الحوار الاستراتيجي بين واشنطن وبغداد يواجه عقبات وخلافات

مصطفى الكاظمي (رويترز)
مصطفى الكاظمي (رويترز)
TT

الحوار الاستراتيجي بين واشنطن وبغداد يواجه عقبات وخلافات

مصطفى الكاظمي (رويترز)
مصطفى الكاظمي (رويترز)

خلافاً لوضعه في الجولة الثالثة، يواجه رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي ظرفاً صعباً مع مفاوضيه الأميركيين في الجولة الرابعة من الحوار الاستراتيجي، على خلفية التصعيد الميداني الذي تفرضه الفصائل المسلحة في العراق.
ومن المفترض أن يلبي الكاظمي دعوة أميركية لزيارة واشنطن للقاء الرئيس جو بايدن، نهاية يوليو (تموز) الحالي، فيما تؤكد مصادر دبلوماسية عراقية أن الزيارة «ستشمل استكمال الحوار الاستراتيجي بجولة رابعة» بين البلدين. واتفقت واشنطن وبغداد، في الجولة الثالثة في أبريل (نيسان) الماضي، على إنهاء وجود القوات القتالية الأميركية، وحصر مهام الوحدات المتبقية (نحو 3200 عنصر) على تدريب القوات العراقية.
وحين عقدت الجولة السابقة، كان الجانبان متفقين على دعم المسار الذي يتبعه الكاظمي في «احتواء الفصائل» عند حدود سياسية وميدانية تحول دون التصعيد، لكن كل شيء تغير لاحقاً وافترق المساران الأميركي والعراقي.
وبحسب دبلوماسيين غربيين، تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، فإن صناع القرار في واشنطن، لم يعودوا «مقتنعين بأن أسلوب الكاظمي كافٍ لتثبيت الاستقرار» بما في ذلك ضمان انسيابية جدول الانسحاب المتفق عليه، مشيرين إلى أن «جناحاً من الإدارة الأميركية لم يفوت الفرص لإيضاح أهمية الردع، دون أن يعني ذلك استعمال القوة ضدهم».
ولطالما أظهر الكاظمي ميله الشديد لتجنب المواجهة الداخلية، سواء بين الحكومة والفصائل أو بين الأجنحة السياسية، لكن هذا السياق بات محل انتقاد شديد يوجه لرئيس الحكومة في ذروة التوتر. وكان الكاظمي دعا، الشهر الماضي، من العاصمة البلجيكية بروكسل، كلاً من طهران وواشنطن إلى نقل صدامهما خارج الساحة العراقية.
ولا تحظى سياسة الردع المفتوح ضد الفصائل العراقية بإجماع في دوائر صنع القرار الأميركية، سوى أن الداعمين لها لديهم نفوذ قوي على إدارة الرئيس بايدن، مثل مستشاره بريت ماكغورك، وكبار ضباط وزارة الدفاع «البنتاغون». حتى واشنطن لا تريد، بحسب مسؤولين عراقيين، فتح جبهة حرب واسعة، بل تريد ردعاً لهجمات الفصائل الذي قد يصبح «أشد وأقسى» في حال سقوط أميركيين في هجمات الفصائل.
وفي أبريل الماضي، علق مستشار سياسي في السفارة الأميركية ببغداد، لـ«الشرق الأوسط»، على مخرجات الجولة الثالثة من الحوار الاستراتيجي، بأن الحكومة العراقية تبذل جهوداً طيبة في مكافحة التأثير السلبي لإيران، لكن «عليها القيام بكثير لكبح جماح وكلائها في البلاد».
والحال، أن الغارة الأميركية الأخيرة التي استهدف معسكراً تابعاً لـ«الحشد الشعبي» على الحدود العراقية السورية، تعكس عملياً لحظة الملل الأميركي من سياسة الاحتواء التي يعتمدها الكاظمي ضد الفصائل.
وحينها، كان ردّ الفعل العراقي خائباً من الغارة الأميركية، لأن الأجواء داخل الحكومة العراقية كانت تعتقد أن الهجوم تزامن مع تسوية شاقة بين الحكومة وعدد من قادة الفصائل بشأن التهدئة. وقبل أسابيع من زيارة الكاظمي، فإن التقاطع الحاد بين وجهتي النظر العراقية قد يصعب كثيراً من جولة الحوار الاستراتيجي المرتقبة؛ خصوصاً أن الأميركيين «يريدون أن يروا أفعالاً عراقية أكثر جرأة». ويتداول فاعلون في دوائر القرار الأميركي، معطيات استباقية ولافتة عن ملامح الجولة الجديدة من الحوار مع العراق، إذ تشير توقعاتهم إلى أن الكاظمي، تحت ضغط التوتر في بلاده، قد يطلب تسريع الانسحاب من العراق، وهو الأمر الذي يقول الأميركيون: «إنه (الكاظمي) سيحصل على ما يريد، إن أصر عليه».
ويتطابق هذا المسار، الذي لم يعد جديداً في واشنطن، مع حالة الملل الأميركي من الملف العراقي، الذي طالما يقفز إلى صدارة أولويات الأجندة الأميركية قدر تعلق الأمر بتهديد «تنظيم داعش»، أو النفوذ السلبي لإيران في العراق.
وتنقل مصادر عراقية رفيعة عن مسؤول أميركي سابق في إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وهو قريب من الإدارة الحالية، قوله إن «واشنطن لا يمكنها القيام بالأشياء نيابة عنهم (العراق)... يحتاجون أن يقوموا بالمهمة، وحينها سنساعدهم، لكن ما دام أنه ليست هناك إرادة، فسنغادر في نهاية المطاف». وتفرض هذه المعطيات على حكومة الكاظمي استجابة استثنائية للمتغير الأميركي «الملول» من العراق، والمتزامن مع وضع داخلي متوتر، في مهمة تبدو مركبة وشاقة قبل شهور معدودة من الانتخابات العراقية.



لا موعد لعودة هوكستين ولا مكان للتقدم لتطبيق الـ1701

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يستقبل المبعوث الرئاسي الأميركي آموس هوكستين قبل اجتماعهما في مكتب رئيس الوزراء في القدس (د.ب.أ)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يستقبل المبعوث الرئاسي الأميركي آموس هوكستين قبل اجتماعهما في مكتب رئيس الوزراء في القدس (د.ب.أ)
TT

لا موعد لعودة هوكستين ولا مكان للتقدم لتطبيق الـ1701

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يستقبل المبعوث الرئاسي الأميركي آموس هوكستين قبل اجتماعهما في مكتب رئيس الوزراء في القدس (د.ب.أ)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يستقبل المبعوث الرئاسي الأميركي آموس هوكستين قبل اجتماعهما في مكتب رئيس الوزراء في القدس (د.ب.أ)

الترويج لمعاودة الوسيط الأميركي آموس هوكستين تحركه بين بيروت وتل أبيب للتوصل لوقف النار يبقى في إطاره الإعلامي، ما دام رئيسا المجلس النيابي نبيه بري وحكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي لم يتبلغا بموعد عودته ولا بتحقيق بعض التقدم في زيارته الأخيرة لإسرائيل، وإلا فلماذا اضطر للعودة إلى واشنطن بدلاً من أن يعرج على بيروت لإطلاعهما على الأجواء التي سادت اجتماعه برئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو؟

وتقول مصادر سياسية إن مواصلته للوساطة الأميركية بين لبنان وإسرائيل للتوصل إلى وقف للنار تمهيداً لنشر الجيش اللبناني، إلى جانب قوات الطوارئ الدولية «يونيفيل» في جنوب الليطاني لتطبيق القرار الدولي 1701 بعد الاتفاق على آلية تنفيذه، تبقى عالقة على نتائج السباق الرئاسي إلى البيت الأبيض بين الرئيس السابق دونالد ترمب ومنافسته كامالا هاريس، والتي ستظهر تدريجياً في الساعات المقبلة.

وساطة هوكستين وسباق الرئاسة الأميركية

وتؤكد مصادر سياسية لبنانية لـ«الشرق الأوسط» أن مصير الوساطة التي يتولاها هوكستين لنزع فتيل التفجير بين إسرائيل و«حزب الله» يتوقف على من سيحسم السباق الرئاسي الأميركي. وتقول إن انتخاب هاريس من شأنه أن يسهّل مهمته ويتيح له الاستقواء بوصولها إلى البيت الأبيض على نحو يمكّنه من وضع حد للابتزاز الذي يمارسه نتنياهو؛ لأنه سيكون في وسعها الاستعانة بالرئيس الحالي جو بايدن لوضع تطبيق الـ1701 على نار حامية، حتى قبل أن تبدأ ممارسة صلاحياتها الرئاسية في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، هذا في حال أنها حسمت أمرها وقررت إخراج الوساطة من المراوحة، أسوة بتلك التي أصابت مفاوضات غزة.

