ابن فرنسواز ساغان يكتب عن حياتها لتصحيح أخطاء كتاب سيرتها

ترجمة عربية لكتاب «ساغان وابنها» لديني ويستهوف

ابن فرنسواز ساغان يكتب عن حياتها  لتصحيح أخطاء كتاب سيرتها
TT
20

ابن فرنسواز ساغان يكتب عن حياتها لتصحيح أخطاء كتاب سيرتها

ابن فرنسواز ساغان يكتب عن حياتها  لتصحيح أخطاء كتاب سيرتها

بين صدور «مرحباً أيها الحزن» لفرنسوا ساغان عام 1954، وما سمي في فرنسا بثورة 1968، أو ثورة الطلاب، أربعة عشر عاماً، صدرت خلالها لساغان ستة كتب أخرى، لم تكن السياسة موضوعها، ولكن بعد كل هذا الزمن ما زال السؤال عن تأثير هذه الكتب على الشباب الفرنسي، وهل أسهمت هذه المؤلفات مع غيرها في توفير الأرضية الفكرية لولادة هذه الثورة؟
يلقي كتاب «ساغان وابنها» لابنها ديني ويستهوف، الصادر عن «دار المدى» بترجمة زياد خاشوق، الضوء على شخصية والدته فرنسواز ساغان بشكل عام، والأهم تصحيح الكثير من الأخطاء التي أوردها كتاب سيرتها، «فالمكانة المميزة جداً التي شغلتها بقربها تضعني الآن في موقفٍ غير مسبوق تقريباً، ومُلزِم. موقف مصححٍ لأخطاء كتاب السيَر» كما يكتب يستهوف.
ولم تكن ساغان، إلا فتاة برجوازية تنعمت، ضمن عائلتها، بحياة رغيدة، وكانت حياتها الدراسية متعثرة وغير مستقرة، مما جعلها تهرب من الدرس إلى حي سان ميشيل (الحي اللاتيني)، وأماكن أخرى، لتمضي وقتها في قراءة الكتب، واللقاء مع بعض رموز الفكر في تلك الفترة، وعلى رأسهم جان بول سارتر، وهو ما ساعد على إغناء ونضج شخصيتها الأدبية. كانت تحلم بكتابة الرواية، ولم يمض إلا وقت قصيرة حتى كتبت «مرحباً أيها الحزن»، التي حققت حضوراً بارزاً في الوسط الثقافي الفرنسي ثم العالمي.
وغالباً ما تم اختصار حياة فرنسواز ساغان وعملها إلى جاهزة: كليشيهات: إدمانها الكحول والمخدرات والسيارات والسرعة والألعاب والمال والأصدقاء. وهذه الصور النمطية لساغان غطت موهبتها وحضورها الطاغي في تلك الفترة.
توفيت فرنسواز ساغان في 24 سبتمبر (أيلول) 2004، تاركة ديوناً ضريبية تزيد عن مليون يورو وأعمالاً تتكون من ثلاثين رواية وعشر مسرحيات. كانت ساغان على وشك الاختفاء مرتين عندما قرر ديني ويستهوف، ابنها الوحيد، قبول هذه «الخلافة المسمومة» وغير العادية في عام 2006، وهو ما يدفعه إلى السير على خطى هذا «الوحش الصغير الساحر»، الذي ولد على الساحة الأدبية والإعلامية عام 1954 بفضل الرواية الأولى (مرحباً أيها الحزن).
كانت لدى فرنسواز ساجان بالفعل طفولة برجوازية لا تخلو من أصالة معينة، خصوصاً بسبب شخصية الأب. كانت الروابط الأسرية قوية، وانخرطت ساغان في الأدب في وقت مبكر جداً. وكان ستندال وبروست وكامو وسارتر هم أكثر الكتاب الذين نالوا إعجابها. صعدت إلى الشهرة في سن العشرين لكنها عاشت ذلك دون أن تأخذ الأمر على محمل الجد، وهي مفارقة تجسدها بعض شخصياتها جيداً. نعم أحبت السيارات منذ الصغر، كما يقول ديني ويستهوف: «أعتقد أن شغف والدتي بالسيارات قد انتقل إليها من والدها. بمجرد أن كانت في السابعة أو الثامنة من عمرها، سمح لها بالجلوس على ركبتيه حتى تتمكن من إمساك عجلة القيادة الكبيرة في يديها».
وأحبت الألعاب والكازينوهات كذلك. راهنت على كل شيء عدة مرات، على رقم أو على حصان. وكان، حسب كلماتها الخاصة، «معظم اللاعبين هم من الأطفال، ولم تشعر أبداً أنها كانت تتخطى هذا العمر». وفي الوقت نفسه، انخرطت في كل شيء: الرواية بالطبع، ولكن أيضاً المسرح والسينما والأغنية. بنجاح متفاوت. كانت الكتابة بالنسبة لها «متعة لا يمكن تفسيرها» ولكنها كانت أيضاً جهداً للتغلب على «التواضع المخيف». تقول عن ذلك: «الكتابة مثل السير في أرض مجهولة وجميلة. جميلة ولكن في بعض الأحيان مهينة عندما لا تستطيع كتابة ما تريد. هناك القليل من الموت، نخجل من أنفسنا، نخجل مما نكتبه، نحن مثيرون للشفقة. ولكن عندما (يتطلب الأمر)، فإنه يشبه آلة جيدة التزييت وتعمل بشكل مثالي. إنه مثل الجري لمسافة مائة ياردة في عشر ثوانٍ». وكان هناك أصدقاؤها، جاك شازو، ميشيل ماجني، فلورنس مالرو، بيغي روش... كانوا مهمين جداً لساغان، كانوا «حراس القلب».
ويستهوف ليس كاتباً، بل مصور. غير أن إدارة تركة الأم هي أيضاً نشاط في حد ذاته. فقد ورث ديونها التي تجاوزت المليون يورو. يقول عن ذلك: «لا يُخطئن أحدٌ الظن. أنا لست كاتباً، ولا أنا بمالكٍ لحقيقة مطلقة. لقد حاولت جاهداً على مدى هذه الصفحات تدوينَ الوقائع التي كنت شاهداً عليها. شاهداً متيقظاً أحياناً، ومتسلياً أحياناً أخرى»



