لماذا تريد مجموعة العشرين فرض ضريبة على الشركات العالمية؟

رئيسة البنك الدولي كريستين لاغارد لدى وصولها على متن زورق إلى مقر اجتماع وزراء مال مجموعة العشرين في البندقية (إ.ب.أ)
رئيسة البنك الدولي كريستين لاغارد لدى وصولها على متن زورق إلى مقر اجتماع وزراء مال مجموعة العشرين في البندقية (إ.ب.أ)
TT

لماذا تريد مجموعة العشرين فرض ضريبة على الشركات العالمية؟

رئيسة البنك الدولي كريستين لاغارد لدى وصولها على متن زورق إلى مقر اجتماع وزراء مال مجموعة العشرين في البندقية (إ.ب.أ)
رئيسة البنك الدولي كريستين لاغارد لدى وصولها على متن زورق إلى مقر اجتماع وزراء مال مجموعة العشرين في البندقية (إ.ب.أ)

يتوقع أن يقر وزراء المال في مجموعة العشرين المجتمعون، أمس (الجمعة) واليوم (السبت)، في البندقية إصلاحاً ضريبياً طموحاً يطال الشركات متعددة الجنسيات التي تراجعت مساهمتها في ميزانيات الدول في السنوات الأربعين الأخيرة لصالح الملاذات الضريبية، وفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية.
وفيما يأتي بعض العناصر لفهم هذا المفهوم التقني الذي من شأنه وضع حد للتجنب الضريبي الذي تمارسه المجموعات العملاقة في الاقتصاد العالمي.
في عام 2017 كلفت مجموعة العشرين، منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي بمكافحة «تآكل الوعاء الضريبي ونقل الأرباح» أي بكلام أبسط استراتيجيات التجنب الضريبي التي تسمح للشركات الكبرى بالإفلات من الجزء الأكبر من الضرائب.

وتم إحياء المفاوضات بفضل اقتراح من إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن يقوم على تحديد حد أدنى للضريبة نسبته 15 في المائة، كذلك أسهمت جائحة (كوفيد - 19) في تنشيطها إذ تسعى الدول إلى تحقيق عائدات جديدة بعدما أقرت خطط تحفيز وإنعاش هائلة.
ويذكر السيناريو الراهن بما حصل خلال أزمة عام 2008 التي دفعت مجموعة العشرين إلى إعلان انتهاء السرية المصرفية، ووضعت منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي يومها نظام تبادل بيانات واسعاً يرغم أصحاب الثروات الكبيرة ومصارفهم على إخضاع حساباتهم في سويسرا لتدقيق مصلحة الضرائب.
من خلال منع الشركات من التحجج بـ«الإقامة الضريبية» في هذا البلد أو ذاك الذي يعتمد نسب ضرائب جذابة، وغير المرتبطة بنشاطها الفعلي.
ويرتكز الإصلاح المطروح، على ركنين:
يهدف الركن الأول إلى توزيع عادل بين الدول «لحقوق فرض ضريبة» على أرباح الشركات متعددة الجنسيات مع الإشارة إلى أن شركة «بي بي» النفطية العملاقة لديها نشاط في 85 بلداً على سبيل المثال.
في الاتفاق الذي أبرم الأسبوع الماضي خلال اجتماع منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي، اتفقت الدول على إعادة توزيع 20 إلى 30 في المائة من «الربح الفائض» للشركات أي ذلك الذي يتجاوز مستوى معيناً من الربحية، وفقاً للإيرادات المحققة في كل بلد.
أما الركن الثاني فيقوم على فرض ضريبة عالمية دنيا للتحقق من أن الشركة لا تدفع أقل مما ينبغي أينما كانت موجودة.
وينص الاتفاق المبرم برعاية منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي على نسبة فعلية «لا تقل عن 15 في المائة».
ويرى خبيرا الاقتصاد غابرييل زوكمان وتوماس بيكتي أن هذه «النسبة متدنية جداً» وخصوصاً أن المعدل الوسطي للضريبة على الشركات في العالم هو 22 في المائة راهناً في مقابل 50 في المائة في 1985.
والدول التي تعتمد نسبة تقل عن 15 في المائة وفق بيانات منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي هي الملاذات الضريبية التي لا تفرض ضرائب بتاتاً مثل جيرزي وغيرنيسي وبهاماس وبرمودا فضلاً عن جزر كايمان.
وفي أوروبا، تفرض بلغاريا ضريبة نسبتها 10 في المائة وآيرلندا 12.5 في المائة والمجر 9 في المائة وهي دول لم تنضم إلى اتفاق منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي.
في بعض الدول قد تكون نسبة الضريبة المعلنة مرتفعة مثل لوكسمبورغ (25 في المائة) ومالطا (35 في المائة) لكنها عادة ما تكون مرفقة باستثناءات عدة ما يخفض الفاتورة النهائية بشكل كبير.
والشركات الصغيرة والمتوسطة المحلية ليست مشمولة بل الشركات العملاقة التي لديها فروع عدة عبر العالم مع إيرادات هائلة والمؤسسات التي تملك الوسائل لاعتماد شبكات متطورة لخفض كلفتها الضريبية.
وفي البداية كان الركن الأول من الإصلاح يستهدف الشركات الناشطة في المجال الرقمي ومن بينها المجموعات الأميركية العملاقة المعروفة تحت مسمى «غافا» (غوغل وأمازون وفيسبوك وآبل) الأمر الذي لم يرق للولايات المتحدة.
لكن في نهاية المطاف، سيشمل هذا الركن «أكثر من مائة شركة عالمية تحقيقاً للأرباح والتي تحقق وحدها نصف الربح العالمي» على ما أوضح باسكال سانتامان مدير مركز السياسة والإدارة الضريبية في منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي.
ونصف هذه الشركات أميركي ويشمل «غافا» التي زادت أرباحها أكثر خلال جائحة (كوفيد – 19).
أما فيما يتعلق بالضريبة العالمية الدنيا فستشمل أقل من عشرة آلاف شركة يزيد رقم أعمالها على 750 مليون يورو بحسب المنظمة.
قدرت منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي العائدات الضريبية المتوخاة بنحو 150 مليار دولار سنوياً على أساس النسبة الدنيا البالغة 15 في المائة.
ويفيد المرصد الأوروبي للضريبة أنه في حال فرض الاتحاد الأوروبي نسبة 25 في المائة فهو سيزيد بمقدار نصف العائدات السنوية للمعدل الوسطي للضرائب على الشركات.
ولا يمكن القيام بتقديرات على صعيد الشركات إلا لتلك التي تقبل بنشر أرباحها في كل البلدان التي تنشط فيها وهذا ما لا تفعله «غافا».
وقال المرصد الأوروبي للضريبة إنه إذا فرضت نسبة 25 في المائة فستضطر المصارف إلى دفع نسبة 44 في المائة إضافية من الضرائب فيما ستراوح النسبة لشركات مثل شل أو إيبردرولا وأليانز بين 35 و50 في المائة إضافية.


مقالات ذات صلة

الخليج الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودي خلال إلقائه كلمته في الجلسة الثالثة لقمة دول مجموعة العشرين (واس)

السعودية تدعو إلى تبني نهج متوازن وشامل في خطط التحول بـ«قطاع الطاقة»

أكدت السعودية، الثلاثاء، أن أمن الطاقة يمثل تحدياً عالمياً وعائقاً أمام التنمية والقضاء على الفقر، مشددة على أهمية مراعاة الظروف الخاصة لكل دولة.

«الشرق الأوسط» (ريو دي جانيرو)
أميركا اللاتينية الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا في اليوم الأخير من القمة (إ.ب.أ)

قمة الـ20 تعطي معالجة الفقر والمناخ زخماً... لكنها منقسمة حول حروب الشرق الأوسط وأوكرانيا وترمب

نجحت البرازيل بصفتها الدولة المضيفة في إدراج أولويات رئيسية من رئاستها في الوثيقة النهائية لقمة العشرين بما في ذلك مكافحة الجوع وتغير المناخ.

أميركا اللاتينية الجلسة الافتتاحية لقمة «مجموعة العشرين» في ريو دي جانيرو الاثنين (أ.ف.ب)

إطلاق «التحالف العالمي ضد الجوع» في «قمة الـ20»

أطلق الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، «التحالف العالمي ضد الجوع والفقر»، وذلك خلال افتتاحه في مدينة ريو دي جانيرو، أمس، قمة «مجموعة العشرين».

«الشرق الأوسط» (ريو دي جانيرو )
العالم لقطة جماعية لقادة الدول العشرين قبيل ختام القمّة التي عُقدت في مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية (إ.ب.أ)

«قمة العشرين» تدعو لوقف إطلاق النار في غزة ولبنان

أعلنت دول مجموعة العشرين في بيان مشترك صدر، في ختام قمّة عُقدت في مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية أنّها «متّحدة في دعم وقف لإطلاق النار» في كل من غزة ولبنان.

«الشرق الأوسط» (ريو دي جانيرو)

بين الدمار والضغوط المالية... تداعيات اقتصادية كارثية تضرب لبنان وإسرائيل

دخان يتصاعد فوق جنوب لبنان بعد الغارات الإسرائيلية (رويترز)
دخان يتصاعد فوق جنوب لبنان بعد الغارات الإسرائيلية (رويترز)
TT

بين الدمار والضغوط المالية... تداعيات اقتصادية كارثية تضرب لبنان وإسرائيل

دخان يتصاعد فوق جنوب لبنان بعد الغارات الإسرائيلية (رويترز)
دخان يتصاعد فوق جنوب لبنان بعد الغارات الإسرائيلية (رويترز)

شكَّل النزاع بين إسرائيل و«حزب الله» محطةً فاصلة؛ حملت في طيّاتها تداعيات اقتصادية وإنسانية عميقة على كلٍّ من لبنان وإسرائيل؛ إذ خلّفت الأعمال العدائية الممتدة لأكثر من عام آثاراً كارثية على البنى التحتية، ورفعت معدلات النزوح، وأدّت إلى شلل واسع في القطاعات الحيوية. وفي حين تحمل لبنان العبء الأكبر من الدمار والخسائر الاقتصادية، فإن إسرائيل لم تكن بمنأى عن الأضرار، خصوصاً مع مواجهتها تحديات اقتصادية ناتجة عن الحرب المتزامنة في غزة.

منظومة القبة الحديدية الإسرائيلية تعترض صواريخ أطلقت من قطاع غزة (رويترز)

وفيما يلي استعراض لأبرز تكاليف هذا الصراع، الذي شهد تصعيداً حادّاً خلال الشهرين الماضيين، بعد التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار، وفق «رويترز».

التأثير الاقتصادي

قدَّر البنك الدولي الأضرار والخسائر الأولية في لبنان بنحو 8.5 مليار دولار، وذلك في تقرير أصدره في 14 نوفمبر (تشرين الثاني). ومن المتوقع أن يشهد الناتج المحلي الإجمالي اللبناني انكماشاً بنسبة 5.7 في المائة في عام 2024، مقارنةً بتوقعات النمو السابقة التي كانت تشير إلى 0.9 في المائة.

كما تكبّد القطاع الزراعي اللبناني خسائر فادحة، تجاوزت 1.1 مليار دولار، شملت تدمير المحاصيل والماشية، إضافة إلى نزوح المزارعين. وفي الوقت نفسه، عانى قطاع السياحة والضيافة -الذي يُعد من الركائز الأساسية للاقتصاد اللبناني- من خسائر مشابهة، ما يزيد من تعقيد التحديات الاقتصادية في البلاد.

