ناقشت «لجنة الخارجية» بمجلس النواب المغربي (الغرفة الأولى في البرلمان)، أمس، تقرير المهمة الاستطلاعية «للوقوف على حقيقة ما يعانيه العديد من الأطفال والنساء والمواطنين المغاربة العالقين ببعض بؤر التوتر مثل سوريا والعراق». وتضمن التقرير إفادات عدد من المسؤولين الحكوميين المغاربة حول هذا الملف. وجاء في التقرير أن وزير الداخلية، عبد الوافي لفتيت، أفاد خلال لقائه مع اللجنة في 25 يونيو (حزيران) الماضي، بأن هناك 1659 جهادياً انضموا إلى حركات إرهابية مختلفة في المنطقة السورية - العراقية. وبالإضافة إلى هذا العدد، توجه إلى هذه المناطق 290 من النساء، و628 من القاصرين، وأشار إلى عودة 345 مقاتلاً إلى المغرب «حيث حوكموا؛ بموجب التشريعات الوطنية التي تعاقب على الانضمام إلى جماعات إرهابية في أي مكان». وبينما قتل عدد منهم؛ فإن آخرين ما زالوا أحياء؛ منهم 250 مقاتلاً معتقلاً (232 في سوريا و12 بالعراق و6 بتركيا)، إلى جانب 138 امرأة؛ بينهن 134 بالمخيمات التي تحرسها القوات الكردية. إضافة إلى نحو 400 قاصر؛ بينهم 153 فقط تأكد أنهم مولودون بالمغرب، بينما ازداد الباقي بمناطق التوتر المعنية أو في بعض الدول الأوروبية.
وأبرز الوزير لفتيت أن السلطات المغربية باشرت خلال شهر مارس (آذار) 2019 ترحيل مجموعة تضم 8 مواطنين مغاربة كانوا يوجدون في مناطق النزاع بسوريا، وخضع هؤلاء المرحلون لأبحاث قضائية في إجراءات وقائية واحترازية بشأن احتمال تورطهم في قضايا مرتبطة بالإرهاب. إلا إن استمرار تردي الأوضاع الأمنية بمناطق وجود هؤلاء المقاتلين الأجانب؛ يقول الوزير، «لم يسمح بمواصلة عمليات الترحيل هذه، ودفع بالسلطات العمومية إلى التفكير في أساليب عمل أخرى تمكن من تحقيق الأهداف المرجوة».
وأشار الوزير المغربي إلى أن مصالح وزارة الداخلية تقوم بدراسة طلبات العودة التي ترد عليها مباشرة أو عبر القنوات الدبلوماسية، خصوصاً من طرف الأشخاص الذين يتمكنون من الهروب من أماكن الاحتجاز أو المرور نحو بعض الدول المجاورة.
وقال لفتيت: «كلما جرى التأكد من هويتهم بصفتهم مغاربة، يتم بتنسيق مع مصالح وزارة الشؤون الخارجية إصدار الوثائق الضرورية لعودتهم لأرض الوطن مع اتخاذ الإجراءات الملائمة من طرف المصالح الأمنية حسب وضعية كل عائد».
وأشار إلى الصعوبات التي تضاعفت مع انشغال المجتمع الدولي بتداعيات انتشار وباء «كوفيد19»؛ «مما ساهم في تواري هذا الملف للوراء»، ولكنه شدد على أن وجود فئة لا تزال متشبعة بفكر «داعش»، يطرح تحدياً كبيراً للأجهزة الأمنية، خصوصاً أن البعض منهم «اكتسبوا تدريباً وخبرة في التعامل مع الأسلحة وصنع العبوات الناسفة وتجهيز السيارات المفخخة، بالإضافة إلى قدراتهم في الدعاية والتجنيد الإرهابيين».
من جهته؛ أوضح وزير الخارجية، ناصر بوريطة، خلال لقائه باللجنة في 7 يناير (كانون الثاني) 2021، أن «عدد من ذهبوا مقاتلين أو إرهابيين هو 1654 مغربياً؛ و640 من عائلاتهم»؛ إما «أخذوهم معهم أو التحقوا بهم»، وانقسم مجموع المقاتلين الذين ذهبوا من المغرب. ومن ضمن هؤلاء 1300 من المقاتلين التحقوا بـ«داعش»، وفي العدد الإجمالي هناك 740 ماتوا، و350 يعتقد أنهم ما زالوا أحياء، و269 رجعوا للمغرب، ويعتقد أن 241 منهم معتقلون.
وأبرز الوزير بوريطة أن هناك 3 مقاربات اعتمدتها الدول في التعامل معهم؛ فهناك دول وافقت على استرجاع مواطنيها «ومنهم مقاتلون إرهابيون معروفون وعددهم قليل»، مثل طاجيكستان وكازاخستان وأوزباكستان وكوسوفو... لأسباب تفيد بأن «يكونوا تحت أعينهم أفضل من انتشارهم وانتمائهم لتنظيمات أخرى».
