شكاوى ضد رئيس {الموساد} السابق تهدد مستقبله

متهم بتلقي رشى وعلاقة مع مضيفة وكشف أسرار أمنية

يوسي كوهن رئيس {الموساد} السابق (أ.ب)
يوسي كوهن رئيس {الموساد} السابق (أ.ب)
TT

شكاوى ضد رئيس {الموساد} السابق تهدد مستقبله

يوسي كوهن رئيس {الموساد} السابق (أ.ب)
يوسي كوهن رئيس {الموساد} السابق (أ.ب)

بعد أن كان رئيس الوزراء السابق، بنيامين نتنياهو، قد أعلن أنه يمهد لكي يحل محله في قيادة معسكر اليمين ورئاسة الحكومة، يوسي كوهن، رئيس الموساد (جهاز المخابرات الخارجية)، كشف النقاب، أمس، عن وجود عدد كبير من الشكاوى ضده على طاولة المستشار القضائي للحكومة أبيحاي مندبليت، تطالب بالتحقيق معه، بل وحتى بمحاكمته واعتقاله.
وذكرت مصادر مطلعة أن هناك من يتهم كوهن بتلقي هدية غير طبيعية، بقيمة 20 ألف دولار، قدمها له رجل الأعمال الأسترالي الملياردير اليهودي، جيمس بارك، مباركة له في حفل زفاف ابنه عام 2016، وأنه أهداه أيضا إقامة في الجناح الخاص به في أحد الفنادق في تل أبيب. وهناك من يتهمه بإقامة علاقة مع مضيفة طيران أطلعها على بعض أسرار الدولة الخطيرة. ولكن أخطر التهم هي التي يوجهها إليه زميله الأسبق، يوسي لانجوتسكي، أحد مؤسسي نظام العمليات الخاصة في الجيش الإسرائيلي، وأحد الأركان الأساسيين لجهاز المخابرات الحائز على جائزة «أمن إسرائيل»، فقد توجه إلى المستشار بشكوى يقول فيها، إن يوسي كوهن، كشف أسرارا عسكرية خطيرة خلال أيامه الأخيرة في الموساد، قبل شهرين، وذلك في إطار مقابلة أجريت معه في حلقة خاصة من برنامج «عوفدا» (الحقيقة) في القناة التلفزيونية 12.
وبحسب لانجوتسكي، فإنه بالإضافة إلى رسالته إلى المستشار مندلبليت، يجري حاليا مشاورات مع عدد من المحامين بشأن تقديم دعوى ضد كوهين في الشرطة، لأنه «ارتكب مخالفات خطيرة، وأدلى بأقوال خطيرة للغاية خلال البرنامج، وينبغي عدم المرور عليها مرور الكرام». وقال إنه وغيره من المحاربين القدامى «غاضبون من أقوال كوهين ويأخذون الأمور على محمل الجد، وسيذهبون بها إلى أقصى الحدود». وذكر بأنه كان قد رفع شكوى قضائية كهذه ضد القائد الأسبق لجهاز الاستخبارات العسكرية (أمان)، إيلي زيرا، لأنه كشف هويّة الجاسوس المصري، أشرف مروان.
وكتب الصحافي، وكاتب عمود الرأي في صحيفة «معريب»، بن كسبيت، أن لانجوتسكي قال له أمس: «أقول لك بكل ثقة، إن كوهن ارتكب، في هذه المقابلة، مخالفات أمنية خطيرة للغاية يجب عدم التسامح معها. ولو أن رجلاً آخر فعل ما فعله كوهين لكان الآن في السجن». سأله بن كسبيت: «كوهين كان رئيساً ممتازاً للموساد، وحقق نتائج خلال ولايته. والمقابلة كانت خاضعة للرقابة (العسكرية)، إذن ما هي القصة؟» فأجابه: «لا نعرف ما الذي قيل أو لم يُقل في الرقابة. أقول لك إن كوهين فعل أموراً ممنوعة، ولن أرتاح حتى يجري التدقيق فيها. الموساد ليس لأحد فينا، إنه ملك للدولة».
يُشار إلى أن كوهين، قال خلال تلك المقابلة إنه جنّد بشكل شخصي رجلاً لبنانياً، على الأرجح في ألمانيا، والرجل قادر على الدخول إلى دوائر «حزب الله» والوجود بقرب قادته، وأن هذا الرجل المفترض أصبح مع مرور الوقت يعرف أنه مجنّد من قبل كوهين. كما تحدّث عن عملية سرقة أرشيف إيران النووي وتفاصيلها، فقال إن منفذيها كانوا جميعا غير إسرائيليين وإن قسما منهم إيرانيون بقوا في إيران بعد العملية.
كما اعترف خلال المقابلة، بالحصول على هدايا من رجال أعمال يهود، خاصة خلال حفل زفاف ابنه، بما في ذلك 20 ألف دولار من الملياردير بارك، الذي يشتبه بأنه كان قد منح أيضا، رشى لرئيس الوزراء نتنياهو في حينه. وقال كوهن إنه ارتكب خطأ بقبوله هذه الأموال وسوف يعيدها. وادعى بأنه لم يكن يعرف بأن صديقه الملياردير «يُعتبر مدمناً على الكحول والمخدّرات».
يذكر أن نتنياهو كان قد أعلن، أن كوهن يتمتع بمواهب قيادية عظيمة، وأنه يرى فيه أجدر من يخلفه في رئاسة الحكومة. ومنذ ذلك الحين كثر أعداؤه واحتدت شراسة حربهم ضده. وأصبح منافسوه على قناعة تامة بأنه مثل معلمه، نتنياهو، غارق بملذات رجال الأعمال، لدرجة التورط مع القانون.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