الحريري يحمل لعون تشكيلة وزارية... التفاهم أو الاعتذار

يحسم قراره هذا الأسبوع ما لم تطرأ تدخلات خارجية

TT

الحريري يحمل لعون تشكيلة وزارية... التفاهم أو الاعتذار

كشف مصدر نيابي بارز أن الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة سعد الحريري اتخذ قراره بأن يتقدم في بحر هذا الأسبوع وقبل حلول عطلة عيد الأضحى بتشكيلة وزارية كاملة الأوصاف من رئيس الجمهورية ميشال عون، في محاولة لكسر الحلقة المفرغة التي تحاصر عملية تأليفها. وقال لـ«الشرق الأوسط» بأنه يراعي فيها التمثيل المتوازن ويأخذ في الاعتبار ضرورة الانفتاح وإبداء الحد الأقصى من المرونة لإسقاط الذرائع لتبرير رفضها وعدم التوافق عليها، وإلا لن يكون أمامه من خيار سوى الاعتذار عن تشكيل الحكومة.
ولم يحسم المصدر النيابي ما إذا كان الحريري سيتقدم بتشكيلته الوزارية من 24 وزيراً قبل أن يغادر إلى القاهرة للقاء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الخميس المقبل، ويقول إن اختيار التوقيت يعود للرئيس المكلف الذي كان صارح رئيس المجلس النيابي نبيه بري في اجتماعهما الأخير برغبته في التوجه هذا الأسبوع إلى بعبدا حاملاً معه تشكيلته الوزارية التي يعمل حالياً على جوجلة أسماء وزرائها.
ولفت إلى أن التواصل مستمر بين الحريري وبري لمواكبة آخر التطورات المتعلقة بأزمة تشكيل الحكومة في ضوء استمرار الاتصالات الدولية والإقليمية ذات الصلة المباشرة فيها والتي تُجمع نقلاً عمن يشارك فيها على ضرورة الإسراع بتأليفها لأن من دونها لا يمكن توفير الدعم والمساندة الدولية لمساعدة لبنان للخروج من أزماته غير المسبوقة.
وأكد المصدر نفسه أن بري تداول مع الحريري في اجتماعهما الأخير في إمكانية التوافق على أن يكون للأخير الدور الراجح في تسمية من يخلفه لتولي رئاسة الحكومة، وقال إن الحريري لم يقفل الباب وأبدى تفهماً لكنه ربط موافقته الأخيرة بإجراء جولة من المشاورات مع حلفائه بدءاً برؤساء الحكومات السابقين.
ورأى أن عدم موافقة عون على التشكيلة الوزارية سيدفع بالحريري حتماً إلى الاعتذار بموقف متكامل يعلل فيه الأسباب التي أملت عليه عزوفه عن تشكيل الحكومة، وقال إنه يأخذ في الاعتبار في التشكيلة الوزارية التي سيحملها إلى بعبدا تبنّيه للمبادرة التي كان طرحها رئيس المجلس واستمد روحيتها من المبادرة الإنقاذية التي أطلقها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في زيارته الثانية إلى بيروت في أعقاب الانفجار الذي استهدف المرفأ.
وقال إن بري لعب دوراً في إيجاد تسوية للخلاف حول من يشغل وزارتي الداخلية والعدل وكان وراء إقناع الحريري بزيادة عدد الوزراء من 18 وزيراً إلى 24 وإن المشكلة المتبقّية تتعلق بتسمية الوزيرين المسيحيين وبموافقة رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل على منح الحكومة الثقة في مقابل تمثيل تياره السياسي في حكومة مهمة.
وأكد المصدر النيابي أن لقاءات المعاون السياسي لرئيس المجلس النائب علي حسن خليل ونظيره المعاون السياسي للأمين العام لـ«حزب الله» حسين خليل بباسيل بقيت تراوح مكانها ولم تحقق أي تقدم لأن الأخير بقي على موقفه، وهذا ما أدى إلى تعليق الاجتماعات، فيما رأى مصدر سياسي مواكب لاستمرار المراوحة التي تعيق تشكيل الحكومة بأن الحريري وقبل أن يتقدم بالتشكيلة الوزارية من عون سيجري مروحة من الاتصالات يبدأها برئيس المجلس ورؤساء الحكومات السابقين وآخرين.
وكشف المصدر السياسي أن الحريري كان وضع الرؤساء نجيب ميقاتي في اتصال أجراه به لوجوده في اليونان وفؤاد السنيورة وتمام سلام في العناوين الرئيسة للقائه ببري في موازاة ما يلقاه من اتصالات دولية وإقليمية تحثه على التريث في تقديم اعتذاره والمضي في محاولته لتشكيل الحكومة.
وأضاف أن رؤساء الحكومات يميلون إلى عدم تسميته لمن يخلفه لتشكيل الحكومة ويدعمون توجهه بأن يحمل تشكيلة وزارية إلى عون، ويعزون السبب إلى أنه من غير الجائز مكافأة من يتسبب بتعطيل الحكومة بتقديم البديل على طبق من فضة، خصوصاً وأنه لم يكفّ يوماً منذ تكليفه بتشكيلها عن استحضار الذرائع وافتعال العقبات لأنه لا يريده رئيساً للحكومة.
وعليه يأمل المصدر النيابي أن يهتدي الجميع لإزالة العراقيل التي تعيق تشكيل الحكومة، وأن يبادر عون إلى التعامل بإيجابية مع رغبة الحريري في كسر الحلقة المفرغة التي تؤخر ولادتها، وإلا لم يعد أمامه من خيار سوى الاعتذار، رغم أن التشكيلة التي يتحضر حالياً لإعدادها لا تشكّل تحدياً لرئيس الجمهورية في حال توافرت النيات الحسنة من قبل جميع المعنيين بتشكيلها وأولهم رئيس الجمهورية.
لذلك فإن الحريري لا يتطلع من خلال حسمه لقراره بإعداد تشكيلة وزارية إلى حشر رئيس الجمهورية، إلا إذا قرر الفريق السياسي المحسوب عليه عن سابق تصور وتصميم - كما يقول المصدر السياسي - تنظيم هجوم مضاد تحت عنوان استرداد صلاحيات الرئيس واسترداد حقوق المسيحيين في خطوة أقل ما يقال فيها بأنها محاولة مكشوفة للهروب إلى الأمام.
فرفض عون للتشكيلة الوزارية التي لا يوجد فيها لا ثلث معطل ولا أربعة أرباع أو ثلاثة أثلاث - بحسب ما يقول بري - سيؤدي إلى إقحام البلد في أزمة سياسية من نوع آخر لوجود صعوبة في إيجاد البديل في حال اعتذار الحريري، ما يلقي على عون مسؤولية تعطيل البلد، وبالتالي يفتح الباب أمام المطالبة بتقصير ولايته.
ويبقى السؤال ما إذا كانت خريطة الطريق التي رسمها الحريري لنفسه سترى النور هذا الأسبوع، لأنه لن يكون شريكاً في تعطيل البلد الذي يتدحرج بسرعة نحو السقوط النهائي؟ أم أن المداخلات الخارجية ستتوالى في محاولة جديدة قد تكون الأخيرة لعلها تُفلح في إقناع عون بإسقاط شروطه التي تؤخر ولادة الحكومة؟ مع أن لبنان يرقد حالياً في قعر الانهيار باستحالة تأمين الدواء والمحروقات والكهرباء بالتلازم مع ارتفاع منسوب الفقر والجوع بغياب الحد الأدنى من الحلول في المدى المنظور.



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.