السيسي مطمئناً المصريين: أمننا القومي «خط أحمر» لا يمكن تجاوزه

دعا السودان وإثيوبيا لاتفاق «قانوني ملزم» بشأن «سد النهضة»

السيسي خلال فعاليات مؤتمر المشروع القومي «حياة كريمة» (من صفحة متحدث الرئاسة المصرية على «فيسبوك»)
السيسي خلال فعاليات مؤتمر المشروع القومي «حياة كريمة» (من صفحة متحدث الرئاسة المصرية على «فيسبوك»)
TT

السيسي مطمئناً المصريين: أمننا القومي «خط أحمر» لا يمكن تجاوزه

السيسي خلال فعاليات مؤتمر المشروع القومي «حياة كريمة» (من صفحة متحدث الرئاسة المصرية على «فيسبوك»)
السيسي خلال فعاليات مؤتمر المشروع القومي «حياة كريمة» (من صفحة متحدث الرئاسة المصرية على «فيسبوك»)

طمأن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي شعبه على مصير البلاد في أزمة «سد النهضة»، مؤكداً أن «قلق المصريين بشأن قضية (السد) قلق مشروع»، موضحاً أن «المساس بأمن مصر القومي (خط أحمر) لا يمكن اجتيازه... ولن نسمح لأحد بالاقتراب من مقدراتنا». فيما دعا السيسي، السودان وإثيوبيا، لـ«التوصل لاتفاق (قانوني ملزم) بشأن (السد)». كما دعا السيسي المصريين إلى «عدم الإنصات لكل ما يقال»، مؤكداً أنه «كان دائماً صادقاً ومخلصاً شريفاً وأميناً وما زال على العهد».
ومازح الرئيس المصري مواطنيه مساء أول من أمس، قائلاً إنه «يريد أن يقول كلمة يرددها الشعب المصري دائماً؛ لكنه تردد في الإفصاح عنها». ومع إصرار الجماهير التي احتشدت في استاد القاهرة الرياضي، جعلته ينطق بها حيث قال «بلاش هري». وأضاف أنه «لا بد أن يحسب كلامه جيداً لأن الكلام من ذهب ويتوقف عليه مستقبل البلاد والشعوب»، مؤكداً أن «أي تحد لا يمكن أن ينجح فيه؛ إلا إذا كان الشعب المصري على قلب رجل واحد».
وأخطرت إثيوبيا أخيراً مصر والسودان بالبدء في المرحلة الثانية من ملء خزان «السد»، في إجراء قوبل باحتجاج مصري وسوداني، حيث يطالبان بإبرام اتفاق «مُلزم» حول آلية ملء وتشغيل «السد». وتجمدت المفاوضات الثلاثية بين مصر والسودان وإثيوبيا، منذ أبريل (نيسان) الماضي، بعد أن فشلت في التوصل إلى اتفاق، الأمر الذي دعا مصر والسودان لعرض النزاع على مجلس الأمن الدولي، بانتظار البت فيه.
وشدد السيسي خلال فعاليات المؤتمر الأول للمشروع القومي «حياة كريمة» لتنمية قرى الريف المصري، مساء أول من أمس، على أن «الجنوح إلى السلام لا يعني السماح بالمساس بمقدرات ذلك الوطن (الذي لن نسمح لأحد بأن يقترب منه)»، موجهاً حديثه للمصريين بضرورة «ألا يقلقوا بشأن قضايا المياه»، قائلاً «لا يليق بنا أن نقلق أبداً... عيشوا حياتكم». وأضاف الرئيس السيسي في كلمته أن «مصر تتعامل دائماً في كل القضايا بعقل راشد وتخطيط عميق بعيداً عن الوهم أو (دغدغدة) مشاعر المصريين»، مضيفاً: «لدينا خيارات متعددة للحفاظ على أمن مصر القومي»، مؤكداً أن «مصر تسعى لجعل نهر النيل نهراً للشراكة والخير». وذكر السيسي أن «مصر لا تسعى - أبداً - للتهديد أو التدخل في شؤون الدول؛ لكنها تسعى - دائماً - للتعاون والقبول بالتنمية التي ستنتج من توليد الكهرباء للإثيوبيين، مع التأكيد على أنه لا مساس بالمياه الخاصة بمصر»، مؤكداً «مواصلة مصر التحرك في مسار السعي لإيجاد اتفاق (قانوني ملزم) بين الدول الثلاث (مصر والسودان وإثيوبيا) فيما يتعلق بعملية ملء وتشغيل (السد)»، مشدداً على أن «تحرك مصر في مجلس الأمن الدولي بشأن السد جاء لوضع القضية على أجندة المجتمع الدولي»، مضيفاً أن «مصر طالبت باتفاق (قانوني)». ولفت الرئيس المصري إلى أن «المشاريع التي تنفذها الدولة تستهدف الحفاظ على كل نقطة مياه»، موجهاً رسالة إلى الأشقاء في السودان وإثيوبيا بـ«ضرورة العمل على التوصل لاتفاق (قانوني ملزم) بشأن (سد النهضة)، (لكي نعيش في خير وسلام)». وتخشى القاهرة والخرطوم من تأثير السد على حصتهما من مياه النيل، وتتهمان أديس أبابا بالتعنت وإفشال المفاوضات التي جرت على مدار 10 سنوات ماضية بصورة متقطعة. فيما تقول إثيوبيا إن السد أساسي لتنميتها الاقتصادية ولا يهدف لإلحاق الضرر بدول الجوار.
وأكد السيسي أن «مصر تدير علاقاتها الخارجية إقليمياً ودولياً بثوابت راسخة ومستقرة قائمة على الاحترام المتبادل والجنوح للسلام وإعلاء قواعد القانون الدولي»، لافتاً إلى أن «مصر أصبحت تمتلك من الأدوات السياسية والقوة العسكرية والاقتصادية ما يعزز من إنفاذ إرادتها وحماية مقدراتها»، لافتاً إلى أن «مصر - في سعيها لتحقيق السلم والأمن على المستويين الإقليمي والدولي - تتبع منهجاً قائماً على ممارسة أقصى درجات الحكمة والاستخدام الرشيد للقوة دون المساس بدوائر الأمن القومي المصري على الحدين القريب والبعيد». وعاد السيسي ليؤكد «أنه والجيش في مقدمة المدافعين عن أي تهديد يواجه مصر»، قائلاً «قبل ما يحدث شيء لمصر، يبقى لازم أنا والجيش نذهب».
في سياق آخر، أكد السيسي أنه انحاز والجيش المصري بشكل مطلق لإرادة الشعب المصري (في إشارة لثورة «30 يونيو/ حزيران» 2013 التي أطاحت بحكم جماعة «الإخوان»)، مشيراً إلى أنه «لم يخش إلا الله ولم يسع إلى تحقيق ذلك إلا من خلال العمل»، مضيفاً أنه «على قدر ما كانت التحديات والصعوبات، التي واجهت الدولة جراء قرار شعبنا باستعادة مصر من (شرذمة الضلال) التي تتاجر بالوطن والدين – على حد قول الرئيس، بقدر ما كان العزم على خوض غمار التحدي، وتحقيق النصر المبين في معركتي البقاء والبناء».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.