«محاربة الإرهاب» أمام قمة تضم فرنسا وبلدان الساحل الخمسة اليوم

جنود من قوة «برخان» الفرنسية أنهوا فترة خدمة استمرت 4 أشهر في جاو (مالي) أول من أمس (أ.ب)
جنود من قوة «برخان» الفرنسية أنهوا فترة خدمة استمرت 4 أشهر في جاو (مالي) أول من أمس (أ.ب)
TT

«محاربة الإرهاب» أمام قمة تضم فرنسا وبلدان الساحل الخمسة اليوم

جنود من قوة «برخان» الفرنسية أنهوا فترة خدمة استمرت 4 أشهر في جاو (مالي) أول من أمس (أ.ب)
جنود من قوة «برخان» الفرنسية أنهوا فترة خدمة استمرت 4 أشهر في جاو (مالي) أول من أمس (أ.ب)

استبق الرئيس إيمانويل ماكرون قمة فرنسا وبلدان الساحل الخمسة التي تلتئم اليوم افتراضيا بدعوة من باريس، بدعوة اثنتين من الشخصيات «الساحلية» الرئيسية من أجل لقاءات تحضيرية مكثفة في قصر الإليزيه».
الأولى، هي رئيس تشاد الجنرال محمد إدريس ديبي، رئيس المجلس العسكري الذي تشكل عقب والده، الرئيس إدريس ديبي الذي قتل في معارك شمال تشاد في شهر أبريل (نيسان) نيسان الماضي». وأهمية وجود ديبي في باريس تعود لكون القوات المسلحة التشادية، رغم انشغالها بالمحافظة على الأمن وإحباط محاولات الحركات الانقلابية، تعد الأقوى والتي يمكن الاعتماد عليها لاحتواء وضرب المجموعات الجهادية والإرهابية، ولأنها تشكل العصب الأساسي للقمة الأفريقية المشتركة المسماة «جي 5» التي تضم كتائب من دول الساحل الخمس «موريتانيا ومالي والنيجر وتشاد وبوركينا ــ فاسو».
والشخصية الثانية هي الرئيس النيجيري محمد بازوم الذي تتعرض بلاده، كما مالي، لهجمات متواصلة من مجموعات جهادية وإرهابية وبالتالي هي معنية بشكل خاص، بقرار باريس إجراء تحويل جذري بطبيعة مهمات قوة «برخان» الموجودة في المنطقة منذ العام 2014، وفق ما أعلن ذلك الرئيس الفرنسي في شهر يونيو (حزيران) الماضي». وأصبح معلوما أن فرنسا تريد أن تركز القوة الفرنسية على محاربة التنظيمات الجهادية فقط وليس مساعدة سلطات الدول المعنية على بسط سيطرتها على أراضيها ولا أن تحل مكانها في مهماتها الرئيسية».
وبالتوازي مع القمة المشار إليها التي هي الأولى من نوعها منذ الكشف عن خطط الحكومة الفرنسية، فإن فلورانس بارلي وزيرة الجيوش الفرنسية ستصل إلى واشنطن اليوم من أجل إجراء مجموعة من اللقاءات تتناول في جانب منها موضوع الساحل، ورغبة باريس في الاستمرار بالاستفادة من الدعم الذي تقدمه القوات الأميركية لعمليات القوة الفرنسية بعكس ما كانت تخطط له إدارة الرئيس الأسبق دونالد ترمب». وليس سرا أن الدعم الأميركي، متعدد الأشكال، ويعد «أساسيا»، لتحرك القوة الفرنسية ومعها القوة الأفريقية ولاحقا قوة الكوماندوز الأوروبية المسماة «تاكوبا» في منطقة شاسعة تساوي مساحتها مساحة أوروبا الغربية». وتتفرع المساعدة الأميركية إلى تزويد الطائرات الفرنسية جوا بالوقود وتوفير المعلومات الاستخبارية الأساسية بفضل طائراتها المسيرة المرابطة في قاعدة شمال النيجر، وذلك من أجل نجاح القيام بضربات استباقية تستهدف قادة وتجمعات الجهاديين». يضاف إلى ذلك أن وسائل النقل الجوية الأميركية تساهم في توفير قدرة على التحرك لقوة «برخان» والقوات الاحتياطية». وسبق للرئيس ماكرون أن تناول هذه المسألة مع نظيره الأميركي بمناسبة أول لقاءاتهما في لندن على هامش أعمال قمة السبع». كذلك أثير الملف بين وزيري خارجية البلدين إبان زيارة أنطوني بلينكن إلى باريس في 25 الشهر الماضي. وأعلن الأخير في مؤتمر صحافي مشترك أن بلاده «مستمرة» في توفير الدعم. ويراد من زيارة بارلي «ترجمة» الوعود الأميركية إلى عمليات محسوسة ومحددة». حقيقة الأمر أن الخطط الفرنسية تقلق قادة مجموعة الدول الخمس.