«قلعة الملح»... صراع الإنسان مع ذاته والزمن

غلاف ثائر
غلاف ثائر
TT
20

«قلعة الملح»... صراع الإنسان مع ذاته والزمن

غلاف ثائر
غلاف ثائر

«قلعة الملح» رواية جديدة للروائي ثائر الناشف، صاحب «ثلاثية المسغبة»، التي تتناول الثورة السورية 2011 بأبعادها الإنسانية العميقة. وفي هذا العمل، يفاجئنا الناشف بنقلة نوعية في تقنيات السرد، مقدّماً عوالم جديدة، وأمكنة مغايرة، وأدوات فنية تعكس تطوره الأدبي.

الرواية تسرد حكاية «سامي»، اللاجئ السوري في فيينا الذي يعمل مساعداً اجتماعياً، متنقلاً بين منازل المسنين والمحتاجين، ويعيش تمزقاً بين حنينه إلى وطنه الذي أنهكته الحرب، ومحاولاته للاندماج في مجتمع غريب لا يمنحه أكثر من دور ثانوي.

تتداخل حياته مع شخصيات تحمل أوجاعها الخاصة، مثل «الدكتور غولد شتاينر»، الطبيب النفسي الألماني المسنّ الذي يعاني مرضه وعزلته، وزوجته «جيرترود» التي تكافح للحفاظ على توازن هشٍّ، و«السيّدة كورتس»، العجوز الثرية التي تقضي أيامها في وحدة قاتلة بين أطلال ماضٍ مترف.

«قلعة الملح» ليست فقط قصة شخصيات تواجه الوحدة والغربة، بل هي عمل أدبي يتعمق في قضايا إنسانية كبرى: الهوية، والحنين، والحب المفقود، وصراع الإنسان مع ذاته والزمن. يجمع الناشف بين الحوارات الفلسفية والصور الأدبية، ليقدم عملاً يمزج بين الحكاية الفردية والتوثيق الإنساني الشامل، موظِّفاً خلال ذلك: المذكرة، والسيرة، والتاريخ، عبر تقنيات متعددة.

