غادر ليل الأربعاء 46 معتقلاً من الحراك الجزائري السجون، بموجب إجراءات عفو رئاسي أعلنت عنها رئاسة البلاد. وعدّ مراقبون هذه الخطوة بمثابة انفراجة مؤقتة في الوضع السياسي بالغ التوتر، منذ أكثر من عام ونصف العام. لكن تظل أمام رئيس البلاد عبد المجيد تبون ألغام كثيرة يتوجب عليه تفكيكها، بحسب المراقبين ذاتهم، أخطرها موجة السخط الشعبي التي لا تزال تجتاح حالياً مناطق الجنوب الكبير.
ونشرت «اللجنة الوطنية للإفراج عن المعتقلين»، أمس، في حساباتها بشبكة التواصل الاجتماعي أسماء الأشخاص الـ46 الذين أفرج عنهم، وهم في غالبيتهم شباب في العشرينات والثلاثينات، اعتقلتهم قوات الأمن خلال مظاهرات معارضة لانتخابات البرلمان، التي جرت في 12 من يونيو (حزيران) الماضي، وقبلها استفتاء الدستور العام الماضي.
وذكر بيان للرئاسة، أول من أمس، أن تبون «اتخذ إجراءات عفو لفائدة 30 محبوساً محكوماً عليهم في قضايا التجمهر والإخلال بالنظام العام، وما ارتبط بها من أفعال، وقرر تدابير رأفة تكميلية لفائدة 71 آخرين من الشباب المحبوسين لارتكابهم الأفعال نفسها». مبرزاً بأن بداية خروجهم من السجون و«الالتحاق بذويهم وعائلاتهم»، ستكون مساء أول من أمس (الأربعاء).
وشهدت مقار السجون في كل المحافظات، حيث اعتُقل متظاهرون ليل الأربعاء، تجمع المئات من أهالي المعتقلين لترقب خروجهم. وأغلبهم لم تكن لديه معلومات دقيقة عن المعنيين بالإفراج.
وقانوناً، تنطبق إجراءات العفو عن المساجين الذين صدرت بحقهم أحكام نهائية بالسجن، أما الذين أودعوا طعوناً فهم مستثنون؛ ما شكل خيبة أمل لدى عدد كبير من المعتقلين وعائلاتهم، ممن استأنفوا أحكاماً صدرت بحقهم.
وقالت والدة المتظاهر المعتقل سليم شيالي، التقتها «الشرق الأوسط» أمام سجن الحراش بالضاحية الجنوبية للعاصمة صباح أمس «أترقب خروج ابني اليوم (أمس الخميس)، وقد جئت أمس ليلاً، لكنه لم يخرج من السجن، وقد أخبرني محاميه أنه لا يعرف إن كان سيغادر السجن... ابني لم يرتكب جريمة يستحق عليها دخول الزنزانة، فقط كان يخرج في المظاهرات مع آلاف الجزائريين، الذين يريدون تحسين أحوال بلادهم».
وبحسب مراقبين، يعد إطلاق سراح أكثر من 100 معتقل من نحو 300 انفراج في مجال الحريات، ويرون بأن السلطة وجدت أنه من مصلحتها التخلص من ضغط كبير داخلي وخارجي، شكّله «ملف المعتقلين السياسيين». كما أكد المراقبون ذاتهم، أن الاحتجاجات الشعبية، التي تشهدها مدن الجنوب ضد تردي أوضاع المعيشة منذ أسبوع، جعل السلطة في موضع ضعف؛ ما دفعها إلى التخلي عن التشدد الذي يميز تعاطيها مع قضايا الحريات.
وقال المحلل السياسي وعضو الحراك محمد هناد «ونحن نبتهج لإطلاق سراح المعتقلين، علينا ألا ننسى أن الأمر لم يكن فضلاً من نظام الحكم، الذي علينا أن نسائله عن سبب اعتقال هؤلاء أصلاً، وعن ظروف اعتقالهم. وإطلاق سراح المعتقلين لم يكن نتيجة لاعتراف السلطة بالخطأ وتقديم اعتذار، بل نتيجة ضغوط داخلية وخارجية متواصلة». مبرزاً أن أنظمة الحكم غير الديمقراطية «تتعامل دائماً مع معارضيها المطالبين بالحرية بمنعهم من هذه الحرية، من أجل المساومة بها معهم ومع المعارضة بصورة عامة لكسب ثقة المواطنين، وللدلالة أيضاً على قوتها من باب العفو عند المقدرة».
وكانت الحكومة الجزائرية قد تلقت ملاحظات سلبية من جانب «مجلس حقوق الإنسان» التابع للأمم المتحدة، ومن منظمات حقوقية دولية ومحلية؛ بسبب حملات الاعتقال التي مسّت المتظاهرين في الشارع، ومداهمة بيوتهم وحجز أغراضهم. وفي غضون ذلك، يطالب الصحافيون بإطلاق سراح رابح كارش، مراسل صحيفة «ليبرتيه» بجنوب البلاد، المسجون منذ ثلاثة أشهر بسبب مقالات كيفتها النيابة «تحريضاً على الكراهية». وقال عنه تبون في حوار لصحيفة فرنسية، إنه «يشعل النيران» بكتاباته.
كما تطالب أحزاب المعارضة بإطلاق سراح فتحي غرَاس، رئيس «الحركة الديمقراطية والاجتماعية» (الحزب الشيوعي الجزائري سابقاً)، الذي سجن منذ أسبوعين بتهمة «الإساءة إلى رئيس الجمهورية»؛ وذلك على خلفية تصريحاته للإعلام بشأن الأحداث السياسية الجارية، ودعمه اللافت للحراك.
الجزائر: انفراج «مؤقت» في ملف معتقلي الحراك بعد إطلاق 100 متظاهر
مراقبون اعتبروا الخطوة محاولة للتخلص من ضغط كبير شكّلته قضية المعتقلين السياسيين
الجزائر: انفراج «مؤقت» في ملف معتقلي الحراك بعد إطلاق 100 متظاهر
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة