{دلتا} قد يعيق برامج إنهاء الإغلاق

أوروبا غير متحدة في مواجهة «كورونا»

محطة قطار بلندن في أول أيام رفع الحجر رغم المخاوف من تصاعد الإصابات بـ«دلتا» (أ.ف.ب)
محطة قطار بلندن في أول أيام رفع الحجر رغم المخاوف من تصاعد الإصابات بـ«دلتا» (أ.ف.ب)
TT

{دلتا} قد يعيق برامج إنهاء الإغلاق

محطة قطار بلندن في أول أيام رفع الحجر رغم المخاوف من تصاعد الإصابات بـ«دلتا» (أ.ف.ب)
محطة قطار بلندن في أول أيام رفع الحجر رغم المخاوف من تصاعد الإصابات بـ«دلتا» (أ.ف.ب)

تعطي جائحة «كوفيد - 19» الانطباع أحياناً في أوروبا بأنها قصة لا نهاية لها، فكلما لاحت في الأفق بوادر انهزام الفيروس تحت وطأة تدابير الإقفال الصارمة وتقدم حملات التلقيح، وبدء رفع القيود عن الحريات التي صادرها الوباء، تعود وتجد نفسها مضطرة لفرضها، كما لو أن ما اصطلحنا على تسميته بالحياة الطبيعية الجديدة ليس سوى سراب يتبخر في الأفق.
هذا ما يحصل بالضبط منذ أسابيع بعد أن حط متحور «دلتا» على القارة الأوروبية وراح ينتشر بسرعة تفوق بكثير جميع الطفرات الأخرى المعروفة حتى الآن، التي تقدرها منظمة الصحة العالمية بـ12 سلالة تخضع لرصد فريق من الخبراء عبر البيانات التي ترد بشكل دوري من كل أنحاء العالم. وبضعة أسابيع كانت كافية لهذا المتحور، الذي ظهر في الهند أواخر العام الماضي، لوأد الفكرة التي روجت لها الحكومات الأوروبية وهلل لها المواطنون بأن هذا الصيف سيكون أقرب إلى صيف عام 2019 عندما لم يكن العالم قد سمع بعد بـ«كورونا»، مقارنة بصيف عام 2020 عندما كان الأوروبيون يتنقلون بحذر شديد عبر الحدود آملين في نهاية قريبة للوباء.
وفي لقاء خاص نهاية الأسبوع الفائت مع مدير المعهد العالمي للصحة التابع لجامعة جنيف، قال خبير الوبائيات أنطوان فلاهو، «لا أعتقد أن الوضع الراهن هو عودة إلى نقطة البداية. كل الذين تلقوا الجرعات الكاملة من اللقاح بوسعهم تمضية العطلة الصيفية في ظروف مشابهة جداً لما كانت عليه قبل الجائحة».
لكن الواقع الذي تعيشه أوروبا في الوقت الراهن يناقض ما تذهب إليه الأوساط العلمية في تأكيداتها، ويقوض السيناريوهات التي وضعتها الحكومات الأوروبية لمعركتها ضد الوباء واستئناف دورة الحياة الطبيعية.
وبعد شهرين من مباشرة بلدان الاتحاد الأوروبي برفع القيود وإلغاء التدابير التي كانت مفروضة على التنقل والتجمعات، وبعد أن بدأت محركات الاقتصاد تعمل بكامل طاقتها، وبعد أن نزع الملايين الكمامات الواقية عن الوجوه، عادت القيود والتدابير الصارمة إلى واجهة الحياة اليومية في كثير من البلدان الأوروبية أمام الارتفاع السريع في عدد الإصابات التي سجلت في بعض الأحيان أرقاماً غير مسبوقة في ذروة المرحلة الأولى من الجائحة. وبعد أن كان المتوسط اليومي للإصابات يراوح عند 38 ألفاً منذ شهر، ارتفع الآن إلى 160 ألفاً وفقاً لبيانات المركز الأوروبي لمكافحة الأمراض السارية والوقاية منها.
وكعادتها منذ بداية الجائحة، استجابت الدول الأوروبية لهذه الموجة الجديدة من غير تنسيق وبتباين في التدابير التي عادت وفرضتها. فالبعض فرض حظر التجول الليلي، والبعض الآخر قرر إقفال أماكن اللهو ومراكز الترفيه الليلية التي كانت تحولت إلى رمز للحرية المستعادة من الوباء. وآخرون عادوا وفرضوا استخدام الكمامات الواقية في الهواء الطلق في بعض المناطق التي يوجد فيها الفيروس بكثافة، ناهيك عن القيود على السفر داخل الاتحاد مثل شهادة التلقيح الإلزامية التي قررت فرنسا فرضها على أفراد الطواقم الصحية تحت طائل منعهم من مزاولة المهنة وتجميد رواتبهم.
يقول فرنسوا هايسبورغ مدير مختبر الأفكار التابع للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في بروكسل، «طالما أن الفيروس ما زال حياً سيواصل التكيف ويسعى بكل الطرق والاستراتيجيات إلى البقاء». والأوروبيون أيضاً يبحثون من جهتهم عن استراتيجية موحدة لمواجهة الفيروس، لكنهم حتى الآن لم يجدوها لأن الصلاحيات الصحية للاتحاد محدودة جداً، وهي في يد الحكومات الوطنية وأحياناً الحكومات الإقليمية أو المحلية.
أوضح الشواهد على قومية الاستجابة الأوروبية للجائحة نجدها في فرنسا رمز التقاليد المركزية والرئاسية، حيث خصص رئيس الجمهورية إيمانويل ماكرون، خطابه المتلفز إلى مواطنيه مؤخراً لتدابير حكومته الرامية إلى تسريع وتيرة التلقيح، وليس لبرنامج الإصلاحات الاقتصادية الهادفة إلى النهوض من الجائحة كما كان مقرراً قبل ظهور متحور «دلتا» بقوة في المشهد الوبائي. ومن بين التدابير التي أعلنها ماكرون إلزام الطواقم الصحية بتناول اللقاح، على غرار ما فعلت إيطاليا منذ أشهر، لكن بعكس ألمانيا التي تركت لهم حرية الاختيار. كما أعلن الرئيس الفرنسي فرض شهادة التلقيح أو الفحص الاختباري السلبي كشرط للدخول إلى المقاهي والمطاعم ودور السينما وركوب الطائرات أو القطارات.
ويرى فلاهو أن خطاب ماكرون كان بمثابة البوصلة التي تحدد وجهة السفينة، لا يستسيغه السامعون، لكنه عالي الفاعلية ويعادل عملياً إجراء الإقفال العام الذي يستثنى منه الملقحون، ويضيف: «هذه الاستجابة الفرنسية الفريدة من نوعها، التي لم تطبق بعد في أي بلد آخر، تهدف من جهة إلى توسيع دائرة التغطية اللقاحية وإلى العزل الصارم من جهة أخرى، إذ تجيز فقط لمن يواجهون خطراً ضئيلاً بنقل الفيروس الوجود في الأماكن التي تشكل بؤراً محتملة للانتشار».
وكان البعض قد لجأ لتحفيز الشباب على تناول اللقاح عبر منحهم مساعدات أو علاوات ترفيهية وثقافية خلال العطلة الصيفية. ويذكر فلاهو بأن قطع الطريق نهائياً على سريان الفيروس يقتضي بلوغ التغطية اللقاحية نسبة 90 في المائة من مجموع السكان، والاتحاد الأوروبي ما زال عند منتصف الطريق لبلوغ هذه النسبة. ورغم المظاهرات التي خرجت الأسبوع الماضي في المدن الفرنسية الكبرى احتجاجاً على خطاب ماكرون، كان أكثر من 2.5 مليون فرنسي قد ضربوا موعداً لتناول اللقاح في الأيام الثلاثة التالية. لكن معضلة تدابير المواجهة الأوروبية ما زالت مفتوحة على جبهات عدة: العودة إلى فرض القيود كما فعلت إسبانيا والبرتغال، أم إلغاؤها كما فعلت بريطانيا.


مقالات ذات صلة

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

شمال افريقيا «الصحة» المصرية تنفي رصد أمراض فيروسية أو متحورات مستحدثة (أرشيفية - مديرية الصحة والسكان بالقليوبية)

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

نفت وزارة الصحة المصرية رصد أي أمراض بكتيرية أو فيروسية أو متحورات مستحدثة مجهولة من فيروس «كورونا».

محمد عجم (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أظهر المسح الجديد تراجعاً في عدد الأطفال الصغار المسجلين في الدور التعليمية ما قبل سن الالتحاق بالمدارس في أميركا من جراء إغلاق الكثير من المدارس في ذروة جائحة كورونا (متداولة)

مسح جديد يرصد تأثير جائحة «كورونا» على أسلوب حياة الأميركيين

أظهر مسح أميركي تراجع عدد الأجداد الذين يعيشون مع أحفادهم ويعتنون بهم، وانخفاض عدد الأطفال الصغار الذين يذهبون إلى الدور التعليمية في أميركا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شمال افريقيا الزحام من أسباب انتشار العدوى (تصوير: عبد الفتاح فرج)

مصر: تطمينات رسمية بشأن انتشار متحور جديد لـ«كورونا»

نفى الدكتور محمد عوض تاج الدين مستشار الرئيس المصري لشؤون الصحة والوقاية وجود أي دليل على انتشار متحور جديد من فيروس «كورونا» في مصر الآن.

أحمد حسن بلح (القاهرة)
العالم رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

ذكر تقرير للأمم المتحدة -نُشر اليوم (الأربعاء)- أن الاتجار بالبشر ارتفع بشكل حاد، بسبب الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ والأزمات العالمية.

«الشرق الأوسط» (فيينا)

اتهام لرجل عرض علم «حزب الله» خلال مظاهرة مؤيدة لفلسطين

عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)
عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)
TT

اتهام لرجل عرض علم «حزب الله» خلال مظاهرة مؤيدة لفلسطين

عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)
عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)

وجهت الشرطة الفيدرالية الأسترالية اتهاماً لرجل يبلغ من العمر 36 عاماً بعرض رمز منظمة مصنفة «إرهابية» علناً، وذلك خلال مظاهرة في منطقة الأعمال المركزية بمدينة ملبورن في سبتمبر (أيلول) الماضي.

الرجل، المقيم في منطقة فيرنتري غولي، سيمثل أمام محكمة ملبورن الابتدائية في 6 مارس (آذار) المقبل؛ حيث يواجه عقوبة قد تصل إلى 12 شهراً من السجن إذا ثبتت إدانته، وفقاً لصحيفة «الغارديان».

جاءت المظاهرة ضمن فعاليات يوم وطني للعمل من أجل قطاع غزة، الذي نظمته شبكة الدعوة الفلسطينية الأسترالية في 29 سبتمبر الماضي، وشهد تنظيم مسيرات مماثلة في مختلف أنحاء البلاد احتجاجاً على التصعيد المتزايد للعنف في الشرق الأوسط.

وأطلقت الشرطة الفيدرالية الأسترالية بولاية فيكتوريا عملية تحقيق تحت اسم «أردفارنا»، عقب احتجاج ملبورن؛ حيث تلقت 9 شكاوى تتعلق بعرض رموز محظورة خلال المظاهرة.

ووفقاً للشرطة، تم التحقيق مع 13 شخصاً آخرين، مع توقع توجيه اتهامات إضافية قريباً. وصرح نيك ريد، قائد مكافحة الإرهاب، بأن أكثر من 1100 ساعة قُضيت في التحقيق، شملت مراجعة أدلة من كاميرات المراقبة وكاميرات الشرطة المحمولة، إضافة إلى مصادرة هواتف محمولة وقطعة ملابس تحتوي على رمز المنظمة المحظورة.

تأتي هذه الإجراءات بعد قرار الحكومة الفيدرالية الأسترالية في ديسمبر (كانون الأول) 2021 بتصنيف «حزب الله» منظمة إرهابية، ومع التشريعات الفيدرالية الجديدة التي دخلت حيز التنفيذ في يناير (كانون الثاني) 2024، التي تحظر عرض رموز النازيين وبعض المنظمات.

وقالت نائبة مفوض الأمن القومي، كريسي باريت، إن الادعاء يحتاج إلى إثبات أن الرمز المعروض مرتبط بمنظمة إرهابية وأنه قد يحرض على العنف أو الترهيب.

المظاهرة، التي استمرت في معظمها سلمية، جاءت بعد إعلان مقتل قائد «حزب الله» حسن نصر الله في غارة جوية إسرائيلية، وهو ما اعتبره العديد تصعيداً كبيراً في الصراع المستمر في الشرق الأوسط.

وفي وقت لاحق، نُظمت مظاهرات أخرى في سيدني وملبورن وبريزبين، وسط تحذيرات للمتظاهرين بعدم عرض رموز محظورة.