بزوغ عصر «البشر المعززين»

تعديلات آلية وكيميائية وبيولوجية لتقوية أداء العقل والجسم البشري

بزوغ عصر «البشر المعززين»
TT

بزوغ عصر «البشر المعززين»

بزوغ عصر «البشر المعززين»

تعتبر القوّة الفضائية الأميركية الفرع الأحدث في الجيش الأميركي. وكما يرجّح اسمها فإنها الأكثر اعتماداً على التقنية والتفكير المتقدّم لإتمام مهمّتها. لذا؛ لن تتفاجأوا ربّما من إعلان الدكتور جويل موزير، العالم الرئيسي في القوة الفضائية الأميركية، أننا «على مشارف الدخول في عصر البشر المعزّزين»، خلال كلمة ألقاها في حدث أقيم في مختبر البحث التابع للقوّة.
آليات التعزيز
تتحدّث ملحوظات موزير عن نظرة واسعة لما يمثّله التعزيز، وعن أوضاع أكثر تعقيداً من التعاون بين البشر والآلة، ستُعطى فيه العناصر الآلية قدراً كبيراً لم تحظَ به من قبل من الاستقلالية لاتخاذ القرارات، بينما تقلّل حمل العمل على مشغّليها البشر وتترك لهم اتخاذ القرارات الاستراتيجية العالية المستوى فقط. يدور اليوم جدالٌ فاعلٌ حول الأسئلة التشغيلية والأخلاقية والقانونية التي أُثيرت حول منح المزيد من القرارات المهمّة للآلات، لا سيما أن هذه القرارات قد تطال حياة البشر. ولكنّنا قطعنا مسافة كبيرة في طريق هذا النوع من التعزيز، الذي من المتوقّع أن يستمرّ في التقدّم، باستثناء العقبة القائمة اليوم في أبحاث الذكاء الصناعي.
تحدّث الباحث أيضاً عن نوعٍ آخر من التعزيز سيتسبب غالباً في جدل أكبر قد يكون محقّا أو خاطئاً؛ كونه يشمل تعديل البشر بيولوجياً أو كيميائياً لجعلهم أكثر قدرة على التواصل مع آلات أكثر سرعة وقوّة.
ومن الضروري هنا أن نميّز الفرق بين التعزيز المقترح وبين ما اعتدنا مشاهدته في الشخصيات الخيالية لعناصر الجيش «المعززين». من «كابتن أميركا» إلى «يونفرسال سولدير» الذي جسّده النجم جان كلود فان دام؛ إذ تميل التعزيزات الخيالية للأفراد العسكريين إلى التركيز أكثر على القوّة الجسدية وأقلّ على التحسينات الفكرية. (يمكننا ذكر استثناء واحد هنا هو شخصية «خان نونيين سينخ» التي تجسّد دور الشرير المجرّد من الضوابط الأخلاقية الطبيعية في فيلم «ستار تريك»، والذي لا يعبّر ربّما عن الصورة التي يجب لأفراد الجيش المستقبليين أن يكونوا عليها).
تعزيز الدماغ
ولكن التعزيز المطروح اليوم يركّز أكثر على الدماغ؛ لأنّ تعزيز الأداء الدماغي يعطي مكاسب أكبر على ما يبدو، بدءاً من الانتباه والقدرة على التركيز لفترات طويلة – بدلاً عن محاولة تعزيز الجنود جسدياً؛ الأمر الذي لا يمكن أن يتطوّر إلّا في حال نجح دمج الاستقلالية والقوة التدميرية في حزمٍ أصغر.
هنا، يجب الاعتراف ودون مواربة بأن التعزيز البشري المدعوم بالكومبيوتر والتعديل الكيميائي والبيولوجي سيفتح باباً للتعقيدات الأخلاقية، وأنّ المقاربة الأبسط والأكثر أماناً ستكون إيجاد طريقة لإحباطه أو منعه بشكلٍ كامل. ولا شكّ في أنّ فكرة تعزيز الأداء البشري ليصبح الجندي أشدّ قدرة على الإيذاء يجب أن تدفع باتجاه مراجعات جدية لأشكال تطوّر العنف المنظّم وما علينا فعله لإدارة المخاطر المصاحبة له.
ولكنّ اعتبار التعزيز البشري ظاهرة جديدة تماماً يلغي حقيقة أنّ أشكالاً عّدة منه كانت المعيار الطبيعي السائد في الحروب لسنوات. لا طالما استخدم الجنود والبحارون والطيّارون المحاربون منشّطات للحفاظ على يقظتهم وسرعة تفاعلهم في الأوقات التي يعانون فيها من نقص النوم وكثرة العمل. يعبّر القادة العسكريون دائماً عن قلقهم من استخدام الجنود لهورمونات الستيرويدات نظراً لعوارضها الجانبية، رغم صعوبة تحديد مدى انتشار هذه الممارسة. وتجدر الإشارة إلى أنّ أشكالاً أخرى أكثر تطرّفاً من التعزيز فشلت خلال التجارب السابقة، ولكنّ فشل هذه المحاولات لا يعني أنّ هذه الوسائل ستكون دائماً دون جدوى.
ممارسات الواقع
كما أنّ اقتراح التعزيز البشري قد يلغي حقيقة أنّ «التعزيز» ممارسٌ منذ زمن وعلى نطاقٍ واسع في المجتمع. فقد وُصفت هواتفنا الذكية، التي تعدّ مخازن لمعلوماتنا الشخصية وبوابة وصولنا إلى أكبر نسقٍ معلوماتي جمعته البشرية حتّى اليوم، على أنّها تعزيزات دماغية – وتعرّضت لانتقادات على هذا الأساس. لقد أصبح استخدام المواد التي تنشّط التركيز والانتباه أمراً طبيعياً جداً، كالكافيين مثلاً، والكمّ الهائل والفعّال الذي قد يكون كاتب هذا المقال استهلكه خلال الكتابة.
يبدو أنّ فروقات كمية ونوعية كبيرة تميّز بين المدنيين الذين يشربون قهوة لتسهيل تمضية يومهم في العمل وبين الجنود أو الضباط الذي يستهلكون عقاقير قويّة بهدف ضمان أداءٍ عالٍ في منح الأوامر للآلات التي تنفّذ العنف القاتل، ولا يعنينا تسجيل وجهة نظرٍ مختلفة هنا. مع دخولنا إلى عالم جديدٍ يحاول فيه البشر اللحاق بالآلات التي صنعوها بهدف التفوّق على بشرٍ آخرين، قد يكون من المفيد النظر إلى عالم المدنيين وإلى الطرائق التي يبحث فيها كلّ إنسان عن اختصارات لتحسين أدائه، النّاجحة والفاشلة منها.
* خدمات «تريبيون ميديا»


مقالات ذات صلة

رئيس «أبل» للمطورين الشباب في المنطقة: احتضنوا العملية... وابحثوا عن المتعة في الرحلة

تكنولوجيا تيم كوك في صورة جماعية مع طالبات أكاديمية «أبل» في العاصمة السعودية الرياض (الشرق الأوسط)

رئيس «أبل» للمطورين الشباب في المنطقة: احتضنوا العملية... وابحثوا عن المتعة في الرحلة

نصح تيم كوك، الرئيس التنفيذي لشركة «أبل»، مطوري التطبيقات في المنطقة باحتضان العملية بدلاً من التركيز على النتائج.

مساعد الزياني (دبي)
تكنولوجيا خوارزمية «تيك توك» تُحدث ثورة في تجربة المستخدم مقدمة محتوى مخصصاً بدقة عالية بفضل الذكاء الاصطناعي (أ.ف.ب)

خوارزمية «تيك توك» سر نجاح التطبيق وتحدياته المستقبلية

بينما تواجه «تيك توك» (TikTok) معركة قانونية مع الحكومة الأميركية، يظل العنصر الأبرز الذي ساهم في نجاح التطبيق عالمياً هو خوارزميته العبقرية. هذه الخوارزمية…

عبد العزيز الرشيد (الرياض)
خاص تم تحسين هذه النماذج لمحاكاة سيناريوهات المناخ مثل توقع مسارات الأعاصير مما يسهم في تعزيز الاستعداد للكوارث (شاترستوك)

خاص «آي بي إم» و«ناسا» تسخّران نماذج الذكاء الاصطناعي لمواجهة التحديات المناخية

«الشرق الأوسط» تزور مختبرات أبحاث «IBM» في زيوريخ وتطلع على أحدث نماذج الذكاء الاصطناعي لفهم ديناميكيات المناخ والتنبؤ به.

نسيم رمضان (زيوريخ)
خاص يمثل تحول الترميز الطبي في السعودية خطوة حاسمة نحو تحسين كفاءة النظام الصحي ودقته (شاترستوك)

خاص ما دور «الترميز الطبي» في تحقيق «رؤية 2030» لنظام صحي مستدام؟

من معالجة اللغة الطبيعية إلى التطبيب عن بُعد، يشكل «الترميز الطبي» عامل تغيير مهماً نحو قطاع طبي متطور ومستدام في السعودية.

نسيم رمضان (لندن)
خاص من خلال الاستثمارات الاستراتيجية والشراكات وتطوير البنية التحتية ترسم السعودية مساراً نحو أن تصبح قائداً عالمياً في التكنولوجيا (شاترستوك)

خاص كيف يحقق «الاستقلال في الذكاء الاصطناعي» رؤية السعودية للمستقبل؟

يُعد «استقلال الذكاء الاصطناعي» ركيزة أساسية في استراتيجية المملكة مستفيدة من قوتها الاقتصادية والمبادرات المستقبلية لتوطين إنتاج رقائق الذكاء الاصطناعي.

نسيم رمضان (لندن)

لأول مرة: الذكاء الاصطناعي يصمم توربين رياح لتوليد الطاقة بين المباني

لأول مرة: الذكاء الاصطناعي يصمم توربين رياح لتوليد الطاقة بين المباني
TT

لأول مرة: الذكاء الاصطناعي يصمم توربين رياح لتوليد الطاقة بين المباني

لأول مرة: الذكاء الاصطناعي يصمم توربين رياح لتوليد الطاقة بين المباني

صمم نظام ذكاء اصطناعي جديد توربين رياح لأول مرة في التاريخ، وفقاً لمطوره.

نظام ذكاء هندسي ثوري

وأعلنت شركة «EvoPhase» البريطانية أن الذكاء الاصطناعي الخاص بها تخلى عن جميع القواعد الراسخة في هندسة مثل هذه الأجهزة. وبناءً على اختباراتها، فإن اختراعها أكثر كفاءة بسبع مرات من التصميمات الحالية.

تتكون «شفرة برمنغهام» The Birmingham Blade -كما تسمي الشركة التوربين- من ست أذرع موازية للأرض متصلة بمحور عمودي مركزي. وتحتوي كل ذراع على شفرة رأسية، وسطح به موجتان تغيران زاوية هجومهما عبر ارتفاعها وطولها.

لعمل مع سرعات رياح منخفضة

يتم تحسين توربينات الرياح التقليدية لسرعات رياح تبلغ نحو 33 قدماً في الثانية. في المقابل، تم تصميم «الشفرة» لسرعات الرياح المتوسطة المنخفضة النموذجية للمناطق الحضرية مثل برمنغهام، والتي تبلغ نحو 12 قدماً في الثانية. هذا يزيد قليلاً عن ثمانية أميال (13كلم تقريباً) في الساعة.

وتم تحسين التصميم للعمل بين المباني الشاهقة التي تنتج أنماط اضطراب تؤثر على فاعلية تصميمات التوربينات الحضرية الأخرى. وإذا ثبت أن هذا صحيح، فقد يفتح التصميم الباب أمام إنتاج كهرباء غير محدود في المباني المكتبية والسكنية بتكلفة تكاد تكون معدومة.

يقول ليونارد نيكوسان، كبير مسؤولي التكنولوجيا في الشركة، في بيان صحافي: «كان استخدام الذكاء الاصطناعي ضرورياً للتحرر من التحيزات طويلة الأمد التي أثرت على تصميمات التوربينات خلال القرن الماضي. سمح لنا الذكاء الاصطناعي باستكشاف إمكانيات التصميم خارج نطاق التجارب البشرية التقليدية».

وفقاً لنيكوسان، تمكن المصممون من «توليد واختبار وتحسين أكثر من 2000 تصميم لتوربينات الرياح في غضون أسابيع قليلة، ما أدى إلى تسريع عملية التطوير لدينا بشكل كبير وتحقيق ما كان يستغرق سنوات وملايين الجنيهات من خلال الطرق التقليدية».

سحر «التصميم التطوري»

«التصميم التطوري الموجه بالذكاء الاصطناعي» هو منهجية تقوم على نفس فكرة الانتقاء الطبيعي. تبدأ العملية بتوليد آلاف المتغيرات التصميمية التي يتم تقييمها وفقاً لوظيفة «البقاء للأفضل»، والتي تحدد مدى نجاح كل متغير في تلبية أهداف المشروع. ويختار الذكاء الاصطناعي أفضل البدائل لاستخدامها أساساً لتكرارات جديدة، وإعادة الجمع بين الميزات وتنويعها لتطوير إصدارات محسنة.

تتكرر هذه الخطوات حتى يصل الذكاء الاصطناعي إلى حل يحقق تحسين جميع العلامات المهمة مثل الكفاءة الديناميكية الهوائية، والاستقرار الهيكلي، والوزن، أو الاكتناز.

تقول الشركة إن عمليتها تتجنب التحيزات البشرية الموجودة في الهندسة التقليدية. بطبيعتها، تكون الهندسة التقليدية محدودة بالأفكار والمعرفة السابقة.

من ناحية أخرى، يستكشف الذكاء الاصطناعي مجموعة واسعة من الاحتمالات دون القيود في العقل البشري. عندما تجمع بين جيل الذكاء الاصطناعي والتكرار التطوري، يمكن أن يؤدي هذا إلى نتائج مبتكرة تتحدى غالباً الفطرة السليمة ولكنها لا تزال تعمل.

إن نهج التصميم التطوري هذا ليس جديداً تماماً، إذ استخدمت صناعة الطيران والفضاء برامج بهذه القدرات لسنوات. ومثلاً استخدمت شركة «إيرباص»، بالتعاون مع شركة «أوتوديسك»، عملية مماثلة لتصميم حاجز مقصورة خفيف الوزن للغاية لطائراتها من طراز A320وظهرت النتيجة مستوحاة من هياكل العظام الطبيعية، ما أدى إلى انخفاض الوزن بنسبة 45 في المائة مقارنة بالهياكل المماثلة المصممة بالطرق التقليدية.

كما طبقت شركة «جنرال إلكتريك» الخوارزميات التطورية في إعادة تصميم حامل محرك نفاث جديد، مما أدى إلى انخفاض وزن القطعة بنسبة 80 في المائة. وتستخدم وكالة «ناسا» أيضاً هذه التقنية منذ سنوات، ففي عام 2006 استخدمت الوكالة خوارزمية تطورية لتصميم «هوائي متطور».

نجاح توربين «برمنغهام بليد»

لقد طبق فريق المصممين بقيادة الدكتور كيت ويندوز - يول من جامعة برمنغهام هذه العملية التطورية لحل مشكلة تكافح العديد من تصميمات التوربينات لمعالجتها: كيفية العمل بكفاءة في البيئات الحضرية، حيث تكون الرياح أبطأ وأكثر اضطراباً بسبب المباني.

ويقول نيكوسان: «كنا بحاجة إلى توربين يمكنه التقاط سرعات الرياح المنخفضة نسبياً في برمنغهام مع إدارة الاضطرابات الناجمة عن المباني المحيطة. وكان لا بد أن يكون التصميم أيضاً مضغوطاً وخفيف الوزن ليناسب التركيبات على الأسطح».

* مجلة «فاست كومباني» خدمات «تريبيون ميديا»