أنس جابر... نجمة ويمبلدون التونسية أول عربية في ربع نهائي السيدات

بدأت مشوارها في الملاعب مرافقة لأمها... وزوجها ومدرّبها «نصف روسي»

أنس جابر... نجمة ويمبلدون التونسية أول عربية في ربع نهائي السيدات
TT

أنس جابر... نجمة ويمبلدون التونسية أول عربية في ربع نهائي السيدات

أنس جابر... نجمة ويمبلدون التونسية أول عربية في ربع نهائي السيدات

حققت نجمة كرة المضرب التونسية والعربية أُنس جابر (26 سنة) خلال الأسبوع المنصرم إنجازاً تاريخياً، تونسيا وعربياً، عندما بلغت ربع نهائي فردي السيدات في نهائيات ويمبلدون (البطولة البريطانية لكرة المضرب بلندن. وجاء إنجاز جابر هذا في أعقاب سلسلة من الانتصارات حققتها منذ 2010 في العديد من البطولات الدولية من أستراليا، ودولة الإمارات العربية المتحدة، والمغرب، وتركيا... إلى روسيا والبطولة الفرنسية (رولان غاروس) بباريس.
وحقاً، فجّرت انتصارات أنس جابر حملة مساندة غير مسبوقة لها وللرياضيات التونسيات والعربيات في المواقع الاجتماعية، وتصدّرت صورها مع مدربها وزوجها (نصف الروسي) كريم كمون، وأمها سميرة – وهي لاعبة كرة مضرب أيضاً - . وكانت أنس قد بدأت مغامرتها الرياضية بمجرد مرافقة أمها وجمع الكرات لها وللمتبارين معها في ملاعب كرة المضرب وقاعات الرياضة والفنادق السياحية.

وقد بدأ نجم أنس جابر، الطفلة ثم الشابة المولعة بكرة المضرب، مثل أمها، منذ 2007 عبر سلسلة من الانتصارات حققتها على البطلة التونسية نور عباس، ثم على عدد من النجمات العربيات والعالميات الشابات، ثم المحترفات... بما في ذلك البطولتان الفرنسية في 2010 والبريطانية في 2011، اللتان تعدان مع البطولتين الأميركية والأسترالية بطولات «المجموعة الكاملة» (الغراند سلام).

- ابنة الساحل التونسي
ولدت أنس جابر في منطقة «الساحل التونسي»، (إلى الجنوب من تونس العاصمة) موطن رئيسي تونس السابقين الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي وغالبية كبار المسؤولين في الدولة ورجال الأعمال في البلاد. وأورد توفيق جابر، السفير والمدير العام في وزارة الخارجية، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن أنس، ابنة شقيقه رجل الأعمال رضا جابر من مواليد مدينة قصر هلال في محافظة المنستير موطن الحبيب بورقيبة. ثم نشأت وتعلمت في مدينة حمام سوسة، موطن الرئيس السابق زين العابدين بن علي، حيث استثمر أبوها أمواله ومارست أمها رياضتها المفضلة كرة المضرب في قاعات الرياضة بالفنادق السياحية.
هذا، ورغم تمركز أبرز أندية كرة المضرب والرياضات الفردية في العاصمة تونس، «فقد ساهمت المؤسسات السياحية في الساحل التونسي، موطن أنس جابر، وفي جهات أخرى في البلاد في تشجيع الرياضات الفردية واهتمام الأطفال والشباب بها. شمل ذلك كرة المضرب و(الغولف) والرماية والمبارزة...»، على حد تعبير السفير توفيق جابر، الذي نوّه بالدعم الذي لقيته ابنة شقيقه مبكراً من والديها سميرة ورضا معنوياً ومادياً.
وبعدما تألقت أنس عربياً ودولياً خلال السنوات الماضية تضاعف دعم رجال الأعمال ومسؤولي وزارة الشباب والرياضة لها، بينهم عدد من أصحاب الفنادق السياحية في محافظة سوسة (140 كلم جنوبي العاصمة). وأعلن بعضهم، مثل البرلماني والناشط السياسي حسين جنيح تبنّيهم لها، وتحدّثوا في تصريحات صحافية عن «أبوّة معنوية لها «.

- الزوج والمدرّب
إلا أن الدعم الأكبر الذي حظيت به أنس جابر خلال السنوات الخمس الماضية جاءها أساساً من زوجها كريم كمون، النجم الرياضي الذي ولد لأب تونسي وأم روسية، وبدأ مشواره الرياضي في العاصمة الروسية موسكو.
ولقد أعربت أنس جابر على صفحتها في موقع «فيسبوك»، بعد فوزها بلقبها العالمي الأول في مدينة برمنغهام البريطانية الشهر الماضي، عن شكرها كل من آمن بها ودعمها. وخصّت بالشكر مدربيها التونسيين، ونوهت تحديداً بمدربها الفنّي عصام الجلولي، ومدربها البدني زوجها كريم كمون، ورئيسة الاتحاد التونسي لكرة المضرب سلمى المولهي ومساعديها.
كريم كمون يعد، في الواقع، من أبرز لاعبي المبارزة ومدربي اللياقة البدنية التونسيين الشبان الذين اكتسبوا خبرة طيبة في روسيا. ويفسّر جانب من تألق زوجته عالمياً مرافقته لها وإشرافه المباشر على تأمين التمارين التي تضمن تحسين لياقتها البدنية وقدرتها على الصمود أمام منافساتها. وبالفعل، نشرت وسائل الإعلام مراراً صوراً طريفة عن أنس وزوجها كريم في «فواصل تدريب استثنائية» قبيل مقابلاتها في غرفتهما في الفندق. كذلك نجح «الزوج المدرّب» في تأمين دوره عندما وظّفته وزارة الشباب والرياضة التونسية، وسمحت له بالتفرّغ لتدريب زوجته النجمة ومرافقتها.
وكانت قد تباينت المواقف من تمديد تكليف كريم كمون هذه المهمة بعد تألق أنس في بطولة روسيا عام 2018؛ إذ أصدرت وزارة الشباب والرياضة قراراً بإنهاء التكليف، ودعته لتولي وظيفة جديدة في مقر الوزارة. وبرّر البعض داخل الوزارة (جامعة رياضة التنس) القرار بـ«حاجة النجمة الرياضية إلى التفرغ للتدريب الرياضي بعيداً عن تشويش الزوج المرافق». واتهم بعض الإعلاميين من اعتبروهم «غيورين» من أنس داخل اتحاد كرة المضرب التونسي ووزارة الرياضة بالوقوف وراء ذلك القرار. ومن جانبها، اتهمت أنس هيئات تونسية في مرحلة سابقة بالتقصير في دعمها مادياً؛ لأنها أسندت لها دعماً «متواضعاً جداً» قيمته 50 ألف دينار سنوياً (نحو 20 ألف دولار أميركي).
غير أن عدداً من محبّي النجمة الصاعدة والمعجبين بقدراتها، داخل قطاعي الرياضة والإعلام، اعترضوا على قرار إبعاد الزوج المدرب، وشنّوا حملة إعلامية شملت مواقع التواصل الاجتماعي. ونجحت الحملة، بصدور قرار حكومي بالتمديد لكمون، بعد جلسة رسمية في مكتب وزيرة الشباب والرياضة السابقة ماجدولين الشارني. وحسب محرز بوصيان، الرئيس السابق لجامعة كرة المضرب التونسية، أن نجاح أنس جابر بإحراز لقب عالمي في بريطانيا وألقاب دولية كثيرة شرقاً وغرباً مرتبط بتعاون مدربها الفني عصام الجلولي مع مدربها البدني زوجها كريم كمون.

- التفاؤل والأمل... زمن الإحباط
على صعيد آخر، كشفت مئات آلاف التدوينات في وسائل التواصل الاجتماعي التونسية والعربية بعد انتصارات أنس جابر أخيراً في بريطانيا رغبة من تيار كبير من الشباب والكهول في تونس والعالم العربي في التنويه بـ«خبر مفرح زمن الإحباط والهزائم وخيبات الأمل». وشارك في التدوينات ساسة تونسيون من مختلف المواقع والتيارات، بينهم رؤساء الجمهورية والحكومة والبرلمان وزعماء من الائتلاف الحاكم والمعارضة. كذلك، اعتبرت ناشطات حقوقيات تتويج أنس جابر انتصاراً جديداً للمرأة التونسية والعربية «رغم محاولات المحافظين والمتطرفين النيل من حقوقها ومن مكاسبها والتقليل من فرص بروزها». وربط أيضاً خبراء في علم الاجتماع بين انتصارات أنس الرياضية وفوز فتيات بالمراتب الأولى وطنياً في امتحانات الثانويات والجامعات. وأبرزت غالبية وسائل الإعلام والمواقع الاجتماعية التونسية صوراً وفيديوهات كثيرة تبرز البطلة أنس، وقد التحفت بالعلم التونسي، معلنة أنها تهدي انتصاراها وتتويجها والكؤوس التي فازت بها إلى تونس وإلى كل الرياضيات والرياضيين في بلادها وفي العالم العربي، وإلى زوجها كريم وأبويها رضا وسميرة وكل أفراد عائلتها ومدربيها وكل من آمن بها منذ كانت طفلة ثم مشاركة عادية في رياضة «الصغريات والأواسط» (أو «الوسطيات»).

- هديةلشباب «الثورة»
تجدر الإشارة إلى أن أنس وأسرتها كانتا قد اقتحمتا عالم مواقع التواصل الاجتماعي والإعلام منذ حققت نجمة كرة المضرب التونسية عام 2011 انتصارات فاجأت الرياضيين في العالم والمشاركين في البطولة الفرنسية (رولان غاروس) لفئة الشباب/الأواسط. ومنذ تلك المحطة وصفت وسائل الإعلام العربية والعالمية أنس جابر بـ«أميرة كرة المضرب العالمية الصاعدة»، وصارت توصف بـ«البطلة التونسية والعربية والأفريقية».
هذا، وفاجأ رجل الأعمال رضا جابر، والد أنس، الرأي العام التونسي والعالمي بعد تتويجها في «رولان غاروس» عام 2011، عندما أعلن للصحافيين أن ابنته لم تحقق مجرد انتصار رياضي، بل حققت إنجازاً تاريخياً في ظرف مميز وطنياً ودولياً... فأهدت وهي في الـ16 من عمرها «انتصاراً إلى شباب الثورة التونسية الطموح والشباب العربي». ونوّهت سميرة الحشفي، أم أنس، منذ تتويج 2011، بقدرات ابنتها التي تطوّرت من مجرد «طفلة مرافقة لوالدتها» تشارك أحياناً في «جمع كرات المضرب» إلى لاعبة دولية تحقق انتصارات في دورات عالمية. أما جدة أنس، الحاجة بوراوية بوصفارة، فكان قد نقل عنها في تصريحات صحافية منذ إنجاز حفيدتها في «رولان غاروس» عام 2011، قولها «أنس هي مدللتي التي أثق في نجاحها وتفوّقها. وكنت أتابعها بكل شغف وأدعو ليلاً ونهاراً بأن يوفقها الله، والحمد لله على نجاحها». وفي الوقت نفسه، توقع نبيل مليكة، مدرب أنس في الفئات العمرية الشابة منذ 2011، نجاحها بأن تخوض تجارب دولية أكبر، وفسّر تفاؤله المبكر بما وصفه بعزيمتها الفولاذية وصبرها وإصرارها.

- تتويجات... ونفَس طويل
تطول قائمة تتويجات أنس جابر وانتصاراتها وطنياً وعالمياً قبل بلوغها ربع نهائي ويمبلدون قبل أيام. إذ إنها توّجت في دورة تونس الدولية لكرة المضرب في ثلاث مناسبات (2013 و2014 و2016)، وقبل تلك المحطات وبعدها، توجت في دورات الدار البيضاء (المغرب) وأنطاليا (تركيا) عام 2010. وفي البطولة الفرنسية (رولان غاروس) لفئة الشابات عام 2011.
ثم عام 2017، دخلت سباق أفضل 100 لاعبة محترفة بعد بلوغها الدور الثالث في «رولان غاروس». وفي 2018، وصلت إلى نهائي دورة موسكو الدولية، بيد أنها تعرّضت للإصابة وخسرت اللقب الذي أوشكت أن تفوز به، لكنها حققت أفضل تصنيف في مسيرتها ببلوغها المركز 61 عالمياً.
بعد ذلك، في ديسمبر (كانون الأول) 2019 فازت أنس بجائزة «أفضل رياضية عربية للعام 2019». ثم كانت محطة تتويجها الأكبر عامي 2020 و2021 بين أستراليا والخليج ثم فرنسا وبريطانيا.
بعد هذه المسيرة المتميزة، يتساءل البعض عما إذا كانت أنس جابر ستتمكن من تحسين موقعها في التصنيف العالمي في هذه الرياضة الفردية... أم يتسبب تقدمها في السن نسبياً في انسحابها تدريجياً، مثلما حصل بالنسبة لعدد كبير من زميلاتها وزملائها؟
كائناً ما كان الجواب، لا شك في أن انتصارات أنس جابر، شرقاً وغرباً، أنعشت الأمل في نفوس الشباب التونسي والعربي عموماً، والرياضيين خاصة، وأقنعتهم بأن العزيمة والتعب يمكن أن يحقّقا المعجزات.


مقالات ذات صلة

رئيس «وادا»: واجهنا هجمات ظالمة وتشهيرية في عام مضطرب

رياضة عالمية رئيس وادا البولندي فيتولد بانكا (واس)

رئيس «وادا»: واجهنا هجمات ظالمة وتشهيرية في عام مضطرب

تعرضت الهيئة الرقابية الرياضية لانتقادات شديدة بسبب السماح لسباحين من الصين ثبتت إيجابية اختباراتهم لمادة تريميتازيدين.

«الشرق الأوسط» (مونتريال)
رياضة عالمية سينر تعاطى مرتين مادة كلوستيبول المحظورة  (إ.ب.أ)

مكافحة المنشطات: مصير سينر يتحدد خلال العام الجديد

أعلنت (وادا)  أن محكمة التحكيم الرياضية (كاس) لن تصدر قرارها بشأن الاستئناف في قضية لاعب كرة المضرب الإيطالي يانيك سينر.

«الشرق الأوسط» (مونتريال )
رياضة عالمية ستان فافرينكا يشارك في أستراليا المفتوحة (أ.ب)

«دورة أستراليا»: البطل السابق فافرينكا يشارك ببطاقة دعوة

أعلن منظمو بطولة أستراليا المفتوحة للتنس الجمعة أن ستان فافرينكا كان من بين 9 لاعبين حصلوا على بطاقات دعوة للمشاركة في البطولة.

«الشرق الأوسط» (ملبورن)
رياضة عالمية ستيسي أليستر ستتنحى عن منصب مديرة بطولة أميركا المفتوحة العام المقبل (أ.ب)

أليستر مديرة «أميركا المفتوحة» تتنحى عن منصبها بعد نسخة 2025

أعلن الاتحاد الأميركي للتنس أن ستيسي أليستر مديرة بطولة أميركا المفتوحة ستتنحى عن منصبها بعد نسخة 2025 من البطولة الكبرى وستتولى دوراً استشارياً بالاتحاد.

«الشرق الأوسط» (ميامي)
رياضة عالمية من تجهيزات كرات المضرب في لندن (أ.ب)

اتحاد التنس البريطاني يمنع مشاركة المتحولات لضمان العدالة

قال اتحاد التنس البريطاني الأربعاء إنه أجرى تحديثاً لقواعده لمنع النساء المتحولات جنسياً من المشاركة في عدد من بطولات للسيدات.

«الشرق الأوسط» (لندن)

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.