إردوغان: مصرون على حقوق تركيا والقبارصة الأتراك شرق المتوسط

جدد التمسك بحل الدولتين في قبرص في تحد لأوروبا وأميركا

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان ورئيس ما يعرف بـ«جمهورية شمال قبرص التركية» أرسين تتار خلال حضورهما عرضاً عسكرياً في الجزء الخاضع لسيطرتة تركيا في نيقوسيا أمس (أ.ب)
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان ورئيس ما يعرف بـ«جمهورية شمال قبرص التركية» أرسين تتار خلال حضورهما عرضاً عسكرياً في الجزء الخاضع لسيطرتة تركيا في نيقوسيا أمس (أ.ب)
TT

إردوغان: مصرون على حقوق تركيا والقبارصة الأتراك شرق المتوسط

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان ورئيس ما يعرف بـ«جمهورية شمال قبرص التركية» أرسين تتار خلال حضورهما عرضاً عسكرياً في الجزء الخاضع لسيطرتة تركيا في نيقوسيا أمس (أ.ب)
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان ورئيس ما يعرف بـ«جمهورية شمال قبرص التركية» أرسين تتار خلال حضورهما عرضاً عسكرياً في الجزء الخاضع لسيطرتة تركيا في نيقوسيا أمس (أ.ب)

