ميقاتي على موقفه بعدم الترشح لرئاسة الحكومة

اعتذار الحريري يُدخل لبنان في «عتمة سياسية»

TT

ميقاتي على موقفه بعدم الترشح لرئاسة الحكومة

يدخل لبنان مع اعتذار الرئيس سعد الحريري في عتمة سياسية كأنه لا يكفيه انقطاع التيار الكهربائي وفقدان الأدوية والارتفاع الجنوني لسعر الدولار الذي أفقد العملة الوطنية قدرتها الشرائية وزاد من منسوب العائلات الأشد فقراً بامتناع حكومة تصريف الأعمال عن تحمُّل مسؤولياتها مكتفية بإصدار بيانات لا مفاعيل لها، فيما الأنظار تتجه إلى رئيس الجمهورية ميشال عون، لرصد مدى قدرته على انتشال البلد من المأزق السياسي الذي هو فيه الآن بعد أن أهدر الفرصة لإعادة الاعتبار إلى المبادرة الفرنسية التي طرحها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لوقف الانهيار.
فلبنان -كما يقول مصدر سياسي بارز لـ«الشرق الأوسط»- لم يعد يحتمل التعامل مع أزماته المتراكمة على أنه حقل للتجارب يتيح للمنظومة السياسية أكانت في السلطة أو في المعارضة البحث بأعصاب باردة عن رئيس حكومة جديد كرد فعل على اعتذار الحريري كأن أهله يعيشون في بحبوحة اقتصادية ومعيشية ولا يكترثون لتمديد الأزمة التي ستأخذه حتماً إلى المجهول في ظل انعدام الثقة بين السواد الأعظم من اللبنانيين وبين المنظومة الحاكمة والتي وصلت إلى إعلان الطلاق رغم أن القيمين عليها يصرّون على مكابرتهم وعنادهم.
ولفت المصدر السياسي إلى أن الحريري باعتذاره أعاد الكرة إلى رئيس الجمهورية، وقال إن إصراره على تبسيط الأزمة التي سرعان ما أقحمت البلد في مأزق سياسي يعرف الجميع من أين بدأت لكنهم لا يدركون أين ستنتهي، فيما يقف البلد أمام انسداد الأفق بحثاً عن حلول ليست في متناول اليد على الأقل في المدى المنظور بعد أن أُسقطت المبادرة الفرنسية بالضربة القاضية التي عطّلت بدورها تشكيل «حكومة مهمة».
وأكد أن لبنان يقبع حالياً في عتمة سياسية مزدوجة بغياب الحلول السياسية وباستمرار انقطاع التيار الكهربائي وانعدام الخدمات على المستويات كافة، وإن إخراجه من النفق الذي أوصلته إليه المنظومة الحاكمة لن يتم بدعوة عون لإجراء استشارات نيابية ملزمة لتسمية الرئيس المكلف لخلافة الحريري في تشكيل الحكومة في محاولة لاسترضاء وزيري الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، والفرنسي جان إيف لودريان بدعوتهما في أول رد فعل على اعتذار الحريري للإسراع بتأليف الحكومة.
ورأى أن عون استذكر متأخراً -في البيان الذي صدر عن رئاسة الجمهورية في ردها على ما قاله الحريري حول اعتذاره- المسعى الذي قام به رئيس المجلس النيابي نبيه بري مع أنه كان أول من انقلب على مبادرته وتلاقى معه وريثه السياسي رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل ليطيح بها، وهذا ما تأكد من خلال لقاء المعاونين السياسيين لرئيس البرلمان النائب علي حسن خليل والأمين العام لـ«حزب الله» حسين خليل، وإلا لماذا تقرر تعليق اجتماعاتهم.
ورأى أن عون يهدف من خلال استحضاره مسعى بري إلى إعادة تعويم علاقته به والدخول في مهادنة ظناً منه أنه يتمكن من تحييد «الثنائي الشيعي» في معركته المفتوحة مع رؤساء الحكومات السابقين ومن خلالهم المكون السنّي الشريك في معركة المواجهة بعد أن أقفل الباب في وجه الممثل الأول للطائفة ودفعه للاعتذار.
وتوقع أن يدعو عون للاستشارات النيابية المُلزمة فور انتهاء عطلة عيد الأضحى ليوحي بجدّيته في الإسراع بتشكيل الحكومة، من دون أن يُسقط المصدر السياسي من حسابه إمكانية توجيهه الدعوة لعقد مشاورات تمهيدية مع رؤساء الكتل النيابية في محاولة لإمساكه بزمام المبادرة وتقديم نفسه على أنه يسعى للقيام بـ«ميني حوار» سياسي.
لكن عون ربما يُسقط من حسابه -حسب المصدر السياسي نفسه- رد موقف رؤساء الحكومات والمرجعية الروحية للطائفة السنّية في ضوء القرار الجامع الصادر عن الرؤساء بعدم تسمية من سيخلف الحريري، وهذا ما سيؤدي إلى حشره في الزاوية في ظل ما توافر من معلومات بأن الرئيس نجيب ميقاتي ليس في وارد أن يُدرج اسمه على لائحة المرشّحين لرئاسة الحكومة.
وفي هذا السياق، كشف رئيس حكومة سابق فضّل عدم ذكر اسمه، لـ«الشرق الأوسط» أنه على تواصل مع ميقاتي الموجود حالياً خارج لبنان وأن الأخير ليس في وارد الترشح لرئاسة الحكومة ليس من باب تهرّبه من تحمّل المسؤولية وإنما على خلفية أنْ لا مجال للتعاون مع عون، وهو كان قد اختبره في أكثر من محطة، ناهيك بأنه لم يشارك في انتخابه رئيساً للجمهورية.
وأكد أن اسم ميقاتي كان مدار تداول بين بري والحريري الذي كان يتحضّر للاعتذار عن تشكيل الحكومة، وقال إن الأخير لم يقفل الباب أمام ترشّح ميقاتي وأبدى حماسة لتأييده، وهذا ما شكّل نقطة تلاقٍ بينهما وإن كان القرار الحاسم يعود لميقاتي.
ورأى أن ميقاتي يتهيّب لما آل إليه الوضع في لبنان وهو على وشك أن يتخذ قراره بعدم الترشُّح لأن من رفض أن يتعاون مع الحريري لن يبدّل موقفه بتعاونه مع ميقاتي الذي يتمسك بالعناوين السياسية التي طرحها الحريري ويرفض أن يحيد عنها لأنها كانت بمثابة خلاصة للموقف الذي أجمع عليه رؤساء الحكومات.
واستغرب رئيس حكومة سابق ما أخذ يشيعه البعض بأن ميقاتي يرفض أن يترأس حكومة انتقالية تتولى الإشراف على إجراء الانتخابات النيابية لأنها تحرمه من الترشح لخوضها، وقال إن ميقاتي لن يتولى رئاسة الحكومة للمرة الثالثة ليكون طرفاً في إلغاء اتفاق الطائف أو إعطاء الحق لرئيس الجمهورية بخلاف صلاحياته في شراكته للبرلمان في تسمية الرئيس المكلف، إضافة إلى أنه لن يتهرّب من مسؤوليته في إنقاذ البلد لكنه لن يكون شريكاً في إدارة الأزمة، فيما يتموضع البلد في قعر الانهيار ولن تتأمّن له الشروط للخروج من أزماته.
وعليه فإن عون يأخذ البلد -كما يقول رئيس الحكومة السابق- من مأزق إلى آخر ولن يعطي ميقاتي ما لم يعطه للحريري مع أن ميقاتي قال كلمته بعدم الترشُّح، رغم أن هناك من يحاول أن يضعه أمام أمر واقع بتسميته خلافاً لإرادته وهذا لن يبدّل من قراره.
ويبقى السؤال: كيف سيتصرف «الثنائي الشيعي» وتحديداً «حزب الله» بعد أن قرر عون فك اشتباكه ببري؟ وهل يغطي لرئيس الجمهورية إقحام البلد في مغامرة سياسية يمكن أن تأخذه إلى المجهول؟ وما صحة ما يتردد بأن النائب فيصل كرامي سيكون المرشح الأوفر حظاً لتولي رئاسة الحكومة بعد رفض رؤساء الحكومات الدخول في بازار تسمية مَن سيخلف الحريري، خصوصاً أنه كانت لهم تجارب مريرة مع باسيل وعون عبّروا عنها باستثناء الحريري برفضهم انتخاب الأخير رئيساً للجمهورية، وتبين أنهم كانوا على صواب في موقفهم بعد أن انضم إليهم الحريري متأخراً؟
فرؤساء الحكومات السابقون ميقاتي وفؤاد السنيورة وتمام سلام قالوا كلمتهم بالتكافل والتضامن مع الحريري بعدم تسمية أي مرشح لرئاسة الحكومة تاركين لعون أن «يقلّع شوكه بيديه» ولم يحسموا موقفهم تهرّباً من تحملهم المسؤولية، وإنما آخذين بالمثل القائل «مَن جرّب مجرّب عقله مخرّب»!



