وزير داخلية مصر.. أمام تحدي الوطن

اللواء مجدي عبد الغفار.. يؤمن بالتغيير عن طريق ذراع «المعلوماتية»

وزير داخلية مصر.. أمام تحدي الوطن
TT

وزير داخلية مصر.. أمام تحدي الوطن

وزير داخلية مصر.. أمام تحدي الوطن

ربما كانت الصدفة وحدها تقف شامخة حين قرر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إجراء تعديل وزاري محدود في حكومة إبراهيم محلب، ليشمل التغيير إحدى الحقائب السيادية الدائمة في حكومات مصر منذ عهد بعيد؛ حقيبة الداخلية، فيختار السيسي رجلا أمنيا رفيعا، يعرف قدراته جيدا منذ سنوات، نتيجة تعاونهما معا في حمل مشقة حماية الأمن القومي المصري في فترة من أصعب فترات الاختلال الأمني في البلاد، وهو اللواء مجدي عبد الغفار.
يجيء تعيين اللواء مجدي عبد الغفار في منصب وزير الداخلية بينما تتطلع الدولة إلى تحقيق مناخ آمن وملائم لجذب استثمارات لشرايين الاقتصاد المنهك، خاصة قبيل المؤتمر الاقتصادي الهام في شرم الشيخ. وبينما ينتقي الرئيس المصري رجال الدولة بعين الخبرة والثقة والقدرة على تحقيق المطلوب؛ يتطلع المواطن المصري البسيط إلى حلم طال انتظاره ويتمنى أن يتحقق على يد الوزير الجديد، بالوصول إلى توازن دقيق بين وجود الأمن، وهيبة رجاله؛ دون أن ينال ذلك من كرامة المواطن أو حقوقه.
الصدفة تمثلت زمنيا في يوم الإعلان عن اسم وزير الداخلية الجديد اللواء عبد الغفار، الذي تزامن مع ذكرى يوم لن يغيب عن ذاكرة المصريين على مختلف انتماءاتهم، يوم 5 مارس (آذار)، حين اقتحم مئات من المواطنين المتحمسين المبنى الذي يمثل قلعة وقلب الداخلية؛ مبنى جهاز أمن الدولة في ضاحية مدينة نصر شرق العاصمة في مثل ذلك اليوم من عام 2011.
كانت الثورة المصرية آنذاك في أوجها، بعد تخلي رأس النظام نفسه الرئيس الأسبق حسني مبارك عن السلطة عقب تفاقم غضب شعبي عارم؛ تلك الغضبة التي بدأت بالأساس ضد ممارسات قمعية لأجهزة مبارك الأمنية.. فتوالت الدعوات مطلع عام 2011 للتظاهر ضد الانتهاكات في عيد الشرطة نفسه الذي يوافق 25 يناير (كانون الثاني).. لكن سوء تقدير النظام الحاكم وقتها أسفر عن تفاقم موجة السخط، لتنهار الشرطة مع غروب شمس يوم 28 يناير (جمعة الغضب)، ويحرق مقر الحزب الحاكم في الليلة نفسها، وتستبدل الحكومة يوم 29 يناير، قبل أن يرضخ مبارك ويتنحى بعد 18 يوما من الاحتجاجات العارمة ليلة 11 فبراير (شباط) 2011
وقبل أن يمر شهر واحد على تلك اللحظة التاريخية، اقتحم مئات المواطنين المقر الحصين لأمن الدولة في ليلة 5 مارس.. البعض قال إن ذلك يعود إلى «مؤامرة»، وآخرون قالوا إنه تتويج للانتقام الشعبي من أشرس أجهزة النظام.
لكن المحصلة كانت انهيار الجهاز الأمني الذي سبقته سمعة مثيرة للرعب على مدار سنوات طويلة.. ورغم سعادة البعض بالنصر الرمزي، فإن أغلبية الشعب المصري عانت على مدار السنوات التالية من رعب الغياب الأمني وانفلات الأمور بالشارع المصري لدرجة انتشار حوادث لم تكن معتادة من قبل في مصر، على غرار السرقة بالإكراه وباستخدام أسلحة آلية في قلب طرق رئيسية حيوية بالمدن الكبرى وعلى رأسها العاصمة القاهرة ذاتها.
وبحلول جماعة الإخوان في مقعد السلطة منتصف عام 2012 عقب انتخاب الرئيس الأسبق محمد مرسي، لم تتحسن الأوضاع الأمنية كثيرا، كما ظل هاجس التجاوزات موجودا.. لكن زوال السلطة سريعا عن الجماعة التي ظلت تحلم بها لأكثر من 80 عاما منذ تأسيسها، تسبب في انفجار جديد للأوضاع، ما زالت شواهده قائمة حتى اليوم.
الانفجار الثاني للوضع، بحسب مراقبين تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، كان يتمثل في انتقام الجماعة من المجتمع عقب العزل، وذلك تزامنا مع وجود جهاز أمني محصور بين مطرقة البحث عن هيبة مهتزة، وسندان المصالحة مع شعب يبحث عن حقوقه في أمن بلا تنازل عن كرامته.
