«القاهرة للكتاب» يقاوم الحر و«كورونا» في دورة استثنائية

كتّاب وناشرون وزوار يشيدون بانعقاد المعرض... وتخفيض عدد الزوار أثر على حركة البيع

جانب من معرض القاهرة الدولي للكتاب
جانب من معرض القاهرة الدولي للكتاب
TT

«القاهرة للكتاب» يقاوم الحر و«كورونا» في دورة استثنائية

جانب من معرض القاهرة الدولي للكتاب
جانب من معرض القاهرة الدولي للكتاب

بين مطرقة «كورونا» وسندان موجة الحر، انطلقت فعاليات الدورة الـ52 الاستثنائية لمعرض القاهرة الدولي للكتاب في 30 يونيو (حزيران) الماضي، وتستمر حتى منصف الشهر الحالي، وكان للإجراءات الاحترازية تأثيرها الشديد على هذه الدورة، من أبرزها تخفيض عدد الزوار إلى 100 ألف زائر يومياً، بدلاً من نحو نصف مليون الرقم المعتاد في الدورات السابقة.
هنا... جولة في المعرض، نرصد من خلالها الأجواء في ظل هذه الظروف على الناشرين والجمهور والكتاب:
في البداية، تشير رانيا محجوب، موظفة، إلى أن المعرض استنّ هذا العام سنة جديدة تمثلت في الحجز المسبق إلكترونياً، ورغم وجاهة هذه الفكرة وضرورتها نظراً لجائحة «كوفيد - 19»، فإن التطبيق على الأرض شابه الكثير من العيوب؛ فقد دخلت على التطبيق أكثر من مرة ولم يصلني حتى الآن الرسالة التي أدخل بموجبها.
ويضيف وائل محمد، طالب جامعي، أن موقع الحجز الإلكتروني «بطيء للغاية»، مشدداً على أنه كان سعيداً بإتاحة الفرصة للاطلاع المسبق على الأجنحة عبر الإنترنت لتوفير الوقت والجهد وتحديد قرارات الشراء مسبقاً، إلا أنه بالتجربة الفعلية تبين مدى صعوبة ذلك بسبب كثرة من يدخلون عليه في وقت واحد.
وتلفت أميرة متولي، باحثة ماجستير، إلى أن المعرض يحتوي على كنوز من المؤلفات بأسعار زهيدة ضمن إصدارات الهيئة المصرية العامة للكتاب والمركز القومي للترجمة، فضلاً عن مبادرة «ثقافتك كتابك» التي تحتوي على كتب تبدأ بجنيه واحد ولا تزيد على عشرين جنيهاً، لكن المشكلة هي ضعف الدعاية وعدم الترويج الكافي، حيث اكتشفت «أميرة» كل ذلك بمحض الصدفة!

قرصنة وتزوير

من جانبه، يقول الكاتب والباحث مصطفى عبيد، إن معرض القاهرة حدث فريد على المستوى العربي. ولا شك أن عقده في ظل جائحة كورونا وما فرضته من إجراءات تباعد يعكس تعطش ورغبة المجتمع الثقافي في التواصل والتفاعل الثقافي تحت باب مقاومة الجائحة وأوجاعها الإنسانية.
ويضيف عبيد: تبقى دوماً هناك سلبيات ونواقص يشهدها المعرض هذا العام وتتكرر في كثير من الدورات، أهمها في تصوري ظاهرة قرصنة الكتب أو السماح بعرض وبيع كتب مزورة تم تصويرها وإعادة طبعها وبيعها للجمهور لتحقيق ربح أعلى من المشروع. وهي ظاهرة مستشرية في سوق الكتاب المصرية، وتبدو واضحة في أجنحة بعض الدور الصغيرة وفرشات الكتب الخاصة بـ«سور الأزبكية» داخل المعرض. وفيها يتم تزوير كتب رائجة وبيعها للجمهور بالسعر ذاته أو بأقل قليل من السعر الرسمي. وفي الغالب فإن كثيراً من القراء لا يستطيعون التفرقة بين الكتاب المطبوع شرعياً والمزور. ويؤكد، أن هناك بلاغات قدمها بعض الناشرين ضد قراصنة الكتب خلال المعرض وتفاعلت معها إدارة المعرض لكن حجم المضبوط دوماً أقل من 10 في المائة من الكتب المقرصنة المتداولة. ومثل هذه الظاهرة تضرب سوق النشر في مقتل وتمثل عدواناً على حقوق المؤلف وكل صناع الكتاب. بخلاف ذلك، فإن المعرض جاء زاخراً وعامراً بالإبداعات الجديدة.

