تألق بيدري وظهوره كوريث لإنييستا عزاء إسبانيا في «يورو 2020»

لم يُخطئ النجم الإسباني بيدري في أي تمريرة خلال الوقت الأصلي لمباراة إسبانيا ضد إيطاليا في الدور نصف النهائي لكأس الأمم الأوروبية 2020 وأكمل 65 تمريرة من إجمالي 67 تمريرة - ليتفوق بذلك على أي لاعب إيطالي في هذه الإحصائية بمقدار الثلث. وأمتع بيدر الجميع في هذه المباراة بتحركاته السلسة وذكائه الشديد داخل الملعب وقدراته وإمكانياته الهائلة، رغم خسارة منتخب بلاده في نهاية المطاف بركلات الترجيح.
لقد تطور مستوى بيدري بشكل كبير للغاية، وخير دليل على ذلك أنه في الثامن من يوليو (تموز) 2020 كان قد هُزم أمام ريال أوفييدو في دوري الدرجة الثانية بإسبانيا، لكنه بعد مرور أقل من عام واحد، وبالتحديد في السابع من يوليو (تموز) 2021 كان يشارك في مباراة الدور نصف النهائي لكأس الأمم الأوروبية أمام إيطاليا، ويقدم مستويات استثنائية تنبئ بأنه سيكون له مستقبل باهر خلال السنوات القادمة.
وبعد خسارة منتخب بلاده بركلات الترجيح، انهار بيدري في البكاء على كتف زميله تياغو ألكانتارا، كما احتضنه إيمريك لأبورت ولويس إنريكي، لكنه استمر في البكاء. وفي الوقت نفسه، بدا المهاجم الإسباني ألفارو موراتا تائها، وكان المشهد قاسياً للغاية عليه بعدما أهدر إحدى ركلات الترجيح. لكن في غرفة خلع الملابس، طالب لويس إنريكي لاعبيه بأن يكفوا عن البكاء وأن يشعروا بالفخر لما قدموه ويتعلموا الدرس مما حدث. وقال المدير الفني الإسباني للاعبيه: «لا تبكوا، وانهضوا مرة أخرى. يتعين عليكم أن تتعلموا تقبل الخسارة، فالحقيقة أن المرء يتعلم أكثر بعد الهزيمة».
في الواقع، تعلمت إسبانيا الكثير على ملعب ويمبلي، وأشار أحد عناوين الصحف إلى أن بيدري قد أكمل «الدكتوراه» هناك، وتخرج على ملعب توجد عليه لافتة معلقة فوق الحبل تمنع الناس من المشي على العشب مكتوب عليها «اللاعبون يدخلون والأساطير يغادرون». وقال المدافع الإسباني إيريك غارسيا بعد نهاية المباراة: «آمل أن يكون هذا بداية لشيء كبير جداً»، مشيراً إلى أن هذا الفريق الذي يضم عدداً كبيراً من اللاعبين الشباب قد «سقط بشرف» أمام منتخب إيطاليا الذي يقدم مستويات مميزة للغاية في البطولة.
لقد قدم المنتخب الإسباني هذه المستويات الجيدة للغاية خلال البطولة بلاعبين ليسوا نجوماً حتى الآن، والدليل على ذلك أن المنتخب الإسباني يضم لاعبين من نادي برايتون أكثر من عدد اللاعبين الذين يضمهم من نادي ريال مدريد! وعلاوة على ذلك، كان المنتخب الإسباني يضم خمسة لاعبين من برشلونة وأتليتكو مدريد معاً، كما أن فيران توريس لا يزال يبلغ من العمر 21 عاماً، وباو توريس 24 عاماً، وأولمو 23 عاماً. لقد ظهر أولمو بشكل رائع على ملعب ويمبلي عندما كان يلعب مهاجماً وهمياً. وقال لويس إنريكي عن ذلك: «كان أداؤه مذهلاً، وكان يلعب كما يقول الكتاب. لم يكن الأمر طبيعياً». لكن المدير الفني الإسباني أضاف: «لكن، من فضلكم، هل لاحظ أي شخص أن البطولة شهدت مولد لاعب شاب يبلغ من العمر 18 عاماً اسمه بيدري؟ يعرف أي شخص يعرف أي شيء عن كرة القدم يعرف جيداً أنه لم يسبق للاعب يبلغ من العمر 18 عاماً أن قدم هذا المستوى، ولا حتى السير أندريس إنييستا. إنه أمر لا يصدق، إنه فريد من نوعه».
نشأ بيدري في بلدة تيغيستي بجزيرة تينيريفي، وأخبر والده وهو صغير بأنه يريد أن يقص شعره على طريقة إنييستا، نظراً لأنه كان يعشق النجم الإسباني الكبير. ولم يكتف بيدري بتقليد قصة شعر إنييستا، لكنه كان يسير على نفس طريق إنييستا في أمور كثيرة، بدءاً من الخجل وصولاً إلى المهارة والتوقيت الرائع لاتخاذ القرارات داخل الملعب والسرعة والقدرة على مراوغة المنافسين والتحكم في الكرة بشكل استثنائي. إن بيدري لديه القدرة على السيطرة تماماً على مقاليد الأمور والتمتع بالهدوء الشديد في الوقت نفسه. يقول بيدري عن ذلك: «أنا ألعب كما لو كنت في الحديقة مع أخي». وعندما سُئل مؤخراً عما إذا كان قد شعر بالتوتر والعصبية يوماً ما، رد قائلاً: «ربما حدث ذلك قبل أول ظهور لي مع لاس بالماس».
لقد كان بيدري يلعب في مكان يطلقون عليه اسم «الثلاجة» بسبب الرياح الباردة للغاية والقادمة من سفح التل، لكن بيدري كان يقدم دائماً مستويات ممتازة. ويتذكر المدير الفني لبيدري في لاس بالماس، بيبي ميل، تلك الأوقات قائلاً: «ربما لم يكن بيدري نفسه يدرك أنه يمتلك قدرات استثنائية». لكن قدرات بيدري لم تكن تقتصر على المهارة والقدرات الفنية، لكنه كان قوياً أيضاً من الناحية البدنية، حيث كان يقطع سباقات 800 متر و400 متر حواجز، لكنه قبل كل شيء كان يمتلك لمسة فريدة من نوعها ووعي خططي جيد للغاية. لقد قال بيدري لماركوس لوبيز من صحيفة «إل بيريوديكو» الإسبانية: «أنا ألعب من أجل المتعة». من الواضح للجميع أن بيدري يقوم بعمل جاد للغاية داخل المستطيل الأخضر، لكن يبدو أنه لا يلاحظ أو يدرك ذلك، نظراً لأنه يلعب من أجل المتعة في المقام الأول والأخير.
وقال بيدري: «كرة القدم بدأت تفقد الجماليات والمهارات لصالح الجوانب البدنية، لكن يتعين عليك أن تثق دائماً في موهبتك». وبالفعل، كان لويس إنريكي يثق كثيراً في موهبة بيدري، لدرجة أنه لم يكتف بضمه إلى قائمة المنتخب الإسباني المشاركة في يورو 2020. لكنه أشركه في التشكيلة الأساسية في قرار لم يكن يحظى بدعم كبير في البداية، لكن سرعان ما أدرك الجميع أن إنريكي كان محقاً في ذلك. وقال إنريكي عن ذلك: «هناك أوقات تحدد فيها الحقائق الأشياء أفضل من الكلمات. بيدري لاعب مختلف تماماً عن الآخرين».
أما الحقائق التي كشفت عن إعجاب المدير الفني بلاعبه الشاب فكانت بسيطة للغاية وتتمثل في أن بيدري لعب جميع الدقائق التي لعبها المنتخب الإسباني في البطولة باستثناء دقيقة واحدة عندما خرج من الملعب في الدقيقة 119 أمام سويسرا ليشارك بدلاً منه رودري، الذي يجيد تسديد ركلات الترجيح. وتشير الأرقام والإحصائيات إلى أن بيدري هو أصغر لاعب يشارك في مباراة إقصائية في كأس الأمم الأوروبية بعمر 18 عاماً و215 يوماً، ليكسر بذلك الرقم الذي كان مسجلاً باسم النجم الإنجليزي واين روني. لكن الأمر المثير للإعجاب أن بيدري لا يرى إنجازاً في ذلك الأمر ويتعامل معه على أنه شيء عادي. يقول كوكي عن ذلك: «ما يفاجئني حقاً هو نضجه. إنه حاضر ومستقبل المنتخب الوطني».
وقال موراتا: «لقد قلت له إنه سيشارك في بطولة اليورو حتى قبل أن يتمكن من تعلم كيف يقود السيارة! أنا أشعر بالذهول مما يقدمه. إنه يجعلك تشعر وكأنه لاعب مخضرم في الأربعين من عمره. بعض اللاعبين يحتاجون إلى وقت طويل لتعلم كيفية تدارك الأخطاء وتحمل الضغوط، وبعض اللاعبين الآخرين لديهم القدرة على التعامل مع ذلك بشكل رائع، وبيدري أحدهم بالطبع. لكن عدداً قليلاً للغاية من اللاعبين الذين يصل عمرهم إلى 18 عاماً هم من يملكون مثل هذه الشخصية. سيكون بيدري أحد أفضل اللاعبين في تاريخ إسبانيا بكل تأكيد».
كان ذلك قبل المباراة الثالثة لمنتخب إسبانيا في دور المجموعات، لكن من الواضح أن التوقعات بشأن مستقبل بيدري قد زادت كثيراً بعد الأداء الاستثنائي الذي قدمه أمام إيطاليا. وكاد المنتخب الإسباني أن يتقدم على إيطاليا بعد مرور 12 دقيقة فقط بعدما أرسل بيدري كرة متقنة إلى ميكيل أويارزابال، وبعد ذلك بعشر دقائق فقط قدم بيدري لمحة مهارية أخرى من مستودع موهبته، قبل أن يمتع الجماهير بكرة أخرى مررها بطريقة ذكية للغاية من بين أقدام لاعبي المنتخب الإيطالي. ولم تكن هذه سوى مجرد البداية، حيث واصل بيدري التألق بشكل لافت للأنظار رغم خسارة منتخب بلاده بركلات الترجيح في نهاية المطاف.
لكن المشكلة كانت تكمن في أن كل هذا المجهود الذي بذله بيدري لم يكف لتأهل المنتخب الإسباني للمباراة النهائية. وهناك إحصائية أخرى تشير إلى أنه بنهاية الدور نصف النهائي لكأس الأمم الأوروبية - التي لم يكن بيدري ليشارك فيها لو أقيمت في موعدها الأصلي العام الماضي - كان بيدري هو أكثر لاعب في البطولة ركضاً، رغم أن ذلك جاء في نهاية سنة تقويمية لعب فيها 70 مباراة، أنهاها باللعب على ملعب ويمبلي الشهير. ومع ذلك، لم تنته الأمور بالنسبة لبيدري مع نهاية كأس الأمم الأوروبية، حيث سيلعب مع منتخب بلاده في دورة الألعاب الأولمبية بطوكيو بعد أيام قليلة. وبالتالي، فإن برشلونة ليس سعيداً بذلك، لأن هذا العدد الكبير من المباريات سوف يصيب اللاعب الشاب بالإرهاق الشديد. لكن هذا يعد معياراً آخر على أن اللاعب بات مهماً للغاية بالنسبة للنادي الكتالوني. لكن لا يمكن لبرشلونة أن يمنع بيدري من اللعب مع منتخب بلاده لأسباب عديدة. يقول بيدري عن ذلك: «أنا أتفهم ذلك، لكنني أحب لعب كرة القدم».