وفي ظل تلك الأوضاع الملتبسة والمرتبكة، توالى على حمل حقيبة الداخلية خلال السنوات الأربع الماضية خمسة من اللواءات قبل اللواء عبد الغفار، أغلبهم حضر إلى الوزارة من التقاعد. وهم اللواء محمود وجدي واللواء منصور العيسوي واللواء محمد إبراهيم يوسف في فترة تولي المجلس العسكري مقاليد الحكم. ثم أتى اللواء أحمد جمال الدين وتلاه اللواء محمد إبراهيم مصطفى في عهد مرسي، واستمر الأخير في عهد الرئيس المؤقت المستشار عدلي منصور وأول حكومات الرئيس السيسي، حتى تقرر التعديل الوزاري الأسبوع الماضي.
وقال مسؤول مصري بارز لـ«الشرق الأوسط» إن فكرة الاستعانة بـ«لواء سابق» على قمة جهاز الشرطة خلال الأعوام الماضية، وهو ما حدث مع كل الوزراء ماعدا في حالتي اللواء جمال الدين وخلفه محمد إبراهيم واللذين وصلا إلى المنصب «في الخدمة»، كان الغرض منها دائما الابتعاد عن شبهة مجاملة الجهاز الأمني بتصعيد قيادة بارزة بالخدمة إلى منصب الوزير؛ «ما قد يعني في رأي البعض أنه من الممكن أن يغض البصر عن تجاوزات زملائه الآخرين في الجهاز». موضحا أن استغلال ذلك الأسلوب خلال الأعوام الثلاثة الأولى نجح في تهدئة جزئية - إلى حد ما - للشارع المصري، بحسب رأيه.
لكن المسؤول نفسه يؤكد أن «مرحلة اختيار وزير ليعجب الشارع فقط من أجل التهدئة ولت.. المرحلة الانتقالية انتهت، والرئيس السيسي الآن يحكم الدولة بشكل مستقر، وكل رجال الدولة حاليا محسوبون عليه، ولذا فهو يشكل الحكومة بما يتماشى مع فكره، وملخصه الرجل المناسب في المكان المناسب». مشيدا باختيار اللواء عبد الغفار تحديدا للمنصب، لكونه يجمع بين الكفاءة والمهنية والفكر المتطور، إلى جانب قدر كبير من إعلاء قيمة «احترام المواطن».
وتشير المعلومات الشحيحة المتاحة عن اللواء عبد الغفار، بحكم وجوده أغلب فترات خدمته بداخل جهاز يعتمد على السرية، أنه كان أحد أكفأ ضباط جهاز الأمن في تاريخ خدمته. وأسند إليه في أحد المراحل منصبا حساسا للغاية، هو رئيس أمن جهاز الأمن الوطني، أي أنه كان الشخص المسؤول مباشرة عن حماية الجهاز نفسه من أي اختراق؛ الجهاز الشرطي الأبرز المكلف بحماية المصريين داخليا.
ووفقا لتلك المعلومة، أكد المسؤول المصري أن «من عمل بذلك الموقع تحديدا تكون لديه الخبرة الكافية لانتقاء رجاله أولا، لأن كل الأوراق تكون مكشوفة أمامه بحكم موقعه.. ثانيا، يكون من خلال خبرته في حماية قلب الجهاز الشرطي مؤهلا لحماية الجهاز ككل، والدولة بعد ذلك».
لكن الشغل الشاغل للمصريين يظل متعلقا بطبيعة ومهام وزير الداخلية الجديد.. ليس كاسم أو تاريخ، ولكن كشخصية وفكر وتعامل. خاصة أن مفارقة أخرى حملها تعيين اللواء عبد الغفار في منصب الوزير؛ كونه الوحيد من بين وزراء ما بعد 25 يناير الستة الذي جاء من رئاسة جهاز الداخلية القوي، الأمن الوطني حاليا، خليفة أمن الدولة السابق.
المفارقة دفعت إلى أذهان البعض التذكير بأن آخر من قاد الداخلية من «معبر» أمن الدولة كان العادلي نفسه، وأن أغلب وزراء داخلية مبارك مروا من نفس الطريق.. لكن ضباطا وشخصيات مصرية عامة، عرفوا عبد الغفار عن قرب، أكدوا لـ«الشرق الأوسط» أن «اللواء عبد الغفار هو وجه نقيض للعادلي»، مشددين على أن اللواء عبد الغفار يمتاز بالحزم والصرامة حقا، لكنه حزم عملي ممزوج بالهدوء ودماثة الخلق وحسن المعاملة وإنسانية بالغة مع الآخرين، وأنه يقدر حقوق المواطن بنفس قدر اهتمامه بتوفير الأمن له.
ضابط سابق خرج من الخدمة قبل عام برتبة لواء قال لـ«الشرق الأوسط» إنه يتذكر «قمما» خلال فترة خدمته بالوزارة في عهد مبارك، «حيث وصلت الداخلية إلى أفضل مستوياتها توازنا بين واجبها الأمني واحترام المواطن في عهد الوزير الأسبق الراحل اللواء أحمد رشدي، بينما بلغت قمة هيبتها في عهد الراحل زكي بدر حين كان الجاني يرتعد قبل تنفيذ أية عملية خشية ما سيحدث له بعدها».. لكن الوزارة بلغت في رأيه أقصى درجات «الغشم» و«التجبر» و«البطش» في عهد الوزير حبيب العادلي، حين ظنت خطأ أن المواطن بلا ثمن، وتعاملت على هذا الأساس.
وبينما يؤكد الضابط السابق، الذي خدم لوقت طويل في جهاز «أمن الدولة المنحل»، أن «لكل شخصية طباعها الخاصة، واللواء عبد الغفار شخصية متوازنة.. لكني آمل أن تكون وزارته أقرب لوزارة رشدي».. كما لا يرى الضابط السابق أن هناك صدفة ما في اختيار الرئيس السيسي للواء عبد الغفار لحقيبة الوزارة، موضحا أن «تأجيل إجراء الانتخابات البرلمانية دفع للتعجيل بالأمور.. فالرئيس كان ينتظر حتى يلتئم مجلس النواب لتشكل الأغلبية الحكومة بحسب الدستور، لكن التأجيل الذي قد يصل إلى نهاية الصيف يعني أن التغيير أصبح وجوبيا الآن لأن الحكومة محسوبة على الرئيس».
ويتابع اللواء أن «فكرة تأمين مصر عامة، وشرم الشيخ على وجه الخصوص، خلال استضافة مصر لمؤتمرها الاقتصادي، دفعت إلى التعجيل بالتغيير الوزاري، نظرا لأن الأمن والأمان في هذه الفترة هو أمر لا يقبل النقاش؛ ولا يمكن المقامرة أو المغامرة به.. وهو سبب آخر لاختيار اللواء عبد الغفار تحديدا للمنصب لأنه الأقدر والأجدر على تحقيق مبدأ الأمن الوقائي».
أيضا، لا يعتقد اللواء في فكرة «صدفة» التزامن بين تعيين الوزير الجديد وذكرى اقتحام أمن الدولة، لكنه يرى أنها ربما تكون رسالة ذكية من الرئيس، الذي يعلم بالتأكيد ما سيتبع ذلك من ربط الشعب الفطن للأمور والتواريخ، فأراد أن يقول للشعب إنه «ليس كل رجال الداخلية ولا رجال أمن الدولة أشرارا.. بل كانت طبيعة مرحلة وانقضت».
وبحسب هذه الشخصيات، فإن اللواء عبد الغفار يؤمن بضرورة «تغيير سياسات في عصب الوزارة، تعتمد على فكرة أن الأمن مرادف لممارسة السطوة؛ بل هو يؤمن أن الذراع المعلوماتية هي أهم عوامل الأمن الحقيقية.. وبدا ذلك جليا في تنفيذ اللواء عبد الغفار لحركة تنقلات وتبديلات واسعة لقيادات الداخلية من أجل خدمة وتنفيذ استراتيجيته».
وزير الداخلية الجديد اللواء عبد الغفار، اعترف صراحة وعلنا في منتصف عام 2011 بتجاوزات «العهد السابق» في حق الشعب المصري، مؤكدا أن «الممارسات الخاطئة كانت مؤسسية»، وذلك بعد 3 أشهر فقط من توليه منصب وكيل جهاز الأمن الوطني، الذي خلف جهاز أمن الدولة «سيئ السمعة» عقب حله في 15 مارس 2011.
وقال اللواء عبد الغفار، في ظهور تلفزيوني نادر له آنذاك، إن «جهاز الأمن الوطني هو أحد مكتسبات ثورة 25 يناير، وهو جهاز خاص بحماية المواطن وليس لحماية النظام.. ولن يكون أبدًا مثل أمن الدولة سابقًا»، مؤكدا إعداد مشروع قانون يضمن الرقابة القضائية على أداء الجهاز، وكذلك استبعاد بعض الإدارات «سيئة السمعة» من الجهاز، كانت تتدخل في شؤون المواطنين بشكل غير لائق.
مصادر إعلامية مصرية أشارت خلال الأيام السابقة إلى ملاحظة أخرى هامة، حيث إن وجود اللواء عبد الغفار على رأس جهاز الأمن الوطني في فترة ما بعد التفكك الأمني خلال عام 2011، تزامنت مع وجود الرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي على رأس جهاز المخابرات الحربية، وهي المرحلة التي فرضت تعاونا وثيقا بين الجهازين، ومعرفة عميقة بين الرجلين، لحماية الأمن المصري داخليا وخارجيا في فترة مضطربة من تاريخ مصر الحديث.
وأوضحت المصادر أن تلك «المعرفة القديمة» نجمت عنها ثقة من الرئيس المصري في رجل الأمن الوطني، مما سمح باتصال الرئيس به قبل الإعلان عن التعديل الوزاري بنحو أسبوع، ليطلب من عبد الغفار إعداد ملف شامل برؤيته لتطوير عمل الداخلية.. وهو ما أثبته قيام عبد الغفار بـ«أسرع حركة تنقلات» وتغييرات للقيادات في تاريخ وزارة الداخلية في اليوم التالي مباشرة بعد حمل الحقيبة.



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».