العلاقات بين تونس وليبيا.. العسل المرّ

مسلسل «الزوابع» الإعلامية والسياسية.. والخيارات الصعبة

العلاقات بين تونس وليبيا.. العسل المرّ
TT
20

العلاقات بين تونس وليبيا.. العسل المرّ

العلاقات بين تونس وليبيا.. العسل المرّ

يزور تونس اليوم عبد الله الثني رئيس حكومة برلمان طبرق، شرق ليبيا، بعد الزوبعة الإعلامية والسياسية التي أثارتها تصريحات وزير الخارجية التونسي الطيب البكوش عن «التعامل مع الأمر الواقع في ليبيا» بفتح قنصليتين تونسيتين في طرابلس وطبرق و«التزام الحياد في الخلافات الليبية- الليبية». تصريحات البكوش تلك أثارت ردود فعل متناقضة وغير مسبوقة في تونس وليبيا بين مُساند ومتحفظ ومنتقد، رغم نفي الحكومة لتلك التصريحات لاحقا.
وكان أكثر ردود الفعل إثارة على موقف رئيس الدبلوماسية التونسية تصريحات «وزير إعلام حكومة طبرق» عمر القويري الذي لوح بالاعتراف بحكومة في جبل الشعانبي على الحدود الجزائرية التونسية، إذ تقود بعض المجموعات الإرهابية منذ أعوام هجمات ضد قوات الجيش والأمن التونسيين. فإلي أين تسير العلاقات التونسية الليبية في أجواء التصعيد هذه ومسلسل «الزوابع» الإعلامية والسياسية؟
كشفت تصريحات السياسيين التونسيين والليبيين عن وجود تيار معارض بشدة لتصريحات وزير الخارجية التونسي الجديد داخل النخب السياسية في تونس وليبيا. وبلغ الأمر ببعض السياسيين في البلدين حد اتهام الطيب البكوش بـ«خرق ثوابت الدبلوماسية التونسية» التي التزمت منذ تأسيس الدولة الحديثة من قبل الزعيم الحبيب بورقيبة مبدأ الحياد ومنهج «الدبلوماسية الناعمة» على حد تعبير الكاتب والمحلل السياسي التونسي ياسين بن محمد في صحيفة «الفجر» القريبة من حزب حركة النهضة الإسلامي.
ورغم الصبغة «الإسلامية» لبعض وسائل الإعلام التونسية فقد انتقدت مواقف الطيب البكوش وذكرت بكونه «الأمين العام لحزب نداء تونس» العلماني، واعتبرت أنه «أساء التعبير عن موقف الحياد» وأنه «استفز بعض أطراف الصراع في ليبيا».

* انتقادات.. وشرعية
* وصدرت أكثر الانتقادات لمواقف الخارجية التونسية من قبل السياسيين الليبيين والتونسيين المعارضين سياسيا لتوجهات «التيارات السياسية الإسلامية التي تهيمن على المنطقتين الغربية والوسطى مدعومة بقوات (فجر ليبيا) و(غرف ثوار ليبيا) وميليشيات متهمة بالإرهاب، بعضها مرتبط بـ(القاعدة) وعصابات (داعش)»، حسب تعبير زهير مخلوف عضو البرلمان التونسي والقيادي في حزب الشعب ذي الميول القومية العربية الناصرية.
ويتهم المغزاوي وأنصاره وعدد من الساسة البارزين في المنطقة الشرقية بليبيا حكومة طرابلس بالتحالف مع «المتطرفين دينيا» وبخدمة أجندات بعض العواصم العربية والإقليمية، بينها أنقرة. ويطالب عدد من الساسة التونسيين والليبيين وزارة الخارجية التونسية بأن «تحترم قرارات الأمم المتحدة التي تعتبر برلمان طبرق «الممثل الشرعي الوحيد للشعب الليبي بعد الانتخابات الديمقراطية التي نظمت في صيف 2014.. على الرغم من ضعف نسبة المشاركة في تلك الانتخابات وقرار إحدى المحاكم الليبية الذي قضى بحله.