وترى المصادر ذاتها أن فوز ترمب بالرئاسة قد يؤدي إلى تمديد أمد المراوحة التي يحاول نتنياهو الإفادة منها لمواصلة تدمير القرى الأمامية التي لم تعد صالحة للإقامة فيها.

فوز ترمب يمدد فترة تفلت نتنياهو

وتخشى المصادر نفسها أن انشغال ترمب في تشكيل إدارته بالبيت الأبيض سيؤدي حتماً إلى تمديد فترة «السماح» لنتنياهو لترتيب الوضع في القرى الأمامية الحدودية، ولكن على طريقته، بما يمكّنه من انتزاع موافقة الحكومة اللبنانية للتسليم بتفسيره لتطبيق القرار الدولي استباقاً لإعادة ترتيب الوضع في المنطقة، آخذاً بعين الاعتبار إطباق الحصار على إيران والقضاء على أذرعها، بدءاً بـ«حزب الله»، بقطع كل أشكال الإمداد العسكري والمالي له، بالتلازم مع استهدافه للبنية الاقتصادية، ليس للحزب فقط، وإنما للطائفة الشيعية، وهذا ما يفسّر تدميره للأسواق والمصانع والمؤسسات والمرافق الحيوية التي لا غنى عنها للنهوض مجدداً بهذه المناطق.

وفي هذا السياق، تسأل المصادر عمّا إذا كان وصول ترمب يشكل محطة لاختبار مدى جديته بإنهاء الحروب، بدءاً بإعادة الهدوء المستدام إلى الجنوب، انسجاماً مع وعوده التي قطعها في لقاءاته مع الاغتراب اللبناني. فهل يضغط على إسرائيل لتطبيق الـ1701 بكل مندرجاته؟

استعصاء نتنياهو

وتستغرب المصادر السياسية وضع اللائمة على لبنان بتحميله مسؤولية إضاعته للفرص التي أتيحت لتطبيق الـ1701، وتقول إن نتنياهو هو من يستعصي ويتمرّد على الإدارة الأميركية برفضه التجاوب مع الإطار العام الذي اتفق عليه هوكستين مع بري لتسهيل تنفيذ القرار، وذلك بمطالبته بإدخال تعديلات عليه غير قابلة للتنفيذ، من وجهة النظر اللبنانية، كونها تجيز له استمرار تحليق الطيران الحربي والاستطلاعي في الأجواء اللبنانية، وتعطيه الحق بالتوغل في منطقة جنوب الليطاني ولو من باب الشبهة، بذريعة أن هناك من يعدّ لتحرك يراد منه تهديد أمن إسرائيل.

وتكشف المصادر عن أن هوكستين كان قد أبلغ مسؤولين لبنانيين، وهو في طريقه إلى تل أبيب للقاء نتنياهو، أن الأجواء إيجابية وتفتح الباب أمام التوصل لوقف النار. وتقول إنه تحدث لاحقاً عن حصول تقدُّم بقي إعلامياً، مع أنه، كما نُقل عنه، أمهل نتنياهو بعض الوقت نزولاً عند رغبته، ما أوحى له بأن للبحث صلة على طريق إنهاء الحرب.

نتنياهو يسعى لترتيبات أمنية

لكن، تبين بحسب المصادر أن لا أساس للتقدم الذي تحدث عنه هوكستين، وإلا فلماذا يوسع نتنياهو تدميره وحرقه للقرى؟ ما يدعو للتساؤل عمّا إذا كان يود خوض المفاوضات على طريقته، وتحت النار، للضغط على لبنان للتسليم له بإدخال «ترتيبات أمنية» على الـ1701، يمكن أن تسمح له بتفريغه من مضامينه، مع أن لبنان أقر بأن لا مفر من تطبيقه على قاعدة الاعتراف بالاستعداد للدخول في مرحلة سياسية جديدة غير تلك القائمة حالياً، وأدت إلى تعطيل تنفيذ القرار.

وترى المصادر أنه لم يعد من مبرر للربط بين جبهتي غزة والجنوب، وأنه لا بد من الفصل بينهما لعدم توفير الذريعة لنتنياهو للتفلت من وقف حربه على لبنان بتطبيق الـ1701، مع أنه لم يكن من ضرورة لإسناد «حزب الله» لغزة، الذي شكل بتفرُّده بقرار السلم والحرب إحراجاً للحكومة عربياً ودولياً، باعتبارها صاحبة الصلاحية في اتخاذه، فيما افتقد الحزب إلى من يناصره، بخلاف وحدة الساحات التي يدعو لها محور الممانعة بقيادة إيران، وهذا ما ألقى عليه عبء المواجهة منفرداً.