لجنة الدفاع في البرلمان الفرنسي تدعو إلى تشكيل فريق دولي لإنقاذ لبنان

تُعتبر الدبلوماسية البرلمانية أحد أشكال السياسة الخارجية للدولة الفرنسية، وتتولاها بشكل رئيسي لجنتان، في مجلسي النواب والشيوخ، هما لجنة الشؤون الخارجية ولجنة الدفاع، وكلتاهما تشكل بعثات استقصائية لمهمات استطلاعية، وتقدم تقارير ترفع للحكومة وتكون بشكل خلاصات أو توصيات. وآخر التقارير التي صدرت عن لجنة الدفاع الوطني والقوى المسلحة في البرلمان كان محورها «الاستقرار في الشرق الأوسط لما بعد انتهاء عملية (الشمال)» التي تعني المشاركة الفرنسية في التحالف الدولي ضد «داعش» ومستقبله. ولهذا الغرض شكلت مهمة استعلامية، رأستها النائبة فرنسواز دوما التي ترأس اللجنة المعنية. ولإنجاز عملها الذي استمر 3 أشهر، استمع أعضاؤها إلى عشرات المسؤولين والخبراء في فرنسا والخارج، وقامت بجولة في بلدان الشرق الأوسط، شملت الإمارات العربية المتحدة والعراق والأردن ومصر ولبنان. وعمدت رئيسة المهمة الاستعلامية إلى عرض مجموعة من الخلاصات والتوصيات، من بينها الفقرة السادسة التي تتناول الوضع اللبناني وما يتعين، وفق رؤيتها، على باريس أن تقوم به.
وجاء في حرفية الفقرة ما يلي: «نوصي في ما يتعلق بالوضع في لبنان، بالتشكيل العاجل في بيروت لفريق عمل دولي (تاسك فورس) تحت رعاية الأمم المتحدة والبنك الدولي من أجل تكثيف العمل الإنساني (الغذاء والأدوية والرعاية الصحية والمدارس...) والتنمية (ماء، كهرباء...). ونحن نشجع فرنسا وشركاءها العرب والغربيين على دعم القوات المسلحة اللبنانية وقوى الأمن الداخلي من أجل تجنب انهيارها ومواصلة صعودها العملياتي في مواجهة (داعش) والتهديدات الأخرى (تهريب المخدرات...). أخيراً، نأمل أن تتمكن فرنسا وشركاؤها والأمم المتحدة من ضمان إجراء انتخابات تشريعية وبلدية ورئاسية عام 2022. يجب أن يكون اللبنانيون واللبنانيون قادرين على التعبير عن أنفسهم بحرية من أجل بناء التغيير و(لبنان الجديد)».
التقرير نشرت خلاصاته أمس، وجاء في وقت تنشط فيه الدبلوماسية الفرنسية من أجل إيجاد السبيل الناجع للتأثير على مسار الأحداث المأسوية التي يعيشها لبنان. وبعد إخفاق المبادرة الفرنسية الإنقاذية التي أطلقها الرئيس إيمانويل ماكرون العام الماضي التي شملت تشكيل حكومة اختصاصيين وإجراء إصلاحات أساسية لا بد منها حتى تقوم باريس بالدعوة لمؤتمر دولي من أجل مساعدة لبنان اقتصادياً ومالياً، وبعد وصول جهود إنتاج حكومة جديدة إلى طريق مسدود وعدم فاعلية العقوبات التي فرضتها باريس على بعض السياسيين اللبنانيين المجهولي الأسماء، استدارت فرنسا نحو الاتحاد الأوروبي لعل هراوة التهديد بالعقوبات تفضي إلى نتيجة إيجابية. ولأن شيئاً لم يحصل في هذا السياق، فإن باريس تعول حاضراً على العمل المشترك مع الولايات المتحدة الأميركية والمملكة السعودية لإخراج الوضع اللبناني من عنق الزجاجة وتلافي الانهيار التام والصادم.
وكشفت السفيرة الفرنسية في بيروت آن غريو، قبل يومين، بمناسبة ردها على كلمة رئيس الحكومة المستقيل حسان دياب في السراي الحكومي، تحضير فرنسا لمؤتمر دولي قريباً لمساعدة لبنان. وتجدر الإشارة إلى اجتماعين مهمين حصلا في الأيام الأخيرة؛ الأول بين وزيري خارجية الولايات المتحدة وفرنسا في باريس يوم 25 يونيو (حزيران) الماضي، والثاني ضمّهما لاحقاً في إيطاليا إلى نظيرهما السعودي، وذلك على هامش اجتماع وزراء خارجية مجموعة العشرين. كذلك تندرج في السياق نفسه زيارة السفيرتين الفرنسية والأميركية في لبنان للرياض من أجل متابعة ما تم التفاهم عليه بين الوزراء الثلاثة.
حقيقة الأمر أن خلاصات لجنة الدفاع لا تختلف كثيراً عن الخط العام للسياسة الرسمية الفرنسية تجاه لبنان، بشأن الجوانب السياسية «الانتخابات» أو دعم الجيش اللبناني والقوى الأمنية أو توفير المساعدات الإنسانية أو التنموية. لكن الجديد هو الدعوة لتشكيل فريق العمل الدولي ورعايته من الأمم المتحدة والبنك الدولي. بيد أن أمراً كهذا يحتاج لموافقتين؛ الأولى من الحكومة «السلطات» اللبنانية التي تستطيع رفض المقترح بفعل سيادي. والثانية من الأمم المتحدة الموجودة أصلاً في لبنان. وليس من المؤكد أن جهات حزبية في لبنان وعلى رأسها «حزب الله»، ستنظر بعين الرضا إلى اقتراح من هذا الشكل. ومن جانب آخر، فإن توصيات اللجان النيابية لن تجد بالضرورة طريقها إلى التنفيذ، بل الغرض منها حض الحكومة للسير في هذا الاتجاه أو ذاك، ويمكن أن تبقى في إطار «العصف الفكري» ليس إلا. وفي أي حال، فإن فائدتها أنها تبين أن الاهتمام الفرنسي بلبنان ليس محصوراً بالحكومة، بل ينسحب على المجلس النيابي، وأيضاً على مجلس الشيوخ، والكل متمسك بمساعدة لبنان، ليتحول إلى لبنان «الجديد».