«الصحة العالمية» تحذّر من «نقص حادّ» في المواد الأساسية بشمال قطاع غزة

منظمة الصحة العالمية تطالب إسرائيل بالسماح بإدخال مزيد من المساعدات إلى غزة (أ.ب)
منظمة الصحة العالمية تطالب إسرائيل بالسماح بإدخال مزيد من المساعدات إلى غزة (أ.ب)
TT

«الصحة العالمية» تحذّر من «نقص حادّ» في المواد الأساسية بشمال قطاع غزة

منظمة الصحة العالمية تطالب إسرائيل بالسماح بإدخال مزيد من المساعدات إلى غزة (أ.ب)
منظمة الصحة العالمية تطالب إسرائيل بالسماح بإدخال مزيد من المساعدات إلى غزة (أ.ب)

حذّرت منظمة الصحة العالمية، اليوم الخميس، من أنّ قطاع غزة، ولا سيّما شطره الشمالي، يعاني نقصاً حادّاً في الأدوية والأغذية والوقود والمأوى، مطالبة إسرائيل بالسماح بدخول مزيد من المساعدات إليه، وتسهيل العمليات الإنسانية فيه.

ووفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، وصفت المنظمة الأممية الوضع على الأرض بأنه «كارثي».

وقال المدير العام للمنظمة تيدروس أدهانوم غيبريسوس إنه عندما اندلعت الحرب في غزة، قبل أكثر من عام في أعقاب الهجوم غير المسبوق الذي شنّته حركة «حماس» على جنوب إسرائيل، في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، لجأ تقريباً جميع الذين نزحوا بسبب النزاع إلى مبان عامة أو أقاموا لدى أقارب لهم.

وأضاف، في مؤتمر صحافي بمقرّ المنظمة في جنيف: «الآن، يعيش 90 في المائة منهم في خيم».

وأوضح أن «هذا الأمر يجعلهم عرضة لأمراض الجهاز التنفّسي وغيرها، في حين يتوقّع أن يؤدّي الطقس البارد والأمطار والفيضانات إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية».

وحذّر تيدروس من أن الوضع مروِّع بشكل خاص في شمال غزة، حيث بدأ الجيش الإسرائيلي عملية واسعة، مطلع أكتوبر الماضي.

وكان تقريرٌ أُعِدّ بدعم من الأمم المتّحدة قد حذّر، في وقت سابق من هذا الشهر، من أن شبح المجاعة يخيّم على شمال قطاع غزة؛ حيث اشتدّ القصف والمعارك، وتوقّف وصول المساعدات الغذائية بصورة تامة تقريباً.

وقام فريق من منظمة الصحة العالمية وشركائها، هذا الأسبوع، بزيارة إلى شمال قطاع غزة استمرّت ثلاثة أيام، وجالَ خلالها على أكثر من 12 مرفقاً صحياً.

وقال تيدروس إن الفريق رأى «عدداً كبيراً من مرضى الصدمات، وعدداً متزايداً من المصابين بأمراض مزمنة الذين يحتاجون إلى العلاج». وأضاف: «هناك نقص حادّ في الأدوية الأساسية».

ولفت المدير العام إلى أن منظمته «تفعل كلّ ما في وسعها - كلّ ما تسمح لنا إسرائيل بفعله - لتقديم الخدمات الصحية والإمدادات».

من جهته، قال ريك بيبركورن، ممثّل منظمة الصحة العالمية في الأراضي الفلسطينية، للصحافيين، إنّه من أصل 22 مهمّة إلى شمال قطاع غزة، قدّمت طلبات بشأنها، في نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، جرى تسهيل تسع مهام فقط.

وأضاف أنّه من المقرّر أن تُجرى، السبت، مهمّة إلى المستشفيين الوحيدين، اللذين ما زالا يعملان «بالحد الأدنى» في شمال قطاع غزة؛ وهما مستشفى كمال عدوان ومستشفى العودة، معرباً عن أمله في ألا تحدث عرقلة لهذه المهمة.

وقال بيبركورن إنّ هذين المستشفيين «بحاجة إلى كل شيء»، ويعانيان بالخصوص نقصاً شديداً في الوقود، محذراً من أنّه «دون وقود لا توجد عمليات إنسانية على الإطلاق».

وفي الجانب الإيجابي، قال بيبركورن إنّ منظمة الصحة العالمية سهّلت، هذا الأسبوع، إخلاء 17 مريضاً من قطاع غزة إلى الأردن، يُفترض أن يتوجه 12 منهم إلى الولايات المتحدة لتلقّي العلاج.

وأوضح أن هؤلاء المرضى هم من بين نحو 300 مريض تمكنوا من مغادرة القطاع منذ أن أغلقت إسرائيل معبر رفح الحدودي الرئيسي في مطلع مايو (أيار) الماضي.

لكنّ نحو 12 ألف مريض ما زالوا ينتظرون، في القطاع، إجلاءهم لأسباب طبية، وفقاً لبيبركورن الذي طالب بتوفير ممرات آمنة لإخراج المرضى من القطاع.

وقال: «إذا استمررنا على هذا المنوال، فسوف نكون مشغولين، طوال السنوات العشر المقبلة».