الحرارة و«كورونا»

ويوضح القاص والشاعر محمد حسني عليوة، أنه بقدر ما شهدته الدورة الحالية من إقبال جماهيري غير متوقع، كانت هناك جملة من المعاناة والصعوبات التي واجهت الكثيرين من رواد المعرض، تسبب فيها، بلا شك، ارتفاع درجة الحرارة والرطوبة العالية، بالإضافة إلى حداثة عهد الحضور بالتوقيت الصيفي، كذلك لا نغفل صورة الاستعداد والتنظيم التي لاحظناها في اليومين الأول والثاني، والتي كانت تنقصها بعض اللمسات الفنية حتى لا تحدث مشكلة تأخير الدخول والتكدس على البوابات؛ ما أدى إلى التهديد باختناق بعض الزوار من كبار السن والأطفال.
يضيف عليوة: لم يكن قرار إلغاء الفعاليات والندوات في صالح دور النشر والمؤلفين من جهة، كما لم يجد الزوار المتعة المطلوبة من حضور مثل تلك الفعاليات الموسمية. وظهر تأثير ذلك سلبياً أيضاً على كثافة حضور الأدباء العرب والأجانب، كما اعتدنا في الدورات السابقة.
ويشكو الناشر أشرف عويس، مؤسس «دار النسيم»، من تراجع أعداد المعرض بشكل لافت نتيجة تداعيات ومخاوف جائحة كورونا، وكذلك موجة الحر الشديد، ناهيك عن تجربة الحجز الإلكتروني التي يتم تجربتها لأول مرة وبالتأكيد لن تكون مستساغة لكثيرين.
ويشدد عويس، على أن مجرد إقامة المعرض رغم كل هذه التحفظات يعد إنجازاً في حد ذاته؛ نظراً لحالة الكساد الشديدة التي ضربت سوق الكتاب في مقتل على مدار أكثر من عام فتضرر الناشرون وأصحاب المطابع ومصممو الأغلفة والمراجعون اللغويون إلى آخر تلك السلسلة التي تعيش على مهام موازية لمهام صناعة الكتاب.

فعاليات موازية

وتشير ليال رستم، مدير التسويق بمكتبة «ديوان»، إلى أن المعرض جيد التنظيم ويتسم بسلاسة الإجراءات بالنسبة للعارضين، كما أن التسجيل الإلكتروني خلا من المعوقات التي اشتكى منها البعض. وتضيف: بالطبع، فإن الإقبال الجماهيري ليس بالقوة المعتادة وضاعف من تلك المشكلة إلغاء الفعاليات الثقافية، والتي كان أبرزها الندوات الأدبية وحفلات التوقيع. ونحاول كناشرين من جانبنا، أن نتغلب على تلك الصعوبات من خلال إقامة فعاليات موازية خارج المعرض في الهواء الطلق كما نطرح خصومات قوية تعوض القارئ بعض الشيء عن الزيادة الكبيرة في الأسعار والتي يشكو منها الزوار.
وتؤكد الشاعرة ابتسام أبو سعدة على مكانة معرض القاهرة باعتباره واحداً من أهم المعارض الدولية، والتواجد فيه هو أمر مهم وكبير بالنسبة للجميع؛ لذا نتمنى تدارك مشكلات وصعوبات التسجيل للحصول على التذاكر عبر الإنترنت، ناهيك عن ارتفاع أسعار الكتب. وتضيف ابتسام، أثق أن الدورة المقبلة سوف تراعي كل هذه الملاحظات التي لا تنفي المكانة الرفيعة لهذا الحدث الاستثنائي.
ويوضح الناقد لأكاديمي الدكتور أيمن الغندور، أستاذ الأدب الفرنسي بجامعة طنطا، أن معرض القاهرة الدولي للكتاب يشكل نافذة مهمة ينطلق من خلالها على كل ما هو جديد من إصدارات مصرية وعربية وأجنبية، والفرق هنا بين المعرض وشبكة الإنترنت أن الأول يقدم هذه المنشورات بشكل مجسد، في حين أن الإنترنت يقدم العناوين فقط ويجب عليّ شراء الكتب إلكترونياً من مواقع افتراضية لا أعلم عنها شيئا.
ويضيف الغندور، أنه رغم جائحة كورونا التي أثرت سلباً على معظم المعارض الثقافية والمهرجانات الفنية نجحت إدارة المعرض في تدارك الموقف من خلال إجراءات عدة، كان أولها إقامة المعرض في يوليو (تموز) بدلاً من يناير (كانون الثاني) لتجنب عواقب جائحة كورونا، كما تمت الاستفادة من التقنية الحديثة والسوشيال ميديا بتخصيص موقع إلكتروني يحصل من خلاله الجمهور على التذاكر، بالإضافة إلى صفحة المعرض على تطبيق «فيسبوك» والتي تنشر تعليمات يومية لجمهور القراء، بالإضافة إلى فيديوهات حية عن يوميات المعرض. ويضاف إلى هذه الإيجابيات الإبقاء على «سور الأزبكية» الذي يقدم الكتاب بأسعار تناسب القراء، وأيضاً توفير وسائل نقل داخل المعرض لنقل العائلات والمسنين، وأعتقد أن المعرض قد حد بالفعل من بُعد صالات النشر بعضها عن بعض بعد انتقال مقره إلى مركز المؤتمرات، حيث أصبحت أجنحته شبه متلاصقة.
ويلفت الشاعر والكاتب عمارة إبراهيم، إلى حسن التنظيم وإقبال الشباب على الكتب الفكرية وليس مجرد الكتابات المسلية الخفيفة، متمنياً التخلص من بعض السلبيات التي تشوب المعرض، ويستعيد دوره على كل الصعد بخاصة الثقافية.
وتقترح الكاتبة تغريد النجار، أن تطول مدة إقامة المعرض في دوراته المقبلة، بحيث يكون شهراً كاملاً وليس أسبوعين فقط، من هنا يمكننا إطالة مدة الاستفادة من هذا الحدث الأكبر وتفادي تكدس الزوار الذين يبلغ عددهم أكثر من نصف مليون زائر يومياً بما ينتج من ذلك من مخاطر في زمن الأوبئة، لا سيما أن المعرض سيعود في دورته المقبلة لينعقد في شهر يناير، موعده المعتاد، أي في ذروة انتشار «كورونا» ونزلات البرد.


مقالات ذات صلة

«شجرة الصفصاف»... مقاربة لعلاقة الشرق والغرب

ثقافة وفنون «شجرة الصفصاف»... مقاربة لعلاقة الشرق والغرب

«شجرة الصفصاف»... مقاربة لعلاقة الشرق والغرب

عن دار «بيت الياسمين» للنشر بالقاهرة، صدرتْ المجموعة القصصية «شجرة الصفصاف» للكاتب محمد المليجي، التي تتناول عدداً من الموضوعات المتنوعة مثل علاقة الأب بأبنائه

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق المعرض يتضمّن برنامجاً ثقافياً متنوعاً يهدف إلى تشجيع القراءة والإبداع (واس)

انطلاق «معرض جازان للكتاب» فبراير المقبل

يسعى «معرض جازان للكتاب» خلال الفترة بين 11 و17 فبراير 2025 إلى إبراز الإرث الثقافي الغني للمنطقة.

«الشرق الأوسط» (جيزان)
يوميات الشرق الأمير فيصل بن سلمان يستقبل الأمير خالد بن طلال والدكتور يزيد الحميدان بحضور أعضاء مجلس الأمناء (واس)

الحميدان أميناً لمكتبة الملك فهد الوطنية

قرَّر مجلس أمناء مكتبة الملك فهد الوطنية تعيين الدكتور يزيد الحميدان أميناً لمكتبة الملك فهد الوطنية خلفاً للأمير خالد بن طلال بن بدر الذي انتهى تكليفه.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
ثقافة وفنون قراءات المثقفين المصريين في عام 2024

قراءات المثقفين المصريين في عام 2024

مرَّت الثقافة العربية بعام قاسٍ وكابوسي، تسارعت فيه وتيرة التحولات بشكل دراماتيكي مباغت، على شتى الصعد، وبلغت ذروتها في حرب الإبادة التي تشنّها إسرائيل على غزة

رشا أحمد (القاهرة)
كتب كُتب المؤثرين بين الرواج وغياب الشرعية الأدبية

كُتب المؤثرين بين الرواج وغياب الشرعية الأدبية

صانع محتوى شاب يحتل بروايته الجديدة قائمة الكتب الأكثر مبيعاً في فرنسا، الخبر شغل مساحات واسعة من وسائل الإعلام

أنيسة مخالدي (باريس)

مجلة «الأديب الثقافية»: الاغتيال الثقافي

مجلة «الأديب الثقافية»: الاغتيال الثقافي
TT

مجلة «الأديب الثقافية»: الاغتيال الثقافي

مجلة «الأديب الثقافية»: الاغتيال الثقافي

صدر العدد الجديد (الحادي عشر من مجلة «الأديب الثقافية» - شتاء 2025)، وهي مجلة ثقافية تُعنى بقضايا الحداثة والحداثة البعدية يرأس تحريرها الكاتب العراقي عباس عبد جاسم.

تناولت افتتاحية العدد التي كتبها رئيس التحرير «مدن المستقبل: يوتوبية أم سوسيوتكنولوجية؟».