من هنا، فإن باريس تحرص على «طمأنتها» والتأكيد على أن تحويل «برخان» إلى قوة تركز على محاربة المجموعات الجهادية والإرهابية لا يعني أبدا تخليها عن دعم أمن واستقرار هذه الدول التي تعاني اثنتان منها من مصاعب سياسية داخلية. فبالإضافة إلى ما شهدته تشاد بعد مقتل رئيسها من ضرب أسس الانتقال السياسي عرض الحائط وتشكيل مجلس عسكري ثم إعلانه الجنرال محمد إدريس ديبي رئيسا، كذلك تعاني مالي وهي الحلقة الأضعف من تلاحق العمليات الانقلابية وهي اثنتان في عشرة أشهر ووجود توجهات للتفاهم مع مجموعات مسلحة متطرفة الأمر الذي ترفضه باريس.
ثمة تساؤلات تدور في الداخل الفرنسي حول «جدوى» الاستمرار في عملية عسكرية انطلقت قبل ثمانية أعوام وتكلف باريس ما لا يقل عن مليار يورو في العام وما زالت نتائجها العسكرية موضع نظر رغم النجاحات الميدانية التي حققتها القوة في الأشهر الأخيرة. وتخطط باريس لخفض عديد قواتها البالغ حاليا 5100 رجل إضافة إلى الانتشار الجوي والدعم اللوجيستي إلى 3500 رجل خلال العام الجاري وإلى 2500 رجل في العام 2023. كذلك، فإنها عازمة على إغلاق عدد من قواعدها العسكرية التي ترابط فيها «برخان» حاليا». وبالتوازي، سيسعى الرئيس ماكرون إلى إقناع القادة الأفارقة بجدوى التحول إلى «تحالف دولي» لمحاربة الإرهاب في منطقة الساحل يضم عدداً من الدول الأوروبية الراغبة في ذلك والتركيز على قوة «تاكوبا» الأوروبية المشكلة من مجموعات كوماندوز».
ويبلغ عديد هذه القوة في الوقت الراهن 600 عنصر نصفهم من الفرنسيين والآخرون من إيطاليا والسويد واستونيا وتشيكيا. لكن باريس تلقت وعودا من دول أوروبية من عدة دول بإرسال وحدات من دولها. ومهمة «تاكوبا» مزدوجة: تدريب القوات المالية، بشكل خاص من جهة، من جهة ثانية، مواكبة هذه القوات في العمليات التي ستقوم بها. وبالنظر لهذه العناصر، فإن مهمة ماكرون هي «إقناع» القادة الأفارقة بخططه الجديدة وطمأنتهم في الوقت الذي ما زالت فيه المجموعات الجهادية تتحرك وتنزل خسائر أحيانا كبيرة بالقوات المحلية. وتشكل منطقة «الحدود الثلاثية» «بين مالي وبوركينا-فاسو والنيجر» المنطقة الأخطر في الوقت الراهن. وفي يونيو اعترف الجنرال فرنسوا لوكوانتر رئيس أركان الجيوش الفرنسية بأن «الإرهاب يواصل توسعه وتجذره محليا وانتشاره عالميا وفقاً لتحرك يثير قلقنا». ومنذ عدة سنوات، تسعى باريس لدفع القوة الأفريقية «جي 5» التي يراد لها أن تكون القوة الضاربة المشتركة في محاربة الإرهاب. ومشكلة هذه القوة أن أفرادها لم يعتادوا العمل معا وهم يحتاجون لثلاثة أمور: التدريب والعتاد والتمويل.
باريس لجعل هذه القوة قادرة على القيام بمهام كانت تقوم بها «برخان» ودفع الدول الخمس إلى العمل معا بوجه عدو مشترك. وحتى اليوم، ما زالت مساهمتها محدودة وعاجزة عن إحداث تغيير ميداني ذي معنى.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