عشرات الضحايا بتفجير انتحاري في مدينة الصدر

«ثلاثية العيد» في العراق: «كورونا» والحرائق والحرارة

رجال أمن يعاينون موقع الانفجار شرق بغداد أمس (رويترز)
رجال أمن يعاينون موقع الانفجار شرق بغداد أمس (رويترز)
TT

عشرات الضحايا بتفجير انتحاري في مدينة الصدر

رجال أمن يعاينون موقع الانفجار شرق بغداد أمس (رويترز)
رجال أمن يعاينون موقع الانفجار شرق بغداد أمس (رويترز)

قتل نحو 30 شخصاً على الأقل وأصيب نحو 50 آخرين بجروح الاثنين بانفجار عشية عيد الأضحى في سوق في مدينة الصدر المكتظة في شرق العاصمة العراقية بغداد، حسب وكالة الصحافة الفرنسية.
وأفاد مصدر أمني وآخر طبي بمقتل 28 شخصاً، بينهم سبعة أطفال وثمانية نساء، وإصابة 52 بجروح، فيما قال مصدر أمني آخر إن عدد القتلى وصل إلى ثلاثين في الهجوم الذي وقع في إحدى أكثر ضواحي بغداد فقراً واكتظاظاً، وهي معقل مناصري رجل الدين الشيعي مقتدى الصد.
ووصفت خلية الإعلام الأمني التفجير في بيان بأنه اعتداء «إرهابي»، فيما ذكرت {رويترز} أن انتحارياً نفّذه. وأفيد مساء بأن القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي قرر توقيف أمر القوة المسؤولة عن موقع الانفجار بمدينة الصدر.
وجاء التفجير في وقت يحلّ عيد الأضحى على العراقيين هذه السنة في ظل ارتفاع كبير في نسبة الإصابات بفيروس كورونا وفي درجات حرارة الطقس وفي كوارث الحرائق التي تشهدها البلاد، وهي «ثلاثية» ساهمت في تراجع تبادل التهاني بين المواطنين بالعيد، سواء مباشرة أو عبر مواقع «السوشيال ميديا».
وفي مؤشر إلى غياب مزاج التعامل مع العيد بوصفه مناسبة للفرح، أبلغت المواطنة العراقية من محافظة كربلاء سوسن عامر أطفالها بأن العيد «تأجل إلى العام المقبل». وكان منسوب الفرح والاستعداد للاحتفال بالعيد وتبادل التهاني جيداً قبل نحو ثلاثة أشهر لدى الاحتفال بعيد الفطر السابق، خصوصاً إذا ما قورن ذلك مع حالة الإحباط واليأس التي يعيشها المواطن العراقي وهو يستقبل عيد الأضحى هذه الأيام.
وأحد الأسباب الرئيسية التي هيمنت على مزاج المواطن العراقي ورفعت منسوب القلق والكآبة لديه حالياً هو ارتفاع الإصابات بجائحة «كورونا» إلى الحد الذي بدأت وزارة الصحة ودوائر الصحة في المحافظات وفي إقليم كردستان تصدر بيانات تحذيرية بشأن ما يمكن أن ينتج من مضاعفات. فالواقع الصحي في البلاد يشهد تردياً يضاعف من المشكلات المزمنة في بنيته التحتية، وهو ما بات يسمى «التنمر على الدولة». وقد بدأ هذا التنمر يستفحل بشكل غير مسبوق عبر الحرائق التي طالت القطاع الصحي بدءاً من الوزارة نفسها عبر مقرها في بغداد ومستشفى الحسين في الناصرية الذي خلف مئات الضحايا بين قتيل وجريح، وقبله بنحو شهرين ونصف الشهر مستشفى ابن الخطيب ببغداد، حيث خلفت الحرائق فيه مئات القتلى والجرحى أيضاً. وما يضاعف مشكلة «كورونا» في العراق قلة الإقبال على أخذ اللقاحات رغم توافرها في المستشفيات والمراكز الصحية. وهناك من يتحدث عن «أزمة وعي» لأسباب مختلفة، من بينها ظهور العديد من رجال الدين وحتى بعض الأطباء ممن حاولوا التقليل من حجم الجائحة وتأثيرها، بل إن بعضهم نفى وجودها أصلاً رغم تزايد الإصابات بين المواطنين.
ومن الأسباب الأخرى، إضافة إلى الجائحة، ارتفاع درجات الحرارة التي تبلغ الآن 50 درجة مئوية في ظل انقطاع للتيار الكهربائي. وعلى رغم أن العراقيين ملّوا سماع الأخبار السياسية، لا سيما مع بدء الحملة الدعائية للانتخابات المقبلة، فإن قراءات دائرة الانواء الجوية لتقلبات المناخ القاسية باتت تتصدر اهتماماتهم. ومرشحو الانتخابات، في الواقع غير متيقنين حتى الآن مما إذا كان الاقتراع سيجرى في موعده المقرر خلال أكتوبر (تشرين الأول) المقبل أم يؤجل إلى العام المقبل.
ويُضاف إلى كل ذلك مشكلة الحرائق. ففي حين بات مقبولاً نشوب حريق في مركز تجاري أو فندق يملكه مستثمر، فإن الخوف بدأ يتضاعف من إمكانية حصول حريق على غرار حرائق المشافي من ابن الخطيب في بغداد إلى الإمام الحسين في ذي قار، وهما حادثان أديا إلى مقتل أعداد كبيرة من المرضى الذين كانوا يعالجون في هاتين المنشأتين الطبيتين.



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.