ترمب يرد على رئيس الأركان وينفي نيته القيام بانقلاب

الرئيس السابق دونالد ترمب مع رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة الجنرال مارك ميلي عام 2018 (رويترز)
الرئيس السابق دونالد ترمب مع رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة الجنرال مارك ميلي عام 2018 (رويترز)
TT

ترمب يرد على رئيس الأركان وينفي نيته القيام بانقلاب

الرئيس السابق دونالد ترمب مع رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة الجنرال مارك ميلي عام 2018 (رويترز)
الرئيس السابق دونالد ترمب مع رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة الجنرال مارك ميلي عام 2018 (رويترز)

في رد لافت على اتهامه بأنه حاول استخدام الجيش الأميركي للقيام بانقلاب بعد خسارته انتخابات الرئاسة، نفى الرئيس السابق دونالد ترمب في بيان مطول، أن يكون قد فكر في ذلك. لكنه أضاف أنه لو حاول تنفيذ انقلاب، فلن يكون ذلك مع رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة الجنرال مارك ميلي. ورد ترمب على ما تم الكشف عنه في كتاب جديد يشرح بالتفصيل مخاوف الجنرال مارك ميلي من أن الرئيس المنتهية ولايته، فكر في القيام بانقلاب خلال الأسابيع الأخيرة له في منصبه. وقال ترمب إنه «لا ينخرط في انقلابات» و «لم يهدد قط أو يتحدث عن أي انقلاب على حكومتنا». وفي الوقت نفسه، قال ترمب إنه «إذا كنت سأقوم بانقلاب، فأحد آخر الأشخاص الذين أرغب في القيام معهم بذلك هو ميلي».
إشارة ترمب إلى الانقلاب اعتبرت ملاحظة لافتة، والبعض رآها تأكيداً غير مباشر لاحتمال أن يكون قد ناقش بالفعل هذا الأمر، على الأقل مع دائرة مصغرة من مساعديه، في وقت كانت أجواء العاصمة واشنطن تعيش توتراً غير مسبوق خلال أحداث الشغب التي جرت في مبنى الكابيتول وبعدها.
كانت وسائل إعلام أميركية قد كشفت عن أجزاء من كتاب جديد بعنوان: «أنا وحدي يمكنني إصلاحه: السنة الأخيرة الكارثية لدونالد ترمب»، أعده مجموعة من مراسلي «واشنطن بوست». ويقول الكتاب إن الجنرال ميلي عبر مراراً وتكراراً عن مخاوفه من أن يقوم ترمب باستغلال الأحداث التي جرت في مبنى الكابيتول لتنفيذ مخطط شبيه بما قام به أدولف هتلر في أثناء صعود ألمانيا النازية، سائلاً المقربين منه عمّا إذا كان الانقلاب وشيكاً. وسخر ترمب في بيانه من رد فعل ميلي، قائلاً إن ذلك ساعده على إدراك أن مستشاره العسكري الأعلى «بالتأكيد ليس من النوع الذي سأتحدث معه عن الانقلاب». وعبّر ميلي عن استيائه عندما كان يستمع إلى شكاوى ترمب الكاذبة بشأن تزوير الانتخابات، مقارناً ما جرى في الكابيتول بهجوم عام 1933 على مبنى البرلمان الألماني الذي استخدمه هتلر كذريعة لتأسيس ديكتاتورية نازية. ووفقاً للكتاب، قال ميلي لمساعديه: «إنها لحظة الرايخستاغ». ولم يصدر أي تعليق عن ميلي أو أيٍّ من المتحدثين باسمه على ما ورد في الكتاب، الذي استند -حسب معدّيه- إلى مقابلات مع أكثر من 140 شخصاً، بما في ذلك كبار مسؤولي إدارة ترمب وأصدقاء ومستشارين رفضوا الكشف عن هوياتهم. وتعهد ميلي، الذي تعرض لانتقادات واسعة العام الماضي لظهوره إلى جانب ترمب في ساحة «لافاييت» في العاصمة واشنطن، بعد إخلاء المتظاهرين قسراً من المنطقة. لكنّه عبر عن قلقه بشكل متزايد في الأيام التي أعقبت انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني)، حيث أشار مرات عدة إلى «بداية فاشية القرن العشرين». وبعد حضوره إحاطة أمنية في 10 نوفمبر الماضي حول «المسيرة المليونية لجعل أميركا عظيمة مرة أخرى»، وهو التجمع المؤيد لترمب احتجاجاً على الانتخابات، قال ميلي إنه يخشى من ظهور نموذج أميركي مشابه لـ«القمصان البنية في الشوارع»، في إشارة إلى القوات شبه العسكرية التي كانت تحمي التجمعات النازية، والتي مكّنت صعود هتلر.