في هذا العمل الروائي الجديد، يبرع الناشف في تحويل التفاصيل اليومية إلى لوحة فنية تعكس تناقضات البشر وهشاشتهم، متيحاً للقارئ رحلة فكرية تحيله إلى دلالات ومعاني الحياة والانتماء، كما أن الرواية شهادة ووثيقة إبداعية على أدب يُكتَب بعمق ورؤى مستجدة، ليثبت مجدداً قدرة الروائي على إنتاج سرد روائي يجمع بين المأساة والجمال، في آن واحد.

تقدّم رواية «قلعة الملح» شخصية «سامي» على أنها رمز للإنسان المغترب، عالقاً بين ماضٍ مؤلم وحاضر يفرض عليه دوراً هامشياً، من خلال عمله مساعداً اجتماعياً، إذ يلتقي شخصيات تمثل حالات إنسانية متنوعة منها: «الدكتور غولد شتاينر» الذي يعكس صراع الإنسان مع الزمن وذكريات الحرب، بينما تسعى «جيرترود» للحفاظ على استقرار هش في ظل معاناة زوجها، في حين تعيش «السيدة كورتس» عزلة عميقة تفضح عبثية الحياة حين تفقد معناها... هذه الشخصيات ليست فقط مكونات للسرد، بل هي رموز تسلّط الضوء على قضايا الغربة، والهشاشة الإنسانية، والتناقضات النفسية والاجتماعية، إذ تمثل الرموز في الرواية عناصر أساسية لفهم عمق النص.

فالمصعد المتوقف، على سبيل المثال، يرمز إلى محطات الحياة ومفاصلها الحرجة. ثم إن النظرة إلى الصور تستدعي الحنين إلى الماضي ومحاولات استعادة الذات، بينما تعكس الأمراض صراع الإنسان مع هشاشته الطبيعية وحتمية الزمن، كما أن فيينا نفسها ليست مجرد مسرح للأحداث، بل رمز للغربة؛ مدينة تضج بالحياة لكنها تضع شخصياتها في عزلة قاتلة.

من الناحية الأسلوبية، الرواية تشكل نقلة نوعية في مسيرة الناشف الأدبية، وإذا كانت «ثلاثية المسغبة» توثق الثورة السورية بواقعية مباشرة، فإن «قلعة الملح» تتجه نحو الغوص في أعماق النفس البشرية عبر سرد نفسي متقن باعتبار أن الحوارات ليست مجرد أداة للتواصل بين الشخصيات، بل وسيلة لفهم القضايا الكبرى كالهوية والوجود. كذلك نرى أن التداخل بين الماضي والحاضر يضيف بعداً ديناميكياً للنص، مما يجعل الزمن عنصراً محورياً في بنية السرد.

وبهذا المعنى فإن الرواية تعكس توجهاً وجودياً واضحاً، حيث تعيش كل شخصية صراعها الخاص مع الأسئلة الكبرى؛ إذ يبحث «سامي» عن معنى لحياته في ظل الغربة عن الوطن والذات، بينما يتأمل «الدكتور شتاينر» هشاشة الإنسان أمام الزمن، وتعكس «السيدة كورتس» عبثية الحياة حين تصبح بلا غاية.

الرواية تدعو القارئ إلى إعادة التفكير في معاني الهوية والغربة والانتماء، وتثير تساؤلات وجودية عن مكان الإنسان في العالم.

ورغم التركيز المكثف على الحوارات الفلسفية، فإن معادلة التوازن بين السرد والتأمل الفكري تحاول أن تتموضع، أو تتماهى على امتداد صفحات الرواية، لكنَّ هذا لا ينتقص من قيمة العمل بوصفه وثيقة أدبية عميقة تقدّم رؤية إنسانية شاملة لصراعات الإنسان الداخلية.