تركيا وروسيا تتفقان على دفعة جديدة من صواريخ «إس 400»

استعداداً للتفاوض حول مقاتلات «سوخوي» بديلاً عن «إف 35»

TT

تركيا وروسيا تتفقان على دفعة جديدة من صواريخ «إس 400»

تعمل تركيا وروسيا حالياً على توقيع صفقة جديدة تهدف لحصول الأولى على دفعة جديدة من منظومة الدفاع الجوي الروسية «إس 400» التي تثير توتراً مع الولايات المتحدة وقلقاً من جانب حلف شمال الأطلسي (ناتو).
وأعلنت موسكو الانتهاء من صياغة النموذج المالي لصفقة جديدة لتزويد تركيا بدفعة ثانية من منظومة «إس 400» الصاروخية للدفاع الجوي. وقال ألكسندر ميخيف، مدير شركة «روس أوبورن إكسبورت» الحكومية لتصدير واستيراد المنتجات العسكرية، إنه تم إنجاز المشاورات مع تركيا حول توريد الدفعة الثانية.
وأضاف ميخيف، بحسب ما نقلت وسائل إعلام تركية، أمس (الأربعاء): «جرت المشاورات النهائية، وتم خلالها تشكيل النموذج المالي، وتم وضع برنامج للتعاون التكنولوجي في هذا المشروع، لذلك نتوقع استكمال هذا المشروع في الأشهر المقبلة». وأكد وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، في أبريل (نيسان) الماضي، أن أنقرة تتفاوض مع موسكو بشأن شراء الدفعة الثانية من منظومة الدفاع الجوي «إس 400».
كانت روسيا وتركيا، وقعتا في ديسمبر (كانون الأول) 2017، عقداً حول توريد بطاريتين من منظومة «إس 400» الصاروخية، وتسلمتهما تركيا في يوليو (تموز) وسبتمبر (أيلول) عام 2019. وفرضت الولايات المتحدة عقوبات على مسؤولين في الصناعات الدفاعية التركية بموجب قانون مكافحة خصوم أميركا بالعقوبات (كاتسا) بسبب اقتناء المنظومة الروسية، كما أخرجتها من المشروع المشترك، متعدد الأطراف، تحت إشراف الناتو لإنتاج وتطوير المقاتلات الأميركية «إف – 35»، ومنعتها من الحصول على 100 منها في إطار المشروع. وتتمسك واشنطن بأن تعيد تركيا الصواريخ الروسية وأن تتنازل عن الصفقة، على أساس خطورتها على منظومة الناتو الدفاعية ومقاتلات «إف – 35»، لكن أنقرة، التي لم تقم بعد بتفعيل المنظومة الروسية تتمسك بها وتؤكد أنها لن تربطها بمنظومة الناتو، وستستخدمها للضرورة فقط، كما يمكنها اقتناء منظومة «باتريوت» الأميركية، وفق شروط تتعلق بالسعر والمشاركة في الإنتاج.
في سياق متصل، أكد مسؤولو التعاون العسكري والفني في روسيا استعدادهم لإجراء محادثات مع الجانب التركي بشأن بيع طائرات «سو 35 و57»، إذا قررت أنقرة شراءها. وقال مدير التعاون العسكري والتقني الروسي، ديمتري شوغاييف، إن السلطات الروسية مستعدة لاستكمال المفاوضات مع الجانب التركي لإتمام صفقة بيع تلك الطائرات. وأضاف شوغاييف أن تلك الطائرات تعمل بتكنولوجيا الجيل الخامس، وما زالت تركيا تهتم كثيراً بشراء الأسلحة من روسيا، إذ إنها لجأت إلى روسيا لشراء تلك المقاتلات بعد عدم إتمام صفقة طائرات «إف – 35» مع الولايات المتحدة.



كيف كسرت الحرب في أوكرانيا المحرّمات النووية؟

نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
TT

كيف كسرت الحرب في أوكرانيا المحرّمات النووية؟

نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)

نجح الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في خلق بيئة مواتية لانتشار أسلحة نووية جديدة في أوروبا وحول العالم، عبر جعل التهديد النووي أمراً عادياً، وإعلانه اعتزام تحويل القنبلة النووية إلى سلاح قابل للاستخدام، وفق تحليل لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.

في عام 2009، حصل الرئيس الأميركي، باراك أوباما، على «جائزة نوبل للسلام»، ويرجع ذلك جزئياً إلى دعوته إلى ظهور «عالم خالٍ من الأسلحة النووية». وفي ذلك الوقت، بدت آمال الرئيس الأميركي الأسبق وهمية، في حين كانت قوى أخرى تستثمر في السباق نحو الذرة.

وهذا من دون شك أحد أخطر آثار الحرب في أوكرانيا على النظام الاستراتيجي الدولي. فعبر التهديد والتلويح المنتظم بالسلاح الذري، ساهم فلاديمير بوتين، إلى حد كبير، في اختفاء المحرمات النووية. وعبر استغلال الخوف من التصعيد النووي، تمكن الكرملين من الحد من الدعم العسكري الذي تقدمه الدول الغربية لأوكرانيا منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير (شباط) 2022، ومن مَنْع مشاركة الدول الغربية بشكل مباشر في الصراع، وتخويف جزء من سكان هذه الدول، الذين تغلّب عليهم «الإرهاق والإغراءات بالتخلي (عن أوكرانيا) باسم الأمن الزائف».

بدأ استخفاف الكرملين بالأسلحة النووية في عام 2014، عندما استخدم التهديد بالنيران الذرية للدفاع عن ضم شبه جزيرة القرم من طرف واحد إلى روسيا. ومنذ ذلك الحين، لُوّح باستخدام السلاح النووي في كل مرة شعرت فيها روسيا بصعوبة في الميدان، أو أرادت دفع الغرب إلى التراجع؛ ففي 27 فبراير 2022 على سبيل المثال، وُضع الجهاز النووي الروسي في حالة تأهب. وفي أبريل (نيسان) من العام نفسه، استخدمت روسيا التهديد النووي لمحاولة منع السويد وفنلندا من الانضمام إلى «حلف شمال الأطلسي (ناتو)». في مارس (آذار) 2023، نشرت روسيا صواريخ نووية تكتيكية في بيلاروسيا. في فبراير 2024، لجأت روسيا إلى التهديد النووي لجعل النشر المحتمل لقوات الـ«ناتو» في أوكرانيا مستحيلاً. وفي الآونة الأخيرة، وفي سياق المفاوضات المحتملة مع عودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، جلبت روسيا مرة أخرى الخطاب النووي إلى الحرب، من خلال إطلاق صاروخ باليستي متوسط ​​المدى على أوكرانيا. كما أنها وسعت البنود التي يمكن أن تبرر استخدام الأسلحة الذرية، عبر مراجعة روسيا عقيدتها النووية.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع مع قيادة وزارة الدفاع وممثلي صناعة الدفاع في موسكو يوم 22 نوفمبر 2024 (إ.ب.أ)

التصعيد اللفظي

تأتي التهديدات النووية التي أطلقتها السلطات الروسية في الأساس ضمن الابتزاز السياسي، وفق «لوفيغارو». ولن تكون لدى فلاديمير بوتين مصلحة في اتخاذ إجراء عبر تنفيذ هجوم نووي تكتيكي، وهو ما يعني نهاية نظامه. فالتصعيد اللفظي من جانب القادة الروس ورجال الدعاية لم تصاحبه قط تحركات مشبوهة للأسلحة النووية على الأرض. ولم يتغير الوضع النووي الروسي، الذي تراقبه الأجهزة الغربية من كثب. وتستمر الصين أيضاً في لعب دور معتدل، حيث تحذّر موسكو بانتظام من أن الطاقة النووية تشكل خطاً أحمر مطلقاً بالنسبة إليها.

إن التهوين من الخطاب الروسي غير المقيد بشكل متنامٍ بشأن استخدام الأسلحة النووية ومن التهديد المتكرر، قد أدى إلى انعكاسات دولية كبيرة؛ فقد غير هذا الخطاب بالفعل البيئة الاستراتيجية الدولية. ومن الممكن أن تحاول قوى أخرى غير روسيا تقليد تصرفات روسيا في أوكرانيا، من أجل تغيير وضع سياسي أو إقليمي راهن محمي نووياً، أو إنهاء صراع في ظل ظروف مواتية لدولة تمتلك السلاح النووي وتهدد باستخدامه، أو إذا أرادت دولة نووية فرض معادلات جديدة.

يقول ضابط فرنسي: «لولا الأسلحة النووية، لكان (حلف شمال الأطلسي) قد طرد روسيا بالفعل من أوكرانيا. لقد فهم الجميع ذلك في جميع أنحاء العالم».

من الجانب الروسي، يعتبر الكرملين أن الحرب في أوكرانيا جاء نتيجة عدم الاكتراث لمخاوف الأمن القومي الروسي إذ لم يتم إعطاء روسيا ضمانات بحياد أوكرانيا ولم يتعهّد الغرب بعدم ضم كييف إلى حلف الناتو.

وترى روسيا كذلك أن حلف الناتو يتعمّد استفزاز روسيا في محيطها المباشر، أكان في أوكرانيا أو في بولندا مثلا حيث افتتحت الولايات المتحدة مؤخرا قاعدة عسكرية جديدة لها هناك. وقد اعتبرت موسكو أن افتتاح القاعدة الأميركية في شمال بولندا سيزيد المستوى العام للخطر النووي.