كما تبنى العدد محور «نحو يسار عربي جديد»، وقد تضمّن مقدمة كتاب «نحو نهضة جديدة لليسار في العالم العربي» للمفكر اللبناني الراحل الدكتور كريم مروة، وفيها دعوة جديدة لنهوض اليسار العربي بعد هزائم وانكسارات ونكبات كبرى أعقبت تفكّك الاتحاد السوفياتي وانهيار الاشتراكية في العالم، وقد عدَّت مجلة «الأديب الثقافية» - المقدمة نواة لمشروع نهضوي جديد لمستقبل اليسار العربي، بعد أن تجمّد عند حدود معينة من موته شبه السريري.

وأسهم في هذا المحور السياسي والطبيب المغترب الدكتور ماجد الياسري، بدراسة هي مزيج من التحليل والتجربة السياسية والانطباع الشخصي بعنوان «اليسار العربي - ما له وما عليه»، وقدّم الناقد علي حسن الفوّاز مراجعة نقدية بعنوان «اليسار العربي: سيرة الجمر والرماد»، تناول فيها علاقة اليسار العربي بالتاريخ، وطبيعة السياسات التي ارتبطت بهذا التاريخ، وبالمفاهيم التي صاغت ما هو آيديولوجي وما هو ثوري.

أما الكاتب والناقد عباس عبد جاسم، فقد كتب دراسة بعنوان «إشكاليات اليسار العربي ما بعد الكولونيالية»، قدم فيها رؤية نقدية وانتقادية لأخطاء اليسار العربي وانحراف الأحزاب الشيوعية باتجاه عبادة ماركس، وكيف صار المنهج الماركسي الشيوعي لفهم الطبقة والرأسمالية في القرن الحادي والعشرين بلا اتجاه ديالكتيكي، كما وضع اليسار في مساءلة جديدة: هل لا تزال الماركسية صالحة لتفسير العالم وتغييره؟ وما أسباب انهيار الفكر الشيوعي (أو الماركسي) بعد عام 1989؟ وهل نحن نعيش «في وهم اللاجماهير» بعصر ما بعد الجماهير؟ وفي حقل «بحوث»، قدّمت الناقدة والأكاديمية هيام عريعر موضوعة إشكالية مثيرة لجدل جندري متعدّد المستويات بعنوان «العبور الجنسي وحيازة النموذج»، وتضمَّن «قراءة في التزاحم الجمالي بين الجنسين».

ثم ناقشت الناقدة قضايا الهوية المنغلقة والأحادية، وقامت بتشخيص وتحليل الأعطاب الجسدية للأنوثة أولاً، وعملت على تفكيك الهيمنة الذكورية برؤية علمية صادمة للذائقة السائدة، وذلك من خلال تفويض سلطة الخطاب الذكوري.

وقدّم الدكتور سلمان كاصد مقاربة بصيغة المداخلة بين كاوباتا الياباني وماركيز الكولومبي، من خلال روايتين: «الجميلات النائمات»، و«ذكريات غانياتي الحزينات» برؤية نقدية معمّقة.

واشتغل الدكتور رشيد هارون موضوعة جديدة بعنوان «الاغتيال الثقافي»، في ضوء «رسالة التربيع والتدوير للجاحظ مثالاً»، وذلك من منطلق أن «الاغتيال الثقافي هو عملية تقييد أديب ما عن أداء دوره الثقافي وإقعاده عن المضي في ذلك الدور، عن طريق وسائل غير ثقافية»، وقد بحث فيها «الأسباب التي دفعت الجاحظ المتصدي إلى أحمد عبد الوهاب الذي أطاح به في عصره والعصور التالية كضرب من الاغتيال الثقافي». وهناك بحوث أخرى، منها: «فن العمارة بتافيلالت: دراسة سيمائية - تاريخية»، للباحث المغربي الدكتور إبراهيم البوعبدلاوي، و«مستقبل الحركة النسوية الغربية»، للباحث الدكتور إسماعيل عمر حميد. أما الدكتورة رغد محمد جمال؛ فقد أسهمت في بحث بعنوان «الأنساق الإيكولوجية وسؤال الأخلاق»، وقدمت فيه «قراءة في رواية - السيد والحشرة».

وفي حقل «ثقافة عالمية» قدّم الشاعر والناقد والمترجم عبد الكريم كاصد ترجمة لثماني قصائد للفنان كاندنسكي بعنوان «أصوات». وفي حقل «قراءات» شارك الدكتور فاضل عبود التميمي بقراءة ثقافية لرواية «وجوه حجر النرد» للروائي حسن كريم عاتي. وفي حقل «نصوص» قدَّم الشاعر الفلسطيني سعد الدين شاهين قصيدة بعنوان: «السجدة الأخيرة».

وفي نقطة «ابتداء» كتبت الناقدة والأكاديمية، وسن عبد المنعم مقاربة بعنوان «ثقافة الاوهام - نقد مركب النقص الثقافي».

تصدر المجلة بصيغتين: الطبعة الورقية الملوَّنة، والطبعة الإلكترونية.