أما في إسرائيل، فقد أدّت الحرب مع «حزب الله» إلى تفاقم التداعيات الاقتصادية الناجمة عن النزاع المستمر في غزة، ما زاد من الضغط على المالية العامة للدولة. وقد ارتفع العجز في الموازنة إلى نحو 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، ما دفع وكالات التصنيف الائتماني الكبرى إلى خفض تصنيف إسرائيل.

كما أسهمت الاضطرابات في سلاسل الإمداد في رفع معدل التضخم إلى 3.5 في المائة، متجاوزاً النطاق المستهدف للبنك المركزي الإسرائيلي (1-3 في المائة). وفي ظل هذه الظروف، أبقى البنك المركزي أسعار الفائدة مرتفعة بهدف مكافحة التضخم، وهو ما زاد من الأعباء المالية على الأسر، من خلال ارتفاع تكاليف الرهون العقارية.

ورغم هذه التحديات العميقة، أظهر الاقتصاد الإسرائيلي تعافياً نسبياً في الربع الثالث من العام؛ بعدما سجل نمواً بنسبة 3.8 في المائة على أساس سنوي، عقب انكماش في الربع الثاني، وفقاً للتقديرات الأولية للحكومة.

حطام سيارات في موقع متضرر جراء الغارات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت (رويترز)

الدمار

في لبنان، تُقدر تكلفة الأضرار التي لحقت بالمساكن بنحو 2.8 مليار دولار؛ حيث دُمّر أو تضرر أكثر من 99 ألف وحدة سكنية، وذلك وفقاً لتقرير البنك الدولي. وفي الضاحية الجنوبية لبيروت، معقل «حزب الله»، دُمر 262 مبنى على الأقل نتيجة الضربات الإسرائيلية، وفق مختبر جامعة بيروت الأميركية.

كما تسببت العمليات العسكرية الإسرائيلية في أضرار جسيمة في القرى والبلدات في جنوب لبنان وسهل البقاع، وهما منطقتان تُهيمن عليهما جماعة «حزب الله». وقد أسفرت هذه الضربات عن تدمير واسع للمرافق والبنية التحتية، ما يزيد من تعقيد الأزمة الاقتصادية والإنسانية في تلك المناطق.

في المقابل، في إسرائيل، قُدِّرت الأضرار العقارية بنحو 1 مليار شيقل (ما يعادل 273 مليون دولار)، إذ دُمرت أو تضررت آلاف المنازل والمزارع والمنشآت التجارية جراء التصعيد العسكري. علاوة على ذلك، أُتلف نحو 55 ألف فدان من الغابات والمحميات الطبيعية والأراضي المفتوحة في شمال إسرائيل ومرتفعات الجولان.

النزوح

ونتيجة تصاعد العمليات العسكرية، نزح نحو 886 ألف شخص داخل لبنان بحلول نوفمبر 2023، وفقاً لتقارير المنظمة الدولية للهجرة، والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، في حين فرّ أكثر من 540 ألف شخص إلى سوريا هرباً من النزاع. وفي إسرائيل، تم إجلاء نحو 60 ألف شخص من المناطق الشمالية.

الخسائر البشرية

وأسفرت العمليات العسكرية عن سقوط آلاف الضحايا في كلا الجانبين. ففي لبنان، قُتل ما لا يقل عن 3768 شخصاً، وأصيب أكثر من 15 ألفاً و699 منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وفقاً لوزارة الصحة اللبنانية. تشمل هذه الأرقام المدنيين والمقاتلين على حد سواء؛ حيث كانت الغالبية نتيجة الهجمات الإسرائيلية التي اشتدت في سبتمبر (أيلول). أما في إسرائيل، فقد تسببت ضربات «حزب الله» في مقتل 45 مدنياً و73 جندياً، وفقاً لبيانات رسمية إسرائيلية.