لم يشف الخبر «المفاجئ» عن وصول وفد من مكتب مكافحة تمويل الإرهاب والجرائم المالية التابع لوزارة الخزانة الأميركية إلى بيروت، الفضول التلقائي لقيادات مصرفية ومالية سعت إلى استنباط فحوى الزيارة وأهدافها وجدول المواعيد الذي أعدته السفارة الأميركية في لبنان، من دون الوصول إلى أجوبة وافية.
وزاد في الغموض المتصل بالزيارة، اكتفاء السفارة بإصدار بيان مقتضب ورد فيه أن الوفد «يزور بيروت في الفترة ما بين 19 و21 يوليو (تموز) الحالي. وسوف يجتمع مع محاورين من القطاع المالي وجماعات المجتمع المدني للمشاركة في مناقشة القضايا المتعلقة بالفساد والتمويل غير الشرعي ومكافحة الإرهاب». وما يزيد في أهمية الزيارة، المعلومات التي توفرت لـ«الشرق الأوسط»، أن الوفد يضم مسؤولين عن ملف العقوبات في الخارجية الأميركية، ما يوحي بالإطار المرسوم لهذه الزيارة.
ورغم عدم الإفصاح عن «تشكيلة» الوفد وهويات «المحاورين» الذين سيلتقيهم، رجح الخبير الاقتصادي والمصرفي الدكتور جو سرّوع، في اتصال مع «الشرق الأوسط»، أن تتناسب الاجتماعات مع المستويين الإداري والتقني لأعضاء الوفد، بخلاف المهمات ذات الطابع المالي - السياسي التي كان يتولاها مساعد وزير الخارجية الأميركي السابق ديفيد شينكر، ووكيل وزارة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية ديفيد هيل.
وتوقع سرّوع أن تشمل لقاءات الوفد مسؤولين في مؤسسات رسمية وخاصة، لا سيما في القطاع المالي من مصارف ومن مكونات السلطة النقدية كحاكمية البنك المركزي ولجنة الرقابة على المصارف وهيئة التحقيق الخاصة، بوصفها معنية بتطبيق معايير الامتثال ومكافحة غسل (تبييض) الأموال، وبما يشمل الفساد والتهريب وتجفيف تمويل الإرهاب وفقا لمنظومة قوانين العقوبات الأميركية والتي طال بعضها شخصيات سياسية وحزبية ومؤسسات لبنانية في مراحل سابقة، وكان آخرها «جمال تراست بنك» أوائل صيف عام 2019، إضافة إلى مؤسسات أمنية ذات صلة بالتصدي للجرائم المالية وملاحقتها. أما فيما يخص المجتمع المدني، فقد حدد الوفد مهمته مسبقاً بإجراء مناقشات حول مكافحة الفساد، وهو ما ينسجم مع مسار الدعم والتشجيع الدولي للمنظمات والهيئات غير الحكومية الناشطة في لبنان.
لكن الأهم، بتقدير الخبير المالي، يكمن في توقيت الزيارة ذات الطابع الميداني، وهي الأولى من نوعها بإدارة جانيت يلين، وزيرة الخزانة الأميركية، وغداة تصريح وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أن إعلان السياسي اللبناني سعد الحريري الخميس (الماضي) تخليه عن مساع يبذلها منذ شهور لتشكيل حكومة جديدة «تطور مخيب للآمال»، وبأنه «لا بد للزعماء في بيروت أن ينحوا على وجه السرعة الاختلافات الحزبية وأن يشكلوا حكومة تخدم الشعب اللبناني».
وجاء تصريح بلينكن بعدما لوّح مع نظيره الفرنسي جان إيف لودريان، بالتحرك معا للضغط على المسؤولين عن الأزمة التي يغرق فيها لبنان منذ أشهر، و«نحن نعرف من هم». علما بأن فرنسا فرضت مؤخراً قيوداً على الدخول إلى أراضيها على قادة لبنانيين تعتبرهم مسؤولين عن الأزمة، دون الكشف عن أسمائهم.
ولاحظ سرّوع أن التحرك، ولو على المستوى التقني، من قبل وزارة الخزانة الأميركية تجاه لبنان ليس شأناً عابراً، نظير انكشاف ملفات محلية عابقة بالفساد الإداري والمالي، ومعززة بحملات اتهامات متبادلة بين الأفرقاء السياسيين الفاعلين برعاية الهدر والمحاصصة على حساب الإنفاق العام للدولة، ما تسبب بغرق البلاد في أزمات اقتصادية ومالية ونقدية حادة، بحيث فقدت العملة الوطنية نحو 93 في المائة من قيمتها الشرائية، وتسببت بتفشي الفقر ليطال نحو ثلثي إجمالي المواطنين والمقيمين.
وإلى جانب الملفات المحلية التي يفترض أن تخضع للتقصي والتحقق من قبل الوفد الأميركي الذي يدير الملف المالي اللبناني من خلال بنك معلومات واستقصاءات عن مجمل تحركات الأموال عبر الحدود في العالم أجمع، يلفت سرّوع إلى الموجبات المتصلة بقانون «قيصر» الذي يحظر أي تعاملات مالية واقتصادية يمكن أن يستفيد منها النظام السوري، بينما تتوالى التقارير المحلية عن «غزارة» عمليات التهريب للمواد النفطية التي لا تزال تحظى بالدعم التمويلي من قبل البنك المركزي اللبناني.
الخزانة الأميركية تستقصي «الامتثال» اللبناني لمكافحة غسل الأموال
وفد يضم مسؤولين عن «العقوبات» يزور بيروت
الخزانة الأميركية تستقصي «الامتثال» اللبناني لمكافحة غسل الأموال
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة