أعلن 15 من أعضاء «اتحاد كتاب المغرب» انسحابهم الجماعي من عضوية هذا الإطار، مبررين خطوتهم بما بات عليه اليوم وضع منظمة ثقافية عتيدة هي «اتحاد كتاب المغرب»، من ارتهان بين يدي قلّة لا تمثل، في السياق الراهن، رأي أغلبية الكُتّاب المغاربة، نتج عنه تحويل لدور المنظمة الطبيعي، وعبث برصيدها التاريخي، لأجل تحقيق مكاسب شخصية ضيقة، مع مراكمة الأخطاء التسييرية والطيش، غير المسبوق، في إبداء المواقف الفاقدة للعمق وللصدى والشرعية القاعدية».
ورأى المنسحبون أن بقاءهم في الاتحاد في وضعه الحالي «يعتبر تزكية لهذا الزّوْغ، وقبولا له». وشددوا على أن انسحابهم «لا يعني بأي حال من الأحوال استقالة من الفعل الثقافي، إنما هو سعي نحو خلق أفق ثقافي وفكري أرحب». وضمت قائمة المنسحبين كلا من: عبد الفتاح الحجُمري، وشعيب حليفي، وشرف الدين ماجدولين، ومحمود عبد الغني، ونور الدين صدوق، وصلاح بوسريف، ومحمد بودويك، ومحمد بوخزار، وخالد بلقاسم، وعبد الدين حمروش، ومراد القادري، وعبد اللطيف البازي، وعبد اللطيف محفوظ، وإكرام عبدي، وشفيق الزكاري.
من جهته، اختار الشاعر عبد الرحيم الخصار، وهو من الأصوات الشعرية الشابة والواعدة في المشهد الشعري العربي المعاصر، جداره على الـ«فيسبوك» لإعلان استقالة وصفت بـ«الهادئة»، حيث كتب: «أستقيل من اتحاد كتاب المغرب، ومن مهمتي ككاتب عام لفرع الاتحاد بمدينة آسفي. أحب أن أضع هذه الاستقالة على هذا الفضاء الأزرق قبل أن أرسلها للمكتب المركزي في الرباط. بالنسبة لي كشاعر قروي أحب أن أبقى على مقربة من الحقول أقرأ وأكتب. وهاتان هما أمتع المتع عندي في هذه الحياة الدنيا».
ويتوقع عدد من المتتبعين للشأن الثقافي في المغرب، ممن أخذت «الشرق الأوسط» آراءهم في الموضوع، أن يلتحق كتاب آخرون بقافلة المنسحبين والمستقيلين.
ولم يتأخر تفاعل عبد الرحيم العلام، رئيس «اتحاد كتاب المغرب»، مع هذه المبادرات، فكتب على صفحته على الـ«فيسبوك»، تحت عنوان «القادمون.. إلى الانسحاب»، أنه تلقى باستغراب إعلان بعض الأعضاء «انسحابهم». قبل أن يتساءل: «لست أدري لماذا اختاروا هذا الوقت بالذات، لتجديد إعلان انسحابهم، حتى لا أقول انسحابهم، هم الذين يبدو أن بعضهم قد انسحبوا من الاتحاد منذ زمان، ولم تعد تربطهم به أي صلة، لا حضور مؤتمراته ولا المشاركة في أنشطته، ولا غيرها، إلا بعد أن أصابتهم الصحوة فجأة، فتذكروا أنهم ينتمون إلى منظمة عتيدة، تتجدد بأعضائها وبشبابها، وتتوهج بحضورها، وبإشعاعها الوطني والخارجي». قبل أن يستدرك، قائلا: «لا يسعني سوى أن أحترم شخصيا رغبة هؤلاء الأعضاء، فلربما أحس بعضهم بأن انتماءه إلى الاتحاد لم يعد يشرفه، إذ يوجد من بينهم من لم يكتب، في حياته، ولا مقالا واحدا في الثقافة ولا أصدر كتابا حتى، فكيف يصمد أمام اتحاد يغتني بتراكم أعضائه وبحضورهم المشرف.. فقط، أنا لم أفهم معنى الانسحاب.. فالقانون الأساسي للاتحاد ينص على الاستقالة، لكن ربما هي مسافة اللا انتماء التي لم تعد تسمح للبعض بأن يواكب اليوم تجدد الاتحاد، وتغير العالم».
وشدد العلام على أن «النضالات الحقيقية تتم من داخل الاتحاد وفي مؤتمراته، وليس بالبهتان والافتراء والكذب والجحود والوصاية، من لدن أشخاص يعرفون بالاصطياد في الماء العكر، وبتغيير بوصلة أخلاقهم حسب المنافع». وأضاف العلام أن «قافلة الاتحاد ستظل سائرة، ولا يقذف بالحجر إلا الشجر المثمر، وأن نكون الأوائل معناه أن نكون مرفوضين، كما قال نيتشه.. أما اتحاد كتاب المغرب، فسيظل كبيرا برواده ورموزه وأعضائه وإنجازاته وحضوره المتجدد، وماضيا نحو أفقه الرحب».
وذكّر العلام بأن «الاتحاد حتى في أحلك ظروفه، كان دائما يعرف كيف يدبر شؤونه ويحتوي اختلافاته، أما سياسة الكرسي الفارغ، فلم تكن أبدا من شيم الكتاب الحقيقيين الذين كانوا يجهرون داخل هياكل الاتحاد بآرائهم وانتقاداتهم واقتراحاتهم، ولم تعرف طريقها قط إلى تاريخ الاتحاد، منذ تأسيسه إلى اليوم.. كما أن الاتحاد كان دائما يتقبل النقد البناء.. وبهذه الخصال، وغيرها، بقي الاتحاد كيانا موحدا للكتاب، كما سيظل خيمة تسع رؤاهم وأحلامهم ومواقفهم». ويشكل «اتحاد كتاب المغرب»، الذي تأسس قبل أكثر من نصف قرن، ليكون «منظمة ثقافية جماهيرية مستقلة»، أكبر تجمع للكتاب المغاربة، تداول على رئاسته كل من محمد عزيز الحبابي (1961 _ 1968)، وعبد الكريم غلاب (1986 _ 1976)، ومحمد برادة (1976 _ 1983)، وأحمد اليابوري (1983 _ 1989)، ومحمد الأشعري (1989 _ 1996)، وعبد الرفيع الجواهري (1996 _ 1998)، وحسن نجمي (1998 _ 2005) وعبد الحميد عقار (2005 _ 2009) وعبد الرحيم العلام (2012 _ ...). وسبق لعدد من الكتاب والأدباء أن فكروا في التغريد ضمن إطارات أخرى، لتتأسس في 24 أبريل (نيسان) 1999 «رابطة أدباء المغرب».
وتزايدت في السنوات الأخيرة التساؤلات بصدد حاضر ومستقبل «اتحاد كتاب المغرب»، وإن كان قادرا على الحفاظ على مكانته وقادرا على القيام بنفس الأدوار التي قام بها في العقود السابقة.
وسبق إعلانات الانسحاب والاستقالة الجماعية أو الفردية من «اتحاد كتاب المغرب»، إعلان مجموعة من الكتاب والمؤلفين والمثقفين المغاربة عن «مبادرة ثقافية جديدة ذات طابع مستقل عن الإطارات الحزبية»، تروم خلق «رابطة مستقلة لكتاب المغرب»، وذلك «حتى تحدث التوازن في القوة الاقتراحية، وتدفع نحو اعتماد مقاربة تشاركية ترتكز على أعمال المبادئ والمعايير الموضوعية في تمثيل المشهد الثقافي المغربي، وتتويجه ودعمه»، كما جاء في الأرضية التأسيسية للمبادرة. وتصدر الأرضية تشريح للمشهد الثقافي في المغرب، الذي لوحظ عنه أنه يعرف «حالة استثناء غريبة أبعدته بالجملة عن مواكبة التحولات المتسارعة، فضلا عن التأسيس لها أو تغذية بواعثها، هذا في الوقت الذي تشكل فيه الثقافة في التجارب المجتمعية المدخل الأساسي والعمق الاستراتيجي».
وسجلت الأرضية أن «أزمة الثقافة في المغرب لم تعد تتمثل فقط في ضعف السمة العضوية فيها، وانسحاب المثقف من دائرة الضوء والتأثير في الرأي العام والقيم المجتمعية، وإنما صارت لها أبعاد أخرى خطيرة، تتمثل بعض تجلياتها في احتكار الفعل الثقافي، وتغييب الطابع التعددي للتعبير الثقافي واتجاهات الرأي، ونشوء علاقات زبونية تتغذى وتقتات من ظهر الثقافة، وتنسج علاقات انتفاعية، تبرز صورها بشكل فج في كل المحطات الثقافية التي يعرفها المغرب، سواء كانت معارض أو منتديات التعريف بالكتاب والكاتب المغربي».
وأكدت الأرضية أن «المبادرة الثقافية الجديدة»، إذ «تركز على فتح أبوابها لكل المؤلفين من كل الأطياف»، «لا تقصد أن تكون بديلا عن أي إطار ولا خصيما ولا منافسا له، وإنما تقصد في البدء والمحصلة التعبير عن واقع التعدد الثقافي الذي يعرفه المغرب، كما تقصد إبراز الصورة الحقيقية للثقافة في المغرب التي تتسع لتستوعب أطيافا كثيرة ليست صدى لتوجه سياسي وحزبي معين».
«اتحاد كتاب المغرب» على صفيح ساخن.. بعد انسحاب جماعي واستقالات فردية
احتكار الفعل الثقافي وتغييب الطابع التعددي للتعبير من بين الأسباب
«اتحاد كتاب المغرب» على صفيح ساخن.. بعد انسحاب جماعي واستقالات فردية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة