الشرطيات الأفغانيات على سطح صفيح ساخن

مقتل 6 منهن في 2013.. والنيات الحسنة لا تكفي.. وتهديدات طالبان فوق رؤوس الجميع

الشرطيات الأفغانيات على سطح صفيح ساخن
TT

الشرطيات الأفغانيات على سطح صفيح ساخن

الشرطيات الأفغانيات على سطح صفيح ساخن

كادت بارفينا أن تنجو، لقد كانت في طريقها إلى منزلها بعد زيارتها وأطفالها لوالديها في شرق أفغانستان، وكانت بصحبة بعض النساء حين اقترب منهن رجلان ملثمان يستقلان دراجة نارية وسأل أحدهما وهو يتطلع في النساء المخبئة وجوههن خلف البراقع الزرقاء: «من هي بارفينا ابنة ساردار؟». لم يجب أحد، فاستخدم أحد الرجلين سلاحه في رفع البرقع الذي يغطي وجه أقرب النساء إليه، وبالنسبة إلى المجتمع الأفغاني المحافظ يعد هذا الفعل أشبه بفعل تجريدها من ملابسها علنًا. وردت بارفينا متسائلة: «من الذي يسأل؟»، وذلك بحسب رواية والدها وشقيقها. ورأى المسلحان وجهها وأطلقوا عليها 11 رصاصة.
قصة بارفينا، وهي واحدة من 6 شرطيات قُتلن عام 2013، حالة تمثل أسوأ ما يمكن أن يحدث، لكنها تكشف عن الأخطار والصعوبات التي تواجهها الشرطيات الأفغانيات، ومحاولات الغرب الحثيثة لتحقيق المساواة بين الجنسين في أفغانستان. وعلقت مأساة النساء تحت حكم حركة طالبان في مخيلة الغرب، وبات تحريرهن مثل صرخة لحشد الجهود. وتم ضخّ أموال وتقديم برامج في أفغانستان من أجل توفير فرص التعليم للفتيات، والمأوى للنساء، وإنتاج برامج تلفزيونية، وكل ذلك من أجل رفع مكانة المرأة في المجتمع.
مع ذلك اصطدمت تلك النيات الحسنة بالنهج المحافظ في أفغانستان. وكما توضح قصة المرأة، التي تعمل في صفوف الشرطة الأفغانية، لم تكن النظرة القمعية للمرأة لعنة تختص بحركة طالبان فحسب، بل هي جزء راسخ من المجتمع الأفغاني.
والآن بعد سحب الأموال والقوات الغربية من أفغانستان، السؤال الذي يطرح نفسه هو: إلى أي مدى نجح اللقاء بالغرب وما يمثله من قيم في تغيير البلاد، وما إذا كان للأفكار الغربية الخاصة بوضع المرأة أي تأثير.
في عام 2001، عندما سقط نظام طالبان، كان وضع المرأة في أفغانستان هو الأسوأ على وجه الأرض، إذ لم يكنّ يحصلن على أي فرص للتعليم أو الصحة وكان ضربهن في الأماكن العامة أمرا مقبولا في المجتمع. ونادرا ما كانت المرأة تخرج من المنزل، وعندما كانت تفعل ذلك كان من الضروري أن يصاحبها رجل، وتكون مغطاة من رأسها إلى أخمص قدميها بالبرقع.
وبعد مرور 14 عاما، هناك أمل ملموس أمام المرأة، خصوصا في المناطق الحضرية، إذ تذهب الفتيات إلى المدارس على الأقل حتى سن الحادية عشرة، وتحسنت الخدمات الصحية المقدمة للمرأة حتى في بعض المناطق النائية في البلاد. مع ذلك في المناطق الريفية والنائية، وفي المناطق التي تسكنها قبائل البشتون، في شرق وجنوب البلاد، لا تزال النساء يعشن حياة خانقة، إذ يتم إجبارهن على الزواج، وتتزوج الفتيات في سن صغيرة، وتتعرض النساء للضرب، وأحيانا للقتل في ما يعرف بجرائم الشرف.
وكان تعيين نساء في صفوف الشرطة من أولويات الحكومات وجهات التمويل الغربية، إذ كانوا يرون أن النساء والفتيات الأفغانيات اللاتي يتعرضن للعنف، أحيانا بشكل يومي، سيتشجعن على الإبلاغ عن أي انتهاك يتعرضن له، أو يطلبن المساعدة، إذا كان هناك نساء في الشرطة يمكنهن اللجوء إليهن. مع ذلك تلك الآمال تتصادم مع المحرمات الجنسية التي تسيطر على كل أشكال التعامل بين الرجال والنساء في أفغانستان. وتم وصف الشرطيات بالعاهرات اللائي يجلبن العار لأُسرهن. ويعني هذا الموقف العدائي أن النساء اليائسات واللائي يكنّ عادة فقراء وغير متعلمات هنّ من يعملن مع الشرطة.
وفي مجتمع يستخدم فيه الجنس كوسيلة ضغط وإخضاع، تتحمل كثيرات من الأفغانيات التحرش الجنسي خوفا على وظائفهن. تواجه الشرطيات الأفغانيات اللاتي يناضلن من أجل الحفاظ على سمعتهن مجموعة من المشكلات على أرض الواقع لا يفهمها المتبرعون الغربيون، مثل الحاجة إلى غرف تغيير ملابس منفصلة في أقسام الشرطة نظرا لخوف النساء من الذهاب إلى العمل وهنّ مرتديات الزي الرسمي. وبعد مرور 10 سنوات، وإنفاق ملايين الدولارات، لا يزال هذا الهدف المتواضع المتمثل في تعيين 5 آلاف شرطية محض سراب، إذ تم تعيين 2,700 شرطية فقط، أي أقل من 2 في المائة من أفراد الشرطة البالغ عددهم 169 ألفا، وذلك بحسب مكتب الأمم المتحدة في كابل الذي اعتمد على إحصاءات وزارة الداخلية الأفغانية.
يقول الخبراء في الشأن الأفغاني: «لم يتم تهيئة الموقف في أفغانستان للنساء للعمل مع الرجال، ومجتمعنا ليس مستعدا للشرطة النسائية للعمل هنا»، قال ذلك العقيد علي عزيز ميراكاي، الذي يرأس التوظيف بمحافظة مقاطعة نانغرهار، حيث عملت بارفيينا.
ويضيف العقيد ميراكاي بإقليم نانغرهار المحافظ، حيث كانت تعمل بارفينا: «الوضع في أفغانستان لا يسمح باختلاط النساء بالرجال في العمل، ومجتمعنا غير مستعد لتقبل نساء في جهاز الشرطة هنا». وأضاف ميراكاي الذي يدعم تعيين مزيد من النساء في صفوف الشرطة قائلا: «يقول قادة الشرطة الذين أعمل معهم إنهم لا يحتاجون إلى نساء يعملن معهم حتى الظهيرة ثم يذهبن إلى المنزل، بل يريدون تزويدهم برجال في سلك الشرطة». ويتنهد العقيد ميراكاي، الذي يدعم وجود المزيد من الشرطيات، مشيرا إلى أن قادة الشرطة بعمله قالوا: «نحن لسنا بحاجة إليهن للعمل معنا حتى الظهر والعودة إلى المنزل، فبدلا من الشرطة النسائية أرسل لنا الشرطة الذكور»، لافتا إلى حقيقة أن كثيرا من النساء يتركن العمل في وقت مبكر لرعاية أسرهن.
وفي محاولة للحصول على صورة شاملة تلخص تجربة المرأة في العمل داخل جهاز الشرطة، أجرت صحيفة «نيويورك تايمز» مقابلات مع أكثر من 60 شرطية، وقادة شرطة من الذكور، ومسؤولين في وزارة الداخلية، ومسؤولين عسكريين غربيين، فضلا عن أعضاء في منظمات غير حكومية. وبحسب تقرير صادر عن الأمم المتحدة، تم تقديمه إلى الوزارة عام 2013 لكن لم يُنشر، تعرضت 70 في المائة من الشرطيات، اللاتي تم إجراء مقابلات معهن والبالغ عددهن 130، لتحرش جنسي، وأبلغ عدد قليل من الشرطيات عن تعرضهن للاغتصاب، أو ضغوط واضحة لممارسة الجنس.
وقالت جورجيت غانيو، رئيسة قسم حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في أفغانستان: «بوجه عام لا تزال النظرة السلبية للشرطيات التي تتبناها وزارة الداخلية والمجتمع الأفغاني، وغياب آلية سرية لتقديم الشكاوى، والفساد، والافتقار إلى المرافق، والتمييز، والتحرش الجنسي، هي العراقيل الرئيسية».
ويعني الصدام بين القيم الغربية والواقع في أفغانستان أن البرنامج الذي كان يهدف إلى دعم المرأة قد أتى بنتائج عكسية، حيث عرّض النساء لانتهاكات وعقوبات. مع ذلك يمكن رؤية الإنجازات الحقيقية القليلة في بعض وحدات الأسرة التي تمنح الضحايا من النساء الفرصة للحديث إلى شرطيات والحصول على محاميات.
وقالت دبلوماسية غربية عملت لسنوات طويلة في أفغانستان، وتحدثت شريطة عدم ذكر اسمها نظرا لحساسية الموضوع بالنسبة إلى الحكومات التي استثمرت في برامج تدريب النساء للعمل في قوات الأمن: «من الغباء فرض قيمنا الليبرالية الغربية. ومن السهل علينا فتح الطريقة أمام هؤلاء النساء هناك، والتباهي بإنجازاتهن، ثم نغادر ونتخلى عنهن. وما الذي يحدث لهن؟». والصدام بين المثل الغربية والحقائق الأفغانية يكشف البرنامج الذي أنشئ لتعزيز دور المرأة في كثير من الأحيان عن نتائج عكسية للغاية، وخضوع المجندات أنفسهن لسوء المعاملة والعقاب.
وكانت الإنجازات ضئيلة ولكنها حقيقية في بعض وحدات الاستجابة للعائلة، التي تعطي الضحايا من النساء فرصة لإجراء محادثات مع شرطية والوصول إلى المحاميات.
وقال دبلوماسي غربي، أمضى سنوات كثيرة في أفغانستان، وطلب عدم نشر اسمه بسبب حساسية الموضوع بالنسبة إلى الحكومات التي استثمرت بكثافة في تدريب النساء الأفغانيات لقوات الأمن: «إن من العبث فرض معتقداتنا الغربية الليبرالية، فمن السهل بالنسبة لنا وضع هؤلاء النساء هناك واحترافهن للتجنيد لتحقيق إنجازات، ولكن بعد أن نغادر، سننهي حريتهن، وماذا يحدث لهن؟».



تركيا وإحياء «داعش» في ليبيا

قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
TT

تركيا وإحياء «داعش» في ليبيا

قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)

غداة الزيارة المريبة التي قام بها الوالي العثماني المنحول إردوغان إلى تونس، علا صوت الكثير من الأحزاب التونسية والاتحادات العامة للشغل وغيرها من جماعات المجتمع المدني بالرفض لأن تكون تونس ممراً أو مستقراً لنقل «الدواعش» من سوريا إلى ليبيا بواسطة تركيا عبر بلادهم».
المطالب المتقدمة تعني أمراً واحداً، وهو يقين الشرفاء والنبلاء من الشعب التونسي بأن بعض من نوايا إردوغان الحقيقية بالنسبة لليبيا موصول بإعادة إنتاج التنظيم الإرهابي الأشرس في العقود الأخيرة (داعش)، وربما في طبعة جديدة أسوأ مما شهده العالم في العراق وسوريا خلال النصف الثاني من العقد الماضي.
أسئلة كثيرة تطل برأسها من نافذة الأحداث المتسارعة عن أحوال «داعش» وعن الفوضى والارتباك اللذين تتسبب فيهما تركيا في ليبيا، وفي الوسط تسعى لنقل معركتها إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط، وإلى العمق الأفريقي لأهداف سنأتي على تفصيلها.
علامة الاستفهام الأولى في هذا الحديث: «ما هو وضع الدواعش في الوقت الحاضر في موطن النشوء الأول ومن حول بلاد الشام التاريخية؟».