* استياء تونسي
* في المقابل انتقد وزير الشؤون الخارجية الطيب البكوش المعترضين على الموقف «الحيادي من النزاعات الليبية- الليبية»، الذي عبر عنه والذي أعاد فيه التعبير عن مواقف مماثلة سبق أن صدرت عن الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي وعن زعيم حزب النهضة راشد الغنوشي وزعماء عدة أحزاب معارضة تونسية مثل أحمد نجيب الشابي زعيم الحزب الجمهوري ومحمد عبو زعيم التيار الديمقراطي. وبرر رئيس الدبلوماسية موقف حكومته الحيادي بين الأطراف السياسية التي تتنازع الشرعيات في طرابلس وبنغازي بـ«الواقعية» و«البراغماتية» وواجب «التعامل مع الواقع في ليبيا كما هو، أي وجود حكومة في طبرق وأخرى في طرابلس».
وانتقد وزير الخارجية التونسي بقوة تصريحات وزير الإعلام «في حكومة طبرق» عمر القويري، التي أورد فيها أن حكومته ستكون على ذات المسافة مع حكومة قصر قرطاج و«حكومة الشعانبي». وقال البكوش: «إن تصريحات ما يسمى بالوزير الليبي غير مسؤولة»، وأضاف: «ما قاله كلام غير مسؤول، وهو من أسخف ما سمعت، وأمثال هؤلاء لن نقبلهم في بلادنا».
كما انتقد المختار الشواشي الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية التونسية «تهجم ممثل حكومة طبرق على تونس التي تستضيف منذ سنوات نحو مليونين من الأشقاء الليبيين بصرف النظر عن مواقفهم السياسية والحزبية». واستغرب الناطق باسم الخارجية التونسية «خلط المسؤول الليبي بين المجموعة الإرهابية في جبل الشعانبي وواقع ليبيا التي توجد فيها منذ أكثر من عام أكثر من حكومة وأكثر من برلمان وسلطات كثيرة».
في الأثناء صدرت في بعض وسائل الإعلام التونسية انتقادات حادة للمسؤول الليبي في حكومة طبرق وتساءلت عن الأسباب التي جعلت كبار المسؤولين في الحكومة التونسية لا يأمرون بطرده من تونس عندما تهجم عليها ولوح بالاعتراف بمجموعات صغيرة جدا من الإرهابيين في شكل «حكومة الشعانبي» و«قصر الرئاسة في الشعانبي» على غرار قصر قرطاج وحكومة تونس. كما أشار المختار الشواشي إلى أن وزير الخارجية التونسي لم يتحدث عن الاعتراف بحكومتين ليبيتين، ولكن عن التعامل مع الواقع الليبي كما هو، وعن إعادة فتح القنصليتين التونسيتين القديمتين في كل من طرابلس وبنغازي خدمة لمصالح عشرات آلاف التونسيين المستقرين في مختلف مدن ليبيا شرقا وغربا.

* اعتذار ليبي
* في الأثناء صدر «اعتذار» عن الناطق الرسمي باسم حكومة طبرق أبو بكر بعيرة عن «تصريحات عمر القويري»، وقيل إنه أسيء فهمهما.. ودعا المتحدث الليبي إلى عدم الإساءة إلى العلاقات الأخوية المميزة بين الشعبين التونسي والليبي، لكن «توضيحات الناطق باسم حكومة طبرق» لم تقلل الاحتقان بين الجانبين التونسي والليبي بسبب ما سماه البعض «تدخلا في شؤون تونس» وسماه الطرف المقابل «اعترافا من قبل تونس بحكومة وبرلمان غير شرعيين في طرابلس على الرغم من الاعتراف الأممي ببرلمان طبرق فقط»، كما أدلى وزير الإعلام في حكومة طبرق الليبية عمر القويري بتصريحات جديدة عبّر فيها عن رفض حكومته تصريحات وزير الخارجية التونسي الطيب البكوش بخصوص «اعتراف» تونس بحكومتين في ليبيا، وقال: «الاعتراف بالحكومة غير الشرعية ومساواتها مع (الإرهابيين) لا يجوز، خصوصا وهو يعطي مؤشرات سلبية جدا للخارجين عن الشرعية». في إشارة إلى قوات «فجر ليبيا» و«غرف ثوار ليبيا» التي تسيطر على الأغلبية الساحقة من التراب الليبي برا، خصوصا في المناطق الغربية والوسطى، بينما تسيطر قوات «الكرامة» الموالية للواء خليفة حفتر على غالبية الأجواء الليبية وعلى مناطق في المنطقة الشرقية، بينها شرق مدينة بنغازي.
وتمادى «الوزير الليبي» في حوار مع صحيفة «آخر خبر» الجزائرية قائلا: «أبشركم بقيام إمارة إسلامية بجبل الشعانبي، وسنتعامل بحياد وسنكون على مسافة واحدة من حكومة قصر قرطاج ومع حكومة قصر الشعانبي». وانتقد عمر الغويري تصريحات الرسميين التونسيين التي أعلنوا فيها عن كون تونس «تقف على ذات المسافة مع حكومة عبد الله الثني شرق ليبيا وحكومة عمر الحاسي ومقرّها العاصمة طرابلس».

* دعوات لغلق الحدود
* في هذا المناخ المشحون وبعد تعاقب حالات الكشف عن مخازن أسلحة تهرب من ليبيا إلى تونس بواسطة «السياح الليبيين» - وبينها مخزن من الأسلحة المتطورة وقع الكشف عنه قبل أيام في مدينة بن قران الحدودية - تتوافد على تونس مجموعات عن مجالس الأعيان والأحزاب السياسية والمسؤولين الأمنيين والعسكريين لدعم مسار الحوار والتفاوض بين مختلف الفرقاء الليبيين.
وإذ رحب عدد من الساسة العلمانيين والإسلاميين التونسيين بجهود الحوار السياسي الليبي- الليبي في تونس والجزائر والمغرب، فإن مزيدا من الإعلاميين والمحللين السياسيين أصبحوا يطالبون سلطات بلدهم بـ«غلق الحدود التونسية الليبية برا وجوا، وبتشديد مراقبة مئات آلاف الليبيين المقيمين في تونس لأن الإرهاب يزحف على تونس وبقية الدول المغاربية عبر ليبيا»، على حد تعبير الكاتب والإعلامي سفيان بن فرحات والجامعي علية العلاني.

* محاولات الانقلاب على البكوش
* وإذ تتراوح العلاقات التونسية الليبية بين التصعيد والتهدئة وظفت أطراف سياسية في الحزب الحاكم في تونس - بزعامة الباجي قائد السبسي والطيب البكوش - الخلافات الليبية- الليبية لاتهام زعيم حزب الوطن الليبي الملياردير عبد الحكيم بالحاج بالتدخل في الشؤون السياسية التونسية، وبينها التطورات داخل حزب «نداء تونس»، إذ تتبادل مجموعتان من كبار مسؤوليه اتهامات بـ«الخيانة والتورط في الممارسات الانقلابية» تحت تأثير من أثرياء تونسيين لديهم علاقات مشبوهة مع بعض «أمراء الحرب في ليبيا».
وفي الوقت الذي نظم فيه عشرات من القياديين البارزين في الحزب الحاكم التونسي هجمات على الأمين العام للحزب الطيب البكوش ومقربين منه، بينهم المستشار السياسي لرئيس الجمهورية محسن مرزوق ورئيس ديوانه رضا بالحاج وعلى الوزير الأزهر العكرمي، شن الطرف المقابل في قنوات تلفزية ووسائل إعلام كبرى اتهامات لأثرياء تونسيين وشخصيات ليبيةـ بينها عبد الحكيم بالحاج بـ«الضلوع في محاولات التأثير في الشأن الداخلي التونسي وتنظيم انقلاب على قيادة حزب نداء تونس».

* حكومة وحدة وطنية
* لكن لئن تطور ملف العلاقات المميزة بين تونس وليبيا من «ورقة رابحة جدا اقتصاديا وأمنيا» إلى «عبء ثقيل» فإن مؤشرات جديدة ترجح سيناريو «احتواء الأزمة الليبية بمساعٍ تونسية».
في هذا السياق صرح أبو بكر مصطفى بعيرة الناطق الرسمي باسم برلمان طبرق لـ«الشرق الأوسط» بأن «أغلب الأطراف السياسية في ليبيا أصبحت مقتنعة بضرورة التوافق وحقن الدماء وتكوين حكومة وطنية جديدة ترأسها شخصية وطنية يقع التوافق حولها بمساعدة نائبي رئيس حكومة، على أن ينتمي المسؤولون الأُوَل الثلاثة إلى الأقاليم الليبية الثلاثة: الشرق والغرب والجنوب.. كما يشترط في المسؤولين الثلاثة أن لا يكونوا من بين الذين تحملوا مسؤوليات في الحكومات والبرلمانات السابقة التي ثبت فشلها».
هذا المنعرج السياسي الليبي- الليبي وتعاقب توافد ممثلي مجالس الأعيان والبلديات والقبائل والأحزاب الليبية على تونس قد يرجح حسب بعض الخبراء في العلاقات الدولية - مثل السفير التونسي في طرابلس سابقا صلاح الدين الجمالي - سيناريو تحسين العلاقات الليبية التونسية مجددا.. «لأن تونس محكومة بإكراهات كثيرة»، من بينها إقامة توازنات في علاقاتها بين الدول الشقيقة والصديقة التي تدعو إلى التدخل العسكري في ليبيا - مثل إيطاليا ومصر والإمارات - وتلك التي تعارضه مثل الجزائر وفرنسا.
في المقابل يعتقد الخبير في العلاقات الدولية والوزير التونسي السابق حاتم بن سالم أن «ملف العلاقات مع ليبيا دقيق جدا بالنسبة إلى تونس في ظل استفحال الجماعات الإرهابية في ليبيا وتونس وتزايد التنسيق بينها وتعاقب الاكتشافات لأسلحة قادمة لتونس من ليبيا». لكن بن سالم والجمالي وثلة من الخبراء الاقتصاديين التونسيين يحذرون في نفس الوقت من التضحية بمصالح ملايين التونسيين والتونسيات الذين يستفيدون منذ عقود من الشراكة الاقتصادية والتجارية والمالية المميزة بين تونس وليبيا.. وهي شراكة كانت توفر لتونس نحو ثلث مواردها السنوية من العملات الأجنبية إلى جانب مساهمتها في إدخال ديناميكية كبيرة جدا على قطاعات السياحة والخدمات الطبية والتجارية.
وسواء تمكن الجانبان التونسي والليبي خلال محادثات الفرقاء الليبيين وزيارة رئيس حكومة طبرق عبد الله الثني من «احتواء الأزمة والخلافات الثنائية» أو لا، فإن قدر البلدين البحث عن «توافق جديد» لأن تونس هي المنفذ الرئيسي لغالبية الليبيين بحكم وجود ثلاثة أرباع السكان غرب ليبيا وجنوبها.. أي أن الجانبين محكومان بالتمادي في تناول الإنتاج المشترك لعسل الجنوب التونسي والغرب الليبي.. وإن كان «العسل المر».. و«الخيار الذي لا بديل عنه».



«قمة فلسطين» محطة أولى في مسار طويل لصد التهجير

من القمة (رويترز)
من القمة (رويترز)
TT
20

«قمة فلسطين» محطة أولى في مسار طويل لصد التهجير

من القمة (رويترز)
من القمة (رويترز)

الدورة غير العادية من اجتماع مجلس الجامعة العربية على مستوى القمة، عقدت في القاهرة، بناء على طلب دولة فلسطين، لمواجهة تحدي «التهجير» الذي زادت خطورته مع إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب عن مقترح لتهجير سكان قطاع غزة إلى مصر والأردن نهاية يناير (كانون الثاني) الماضي. ولقد أعقبه كلام عن عزمه على السيطرة على القطاع وتحويله إلى ما وصفه بـ«ريفييرا الشرق الأوسط»، وهو المقترح الذي قوبل بانتقادات عربية ودولية واسعة.

تنسيق عربي واسع

ورغم الرفض العربي الواضح منذ اليوم الأول لمقترح ترمب، فإن انعقاد القمة استدعى كثيراً من التحضيرات والاتصالات بدأت باجتماع «خماسي عربي» في القاهرة مطلع فبراير (شباط) الماضي، شارك فيه وزراء خارجية المملكة العربية السعودية ومصر والأردن ودولة الإمارات العربية المتحدة وقطر وأمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، والأمين العام لجامعة الدول العربية، وخلصت الجهود العربية إلى توجيه رسائل عدة إلى ترمب على رأسها «رفض التهجير».

لم تتوقف الأمور هنا، بل استمرّت البيانات والمباحثات بشأن مستجدات القضية الفلسطينية مع تفاقم «تحدي التهجير»، حتى أعلنت وزارة الخارجية المصرية عن «اتصالات مكثفة مع دول عربية عدة لبحث مستجدات القضية الفلسطينية».

وتلا ذلك الإعلان عن استضافة القاهرة قمة عربية «طارئة» هدفها بحث التطورات «المستجدة والخطيرة» للقضية الفلسطينية. وكان مقرراً عقدها في 27 فبراير الماضي، لكنها أرجئت إلى 4 مارس (آذار) الحالي لـ«استكمال التحضير الموضوعي واللوجيستي»، بحسب إفادة رسمية للخارجيّة المصرية.

التحضير لـ«القمة الطارئة»

تطلّب التحضير تنسيقاً للمواقف العربية - العربية واتصالات واجتماعات على مدار الساعة، كان أبرزها لقاء أخوي تشاوري جمع قادة دول مجلس التعاون الخليجي والأردن ومصر، الشهر الماضي في الرياض، رحّب بعقد «القمة العربية الطارئة». وجرى خلاله تبادل وجهات النظر حيال مختلف القضايا الإقليمية والدولية، خصوصاً الجهود المشتركة الداعمة للقضية الفلسطينية، وتطورات الأوضاع في قطاع غزة.

التزام بدعم القضية

وتأكيداً على قضية العرب المركزية حملت هذه الدورة غير العادية اسم «قمة فلسطين»، وعكست كلمات القادة والزعماء المشاركين فيها موقفاً موحداً رافضاً للتهجير داعماً لإعادة إعمار قطاع غزة، والأهم كونه مؤيداً لخيار السلام، مع توجيه دعوات للرئيس الأميركي لدعم مسار السلام، استناداً إلى مبدأ «حل الدولتين».

وجاء «بيان القاهرة» في ختام فعاليات القمة الطارئة متضمناً 23 بنداً، من بينها «اعتماد الخطة المقدّمة من مصر، بالتنسيق الكامل مع دولة فلسطين والدول العربية واستناداً إلى الدراسات التي أُجريت من قبل البنك الدولي والصندوق الإنمائي للأمم المتحدة، بشأن التعافي المبكّر وإعادة إعمار غزة باعتبارها خطة عربية جامعة». وأيضاً، حمل البيان تحذيراً واضحاً من «أي محاولات لتهجير الشعب الفلسطيني»، وعدّها «تهديداً لأسس السلام في الشرق الأوسط، وينسف آفاقه المستقبلية ويقضي على طموح التعايش المشترك بين شعوب المنطقة».

لبّت مخرجات «قمة فلسطين» العربية الطارئة، الكثير من «التطلعات والآمال التي كانت معقودة عليها»، بحسب خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط».

إذ قال السياسي والحقوقي الجزائري، محمد آدم المقراني، إنها «عكست التزاماً عربياً جماعياً بدعم القضية الفلسطينية». ورأى الدكتور عبد الحكيم القرالة أستاذ العلوم السياسية بالأردن أنها كانت «متوائمة مع حجم الظرف الطارئ الذي تمر به القضية الفلسطينية من أطروحات للتهجير وتصفية القضية». وبينما ذكر السياسي الفلسطيني الدكتور أيمن الرقب، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، أنها تضمنت «حلولاً سياسية وأمنية عملية تلبي كثيراً من التطلعات»، لفت أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتور، أحمد يوسف أحمد، إلى أن قرارات القمة جاءت «متناسبة مع التحديات، لا سيما تبنيها الخطة المصرية لإعادة الإعمار وتصورها لإدارة وحكم قطاع غزة وطرحها لقضية الإصلاح الداخلي الفلسطيني».

معضلة «حماس»

في بيانها الختامي، أكدت القمة أن خيار العرب الاستراتيجي هو «تحقيق السلام العادل والشامل». ودعت إلى «تكثيف التعاون مع القوى الدولية والإقليمية، بما في ذلك مع الولايات المتحدة، من أجل تحقيق السلام». ولكن بعد ساعات من اعتماد جامعة الدول العربية خطة مصر لإعادة إعمار قطاع غزة في اليوم التالي للحرب، رفضت كل من أميركا وإسرائيل المقترح. وفي حين ادعى البيت الأبيض أن الخطة «لا تعالج الأزمة الإنسانية المتفاقمة في القطاع»، عدّت إسرائيل عبر وزارة خارجيتها أن القمة «لم تعالج واقع ما بعد 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023».

في المقابل، بينما حثّت القمة على توحيد الصف الفلسطيني، ورحبت بـ«تشكيل لجنة إدارة غزة تحت مظلة الحكومة الفلسطينية» و«بجهود دولة فلسطين المستمرة في إطار الإصلاح الشامل»، لم يشر البيان الختامي إلى مصير حركة «حماس» في قطاع غزة، وهذه «معضلة» وضعتها إسرائيل والولايات المتحدة شرطاً لأي اتفاق مستقبلي، كما شددت دول أوروبية عدة في أعقاب اجتماع لمجلس الأمن الدولي، الأربعاء الماضي، على رفض أن يكون لـ«حماس» أي دور في قطاع غزة مستقبلاً.

غير أن رئيس الوزراء وزير الخارجية الفلسطيني، محمد مصطفى، أبدى تفاؤلاً إزاء هذه النقطة، وقال في مؤتمر صحافي ختامي للقمة: «لا نريد أن نعطي لأحد الذرائع... مطلوب من الجميع تقديم أفضل ما عنده لتجاوز العقبات... والمسؤول الأول عن الوضع الحالي هو إسرائيل». وأضاف مصطفى: «ضمن التوافقات الفلسطينية نحن كفيلون بتجاوز هذه القضايا ونعتمد على وطنية الجميع لحل أي خلاف».

من جهة ثانية، مع تأكيد الدكتور أحمد أن تحقيق وحدة الصف الفلسطينية «أمر ليس بالسهل»، لفت إلى «مؤشرات إيجابية» من بينها ترحيب «حماس» بقرارات القمة، وتحميل إسرائيل المسؤولية. واتفق معه الدكتور الرقب بقوله إن «المؤشرات الحالية توحي بقدر من البراغماتية الفلسطينية في التعامل مع الموضوع ورغبة في حل القضايا الداخلية العالقة».

بالتوازي، وفق أمين عام جامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، قدمت القمة «بديلاً واضحاً وعملياً وواقعياً لمقترح إخراج الفلسطينيين من أراضيهم». وأشار في مؤتمر صحافي في ختام أعمال القمة، إلى أن الخطة «ليست فنية فقط، بل ترسم مساراً لسياق أمني وسياسي جديد في غزة، يتضمن تشكيل لجنة تكنوقراط غير فصائلية، تتولى إدارة القطاع لمدة 6 أشهر تحت إشراف السلطة الفلسطينية... وهذه خطة مرنة وقابلة للتطوير حسب مقتضيات الواقع».

التحدي الصعب

في المقابل، عدّ الرقب أنه بقدر قوة قرارات القمة فإنها «تحتاج إلى خطوات إجرائية لتنفيذها على أرض الواقع... ومعظم القرارات بما في ذلك إعادة الإعمار تتطلب التزاماً إسرائيلياً بمراحل اتفاق وقف إطلاق النار وانسحاباً كاملاً من قطاع غزة». وأكد السياسي الفلسطيني «ضرورة تحرك الدبلوماسية العربية للتأثير على الإدارة الأميركية وإقناعها بالخطة المصرية لإعادة الإعمار... كيلا تكون قرارات القمة ككثير من القرارات السابقة حبراً على ورق». وأردف: «نحتاج لخطوات إجرائية فعلية وعمل دؤوب كيلا نكون أمام خيارات صفرية». وفي هذا السياق، دعا الدكتور القرالة لحشد الدعم الدولي من أجل أفق سياسي واضح للقضية الفلسطينية... «لأن مخرجات القمة تحتاج إلى دعم وإسناد خلال الأيام المقبلة، بهدف البناء على الرؤية العربية والموقف الجامع لحل القضية الفلسطينية وانتشال المنطقة من براثن العنف».

من زاوية أخرى يبدو أن وضع مقررات القمة موضع التنفيذ «هو التحدي الأساسي الأصعب أمام القمة»، بحسب الدكتور أحمد، لا سيما مع رفض إسرائيل والولايات المتحدة لها، إذ قال: «القمة خطوة أولى تستتبعها خطوات أكثر صعوبة». وهذا تحد أشار إليه أيضاً أبو الغيط بقوله إن «القمة محطة أولى في مسار طويل أتمنى ألا يكون شاقاً». أما المقراني فرهن فعالية مخرجات القمة بـ«مدى التنسيق المستقبلي بين الدول العربية، وقدرتها على تجاوز الخلافات وتوحيد الصفوف في مواجهة التحديات المشتركة».

الواقع أن البيان الختامي يشير إلى «التنسيق في إطار اللجنة الوزارية العربية - الإسلامية المشتركة لإجراء الاتصالات والقيام بالزيارات اللازمة للعواصم الدولية من أجل شرح الخطة العربية لإعادة إعمار قطاع غزة، والتعبير عن الموقف المتمسك بحق الشعب الفلسطيني بالبقاء على أرضه وحقه في تقرير مصيره». لكن الدكتور يوسف يلفت إلى «سير الإدارة الأميركية الحالية في اتجاهات متضاربة»، ويقول: «هذا لا يعني أنه لا مجال للتحرك، ولكن تبقى مواقف الإدارة الأميركية الحالية صعبة وتحتاج إلى مجهود لتغييرها ودفعها لدعم الخطة العربية».

وهكذا، انتهت القمة لكن العمل العربي لمواجهة تحدي «التهجير» وتصفية القضية لم ينته بعد، وهو ما يستدعي البدء في «مرحلة كسب المزيد من الدعم للخطة العربية».