جان ماري رياشي: «لحظة مرفأ» في ميوزيكال مسرحي مرتقب

جان ماري رياشي
جان ماري رياشي
TT

جان ماري رياشي: «لحظة مرفأ» في ميوزيكال مسرحي مرتقب

جان ماري رياشي
جان ماري رياشي

يتعثر الملحن والموزع الموسيقي جان ماري رياشي بالظرف اللبناني القاتل، فتتأجل المشاريع من تلقائها لاصطدامها بالجو المحبط وثقل الوضع. لا يزال متفائلاً بلبنان، ويقول لـ«الشرق الأوسط» بأن قدره النهوض من رماده. ينهمك في التحضيرات ويسابق عقارب الساعة. تعاون جديد يجمعه مع وزير الإعلام اللبناني السابق ملحم رياشي، عنوانه «لحظة مرفأ»، لمناسبة الذكرى السنوية الأولى للفجيعة. نحو 90 دقيقة من الموسيقى والمشهديات، يتحين الوقت المناسب لعرضها. «لا نستطيع حسم التوقعات وتأكيد حدوث شيء. الأحلام كبيرة والأفكار غزيرة، لكن الأحوال تكبل». العمل جار على ولادة إعلان تشويقي في الرابع من أغسطس (آب). العرض كاملاً لا موعد له بعد. بانتظار التطورات وتحسن المزاج.
يصف العمل بـ«المشروع الكبير، وقد خصصنا له ميزانية عالية». تفضل بإخبارنا عنه، ما نوعه، وأين سيعرض؟ يبدأ بالتشديد على أنه يتطلب جهداً ويستلزم وقتاً، «فهو ليس لخمس أو ثماني دقائق، بل لنحو ساعة ونصف ساعة». ماذا بعد؟ «عمل ضخم من صنف الميوزيكال، سيعرض على المسرح، بمثابة تحية لضحايا بيروت، ووردة على نعوش شباب الدفاع المدني، من دون أن يفوته رفع الصوت حيال المستفيدين من المأساة، خرابي البيوت، العابثين بالحقيقة، المتلونين، الكاذبين ومتعددي الوجه». نسأله أن يفسر، فيرد: «تفسير الموسيقى صعب. ما أستطيع قوله هو أنه عمل موسيقي مسرحي استثنائي، يضع المشهد البيروتي المنكوب تحت المجهر».
يعرقل «الكوفيد» سرعة التنفيذ ويصرخ في وجه الحالم: «الكلمة لي». يتواصل العمل على المشروع منذ نحو السبعة أشهر، وحتى الآن، لم ينته بشكل كامل. «الظروف». يفضل جان ماري رياشي انتظار استقرار الوضع اللبناني. نخشى أنه سيطول في الدوامة الجهنمية الملتهبة، فيذكر: «أنا متفائل». لا يترقب مردوداً من العرض التلفزيوني، فالشاشات اللبنانية تقريباً تحتضر، كالبهجة والفرح. «بيعه للتلفزيون لن يحقق حتى القليل من كلفته، فنخسر قيمته. ننتظر عرضه مباشرة على المسرح، فيسجل ويعرض تلفزيونياً في وقت لاحق».
ثمانية فنانين يشاركون في الميوزيكال المسرحي، «بينهم أسماء كبيرة، وعذراً لا تضغطي لاسمي». يعرف تماماً أن النضال الفني ليس أولوية اليوم، فالناس تطارد الدواء في الصيدليات المغلقة، النجاة وسط المحارق المتنقلة وزئبق الأسعار المتقلب. يرى مشروعه «تحدياً» ولا يتراجع عن خوضه. اجتمع بملحم رياشي، كاتب كلمات «مش رح فل» بصوت عاصي الحلاني، بقصد الكتابة عن القرية اللبنانية والتراث الشعبي. جر القلم رياشي نحو الوجع الرهيب، فكتب «لحظة مرفأ». «فاجأتني فكرة مشهدية الكارثة من دون مواربة، بأسلوب غير مألوف، فلمستني رغبة في تلحينها». العمل مستمر.
يرفض الغرق في اليأس، فثمة دائماً موجة منقذة. حين قدم راغب علامة أغنية «طار البلد» (ألحان جان ماري رياشي)، تعالت الصرخات اللبنانية. كيف وليش؟ مع استنكار وإدانة ورفض، كأن الفنان «أصل البلاء». إلى أن طار البلد بالفعل، ولم يبق وضع على حاله. يستعيد ملحنها ضجتها: «أردناها رسالة لفش الخلق. الغناء هنا هادف». آلمه سفر أفراد من عائلته إلى دبي «لشهرين»، ثم قرارهم عدم العودة. ظل قراره ألا يهاجر: «أوسع الأستوديو وأفتح مطاعم، كما أعدت مطعمي المدمر تماماً في الجميزة (شارع بيروتي) إلى نشاطه. أريد وأولادي البقاء. متمسك بالأمل. حب الحياة خيارنا، وبدنا نعيش».
يشكو ونشكو الانقطاع المذل للكهرباء وتعاسة الإنترنت، «فنبرمج نشاطاتنا على هذا الشكل: نتوقف عن العمل حين تنقطع، ونزاوله حين تشع. حتى في الأستوديو، تقنين في المولدات! العصابة تسلبنا حقنا في الإبداع بكرامة».
بالنسبة إليه، لا يزال غليان الشارع متواضعاً مقارنة بحجم الهول. «اللبنانيون هم القادرون على إنقاذ بلدهم. إن تأمن الاستقرار، عاد مغتربون ملفوحون بالحنين للارتواء من أرضهم. إنني أحاول بالموسيقى، وعلى الجميع المحاولة من وجهته. فصل اللبناني عن الحريق بات مستحيلاً، وإن كان في غربته. الاستسلام ممنوع، فلنحاول».
يتفهم الحاجة إلى التمويه، ولو اتخذ وضعية النكران وصم الأذن. «علمتنا حروبنا الإفادة القصوى من الحياة. فاليوم موجودون وغداً قد لا نكون». يوم أطلق «بيروت إمي» بعيد زلزال المرفأ، أراد الفن أن يتغلب على الموت. عام يمر، والإرادة نفسها للصمود والتجاوز. يدعو للتعاون: «اتركوا أناكم جانباً، ولنتكاتف». تذكره المرحلة باغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري في الـ2005. آنذاك، ولدت أوبريت «لا ما خلصت الحكاية» من كلمات نزار فرنسيس وألحان رياشي، بأصوات فناني لبنان. وتحولت أنشودة. لم يكن الانهيار الاقتصادي مستشرساً، ولا «الكوفيد» مستوحشاً. «اليوم، السقوط دفعة واحدة».
كثير الأسفار، وكلما يعود إلى بيروت، يتأكد: «عظيمة بسرعة التعافي. Fast comeback». يعود نفسه على التحدي: «بدنا نجرب نشتغل برغم أنف الكهرباء. دائماً هناك مصائب أكبر». يحضر أغنيتين لرامي عياش ويتعاون أيضاً مع راغب علامة، مترقباً عودة الزخم الفني. أما مشروعه الأكبر، فهو موسيقى بتقنية الـ8D من الأستوديو الخاص به «للمرة الأولى في لبنان إلى المنطقة». قراره النهائي: «سأظل أحاول. في لبنان ما يستحق الحياة».



بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
TT

بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)

منذ الحلقة الأولى لمسلسل «النار بالنار» لفت تيم عزيز المشاهد في دور (بارود). فهو عرف كيف يتقمص شخصية بائع اليانصيب (اللوتو) بكل أبعادها. فألّف لها قالباً خاصاً، بدأ مع قَصة شعره ولغة جسده وصولاً إلى أدائه المرفق بمصطلحات حفظها متابع العمل تلقائياً.
البعض قال إن دخول تيم عزيز معترك التمثيل هو نتيجة واسطة قوية تلقاها من مخرج العمل والده محمد عبد العزيز، إلا أن هذا الأخير رفض بداية مشاركة ابنه في العمل وحتى دخوله هذا المجال. ولكن المخرج المساعد له حسام النصر سلامة هو من يقف وراء ذلك بالفعل. ويقول تيم عزيز لـ«الشرق الأوسط»: «حتى أنا لم أحبذ الفكرة بداية. لم يخطر ببالي يوماً أن أصبح ممثلاً. توترت كثيراً في البداية وكان همي أن أثبت موهبتي. وفي اليوم الخامس من التصوير بدأت ألمس تطوري».
يحدثك باختصار ابن الـ15 سنة ويرد على السؤال بجواب أقصر منه. فهو يشعر أن الإبحار في الكلام قد يربكه ويدخله في مواقف هو بغنى عنها. على بروفايل حسابه الإلكتروني «واتساب» دوّن عبارة «اخسر الجميع واربح نفسك»، ويؤكد أن على كل شخص الاهتمام بما عنده، فلا يضيع وقته بما قد لا يعود ربحاً عليه معنوياً وفي علاقاته بالناس. لا ينكر أنه بداية، شعر بضعف في أدائه ولكن «مو مهم، لأني عرفت كيف أطور نفسي».
مما دفعه للقيام بهذه التجربة كما يذكر لـ«الشرق الأوسط» هو مشاركة نجوم في الدراما أمثال عابد فهد وكاريس بشار وجورج خباز. «كنت أعرفهم فقط عبر أعمالهم المعروضة على الشاشات. فغرّني الالتقاء بهم والتعاون معهم، وبقيت أفكر في الموضوع نحو أسبوع، وبعدها قلت نعم لأن الدور لم يكن سهلاً».
بنى تيم عزيز خطوط شخصيته (بارود) التي لعبها في «النار بالنار» بدقة، فتعرف إلى باعة اليناصيب بالشارع وراقب تصرفاتهم وطريقة لبسهم وأسلوب كلامهم الشوارعي. «بنيت الشخصية طبعاً وفق النص المكتوب ولونتها بمصطلحات كـ(خالو) و(حظي لوتو). حتى اخترت قصة الشعر، التي تناسب شخصيتي، ورسمتها على الورق وقلت للحلاق هكذا أريدها».
واثق من نفسه يقول تيم عزيز إنه يتمنى يوماً ما أن يصبح ممثلاً ونجماً بمستوى تيم حسن. ولكنه في الوقت نفسه لا يخفي إعجابه الكبير بالممثل المصري محمد رمضان. «لا أفوت مشاهدة أي عمل له فعنده أسلوبه الخاص بالتمثيل وبدأ في عمر صغير مثلي. لم أتابع عمله الرمضاني (جعفر العمدة)، ولكني من دون شك سأشاهد فيلمه السينمائي (هارلي)».
لم يتوقع تيم عزيز أن يحقق كل هذه الشهرة منذ إطلالته التمثيلية الأولى. «توقعت أن أطبع عين المشاهد في مكان ما، ولكن ليس إلى هذا الحد. فالناس باتت تناديني باسم بارود وتردد المصطلحات التي اخترعتها للمسلسل».
بالنسبة له التجربة كانت رائعة، ودفعته لاختيار تخصصه الجامعي المستقبلي في التمثيل والإخراج. «لقد غيرت حياتي وطبيعة تفكيري، صرت أعرف ماذا أريد وأركّز على هدف أضعه نصب عيني. هذه التجربة أغنتني ونظمت حياتي، كنت محتاراً وضائعاً أي اختصاص سأدرسه مستقبلاً».
يرى تيم في مشهد الولادة، الذي قام به مع شريكته في العمل فيكتوريا عون (رؤى) وكأنه يحصل في الواقع. «لقد نسيت كل ما يدور من حولي وعشت اللحظة كأنها حقيقية. تأثرت وبكيت فكانت من أصعب المشاهد التي أديتها. وقد قمنا به على مدى يومين فبعد نحو 14 مشهداً سابقاً مثلناه في الرابعة صباحاً صورنا المشهد هذا، في التاسعة من صباح اليوم التالي».
أما في المشهد الذي يقتل فيه عمران (عابد فهد) فترك أيضاً أثره عنده، ولكن هذه المرة من ناحية الملاحظات التي زوده بها فهد نفسه. «لقد ساعدني كثيراً في كيفية تلقف المشهد وتقديمه على أفضل ما يرام. وكذلك الأمر بالنسبة لكاريس بشار فهي طبعتني بحرفيتها. كانت تسهّل علي الموضوع وتقول لي (انظر إلى عيني). وفي المشهد الذي يلي مقتلها عندما أرمي الأوراق النقدية في الشارع كي يأخذها المارة تأثرت كثيراً، وكنت أشعر كأنها في مقام والدتي لاهتمامها بي لآخر حد»
ورغم الشهرة التي حصدها، فإن تيم يؤكد أن شيئاً لم يتبدل في حياته «ما زلت كما أنا وكما يعرفني الجميع، بعض أصدقائي اعتقد أني سأتغير في علاقتي بهم، لا أعرف لماذا؟ فالإنسان ومهما بلغ من نجاحات لن يتغير، إذا كان معدنه صلباً، ويملك الثبات الداخلي. فحالات الغرور قد تصيب الممثل هذا صحيح، ولكنها لن تحصل إلا في حال رغب فيها».
يشكر تيم والده المخرج محمد عبد العزيز لأنه وضع كل ثقته به، رغم أنه لم يكن راغباً في دخوله هذه التجربة. ويعلق: «استفدت كثيراً من ملاحظاته حتى أني لم ألجأ إلا نادراً لإعادة مشهد ما. لقد أحببت هذه المهنة ولم أجدها صعبة في حال عرفنا كيف نعيش الدور. والمطلوب أن نعطيها الجهد الكبير والبحث الجدّي، كي نحوّل ما كتب على الورق إلى حقيقة».
ويشير صاحب شخصية بارود إلى أنه لم ينتقد نفسه إلا في مشاهد قليلة شعر أنه بالغ في إبراز مشاعره. «كان ذلك في بداية المسلسل، ولكن الناس أثنت عليها وأعجبت بها. وبعدما عشت الدور حقيقة في سيارة (فولسفاكن) قديمة أبيع اليانصيب في الشارع، استمتعت بالدور أكثر فأكثر، وصار جزءاً مني».
تيم عزيز، الذي يمثل نبض الشباب في الدراما اليوم، يقول إن ما ينقصها هو تناول موضوعات تحاكي المراهقين بعمره. «قد نجدها في أفلام أجنبية، ولكنها تغيب تماماً عن أعمالنا الدرامية العربية».