وهناك دول تقتصر على استرجاع القاصرين دون البالغين (مثل تونس). وثالثاً، هناك دول تريد إرجاع «كل حالة على حدة»، بحيث يعاد من لا يشكل خطراً ويسهل اندماجه، وتترك الحالات الأخرى (مثل فرنسا والنرويج والدنمارك)، وهناك دول قررت نزع الجنسية عنهم كما هو الشأن بالنسبة للولايات المتحدة وبلجيكا وسويسرا وكندا وهولندا وأستراليا.
أما بالنسبة للمغرب، فأكد الوزير بوريطة أنه «لا توجد لائحة دقيقة»، لوجود تحفظ في المعلومات، «خوفاً من التعذيب الذي قد يطال الأسر المعنية»، وقال: «هناك ضعف في المعلومات التي نحصل عليها من منظمة الصليب الأحمر الدولي (CICR)»، حيث يتم التعامل مع سفارة المغرب لدى الأردن، فيما يخص العراق، أما فيما يخص سوريا فيتعامل مع سفارة المغرب لدى لبنان.
وأثار الوزير بوريطة أيضاً إشكالية مزدوجي الجنسية بين العالقين؛ «فبعد إسقاط الجنسية الأولى يطرح السؤال: هل هم مغاربة أم لا؟»، وعلق قائلاً: «إذا فتح المغرب موضوع الجنسية؛ فربما قد نصل لعدد مرتفع جداً».
وأشار بوريطة إلى أن معالجة الظاهرة الإرهابية مرتبطة بثلاث إشكاليات أساسية؛ الأولى: المسألة الآيديولوجية، «فما دام الترويج للآيديولوجية الإرهابية عبر وسائل التواصل الاجتماعي خارج السيطرة، فما يتم في الميدان لن ينفع». ثانياً: إشكالية الخطاب، فهناك من هو مرتبط بالتكنولوجيا، أي كيف لوسائل التواصل الاجتماعي ضبط خطاب الكراهية والإرهاب؟ والثالثة: مستقبل الإرهاب في أفريقيا. وقال: «هذه السنة فاقت أفريقيا أفغانستان في العمليات الإرهابية، وعدد الضحايا في ازدياد، خصوصاً في مالي ونيجيريا».
في السياق نفسه، أشار التقرير إلى لقاء اللجنة مع المصطفى الرميد وزير الدولة المكلف حقوق الإنسان والعلاقات مع البرلمان في 7 يونيو (حزيران)، والذي أشار إلى أن السلطات المغربية «واجهت صعوبات جمة لضبط لائحة المغاربة المحتجزين بشمال سوريا؛ أولاً: بسبب خضوع مخيمات الاحتجاز لسلطة جماعات مسلحة غير دولية. وثانياً: نظراً لغياب الوثائق المثبتة خصوصاً أن زيجات غير موثقة أنجزت بين أشخاص ينتمون لدول مختلفة، ونتج عنها أطفال ولدوا بمناطق النزاع، وأحياناً من زواج مختلط».
وأضاف الرميد أن الحكومة لا يمكنها إلا أن تؤكد على «أهمية كل المساعي الرامية إلى وضع حد لحالة الاحتجاز التي يوجد عليها المواطنون المغاربة المعنيون، وأن تعبر عن قلقها إزاء ما آلت إليه حال هؤلاء المواطنين، وتعبر عن استعدادها للتعاون اللازم مع هذه اللجنة البرلمانية».
وأشار إلى أنه «ينبغي استحضار الطبيعة المعقدة لهذا الملف؛ ليس فقط للأسباب التي سبقت الإشارة إليها، ولكن أيضا بالنسبة للمخاطر المحتملة لعودة أي شخص، فضلاً عن أن الأمر يتعلق بمئات الأشخاص وما يطرحه ذلك من تحديات أمنية». ودعا الرميد إلى بلورة «تصور دقيق وطرح حلول وجيهة تستحضر كل الإشكالات وتجيب عن كل الأسئلة المرتبطة بجميع التحديات».
من جهة أخرى؛ قدمت اللجنة توصيات عدة في تقريرها؛ منها «إصدار قوانين إطار وقوانين تضع الإطار التشريعي لمعالجة الأوضاع الخاصة والاستثنائية التي يوجد فيها الأطفال والنساء المغاربة العالقون في بؤر التوتر في سوريا والعراق، من أجل تسهيل عملية إرجاعهم بشكل سريع ودمجهم في ظروف سليمة بمحيطهم العائلي والاجتماعي». كما اقترحت «إحداث مؤسسة وطنية تتكفل بتدبير هذا الملف»، بالتنسيق مع الحكومة والمجتمع المدني الفاعل في المجال والمؤسسات الدينية والمؤسسات البحثية والأكاديمية ومختلف المؤسسات الدستورية والقضائية والأمنية المعنية.
تقرير لجنة نيابية حول مغاربة «داعش» العالقين يكشف عن «هواجس» الرباط من إعادتهم
تضمن إفادات مسؤولين حكوميين حول الملف
تقرير لجنة نيابية حول مغاربة «داعش» العالقين يكشف عن «هواجس» الرباط من إعادتهم
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة