باسيل يقلق من الاحتضان الدولي والداخلي للمؤسسة العسكرية

TT

باسيل يقلق من الاحتضان الدولي والداخلي للمؤسسة العسكرية

لم يكن رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل مرتاحاً لقرار المجتمع الدولي باحتضان المؤسسة العسكرية والقوى الأمنية الأخرى بتوفيره شروط الصمود لها لتمكينها من الحفاظ على الاستقرار في لبنان والذي تجلى في الاجتماع الدولي الذي عُقد أخيراً في باريس والذي فتح الباب أمام الوقوف على احتياجات الجيش اللبناني التي طرحها قائده العماد جوزف عون وتتلخّص بتأمين قطع الغيار والعتاد وبدعم الطبابة العسكرية وبتوفير احتياجاته لسد النقص الذي يعاني منه البرنامج الغذائي في ظل تراجع القدرة الشرائية للعملة الوطنية وخلو الأسواق من معظم المشتقات الغذائية.
فباسيل لم يتردد في تنظيم هجوم مضاد باتهام الأجهزة الأمنية ونواب وسياسيين بالوقوف وراء التهريب لأنه يتوجس من الاحتضان الدولي للمؤسسة العسكرية التي يُنظر إليها على أنها الوحيدة الباقية إلى جانب القوى الأمنية من معالم الدولة بعد أن انهارت جميع إداراتها ومؤسساتها وأصبحت مشلولة في ظل غياب الحكومة المستقيلة عن السمع بعد أن أوكل رئيسها حسان دياب أمره إلى المجلس الأعلى للدفاع.
ومع أن باسيل استهدف الأجهزة الأمنية بقصف عشوائي في محاولة لتحميلها مسؤولية استمرار التهريب، فإنه توخّى من اتهاماته التحريض عليها لدى السواد الأعظم من اللبنانيين الذين يفتقرون إلى لقمة العيش ويشكون من الجوع بعد أن استنزف الدعم مليارات الدولارات من احتياطي المصرف المركزي أُنفقت لتغطية ارتفاع منسوب التهريب إلى سوريا.
كما أن باسيل حاول أن يضع الأجهزة الأمنية في قفص الاتهام لإقحام اللبنانيين في مواجهة مفتوحة معها، وتحاشى تسليط الأضواء على دور بعض المؤسسات الرسمية في منح التراخيص للصهاريج المحمّلة بالمشتقّات النفطية أو الشاحنات المخصصة لنقل البضائع المفقودة في الأسواق السورية في ضوء العقوبات المفروضة على النظام في سوريا.
وعلمت «الشرق الأوسط» أن التحقيقات تجري بعيداً عن الأضواء للتأكد من عدم التلاعب في إعطاء التراخيص بذريعة أن أصحاب الصهاريج والشاحنات قد استُوفيت منهم الرسوم الجمركية المتوجبة عليهم، علماً بأن معظم هذه التراخيص جاهزة ولا ينقصها سوى ملء القسيمة التي تُجيز لأصحابها نقل البضائع، وهذا ما يذكّرنا بشهادات المنشأ الذي استُخدمت لتهريب المخدرات وتبين لاحقاً أنها مزوّرة.
وفي هذا السياق كشفت مصادر أمنية بارزة أن التحقيقات تتواصل لتبيان الحقيقة، خصوصاً أن الأجهزة الأمنية توقف الصهاريج والشاحنات للتدقيق في حمولتها ويتبين لها أن بحوزة أصحابها تراخيص، ما يضطرها إلى الإفراج عنها، وهذا ما أثير في الاجتماع الأخير لمجلس الدفاع الأعلى برئاسة رئيس الجمهورية ميشال عون.
ولفتت إلى أن بعض الأطراف التي تتصدى للتهريب إعلامياً تقف وراء تسهيل دخول الشاحنات والآليات إلى داخل الأراضي السورية وقد تضطر إلى التدخّل للإفراج عنها، وهذا ما ينطبق أيضاً على توقيف المطلوبين بموجب مذكرات قضائية صادرة بحقهم، وسألت: هل الأجهزة الأمنية مسؤولة عن عشرات محطات بيع الوقود التي تعمل من دون حصولها على تراخيص من الجهات الرسمية المعنية؟
بدورها عدّت مصادر سياسية أن من حق باسيل أن يقلق حيال الاحتضان الدولي للجيش بوصفه يبقى بالتعاون مع الأجهزة الأمنية صمّام الأمان للحفاظ على الاستقرار ومنع لبنان من السقوط في الانهيار في ظل استمرار الفراغ المترتّب على تعذّر تشكيل الحكومة، وقالت لـ«الشرق الأوسط» إن مؤتمر باريس لم يشكّل منصّة دولية لإعلان التضامن مع المؤسسة العسكرية فقط من دون أن يُستكمل بخطوات عملية لدعم الأجهزة الأمنية وإنما لا يزال يتابع مع قيادة الجيش لترجمة ما رسمه إلى خطوات ملموسة.
وأكدت أن قيادة الجيش تتواصل مع الملحقين العسكريين للدول التي شاركت في مؤتمر باريس أو لتلك التي لم تشارك، مبديةً استعدادها للمساهمة في رفع المعاناة عن المؤسسة العسكرية للوقوف على احتياجاتها تمهيداً لتلبيتها، وقالت إن العسكريين يبدون كل إيجابية للتقشّف من خلال الوجبات الغذائية التي تقدّم إليهم ويمكنهم أن يأكلوا «مجدرة أو برغل مع بندورة» ولكنهم لا يستطيعون الصمود أمام تراجع الخدمات الطبية وهذا ما تلحظه القيادة كبند أساسي يتصدر لائحة احتياجاتها.
ورأت أن الاحتضان الدولي للمؤسسة العسكرية لم يكن معزولاً عن الاحتضان الشعبي المدعوم من القوى الرئيسة في الموالاة والمعارضة التي تنظر إليها على أنها خشبة الخلاص لمنع الانهيار ليعاد تركيب البلد سياسياً، وقالت إن باسيل بموقفه منها يغرّد خارج سرب الإجماع اللبناني الذي يحتضن القوى الأمنية وأولها المؤسسة العسكرية التي تشكّل رأس حربة لمنع تدحرج البلد نحو الفوضى، ولذلك لم يكن موفّقاً في تحميلها مسؤولية حيال استمرار التهريب.
ولفتت إلى أن شهادة حسن السلوك التي منحها المجتمع الدولي للمؤسسة العسكرية ليست في منأى عن الشهادة الأخرى الممنوحة لها من الأكثرية الساحقة من اللبنانيين، وقالت إن باسيل أخطأ في العنوان في استهدافه الأجهزة الأمنية التي رفضت استخدام القوة أو العنف في مواجهة الحركات الاحتجاجية كما كان يحلو للفريق السياسي المحسوب على رئيس الجمهورية وتياره، مع أن البعض سعى لاستغلالها باستخدامها منصة لتمرير الرسائل السياسية.
لذلك يحق لباسيل أن يقلق على مستقبله السياسي -كما تقول المصادر السياسية- بعد أن عجز عن تعويم نفسه وبات همه الهجوم بطريقة أو بأخرى على الأجهزة الأمنية غامزاً من قناة قائد الجيش من دون أن يسميه، رغم أن الأخير لا يعمل ليكون في عداد المنافسين وهمه هو تحييد المؤسسة العسكرية عن الصراع السياسي، وهذا ما حققه في حفاظه على الاستقرار رغم أن المنظومة الحاكمة بعنادها ومكابرتها تصر على أن يكون الحل الأمني بالتصدي للمحتجين بديلاً عن الحل السياسي لأن الأزمة سياسية بامتياز.
وعليه فإن استحضار باسيل لعمليات التهريب واستخدامها مادة مشتعلة في حملته على الأجهزة الأمنية لن تبدّل من واقع الحال السياسي حتى لو اعتمد على «فائض القوة» الذي يستمده عون من خلال ترؤسه اجتماعات المجلس الأعلى للدفاع، لأنه يدرك أن هذا الفائض لن يُصرف في مكان لأن القوى الأمنية لن تكون أداة بيد أي طرف لتصفية حساباته أو أن تنصاع للأوامر بضرب الاحتجاجات الشعبية، لأن دور المؤسسة العسكرية يكمن في حماية الوفاق، وبالتالي توفير الحصانة للحل السياسي.
فالمؤسسة العسكرية ليست مَن يصنع الحل أو يؤمّن الوفاق كبديل عن الطبقة السياسية، مع الإشارة إلى أن إلصاق القرارات بمجلس الدفاع ليس في محله لأن صلاحيته تبقى في رفع التوصيات إلى مجلس الوزراء.
وهكذا فإن الخروج عن دور مجلس الدفاع يشكّل خرقاً للدستور، خصوصاً إذا أُريد من الأجهزة الأمنية الدخول في مواجهة مع الاحتجاجات الشعبية، إضافةً إلى أنه لا مبرر لانعقاده ويمكن أن ينوب عنه مجلس الأمن المركزي برئاسة وزير الداخلية أو اجتماعات مجالس الأمن الفرعية برئاسة المحافظين، إلا إذا أراد عون أن يتصرف على أنه «الحاكم بأمره» وصولاً إلى تمريره رسالة بأنه البديل عن تفعيل حكومة تصريف الأعمال، علماً بأن قادة الأجهزة الأمنية ليسوا أعضاء دائمين في مجلس الدفاع، وإنما هم بمثابة «ضيوف» يشاركون في اجتماعاته إذا اقتضت الضرورة.



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم