«يورو 2020» نقطة تحول كبرى نحو اللعب الجماعي وعدم الاعتماد على النجوم البارزين

ودع منتخب البرتغال نهائيات كأس الأمم الأوروبية 2020 من دور الستة عشر، على الرغم من الجهود التهديفية لنجمه الأبرز كريستيانو رونالدو، الذي أحرز خمسة أهداف. لكن رغم خروج رونالدو من البطولة، فإنه ما زال يحتل المرتبة الأولى في «قائمة الأثرياء على إنستغرام»، وفقًا لشركة تدعى «هوبير إتش كيو»، والتي أصدرت بيانًا مؤخرا أعلنت فيه أن رونالدو قد تم تنصيبه رسميًا باعتباره الأعلى ربحا بين «المشاهير والمؤثرين».
ويُقال إن كل منشور يكتبه رونالدو على حسابه الخاص على إنستغرام يحقق له عائدات مالية تبلغ 1.6 مليون دولار، وهو رقم يبدو، بمعزل عن الأرقام الأخرى، جنونيا للغاية في حقيقة الأمر. ويكفي هذا لأن يجعل رونالدو يتفوق على كثير من النجوم مثل نجمة البوب أريانا غراندي، والممثل دواين جونسون «ذا روك»، اللذين يتخلفان الآن عن اللاعب البرتغالي الذي جاءت أولى خطواته نحو الشهرة العالمية عندما شارك كبديل لنيكي بات أمام نادي بولتون!
وعندما نذكر رونالدو فمن الطبيعي والبدهي أن نتحدث عن منافسه الدائم، النجم الأرجنتيني ليونيل ميسي، الذي يأتي في المرتبة السابعة في هذه الإحصائية ويحصل على 1.2 مليون دولار لكل محتوى ينشره على إنستغرام. ويأتي نجم الكريكيت الهندي فيرات كوهلي في المرتبة التاسعة عشرة، قبل المغنية والممثلة ريهانا مباشرة، وهو أمر جيد للغاية بالنسبة للاعب يمارس رياضة يقال إنها لا تحظى بشعبية كبيرة بين الشباب. وهبط النجم الإنجليزي الوسيم ديفيد بيكهام إلى المركز التاسع والعشرين.
لكن الحقيقة أن كل هذا لا يهم على الإطلاق خارج هذا العالم التجاري الفارغ، لكنه في نفس الوقت يسلط الضوء على شيء آخر مثير للدهشة في نهائيات كأس الأمم الأوروبية الحالية، وهو أن جميع النجوم البارزين قد ودعوا البطولة. ومع الوصول للدور ربع النهائي، كان معظم لاعبي كرة القدم الذين يُنظر إليهم على أنهم نجوم من الدرجة الأولى أو أصحاب نفوذ من الناحية التجارية أو من بين لاعبي النخبة على مستوى الأندية، قد خرجوا من البطولة: رونالدو، وغاريث بيل، وبول بوغبا، وكيليان مبابي، وروبرت ليفاندوفسكي، والعديد من اللاعبين الألمان، وجميع الأشخاص الذين تنافسوا يوما ما على الكرة الذهبية لأفضل لاعب في العالم أو حصلوا عليها.
وبعد دور الستة عشر، خرج 29 لاعبا من اللاعبين الذين سبق لهم التتويج بدوري أبطال أوروبا، وعادوا إلى أوطانهم. وبقي أربعة عشر لاعبا، معظمهم من المدافعين وغير النجوم البارزين. ربما يكون السبب في ذلك هو المستويات والنتائج القريبة في المباريات، لكن الحقيقة أن هذا أمرا غير مألوف ولم نكن نشاهده في كثير من البطولات الكبرى. وهناك أسباب واضحة تجعل يورو 2020 تبدو مختلفة عن غيرها من البطولات، لكن ربما يكون الشيء الأبرز في هذه المسابقة هو التراجع الواضح في الاعتماد على النجوم البارزين ومعشوقي الجماهير. من السهل أن ننسى أن البطولات الأخيرة قد طغى عليها النجوم والمشاهير البارزون، ففي كأس العالم 2018، تم تزيين مدن روسيا بجداريات تسويقية لكريستيانو رونالدو وليونيل ميسي ونيمار، وغيرهم من النجوم.
وبدأت وسائل التواصل الاجتماعي في تأكيد جاذبيتها في نهائيات كأس العالم 2014 بالبرازيل، حيث زعمت شركة «أديداس» بأنها أثرت في حياة خمسة مليارات متابع (كان هناك حوالي 7.25 مليار شخص على هذا الكوكب). وكان فوز ألمانيا على البرازيل بسبعة أهداف مقابل هدف وحيد في مباراة الدور نصف النهائي بمثابة نقطة انطلاق كبرى في صعود موقع تويتر، كما أن الهدف الخامس الذي سجله سامي خضيرة كسر رقما قياسيا فيما يتعلق بعدد التغريدات في الدقيقة الواحدة.
ومنذ ذلك الحين، طغت الأمور التجارية على كل شيء، لكن ربما كان الأمر مختلفا في البطولة الحالية، حيث لم تكن إعلانات المشاهير بالدرجة نفسها ولم تكن العلامات التجارية منتشرة في كل مكان كما كان الأمر في السابق. وبالتزامن مع ذلك، كان الأداء داخل الملعب يتسم باللعب الجماعي والتناغم وبذل أقصى مجهود ممكن، وبالتالي فإن المنتخبات التي تعتمد على اللعب الجماعي تفوقت على تلك التي تعتمد على الأسماء الرنانة أو النجوم البارزين.
وكان هناك رد فعل على هذا، رغم أن الآلة الإعلامية لا تزال تهتم بالنجوم وتلقي عليهم كثيرا من الأضواء. ففي إنجلترا، هناك محاولات لتحويل رحيم سترلينغ إلى نجم لامع بعد الدور الكبير الذي لعبه في صعود منتخب بلاده للدور نصف النهائي. لكن يجب التأكيد على أن سترلينغ من نوعية اللاعبين الذين يعملون في صمت ولا يبحثون عن الأضواء، كما أنه يفكر دائما في مصلحة الفريق ويلعب بشكل جماعي، وبالتالي فهو يجسد تماما التحول الكبير الذي شهدته البطولة الحالية.
ويجب التأكيد في الوقت نفسه على أن رونالدو شخص ملهم للغاية، وربما تشير اللحظة التي أبعد فيها زجاجة الكوكاكولا من أمامه خلال أحد المؤتمرات الصحفية في هذه البطولة إلى تحول في القوة، حيث يتولى اللاعبون مسؤولية العناية بمواهبهم الخاصة، ولم يعودوا مدينين لهذه العلاقات غير الصحيحة بعلامة تجارية أو بمشروب. ربما نمر بمرحلة مفترق طرق بين جيلين، وننتظر ظهور نجوم جديدة لأن النجوم الكبار في السن بدأوا في التراجع ويقتربون من نهاية مسيرتهم.
ومهما كان السبب في ذلك، فإن هذا المشهد الجديد رائع ومثير حقا، فهو يمنحنا استراحة من كرة القدم على مستوى الأندية، ويذكرنا أيضًا بأن اللعب على مستوى المنتخبات يُعد من نواح كثيرة هو أنقى شكل من أشكال هذا المنتج الترفيهي المتضخم، وهو أمر يفعله اللاعبون من أجل الحب والتجربة المشتركة ومن أجل البحث عن المجد مع منتخبات بلادهم.