«الجسد وأنثروبولوجيا الإفراط»: الرغبة والذات في مرايا الحياة

الكباص يكتب عن إنسان «يمجد الخير ويعزز الشر»

«الجسد وأنثروبولوجيا الإفراط»: الرغبة والذات في مرايا الحياة
TT

«الجسد وأنثروبولوجيا الإفراط»: الرغبة والذات في مرايا الحياة

«الجسد وأنثروبولوجيا الإفراط»: الرغبة والذات في مرايا الحياة

صدر للكاتب المغربي عبد الصمد الكباص المختص في قضايا الفكر والفلسفة، عن «دار رؤية للنشر والتوزيع» بمصر، كتاب جديد تحت عنوان: «الجسد وأنثروبولوجيا الإفراط».
يطرح الكتاب مجموعة من العناوين والمحاور المهمة؛ منها: «التجربة وفائض الزمن»، و«العمومية المحايثة: من التعريف إلى الاعتراف»، و«العالم مترجماً»، و«ترميم الأصل»، و«رغبة الوجود»، و«تعديل فلسفي في فكرة الحياة والوجه»، و«الزمن مرئياً»، و«الإيقاع والجثة: إرادة الطبيعة وشفافية الجسد»، و«الرغبة والزمان»، و«مصلحة الجسد»، و«المضاعفة: في أنثروبولوجيا الإفراط».
وتبدو الكلمة التي اختارها المؤلف لظهر غلاف الكتاب مفتاحية للمحور الفكري الرئيسي الذي يتناوله الكتاب؛ ومنها: «إن الجسد هو مجال تعيّن الحياة في وضعها الحميم بالنسبة للإنسان. هو المكان الاستثنائي الذي لا يمكن فيه للوجود أن يكون سوى تجربة خاصة، ومنها ينبثق فعل التفلسف. إنه المكان الذي تتحول فيه الحياة إلى رغبة في المفهوم، والمفهوم إلى حياة».

الرغبة وموضوعها
ومن ثم، يشدد الكباص على الحاجة إلى التوقف قليلاً عند المساحة الجمالية التي تخلقها الرغبة في قلب الذات مشمولة بمفعول مأساوي. يتعلق ذلك، في رأيه، بـ«الكشف عما تخفيه هذه العملية التي تتشكل منها الرغبة»؛ إذ هي «بقدر ما تظهر أنها طاقة ينبغي التخلص منها وشحنة ينبغي أن تتبدد، بقدر ما تفصح عن مسلسل عميق من التحرر»؛ حيث إن «الرغبة من حيث (منشئها) هي استقطاب عنيف للحياة، وتدفق للكينونة التي تتملص من الحقيقة. إنها سيادة مطلقة للحياة التي لا تقايض نفسها بشيء آخر، مفضية بذلك إلى حالة من التبادل المستحيل. فالرغبة المشحونة بغياب الموضوع وبنزوعها إليه، تندفع في مسلسل متسارع بقوة متجهة نحو نقطة تتويجها الأقصى للالتحام بموضوعها، وهي في ذلك تستهلك نفسها وتراكمها في نفس الوقت على عتبة موضوع ما زال منفلتاً منها. وحِدّة حيويتها، أي أقصى تركز لحياتها يوجد على عتبة هذا الانفلات. وفي قمة تأججها، أي في الحد الذي لا يسمح بما بعده يتحقق الموضوع الذي يشكل اندحاراً للرغبة، تلاشيها ونهايتها المأساوية. إنها العملية الجوهرية للتبادل المستحيل بين الرغبة وموضوعها، فهي تكون حيث لا يكون موضوع إشباعها، ويكون موضوع إشباعها حيث تكون قد استنزفت نفسها نهائياً. إنها لا تستبدل نفسها بموضوع إشباعها، لأنه لا يكون جزءاً منها إلا في حالة غيابه».
يربط الكباص بين الرغبة وخيبة التوقع التي تصاحبها؛ حيث تواجه باستحالة موضوع يكافئها، مشيراً إلى أن «كل رغبة هي دائما أكبر من موضوعها. وهو ما يجعل كل إشباع مرادفاً للنهاية... تكراراً للموت اللانهائي، والذي يستتبع أن نشوة الفرح الناتجة عن الإشباع تلتبس بمعاودة دائمة لألم النهاية».

غاية متلفة
يرى الكباص أنه «لا يمكننا أن نتصور الإنسان إلا كفنان، ومن جوهر الفنان أن يكون مدمراً». ويذهب إلى أن «هذا الكائن الذي لا يناسب طبيعته ويستطيع أكثر مما ينتظره من نفسه، تَشكلَ شرط إمكانه من تدمير طبيعته وتحويلها إلى مجهول دائم يتساءل حوله. فما لا يناسبه هو أن ينتسب إلى نفسه وما يناسبه هو أن ينتسب إلى العالم، إلى القوى البرانية، قوى التحول والحدث». فهو «يتحول بفعل تشكله من كون كينونته مطروحة خارج طبيعته، إلى ما يؤكد وجوده بإزالة وجود آخر. ليحظى بموقعه في نسق الطبيعة باعتباره مشكلاً كبيراً يتأكد كملحمة إتلاف. إن نفيه لطبيعته ينسخ نفسه في نفي الطبيعة بشكل عام. وتاريخه غير محدد بصراعه مع الطبيعة وإنما بنزاعه مع نفسه فيها».
ويذهب المؤلف إلى أن التاريخ الذي يترتب على هذه العلاقة المدمرة بين الإنسان والطبيعة ليس سوى «حركة تخلٍّ لصالح الآخر»، وهو «تخلٍّ يبدأ لدى هذا الكائن بطرح كينونته بعيداً عن الطبيعة الملازمة له»؛ إذ إن «حالة الإفراط التي يشكلها من خلال وضع وجوده خارج طبيعته التي لا تناسبه، تجعله يبني حقل الإرادة التي يعتبرها مجال تفوقه على التمثل الذي يشوش عليها وينتهي بالتهامها فيما يتمثل»، لافتاً إلى أن ذلك يتم من منطلق أن «قدرته على تصور ما يريد، هي نفسها القدرة التي تجعله كائناً مملوءاً بالموت والخداع، يتصور غايات وينتج نقيضها؛ يريد النظام وينتج الفوضى؛ يضني نفسه في البحث عن الحقيقة ويجد نفسه في حاجة أكثر للخطأ والوهم؛ يمجد الخير ويعزز الشر. إن حالة الإفراط الموصوفة أعلاه تفضي إلى نتيجة واحدة: الإنسان غاية متلفة».

مراوحات الذات
ويوضح الكباص أن الإنسان بصفته كائناً لا يناسب طبيعته قد حمل «عبء المضاعفة»، فيما «قاده استغراق كينونته في الخارج إلى مواصلة تولد ذات عبارة عن أحوال من دون جوهر. ذات تشكلها قوى تعمل كل واحدة بقانونها الخاص مكونة هذا المجموع المتنافر الذي تنتمي له، ذات تعتمد النية ويخونها الفعل، تقول وتفعل ومع ذلك فهي مطرودة سلفاً خارج أقوالها وأفعالها. وفي كل هذا فالعالم الخارجي يسترد ما يستحق منها من قوى وتحولات لتصبح عاملاً لمضاعفة الحدث فيه».
هكذا؛ «لا تُراوح الذات مكانها»، إنها «ليست نقطة إرساء ثابتة من مثيل تلك التي طالب بها أرخميدس. فهي تنمو وتتحرك بفعل التعارض الذي تكونه، فهي ترى الكثرة وتستسلم للوحدة التي يبسطها الفكر وتسمي ذلك تعالياً. تداهمها المباشرة وتفقدها في التمثل. تضيع الواقع وتستبدله (بالخيال). تهرب منها أشياء العالم فتعتقد أنها تتملكها بالتجريد. تبعد الآخر إلى برانية محفوظة الحدود وتعود به كشكل داخلي غير معترف به لمعرفة نفسها. وفي كل ذلك؛ فهي لا تتوقف عن الانزياح عن نفسها، منكرة ذلك الانزياح كطبيعة مجهولة لها، أي كأحوال تحدث من دون جوهر. إنها ليست مبدأ لانسجام القوى التي تعمل فيها وإنما حياة لتعارضاتها».
ويخلص الكباص إلى أنه «بقدر ما يكون العقل مشدوداً للحقيقة كانقطاع أعلى بين الكينونة والزمن، وكإبطال للصيرورة، يكون الوعي منجرفاً في تيار التغاير، فهو وعي بالنزوات والأهواء والأشياء والتحولات؛ أي بالحدود والانقطاعات، في تحرر من كل أبدية؛ لأنها لا تتوافق مع طبيعته. وفي كل عملية من عملياته فهو محمَّل بتناهٍ أصلي. وبين الغريزتين؛ غريزة الخارج (الوعي)، وغريزة الأبدية (العقل)، تتمزق الذات، مستجمعة نفسها كحقل للانفصال للتوجه نحو المستقبل عبر الفعل الذي لا يغدو ممكناً إلا بشرط التحرر من كل أبدية والاعتراف بالعابر العملي كحقل وحيد لتحقيق الممكن الصغير الذي هو دائماً أكثر نجاعة وفعالية من كل غرق في المطلق، وحتى في مجال الخير، فالخير الصغير هو الأكثر إيجابية وتأثيراً، أي الخير الذي يولد من ضغط اللحظة ومن رعب قواها ومن الموازنة بين شرّين».


مقالات ذات صلة

الحميدان أميناً لمكتبة الملك فهد الوطنية

يوميات الشرق الأمير فيصل بن سلمان يستقبل الأمير خالد بن طلال والدكتور يزيد الحميدان بحضور أعضاء مجلس الأمناء (واس)

الحميدان أميناً لمكتبة الملك فهد الوطنية

قرَّر مجلس أمناء مكتبة الملك فهد الوطنية تعيين الدكتور يزيد الحميدان أميناً لمكتبة الملك فهد الوطنية خلفاً للأمير خالد بن طلال بن بدر الذي انتهى تكليفه.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
ثقافة وفنون قراءات المثقفين المصريين في عام 2024

قراءات المثقفين المصريين في عام 2024

مرَّت الثقافة العربية بعام قاسٍ وكابوسي، تسارعت فيه وتيرة التحولات بشكل دراماتيكي مباغت، على شتى الصعد، وبلغت ذروتها في حرب الإبادة التي تشنّها إسرائيل على غزة

رشا أحمد (القاهرة)
كتب كُتب المؤثرين بين الرواج وغياب الشرعية الأدبية

كُتب المؤثرين بين الرواج وغياب الشرعية الأدبية

صانع محتوى شاب يحتل بروايته الجديدة قائمة الكتب الأكثر مبيعاً في فرنسا، الخبر شغل مساحات واسعة من وسائل الإعلام

أنيسة مخالدي (باريس)
كتب «حكايات من العراق القديم» و«ملوك الوركاء الثلاثة»

«حكايات من العراق القديم» و«ملوك الوركاء الثلاثة»

صدر عن دار «السرد» ببغداد كتابان مترجمان عن الإنجليزية للباحثة والحكواتية الإنجليزية فران هزلتون.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
كتب كتاب جديد يكشف خبايا حملة نابليون على مصر

كتاب جديد يكشف خبايا حملة نابليون على مصر

يتناول كتاب «حكايات في تاريخ مصر الحديث» الصادر في القاهرة عن دار «الشروق» للباحث الأكاديمي، الدكتور أحمد عبد ربه، بعض الفصول والمحطات من تاريخ مصر الحديث

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

كتب أحلم بقراءتها 2025

كتب أحلم بقراءتها 2025
TT

كتب أحلم بقراءتها 2025

كتب أحلم بقراءتها 2025

هناك كتب عديدة أحلم بقراءتها في مطلع هذا العام الجديد المبارك. لكني أذكر من بينها كتابين للمفكر الجزائري المرموق لاهوري عدي. الأول هو: «القومية العربية الراديكالية والإسلام السياسي». والثاني: «أزمة الخطاب الديني الإسلامي المعاصر - ضرورة الانتقال من فلسفة أفلاطون إلى فلسفة كانط». وربما كان هذا أهم كتبه وأشهرها. والدكتور لاهوري عدي اشتهر، منذ عام 1992، ببلورة أطروحة لافتة عن صعود موجة الإسلام السياسي، بعنوان: «التراجع الخصب أو الانتكاسة الخصبة والمفيدة». هذا المصطلح شاع على الألسن وبحق. ما معناه؟ ما فحواه؟ مصطلح التراجع أو الانتكاسة شيء سلبي وليس إيجابياً، على عكس ما يوحي به المؤلف للوهلة الأولى، ولكنه يتحول على يديه إلى شيء إيجابي تماماً، إذا ما فهمناه على حقيقته. ينبغي العلم أنه بلوره في عز صعود الموجة الأصولية الجزائرية و«جبهة الإنقاذ». قال للجميع ما معناه: لكي تتخلصوا من الأصوليين الماضويين اتركوهم يحكموا البلاد. هذه هي الطريقة الوحيدة للتخلص من كابوسهم. وذلك لأن الشعب الجزائري سوف يكتشف بعد فترة قصيرة مدى عقم مشروعهم وتخلفه عن ركب الحضارة والعصر، وسوف يكتشف أن وعودهم الديماغوجية الراديكالية غير قابلة للتطبيق. سوف يكتشف أنها فاشلة لن تحل مشكلة الشعب، بل وستزيدها تفاقماً. وعندئذ يلفظهم الشعب وينصرف عنهم ويدير ظهره لهم ويفتح صدره للإصلاحيين الحداثيين الليبراليين. هذه الأطروحة تذكرنا بمقولة «مكر العقل في التاريخ» لهيغل، أو بـ«الدور الإيجابي للعامل السلبي في التاريخ». بمعنى أنك لن تستطيع التوصل إلى المرحلة الإيجابية قبل المرور بالمرحلة السلبية وتذوُّق طعمها والاكتواء بحرِّ نارها. لن تتوصل إلى الخير قبل المرور بمرحلة الشر. لن تتوصل إلى النور قبل المرور بمرحلة الظلام الحالك. ينبغي أن تدفع الثمن لكي تصل إلى بر الخلاص وشاطئ الأمان. وقد سبق المتنبي هيغل إلى هذه الفكرة عندما قال:

وَلا بدَّ دونَ الشَّهْد من إِبرِ النحلِ

هذه الأطروحة تقول لنا ما معناه: الأصولية المتطرفة تشكل وهماً جباراً مقدساً يسيطر على عقول الملايين من العرب والمسلمين. إنهم يعتقدون أنها ستحلّ كل مشاكلهم بضربة عصا سحرية، إذا ما وصلت إلى الحكم. ولا يمكن التخلص من هذا الوهم الجبار الذي يخترق القرون ويسيطر على عقول الملايين، إلا بعد تجريبه ووضعه على المحك. عندئذ يتبخر كفقاعة من صابون. ولكن المشكلة أنه لم يتبخر في إيران حتى الآن. بعد مرور أكثر من 40 سنة لا تزال الأصولية الدينية المتخلفة تحكم إيران وتجثم على صدرها. فإلى متى يا ترى؟ إلى متى ستظل الأصولية الدينية القروسطية تحكم بلداً كبيراً وشعباً مثقفاً مبدعاً كالشعب الإيراني؟ بعض الباحثين يعتقدون أن هذا النظام الرجعي لولاية الفقيه والملالي انتهى عملياً، أو أوشك على نهايته. لقد ملَّت منه الشبيبة الإيرانية، ومِن الإكراه في الدين إلى أقصى حد ممكن. وبالتالي، فإما أن ينفجر هذا النظام من الداخل وينتصر محمد جواد ظريف وبقية الليبراليين الإصلاحيين المنفتحين على التطور والحضارة الحديثة. وإما أن يعود ابن الشاه من منفاه ويعتلي عرش آبائه مرة أخرى. ولكم الخيار.

وبخصوص إيران، أحلم بقراءة مذكرات فرح بهلوي للمرة الثانية أو ربما الثالثة. وهو كتاب ضخم يتجاوز الأربعمائة صفحة من القطع الكبير. وتتصدره صورة الشاهبانو الجميلة الرائعة. ولكنها لم تكن جميلة فقط، وإنما كانت ذكية جداً وعميقة في تفكيرها. من يُرِد أن يتعرف على أوضاع الشعب الإيراني قبل انفجار الثورة الأصولية وفيما بعدها أنصحه بقراءة هذا الكتاب. مَن يرد التعرف على شخصية الخميني عندما كان لا يزال نكرة من النكرات، فليقرأ الصفحات الممتازة المكرَّسة له من قبل فرح ديبا. كان مجرد شيخ متزمت ظلامي معادٍ بشكل راديكالي لفكرة التقدُّم والتطور والإصلاح الزراعي الذي سنَّه الشاه في ثورته البيضاء التي لم تُسفَك فيها قطرة دم واحدة. كان مع الإقطاع والإقطاعيين الكبار ضد الفلاحين البسطاء الفقراء. وكان بإمكان الشاه أن يعدمه، ولكنه لم يفعل، وإنما تركه يذهب بكل حرية إلى منفاه. بعدئذ تحول هذا الشيخ القروسطي الظلامي إلى أسطورة على يد أشياعه وجماعات الإسلام السياسي أو المسيَّس. هذا لا يعني أنني أدافع عن الشاه على طول الخط، كما تفعل فرح ديبا؛ فله مساوئه ونقائصه الكبيرة وغطرساته وعنجهياته التي أودت به. ولكن ينبغي الاعتراف بأنه كانت له إيجابيات، وليس فقط سلبيات مُنكَرة. ولكن الموجة الأصولية دمرته ودمرت سمعته كلياً، وقد آن الأوان لتدميرها هي الأخرى، بعد أن حكمت إيران مدة 45 سنة متواصلة. وعلى أي حال، فإن أفعالها وأخطاءها الكبرى هي التي دمرتها أو ستدمرها. لقد أشاعت الحزازات المذهبية في المنطقة، وأعادتنا 1400 سنة إلى الوراء. هل سننتظر مليون سنة لكي نتجاوز الفتنة الكبرى التي مزقتنا؟ هنا يكمن خطأ التفكير الأصولي الرجعي المسجون في عقلية ماضوية عفى عليها الزمن. متى ستتحقق المصالحة التاريخية بين كافة المذاهب والطوائف عندنا مثلما تحققت المصالحة التاريخية الكاثوليكية - البروتستانتية في أوروبا وأنقذتهم من جحيم الانقسامات الطائفية والمذهبية؟ متى ستنتصر الأنوار العربية الإسلامية على الظلمات العربية الإسلامية؟ بانتظار أن يتحقق ذلك ينبغي على جميع الأقليات أن تلتف حول الأكثرية، لأنها هي العمود الفقري للبلاد، ولأن نجاحها سيكون نجاحاً للجميع، وفشلها (لا سمح الله) سيرتد وبالاً على الجميع.

أضيف بأن الحل الوحيد للتطرف هو الإسلام الوسطي العقلاني المعتدل السائد في معظم الدول العربية، إن لم يكن كلها. «وكذلك جعلناكم أمة وسطاً»، كما يقول القرآن الكريم. وهو الذي نصّت عليه «وثيقة الأخوة الإنسانية» في أبوظبي عام 2019، و«وثيقة مكة المكرمة» الصادرة عن «رابطة العالم الإسلامي»، في العام ذاته، وهو الذي تعلمته أنا شخصياً في ثانوية مدينة جبلة الساحلية السورية، على يد أستاذ التربية الدينية الشيخ محمد أديب قسام. كان فصيحاً بليغاً أزهرياً (خريج الأزهر الشريف). كان يحببك بدرس الديانة غصباً عنك. لا أزال أتذكر كيف كان يشرح لنا الحديث التالي: «دخلت النار امرأة في هرة حبستها، فلا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض حتى ماتت». كأني أراه أمام عيني الآن وهو يشرح لنا هذا الحديث النبوي الشريف. هنا تكمن سماحة الإسلام ومكارم الأخلاق. فإذا كان الإسلام يشفق على الهرة أو القطة أو الحيوانات؛ فما بالك بالبشر؟ هنا يكمن جوهر الإسلام الذي جاء رحمة للعالمين لا نقمة عليهم ولا ترويعاً لهم.