عن الاتفاق على تبادل الوفود الاقتصادية، وتشجيع زيادة الاستثمارات الكويتية في مصر»، مبدياً «ترحيب مصر ببحث مجالات التعاون الأمني والعسكري لمواجهة التحديات الأمنية المختلفة».

كما بحث الوزير المصري في لقاء مع وزيرة المالية ووزيرة الدولة للشؤون الاقتصادية والاستثمار، نوره الفصام، الفرص الاستثمارية المتاحة في مصر بشتى القطاعات، وسط تأكيد على حرص الجانب المصري على تعزيز الاستثمارات الكويتية في مصر وإمكانية تعزيز نشاط الشركات المصرية لدعم عملية التنمية في الكويت.

ووفق خبير شؤون الخليج في «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» بالقاهرة، الدكتور محمد عز العرب، فإن الزيارة تحمل أبعاداً عديدة، أبرزها الحرص المصري على تطوير العلاقات المصرية العربية، ومنها العلاقات مع الكويت لأسباب ترتبط بالتوافقات المشتركة بين البلدين والتعاون ليس على المستوى السياسي فحسب، بل على المستوى الأمني أيضاً.

التنسيق المشترك

البعد الثاني في الزيارة مرتبط بالاستثمارات الكويتية التي تستحوذ على مكانة متميزة وسط استثمارات خليجية في مصر، وفق عز العرب، الذي لفت إلى أن الزيارة تحمل بعداً ثالثاً هاماً مرتبطاً بالتنسيق المشترك في القضايا الإقليمية والدولية خاصة وهناك إدراك مشترك على أولوية خفض التصعيد والتعاون الثنائي بوصفه صمام أمان للمنطقة.

تحديات المنطقة

يرى الكاتب والمحلل السياسي الكويتي، طارق بروسلي، أن زيارة عبد العاطي «خطوة مهمة في إطار العلاقات التاريخية الوطيدة بين البلدين، وتعكس عمق التفاهم والاحترام المتبادل بين قيادتي البلدين والشعبين الشقيقين».

وتحمل الزيارة قدراً كبيراً من الأهمية، وفق المحلل السياسي الكويتي ورئيس «المنتدى الخليجي للأمن والسلام» فهد الشليمي، خصوصاً وهي تأتي قبيل أيام من القمة الخليجية بالكويت، مطلع الشهر المقبل، وما سيتلوها من ترأس الكويت مجلس التعاون الخليجي على مدار عام، فضلاً عن تحديات كبيرة تشهدها المنطقة، لا سيما في قطاع غزة وحربها المستمرة منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

وأفادت وكالة الأنباء الكويتية الرسمية، الأحد، بأن أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح تلقى رسالة شفهية من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تتعلق بالعلاقات الأخوية المتميزة بين البلدين والشعبين الشقيقين وآخر المستجدات الإقليمية والدولية، خلال استقبال ولي العهد لوزير الخارجية المصري.

كما نوهت بأن عبد العاطي التقى رئيس الوزراء بالإنابة، و«جرى خلال اللقاء استعراض العلاقات الثنائية وسبل تعزيز التعاون بين البلدين إضافة إلى بحث آخر المستجدات على الساحتين الإقليمية والدولية».

تطوير العمل الدبلوماسي

وتهدف الزيارة، وفق بروسلي، إلى «تعميق التعاون في عدة مجالات والتنسيق المشترك في المواقف على الصعيدين الإقليمي والدولي، لا سيما في قضايا فلسطين وسوريا ولبنان واليمن»، مرجحاً أن تسهم المباحثات المصرية الكويتية في «زيادة فرص التعاون الاقتصادي والتجاري وتعزيز الاستثمارات وزيادة التنسيق الأمني ومواجهة التحديات الأمنية المشتركة».

ويعتقد بروسلي أن الزيارة «ستكون فرصة لبحث تطوير العمل الدبلوماسي، ودعم البرامج التعليمية المتبادلة بين البلدين والخروج بمذكرات تفاهم تكون سبباً في تحقيق التكامل الإقليمي، وتعزيز التعاون في ظل التحديات المشتركة بالمنطقة».

بينما يؤكد الشليمي أن الزيارة لها أهمية أيضاً على مستوى التعاون الاقتصادي والتجاري، خصوصاً على مستوى تعزيز الاستثمارات، إضافة إلى أهمية التنسيق بين وقت وآخر بين البلدين، في ظل حجم المصالح المشتركة الكبيرة التي تستدعي التعاون المستمر.