لافروف يحمّل واشنطن مسؤولية تدهور الوضع الإنساني في سوريا

دعا الأكراد إلى حوار مع دمشق وشدد على دفع مسار التطبيع مع البلدان العربية

صورة وزعتها وزارة الخارجية الروسية للوزير سيرغي لافروف خلال مؤتمر صحافي في موسكو أمس (إ.ب.أ)
صورة وزعتها وزارة الخارجية الروسية للوزير سيرغي لافروف خلال مؤتمر صحافي في موسكو أمس (إ.ب.أ)
TT

لافروف يحمّل واشنطن مسؤولية تدهور الوضع الإنساني في سوريا

صورة وزعتها وزارة الخارجية الروسية للوزير سيرغي لافروف خلال مؤتمر صحافي في موسكو أمس (إ.ب.أ)
صورة وزعتها وزارة الخارجية الروسية للوزير سيرغي لافروف خلال مؤتمر صحافي في موسكو أمس (إ.ب.أ)

واصلت موسكو، أمس، حملتها القوية في معارضة التحرك الدولي لتمديد التفويض الأممي لإدخال المساعدات الإنسانية إلى سوريا، والتشبث بموقفها الرافض لفتح المعابر الحدودية.
وبعد مرور يوم واحد على مناقشة هذا الملف في دمشق، خلال لقاء أجراه المبعوث الرئاسي الروسي ألكسندر لافرنتييف مع الرئيس بشار الأسد، حمّل وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بقوة، أمس، على الولايات المتحدة، واتهمها بافتعال الأزمة الإنسانية في سوريا بسبب سياسة العقوبات الأحادية.
وقال الوزير الروسي، خلال مؤتمر صحافي مشترك، أمس، مع نظيره البحريني عبد اللطيف بن راشد الزياني، إن محادثاتهما تناولت بشكل خاص عدم وجود أي بديل عن التسوية السليمة والسياسية للنزاع في سوريا، بناء على قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، لافتاً إلى أن «تحقيق هذا الهدف يقضي بذل جهود ملموسة فوراً لحل التحديات الإنسانية الخطيرة في هذا البلد».
وفي تشديد على الموقف الروسي السابق حول رفض موسكو فتح المعابر الإنسانية، قال لافروف إن «أسباب تفاقم الوضع الإنساني في سوريا تعود خاصة إلى العقوبات غير القانونية واحتلال قوات أجنبية لأراضٍ وموارد طبيعية ومناطق خصبة تابعة لسوريا».
وكانت موسكو لوّحت باستخدام حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن ضد مشروع قرار غربي يقضي بفتح معبرين إضافيين لإدخال المساعدات الإنسانية، إلى جانب الإبقاء على معبر باب الهوى بريف إدلب، الذي يعد المعبر الوحيد حالياً لإيصال المساعدات.
وقال مسؤولون روس إن سبب الأزمة الإنسانية ليس المعابر التي يمكن أن تستخدم لتوفير إمدادات للإرهابيين، بل سياسات العقوبات الغربية. وشكّل هذا الملف أحد محاور البحث الأساسية للمبعوث الرئاسي الروسي في سوريا، أول من أمس، إلى جانب «بحث أبرز التطورات على المسار السياسي سواء من خلال اجتماعات أستانة أو اجتماعات لجنة مناقشة الدستور».
وألمحت مصادر روسية إلى إمكانية التوصل إلى حل وسط للملف الإنساني، في حال وافقت البلدان الغربية على قيام «ثلاثي أستانة» بالإشراف على إدخال المساعدات الإنسانية وتوزيعها بالتنسيق مع حكومة دمشق.
إلى ذلك، دعا لافروف، أمس، أكراد سوريا إلى الحوار مع حكومة دمشق وعدم الرضوخ لمحاولات فرض نزعات انفصالية عليهم. وقال إن موسكو «منذ بداية النزاع السوري تشجع على إجراء اتصالات مباشرة بين الأكراد وحكومة دمشق بهدف التوصل إلى اتفاقات بشأن كيفية التعايش معاً في دولة واحدة»، مشيراً إلى أن العراق المجاور يشكل مثالاً جيداً يمكن الاستفادة منه في هذا الصدد.
وزاد وزير الخارجية الروسي: «نحن على تواصل مع الهياكل الكردية ونطلعها على مواقفنا، لكن الأهم هو أن تبدي استقلاليتها واهتمامها بحل جميع المسائل العالقة مع الحكومة المركزية».
ولفت لافروف إلى أن زعماء المكون الكردي توجهوا إلى موسكو عقب إعلان إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب نيته سحب قوات الولايات المتحدة من سوريا، وطلبوا مساعدتهم في «إقامة جسور» مع دمشق، لكن عندما تراجعت واشنطن عن قرارها «اختفى اهتمام الأكراد بهذه الاتصالات».
وحذر الوزير الروسي من «المساعي الأميركية الرامية إلى تحريض بعض التنظيمات الكردية على الانفصال»، مبدياً أمل موسكو في أن الأكراد الذين يسعون إلى تطبيع العلاقات مع دمشق يدركون خطورة هذا الأمر.
وفي مقابل تأكيد واشنطن عزمها على مواصلة ملاحقة تنظيم «داعش» في سوريا، قال لافروف إنه لا يعتبر أن الخطر الذي يشكله تنظيم «داعش» في سوريا والعراق ارتفع بشكل ملموس في الآونة الأخيرة، مشيراً إلى أن كلتا الدولتين تمكنت من إحباط خطط لإنشاء «الخلافة» المزعومة في أراضيهما، متحدثاً عن «وجود تنظيمات إرهابية أخرى تشكل خطراً في الأراضي السورية، وبالدرجة الأولى هيئة تحرير الشام».
وأعرب عن قناعة بأنه «يتعين على الدول التي بررت وجودها العسكري غير القانوني في الأراضي السورية بمحاربة الإرهاب أن تعمل قبل كل شيء على إزالة هذا الخطر وليس احتلال أجزاء واسعة من الأراضي السورية واستغلال مواردها الطبيعية بشكل غير قانوني».
ورحب لافروف، خلال لقائه الزياني، أمس، بقرار المنامة إعادة فتح سفارتها في دمشق، مبدياً استعداد روسيا لمواصلة تبادل التقييمات مع الجانب البحريني في سوريا على مستوى الممثليات الدبلوماسية. وقال إن بلاده ترى أن «عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية هي خطوة مهمة وقريبة».
ميدانياً، أعلنت موسكو، أمس، إجراء عملية لتبادل الأسرى بين الحكومة السورية والمعارضة المدعومة من جانب تركيا. وجرت عملية التبادل عند معبر أبو الزندين على خطوط التماس في منطقة الباب بريف حلب شمال سوريا.
وهذه العملية الخامسة من نوعها التي تجري بوساطة من وزارة الدفاع الروسية وضمن اتفاق مع الجانب التركي وبالتعاون مع سوريا، وبحضور ممثلين عن الأمم المتحدة والصليب الأحمر الدولي، وأطلق المسلحون سراح 5 جنود وضباط من الجيش السوري أسروا في فترات مختلفة، في المقابل سلمت السلطات السورية، الأتراك 5 أشخاص.
وتهدف عملية التبادل لتعزيز إجراءات الثقة بين الأطراف المتصارعة في استباق للجولة الجديدة من محادثات أستانة، التي تعقد في العاصمة الكازاخية نورسلطان أواسط الأسبوع المقبل، علماً بأن ملف الأسرى والمعتقلين ظل بنداً ثابتاً مطروحاً على طاولة جولات الحوار في أستانة خلال السنوات الماضية.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».