أكد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، مجدداً، إصرار بلاده على «حماية حقوقها وحقوق القبارصة الأتراك في ثروات شرق البحر المتوسط»، وأنها تعتبر حل الدولتين هو الطريق لإنهاء المشكلة القبرصية.
وقال إردوغان إن «كل ما نتمناه هو أن يعم السلام والرخاء والاستقرار في المنطقة، وانطلاقاً من هذا المبدأ نقدم مقترحات بناءة لحل الأزمة، ومقترحنا لعقد مؤتمر دولي حول شرق البحر المتوسط يظهر صدق نوايانا في هذا الشأن».
وأضاف إردوغان، خلال كلمة ألقاها في احتفالات ما يسمى «عيد السلام والحرية» في شمال قبرص والذي يوافق ذكرى دخل القوات التركية الشطر الشمالي من قبرص في 20 يوليو (تموز) 1974 أن «قبرص التركية اقترحت حلولاً لتقاسم ثروات المنطقة بشكل عادل، لكن الإدارة الرومية (جمهورية قبرص) أعلنت أنها ستبدأ بأعمال التنقيب والبحث بمفردها، وهذا الإعلان يظهر بوضوح من يرفض التعاون ومن يعرقل سبل الحل».
وتابع إردوغان: «نعلم وجود شريحة منزعجة من زيارتنا التاريخية إلى قبرص التركية، وهذه الشريحة تعقد مؤتمراً في الولايات المتحدة لإعلان دعمهم لليونان و«الإدارة الرومية في قبرص»، بزعم أنهم يريدون مساعدة أثينا وقبرص ضد ما يسمونها الاعتداءات التركية.
وشدد على أن تركيا ستنفذ بشكل حاسم كل ما هو ضروري لتنمية «جمهورية قبرص التركية» (أعلنت في الشطر الشمالي من قبرص في 14 أغسطس (آب) 1975 ولا يعترف بها أحد سوى تركيا وتحقيق هيكلية اقتصادية مستدامة لها.
واعتبر إردوغان أن مفتاح حل أزمة جزيرة قبرص يكمن في إقرار مساواة القبارصة الأتراك في السيادة، وأن «القبارصة الروم» لم يتخلصوا من عقدة اعتبار الأتراك أقلية في الجزيرة «ورفضوا الحل القائم على العدالة»، موضحاً أن «الجانب الرومي يواصل مواقفه غير الصادقة والبعيدة عن حقائق الجزيرة». وقال: «يوجد في صفوف (قبرص الرومية) من يتوق إلى مذابح ما قبل العام 1974... مواقف الروم لم تتغير ويبدو أنها لن تتغير، لذا يجب ألّا ينتظر أحد منّا أن نعود لنقطة البداية بعد اليوم».
ورأى الرئيس التركي أن رفض «حل الدولتين» يعني تجاهل حقوق القبارصة الأتراك في السيادة والمساواة والاستقلال والاستحقاق، قائلاً: «مهما مرت السنين 47 أو 147 أو 247 عاماً فإن الشعب القبرصي التركي لن يتنازل عن استقلاله وحريته... لا تنتظروا منا القبول ببقاء القبارصة الأتراك كأقلية تحت حكم إدارة الروم، ولا تنتظروا منا الاستغناء عن سيادة قبرص التركية».
وأعلن قادة الاتحاد الأوروبي، خلال قمتهم الأخيرة في يونيو (حزيران) الماضي، رفضهم طرح تركيا حل الدولتين لإنهاء المشكلة القبرصية وتمسكوا بالمفاوضات الجارية تحت مظلة الأمم المتحدة.
وقال إردوغان إن أنقرة تدعم بشكل مطلق مقترح رئيس قبرص التركية أرسين تتار بشأن إحلال السلام في الجزيرة، مشدداً على أن استئناف المفاوضات لن يكون إلا على أساس حل الدولتين. وأشار إلى أن إعادة فتح منطقة «مرعش المغلقة» (فاروشا)، لن تولد مظالم جديدة، بل على العكس ستكون وسيلة لإنهاء المظالم القائمة، وذلك عبر مراعاة حق الملكية، مضيفاً «نؤكد مجدداً أننا لا نطمع في أراض أو ملكية أحد، لكننا لن نسمح في الوقت ذاته لأحد، باغتصاب أراضينا أبدا». وتابع أن فاروشا «ستنهض وستستعيد أيامها الخوالي من خلال فتحها بطريقة لا تضر بحقوق أي شخص وفي إطار القانون الدولي».
بدوره، أكد رئيس ما يعرف بـ«جمهورية شمال قبرص التركية» أرسين تتار، تصميم بلاده بالتعاون مع تركيا على حماية الموارد الطبيعية في جرفها القاري حول الجزيرة كأصحاب حقوق متساوية. واعتبر أن «الذين يتطاولون على تركيا بخصوص «عملية السلام» العسكرية التي نفذتها أنقرة في الجزيرة قبل 47 عاماً، يواصلون تشويه الحقائق التاريخية، قائلاً إن «عملية السلام» التي قامت بها تركيا، أنقذت القبارصة الأتراك من مجزرة محتملة، وخلصت سواحل تركيا من الحصار، وإن جزيرة قبرص لم تشهد أي سفك للدماء منذ «عملية السلام» العسكرية عام 1974.
وتقع منطقة فاروشا السياحية بمدينة ماغوستا على الخط الفاصل بين شطري قبرص، وأغلقت بموجب اتفاقيات عقدت مع الجانب القبرصي اليوناني، عقب العملية العسكرية التركية في الجزيرة عام 1974، وفي 8 أكتوبر (تشرين الأول) 2020 فتحت شمال قبرص، بدعم من تركيا، جزءاً من منطقة فاروشا. وأدان مشرعون ديمقراطيون وجمهوريون أميركيون، الأسبوع الماضي، جهود تركيا المستمرة لفتح ساحل منطقة فاروشا القبرصية بأكمله. وكتبوا رسالة إلى الرئيس الأميركي جو بايدن تحثه على توظيف القنوات الدبلوماسية الثنائية ومتعددة الأطراف للضغط على تركيا لوقف ما سموه «استفزازاتها» في فاروشا والتلويح بالنتائج المترتبة على تصرفات تركيا غير القانونية. وذكّر أعضاء مجلس الشيوخ الذين كتبوا الرسالة، وهم من القيادات البارزة في الحزبين، بأن التصرفات التركية تشكّل خرقاً لقرارات مجلس الأمن وتحديا مباشرا لدعوات الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي.
ودعا المشروعون الأميركيون الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى «التوضيح للرئيس التركي إردوغان أن الاستمرار في خرق قرارات الأمم المتحدة والقانون غير مقبول». مشيرين إلى أن الاستفزازات التركية تتزامن مع عرقلتها محادثات الأمم المتحدة لتوحيد قبرص.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