الجواب نجده بالتفصيل والأرقام عند هارون ي زيلين، الباحث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، وعنده أنه في عام 2019 قدر البنتاغون أن ما بين 14 و18 ألف من مقاتلي تنظيم «داعش» لا يزالون في العراق وسوريا، والتساؤل ما الذي يفعلونه هناك؟
بلا شك مواصلة العمل كتنظيم إرهابي متمرد يكرس أعضاؤه جل وقتهم لمحاولة تهريب السجناء، وربما إعادة السيطرة على الأراضي، ومن خلال حرب استنزاف يعتقدون أنهم سيرهقون أعداءهم، كما أنهم يستفيدون من أي مساحات لا تسيطر عليها الحكومة المركزية أو يلعبون على وتر خطوط الصدع السياسية أو العرقية أو الدينية آملين في استغلالها لصالحهم.
> هل لدى التنظيم حتى الساعة مقدرة مالية على إدارة شؤونه بنفسه والإنفاق على عملياته الإرهابية؟
ــــ من الواضح أن الدواعش لا يزالون قابضين على ثروة تقدر بنحو 300 مليون دولار، ووفقاً لتقرير صادر عن الأمم المتحدة في يوليو (تموز) 2019، فإن «داعش» استثمر مجدداً أمواله في أعمال مشروعة، وربما بأسماء وهمية لا علاقة لها بأعضائه الإرهابين، أي من خلال عناصر نائمة، وذلك عبر العقارات، ووكلاء السيارات، ويوجد عدد منها في تركيا وفقاً لوزارة الخزانة الأميركية التي صنفت أفراداً من تنظيم «داعش» وشركات تحويل وصرافة على لائحة الإرهاب.
> ماذا تعني تلك البيانات المتقدمة؟
ــــ باختصار غير مخل، تشير إلى أن التنظيم لا يزال باقياً وفاعلاً، وأن الأيادي التركية السوداء تقف وراءه في أقصى الشرق، وها هي تجد فرصة غير مسبوقة ليعبر المتوسط جهة الغرب ويحل برحاله في ليبيا.
لم ينس إردوغان للحظة واحدة أنه في الشرق من ليبيا، توجد مصر الكنانة التي أسقطت مشروعه في عام 2013؛ فقد خيل له أنه قد أضحى الخليفة الجديدة بعد سنوات الربيع المغشوش؛ ولهذا فإن ملامح وعلامات الانتقام من مصر لا تغيب عن ناظريه، وقد حاول كثيراً استخدام الطابور الخامس من الإخوان المسلمين في مصر في زعزعة استقرار المحروسة وأخفق؛ ولهذا فقد بدا واضحاً أن الرجل المقهور يود نقل معركته إلى الداخل المصري بالاقتراب الكبير والمؤثر والفاعل؛ الأمر الذي لا يغيب عن أعين صقور المؤسسة العسكرية المصرية التي تقف له بالمرصاد.
وجد إردوغان ضالته المنشودة في جماعة الوفاق المنحلة، التي هي مزيج من الإخوان المسلمين والدواعش و«القاعدة» والجماعات الإرهابية كافة الشاردة والواردة، ومن خلال عمليات لوجيستية تتضح ساعة بعد أخرى، يمضي في إحياء التنظيم القاتل وله في ذلك أيضاً مأربان، أحدهما جهة الشمال والآخر ناحية الجنوب...ماذا عن ذلك؟
أما الشمال، فالمقصود به أوروبا، حيث العداء التاريخي المستحكم من تركيا تجاه أوروبا، وإردوغان يشعر بالغدر والخيانة من جراء رفض الاتحاد الأوروبي قبوله تحت سقفه؛ ولهذا أطلق تصريحات ذات طبيعة دوجمائية أكثر من مرة، حاول بها تفعيل مشاعر ديماجوجية في وسط الأتراك ليكتسب شعبية، رغم أن الأمر ارتد عليه مؤخراً بالسلب.
يسعى إردوغان من تأصيل وجود «الدواعش» على الشاطئ المتوسطي المواجه لأوروبا إلى استخدام الإرهاب الأصولي كأحدى أوراق نفوذه ضد ألمانيا، وفرنسا، وإيطاليا، والبرتغال، وقبلهما اليونان وقبرص، وهو أمر ليس بجديد عليه، فقد صرح قبل فترة بأنه قادر على فتح بوابات الوصول إلى أوروبا أمام اللاجئين والدواعش لإغراق أوروبا، وربما إحراقها بنيران الدواعش ومن لفّ لفّهم.
إردوغان أيضاً له مأرب آخر يتصل بعمق القارة الأفريقية، وهو يدرك أن ما فقده من أوهام الخلافة في الشرق الأوسط، ربما يجد له صدى في وسط أفريقيا، حيث يغيب الأمن كثيراً عن بعض الدول من جهة، ولا سيما المفككة اجتماعياً، وحيث تنتشر جماعات الإرهاب المشابهة من «حركة الشباب» و«بوكو حرام» وما شابه، وغالبيتها قد أعلنت ولاءها وانضواءها تحت راية تنظيم «داعش» الإرهابية وليس الإسلامية قبل نحو عامين.
والشاهد، أن إردوغان لا ينشئ فرعاً جديداً لـ«داعش» في ليبيا، وإنما يسعى لإيقاظ المؤتلفة قلوبهم، إن جاز التعبير، أولئك الذين هم دواعش في الباطن وإن أبدوا خلاف ذلك في العلن، والمعروف أن الأرضية الأصولية الإخوانية في ليبيا كانت قد انتهزت فرصة الإطاحة بمعمر القذافي عام 2011، حيث أقام المقاتلون مثل سوريا والعراق حكماً دينياً، غير أنه وفي عام 2016 استطاعت قوات الحكومة ومقاتلون من مصراتة بدعم من القوات الأميركية الخاصة وطائرات «إف 16» إخراج مقاتلي التنظيم من سرت في ديسمبر (كانون الأول) 2016.
في ذلك الهجوم قُتلت أعداد كبيرة من المتشددين، في حين هرب البقية إلى الجنوب بحثاً عن ملاجئ آمنة، وأقاموا معسكرات تدريب استخدموها للسطو على شاحنات النفط، وحصلوا على موارد من خلال التهريب، وهرب بعضهم إلى النيجر، حيث انضموا إلى فرع التنظيم هناك. ورغم عددهم القليل فإنهم استمروا في هجماتهم السريعة.
مؤخراً، وحتى قبل التدخل الإردوغاني المسموم، بدأ القلق يتزايد في سرت مرة أخرى، حيث تم اعتقال عشرة أشخاص يشتبه بتعاطفهم مع التنظيم، منهم مهندسة عثر على جهاز لاسلكي في بيتها، كما قبض على رجل قابل أعضاء في «خلية نائمة»، وأقاموا حاجز تفتيش خارج المدينة لإظهار أنهم لا يزالون فيها.
> هل بدأت مرحلة إحياء «داعش» ليبيا بشكل رسمي الأيام الأخيرة وبدعم علني من تركيا لا يواري ولا يداري أهدافه الآثمة؟
ــــ من الواضح أن ذلك كذلك، ولا سيما في ضوء ما رصده «المرصد السوري لحقوق الإنسان» في سوريا، والذي أشار قبل أيام إلى أن الفصائل السورية الموالية لتركيا قد افتتحت هناك مراكز تسجيل أسماء الأشخاص الراغبين بالذهاب للقتال في ليبيا.
> هل بدأ الحشد «الداعشي» التركي طريقه إلى ليبيا بالفعل؟
ــــ الشاهد، أنه، ومن أسف، قد بدأ عشرات الأشخاص يقصدون تلك المراكز للالتحاق بالمعارك في ليبيا للعمل تحت الحماية التركية هناك، كما نقلت مصادر محلية قولها إن الفصائل الموالية لتركيا تشجع الشباب على الالتحاق بالحرب الليبية، وتقدم مغريات ورواتب مجزية تراوح بين 1800 و2000 دولار أميركي لكل مسلح شهرياً، علاوة عل تقديم خدمات إضافية تتكفل بها الدولة المضيفة.
ولعل الذين تابعوا الأسبوع الماضي تصريحات المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي اللواء أحمد المسماري قد وقر لديهم أن عجلة إحياء تنظيم «داعش» في ليبيا قد دارت بالفعل، وذلك من خلال الأصابع المشبوهة للمخابرات التركية التي تقوم بنقل عناصر التنظيم، عطفاً على القادمين والمنتمين الجدد والذين هم في غالبيتهم مرتزقة ومؤدلجون أصوليون، والنوعان معاً، ولا سيما من أعضاء «جبهة النصرة» من سوريا إلى ليبيا عبر مطار جربة في تونس، الأمر الذي يعود بنا إلى الحديث عن تونس مرة جديدة، ويربط بينها وبين ما يجري في ليبيا.
> هل تعرّض التونسيون إلى خدعة كبرى في اختيارهم الأخير؟
ــــ مهما يكن من أمر ساكن القصر الرئاسي، إلا أن المؤكد أن حزب «النهضة التونسي» ليس إلا وجهاً آخر من أوجه الإخوان المسلمين في تونس، وهو أحد فروع التنظيم الدولي لـ«الإخوان» المسلمين المنتشر حول العالم، يأتمر بأمرهم، ويتوجه كيفما يعنّ لبوصلتهم.
هنا يصبح من الحقيقي التسليم بالمعلومات التي رصدها الجيش الليبي من استخدام مطارات تونس لغرض إنشاء «داعش» جديدة على الأراضي الليبية، ومنها مطار جربة، حيث تم إنزال مجموعات إرهابية في تونس، وتم نقلهم إلى ليبيا عن طريق الجبل الغربي، ومطار مصراتة وزواره، ومعتيقة تحديداً التي استقبلت أعداداً كبيرة من «جبهة النصرة» وتنظيم «داعش».
في هذا السياق، يبقى من الطبيعي أن تنهض آمال «الدواعش» في تونس في الفترة المقبلة، أولئك الذين سيصبحون الجسر الواصل بين تونس وليبيا؛ الأمر الذي حذر منه البرلمان التونسي السابق قبل عودة النهضة الكارثية مرة أخرى، لكن في ظل السيطرة الإخوانية التونسية الأخيرة يكاد يكون الأمل سراباً في إعادة ضبط وتموضع «الدواعش» التونسيين.
حين نشير إلى أن دواعش ليبيا قد بدأوا مرحلة مغاير آخذة في التصاعد الإرهابي المؤلم، فإننا لا نرجم بالغيب، بل من خلال أدلة ليس آخرها الفيديو الذي أذاعوه نهار الخامس من ديسمبر 2019، وفيه ذبح لمواطنين ليبيين بينهم موظفون حكوميون سقطوا أسرى في أيدي التنظيم، ومشاهد بشعة لعمليات إعدام جماعية بالرصاص، في منطقة الفقهاء جنوب ليبيا.
الفيديو بثته وكالة «أعماق» التابعة لتنظيم «داعش» حمل اسم «وأخرجوهم من حيث أخرجوكم»، استمر نحو 31 دقيقة وأظهر معاملة مشينة من عناصر التنظيم للأسرى الذين وقع اختطافهم، أو المواطنين الذين تم اعتقالهم خلال عملياته الإرهابية على بلدة الفقهاء، حيث وثقت مقاطع عملية إعدام جماعية لأشخاص مكبلين رمياً بالرصاص على رؤوسهم.
الأسئلة الجوهرية في هذا السياق، هل ستبقى أوروبا مكتوفة الأيدي أمام تركيا وهي تعيد سيرة حروب القرون الوسطى من جديد، وهل ستكتفي بدور المشاهد بعد أن أسقطت نظام القذافي ولم يكن لها خطة لليوم التالي؟
ثم فيما يخص أميركا، لماذا يتسم موقفها بالميوعة السياسية، وهل يخشى إردوغان من التورط في الأزمة الليبية عسكرياً وهو في عام الانتخابات ولديه من الإشكاليات الداخلية ما يكفي؟
ألا تعد خطط إردوغان نوعاً من تهديد السلم العالمي، الأمر الذي يستوجب التنادي إلى البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة الخاص بالاتحاد من أجل السلم قبل أن يستفحل الضرر ويتحول المشهد إلى حرب إقليمية؟
ثم ما هو الدور الروسي في ليبيا وهي التي تسعى لاستعادة نفوذها هناك، وهل سيقدر لها قطع الطريق على الآغا العثمانلي بطريق مشابهة لما فعلته مع الدواعش في سوريا؟