ويضيف الكتاب أنه في وقت متأخر من ذلك المساء، اتصل صديق قديم بميلي للتعبير عن مخاوفه من أن المقربين من ترمب كانوا يحاولون «قلب الحكومة». وقال له: «أنت واحد من الرجال القلائل الذين يقفون بيننا وبين بعض الأشياء السيئة حقاً». وهو ما حضّ ميلي على الاتصال بمستشار الأمن القومي السابق هربرت ماكماستر، ليسأله عمّا إذا كان الانقلاب وشيكاً بالفعل. وسأله ميلي: «ما الذي أنا أتعامل معه؟» ويضيف الكتاب أن تلك المحادثات وضعت ميلي في حالة تأهب، وبدأ التخطيط بشكل غير رسمي مع قادة عسكريين آخرين، لوضع استراتيجيات لكيفية منع أوامر ترمب باستخدام الجيش بطريقة عدّوها خطيرة أو غير قانونية. واعتقد ميلي أن الاستيلاء على السلطة يحتاج إلى السيطرة على مكتب التحقيقات الفيدرالي ووكالة المخابرات المركزية ووزارة الدفاع، حيث كان ترمب قد نصّب بالفعل حلفاء أقوياء. وقال: «قد يحاولون، لكنهم لن ينجحوا». وفي الأسابيع التي تلت ذلك، لعب ميلي دوراً أساسياً لطمأنة عدد من أعضاء الكونغرس ومسؤولي الإدارة المعنيين الذين شاركوه مخاوفه بشأن محاولة ترمب استخدام الجيش للبقاء في منصبه. ووفقاً للكتاب، قال ميلي لهم: «كل شيء سيكون على ما يرام. سيكون لدينا انتقال سلمي للسلطة. سنهبط بهذه الطائرة بسلام. هذه أميركا. إنها قوية. المؤسسات تنحني، لكنها لن تنكسر».
يقول الكتاب إنه في ديسمبر (كانون الأول)، ومع انتشار شائعات بأن الرئيس كان يستعد لإقالة مديرة وكالة المخابرات المركزية آنذاك جينا هاسبل، وتعيين كاش باتل بديلاً عنها، سعى ميلي للتدخل. وخلال المباراة السنوية لكرة القدم بين الجيش والبحرية، التي حضرها ترمب وآخرون، واجه ميلي رئيس أركان البيت الأبيض مارك ميدوز وسأله: «ما الذي يجري هنا... ماذا تفعلون يا شباب؟».
لكن عندما رد ميدوز عليه قائلاً: «لا تقلق بشأن ذلك»، حذّره ميلي قائلاً: «فقط كن حذراً». ويضيف الكتاب أنه بعد أحداث 6 يناير (كانون الثاني)، اتصلت رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي بميلي لطلب ضمانة بأن ترمب لن يكون قادراً على شن ضربة نووية وبدء الحرب. وقالت بيلوسي عن ترمب: «هذا الرجل مجنون... إنه خطير»... وسعى ميلي لطمأنتها، قائلاً: «سيدتي، أضمن لك أن لدينا ضوابط وتوازنات في النظام».
وبعد أقل من أسبوع، وبينما خطط قادة الجيش وإنفاذ القانون لتنصيب الرئيس بايدن، قال ميلي إنه مصمم على تجنب تكرار الحصار على مبنى الكابيتول. وقال لهم: «كل شخص في هذه الغرفة، سواء كنت شرطياً أو جندياً، سنوقف هؤلاء الرجال للتأكد من أن لدينا انتقالاً سلمياً للسلطة... سنضع حلقة من الفولاذ حول هذه المدينة ولن يدخل النازيون». وخلال أداء بايدن يمين القسم في 20 يناير، جلس ميلي خلف الرئيس السابق باراك أوباما والسيدة الأولى السابقة ميشيل أوباما، اللذين سألاه عن شعوره، فأجاب ميلي: «لا أحد لديه ابتسامة أكبر منّي اليوم... لا يمكنك رؤيتها تحت الكمامة».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