تفاعل الجمهور المصري مع عرض مسرحي غنائي مأخوذ عن نص عالمي، في مسرح سيد درويش (أوبرا الإسكندرية)، أو المسرح الكبير بدار الأوبرا المصرية بالقاهرة، قد يعد أمراً طبيعياً، لكنّه عندما يتفاعل مع عرض شبابي مفعم بالبهجة والحيوية والضحك والاستعراض بمسرح محلي في حي شعبي وسط مدينة الإسكندرية الساحلية، يعد أمراً مميزاً للغاية، حيث نجح فنانون شباب في اجتذاب جمهور حي «الأنفوشي» عبر تقديمهم المسرحية الغنائية «1501» المأخوذة عن النص العالمي «إيزابيل... ثلاثة مراكب ومشعوذ» للكاتب الإيطالي الحاصل على جائزة نوبل للآداب داريو فو، ليعيدوا إلى الأذهان الشغف بالمسرح الغنائي.
يُعد العرض حلقة من سلسلة أعمال مسرحية عالمية يقدمها الثلاثي الفني: دراما توجر أسامة الهواري، والمخرج محمد الزيني، والمؤلف الموسيقي د. محمد حسني، الذين سبق تعاونهم في تقديم عروض مأخوذة عن روائع عالمية تحتفي بالمنجزات الروائية شديد الثراء، على غرار «عيد المهرجين» المأخوذ عن رواية «أحدب نوتردام» لفيكتور هوغو، كما قدموا «عرايس البحر» المأخوذ عن نص «بيت برناردا ألبا» للشاعر فيديريكو غارثيا لوركا. أما «1501» الذي انتهي تقديمه قبل أيام قليلة، فمن المتوقع عرضه مجدداً خلال الفترة المقبلة، حسب صناعه.
ورغم أنّ عروض المسارح المحلية والشّعبية في المدن المصرية تتسم غالباً بالطابع الكوميدي الخفيف، فإنّ عرض «1501» كان عملاً مسرحياً شائكاً في أفكاره، وذا تقنيات أدبية وفنية ذات طابع خاص، حسب مخرج المسرحية محمد الزيني، الذي يقول لـ«الشرق الأوسط»: «قرّرنا الانفتاح على آفاق إبداعية وثقافية واسعة، لإتاحة الفرصة للمشاهد للتحليق في عوالم مسرحية أثرت الإنسانية على مدى سنوات طويلة، فإذا كانت هناك نظرة لجمهورنا بأنّه ربما لا يحتفي كثيراً بالمسرح العالمي أو المسرح من الأصل، وقد يكون اسم المسرح الشعري أو الغنائي بعيداً عن اهتماماته، فإنّنا على ثقة بأنّنا بعد أن ننجح في اجتذابه لعروض مثل التي نقدمها له، سيصبح أكثر تذوقاً وشغفاً بهذا الفن. مضيفاً: «لا يشترط تمصير الأعمال أو نجري فيها تغييرات كبيرة، لكننا نقدمها من دون أن نفقدها هويتها، وفي الوقت ذاته بما يتلاءم مع مزاجه الخاص وثقافته لكي يستسيغها».
وتدور أحداث المسرحية في حقبة زمنية بعيدة، إذ تتناول حياة البحار كريستوف كولومبس واكتشافه الأميركيتين أثناء رحلته التي ابتغى منها الوصول إلى الهند، باعتبار أنّ الأرض كروية، وبالتالي أراد اكتشاف طريق أقصر للهند عبر الغرب. ويعيش الجمهور مع روعة أن يكون في حياته حلم كبير يسعى وراءه، وكيف يمكن أن يقود القدر صاحبه إلى حلم أكبر.
ونجحت المسرحية في توصيل هدف الكاتب كما النص الأصلي، وهو تقديم الرحالة الشهير بصورة جديدة بعيداً عن الشخصية التقليدية التي عرفه بها العالم في كتب التاريخ المدرسية، بالإضافة إلى إلقاء الضوء على شخصيات أخرى من تلك الحقبة وما يتخلل ذلك من الغوص في مشاعر إنسانية عميقة.
لم يقع العرض 1501 في فخ السرد التاريخي الذي قد يثير ملل الجمهور، فقد تمتع بأسلوب سردي شيق وصورة مسرحية جذابة، تجمع بين الإضاءة وحشد الألوان على الخشبة عبر عناصر متعددة أهمها الديكور والملابس التي جاءت مميزة ومرضية لعين المشاهد رغم ضعف الإمكانيات، وفق الزيني، الذي يقول: «حرصنا على إمتاع الجمهور لأنّ الفن في الأساس متعة، كما أنّنا حين ننجح في ذلك ننجح أيضاً في تثقيفه والتأثير فيه».
أمّا مفاجأة العرض فكانت في الاهتمام بالتعبير الموسيقي الدرامي وتوظيفه لصالح الحالة الانفعالية للمشهد المسرحي، ليعيد من جديد الحنين إلى المسرح الغنائي الذي التف حوله الجمهور منذ ظهوره الأول في مصر في أوائل القرن العشرين على يد أحمد خليل القباني، حين قدم أعمالاً مستوحاة من التاريخ العربي وقصص ألف ليلة وليلة وغير ذلك، وفي هذا العرض نجد أنفسنا أمام تحدٍ حقيقي نجح فيه المؤلف الموسيقي د. محمد حسني حيث قدم أعمالاً غنائية اعتمد فيها على الإيقاعات الغربية وأنواع الآلات الموسيقية التي كانت سائدة في الحقبة الزمنية للمسرحية، كما حرص على تقديم ثيمات موسيقية تجمع بين الطابعين الإسباني والفرنسي، تماهياً مع الأمكنة التي دارت فيها الأحداث، ولا يقل أهمية عن ذلك الغناء المباشر، وهو ما تطلب حتماً تدريباً طويلاً لفنانين شباب معظمهم يقف للمرة الأولى في حياته على المسرح.
يقول حسني لـ«الشرق الأوسط»: إنّ «النصوص العالمية ملهمة بالنسبة للموسيقى رغم صعوبتها، لأنّها تتيح له قماشة واسعة ثرية للإبداع، كما أنّها تساهم في تثقيف المتلقي بموسيقات لتنتمي لثقافات أخرى».
«1501»... عرض غنائي مصري مفعم بالحيوية والضحك
«1501»... عرض غنائي مصري مفعم بالحيوية والضحك
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة