هدوء في الخرطوم بعد يوم من الاحتجاجات

شارك بها مؤيدون للثورة وآخرون موالون للنظام السابق

الشرطة أطلقت الغازات المسيلة للدموع لتفريق المحتجين في أحد شوارع أم درمان أمس (أ.ف.ب)
الشرطة أطلقت الغازات المسيلة للدموع لتفريق المحتجين في أحد شوارع أم درمان أمس (أ.ف.ب)
TT

هدوء في الخرطوم بعد يوم من الاحتجاجات

الشرطة أطلقت الغازات المسيلة للدموع لتفريق المحتجين في أحد شوارع أم درمان أمس (أ.ف.ب)
الشرطة أطلقت الغازات المسيلة للدموع لتفريق المحتجين في أحد شوارع أم درمان أمس (أ.ف.ب)

عاشت العاصمة السودانية حالة من الهدوء الحذر، بعد تفريق الشرطة بالغاز المسيل للدموع مئات المتظاهرين وسط الخرطوم وأم درمان، مع انقسام واضح بين مجموعتين مختلفتين من المتظاهرين.
واستهل مئات من المحسوبين على نظام الرئيس المعزول عمر البشير والإسلاميين الاحتجاجات وسط المدينة مطالبين بإسقاط الحكومة الانتقالية. وبعد تفريق تجمعات «الإخوان المسلمين»، خرجت مظاهرات دعا لها الحزب الشيوعي ومؤيدوه، وشارك فيها عدة آلاف طالبت بتحقيق شعارات الثورة في الحرية والسلام والعدالة، والثأر للشهداء، والتنديد بما أطلقوا عليه سياسات البنك الدولي، وردد بعضهم هتافات تطالب بإسقاط حكومة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك.
وهدد موالون لنظام الرئيس عمر البشير بتنظيم احتجاجات لإسقاط الحكومة الانتقالية، والعودة للحكم مجدداً، بالتزامن مع ذكرى الانقلاب العسكري الذي قادته الحركة الإسلامية، بقيادة الرئيس المعزول عمر البشير، في 30 يونيو (حزيران) 1989، ضد الحكومة المنتخبة، والذي صادف يوم أمس، بيد أن الشرطة تصدت له وفرقتهم، وألقت القبض على أعداد منهم.
وبعد تفريق احتجاجات الإسلاميين بنحو ساعة، خرج الآلاف من أنصار الحزب الشيوعي ومؤيديه في مواكب أعلنوا عن تنظيمها باكراً، بالتزامن مع اليوم الذي يصادف ذكرى الموكب الشهير (موكب 30 يونيو 2019) الذي أعقب جريمة فض الاعتصام، وشارك فيه ملايين السودانيين في عدد من مدن البلاد، واستعادت بموجبه الحركة الجماهيرية زمام المبادرة، وأجبرت المجلس العسكري الانتقالي على العودة إلى طاولة المفاوضات، بعد أن هدد بوقف التفاوض، وتشكيل حكومة انتقالية من خارج القوى التي صنعت الثورة.
ومن جهتها، قالت لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو، المعنية بتفكيك وتصفية النظام المعزول سياسياً واقتصادياً وإدارياً، إن مجموعات من فلول النظام حاولت خلق فوضى في البلاد، وعملت على تخريب الاقتصاد، وإن قوات الشرطة كشفت وألقت القبض على «أفراد خلايا تخريبية» تابعة لحزب المؤتمر الوطني المحلول.
وفي مؤتمر صحافي عقدته اللجنة أمس، قال مقرر اللجنة صلاح مناع إن الشرطة ألقت القبض على نحو 79 من أفراد هذه الخلية، بعضهم يعملون في الدولة، ورصد عدد من «خلايا الظل» يخططون لأعمال تخريبية. ولمح إلى دور تلعبه فضائية عربية في تأجيج الصراع في الإقليم بقوله: «هي معروفة بتأجيج الصراعات، وصنعت حروباً في الإقليم، وحاولت نقل ذلك للسودان عبر تغطيتها الكاذبة، ولها ارتباط وثيق بالمؤتمر الوطني، وستكون هناك إجراءات حاسمة تجاهها».
وحذر مناع شركة اتصالات كبيرة لم يسمها من ممارسة عمل تخريبي عن طريق إيقاف التحصيل الإلكتروني، وتوعد باتخاذ إجراءات ضدها، لأن الاستثمار الأجنبي -حسب قوله- يكون من أجل تطوير العمل الرقمي، وإيقاف خدمة التحصيل الإلكتروني من قبلها أفقد خزينة البلاد أموالاً ضخمة، وعد بتقديم تفاصيل عنها.
وبدوره، قال المتحدث باسم اللجنة، وجدي صالح، إن ذكرى «ثلاثين يونيو» كانت تحولاً سياسياً كبيراً في تاريخ السودان، ويعود لها الفضل في الوضع الحالي الذي يعيش فيه السودان الآن، ويحق للسودانيين الاحتفاء بها.
وأوضح صالح أن لجنته توافرت على عمل إجرامي وتخريبي كبير يقوم به من أطلق عليهم «فلول النظام السابق»، بدأ التحضير له من وقت مبكر، وتم الترتيب له عبر الهواتف التي ضبطت مع قيادات نظام البشير في السجن المركزي بكوبر، وأدى إلى كشف المجموعات التي تخطط لهذا العمل التخريبي، وتابع: «توفرت للجنة معلومات كثيرة عن الناشطين من المؤتمر المحلول، بناء عليها تم القبض -أول من أمس- على أحد الناشطين في كتائب الظل وهو يرتدي زياً عسكرياً داخل منزله مستعداً للقيام بما أوكل له، وأودع الحبس».
وبحسب صالح، فإن ما يسمى «الحركة الإسلامية» وفرت مبالغ كبيرة من الأموال، استجلبت بها أعداد من مؤيديها من خارج العاصمة الخرطوم، داهمت الشرطة المقار التي خصصت لهم، وألقت القبض على 79 منهم، وبحوزتهم مبالغ مالية من فئة 200 جنيه تحمل رقماً متسلسلاً واحداً، ما يعني أنها «مزورة».
وشهد السودان حالة من الانقسام غير معهودة بين القوى السياسية. ففي الوقت الذي دعت فيه قوى سياسية، على رأسها الحزب الشيوعي السوداني و«فلول» النظام المعزول، لإسقاط الحكومة الانتقالية، رفضت غالبية القوى السياسية مطلب إسقاط الحكومة الانتقالية، وبدا ذلك جلياً في هتافات المحتجين. ففي حين هتف بعضهم مندداً بحكومة رئيس الوزراء، مرددين هتاف الثورة الشهير «تسقط بس»، ردد آخرين هتافاً مؤيداً له، مثل: «حمدوك... حمدوك يسلموا الجابوك».
وأعلن تجمع أسر شهداء ثورة ديسمبر (كانون الأول)، في بيان، رفضهم لدعوات الانقضاض على الثورة، وإسقاط «حكومة الثورة» التي جاءت بتضحيات الشهداء من أبنائهم والجرحى والمفقودين والثوار، واستنكروا ما أطلقوا عليه «محاولات بعضهم لشق الصف، وشيطنة قوى الثورة ورجالها»، ودعوا لتصويبها إن حادت على طريق الثورة. كما أعلن البيان ترحيب أسر الشهداء بمبادرة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك.
وفرضت حكومة ولاية الخرطوم يوم أمس عطلة رسمية، وأمرت السلطات الأمنية بإغلاق المحال التجارية وسط الخرطوم وأم درمان والخرطوم بحري، فيما سدت الطرق الرئيسية وسط الخرطوم، وسيجت منطقة شرق المدينة القديمة، حيث تقع قيادة الجيش، بالحواجز الإسمنتية والحديدية، ومنع دخول السيارات إلى هناك، فبدت الخرطوم مثل مدينة أشباح لا يتجول فيها سوى تجمعات المحتجين الذين طاردتهم الشرطة، وخاضت معهم معارك كر وفر، مستخدمة الغاز المسيل للدموع.



ضربات في صعدة... والحوثيون يطلقون صاروخاً اعترضته إسرائيل

عناصر حوثيون يحملون صاروخاً وهمياً خلال مظاهرة في صنعاء ضد الولايات المتحدة وإسرائيل (أ.ب)
عناصر حوثيون يحملون صاروخاً وهمياً خلال مظاهرة في صنعاء ضد الولايات المتحدة وإسرائيل (أ.ب)
TT

ضربات في صعدة... والحوثيون يطلقون صاروخاً اعترضته إسرائيل

عناصر حوثيون يحملون صاروخاً وهمياً خلال مظاهرة في صنعاء ضد الولايات المتحدة وإسرائيل (أ.ب)
عناصر حوثيون يحملون صاروخاً وهمياً خلال مظاهرة في صنعاء ضد الولايات المتحدة وإسرائيل (أ.ب)

تبنّت الجماعة الحوثية إطلاق صاروخ باليستي فرط صوتي، زعمت أنها استهدفت به محطة كهرباء إسرائيلية، الأحد، وذلك بعد ساعات من اعترافها بتلقي ثلاث غارات وصفتها بالأميركية والبريطانية على موقع شرق مدينة صعدة؛ حيث معقلها الرئيسي شمال اليمن.

وفي حين أعلن الجيش الإسرائيلي اعتراض الصاروخ الحوثي، يُعد الهجوم هو الثاني في السنة الجديدة، حيث تُواصل الجماعة، المدعومة من إيران، عملياتها التصعيدية منذ نحو 14 شهراً تحت مزاعم نصرة الفلسطينيين في غزة.

وادعى يحيى سريع، المتحدث العسكري باسم الجماعة الحوثية، في بيان مُتَلفز، أن جماعته استهدفت بصاروخ فرط صوتي من نوع «فلسطين 2» محطة كهرباء «أوروت رابين» جنوب تل أبيب، مع زعمه أن العملية حققت هدفها.

من جهته، أعلن الجيش الإسرائيلي، في بيان، أنه «بعد انطلاق صفارات الإنذار في تلمي اليعازر، جرى اعتراض صاروخ أُطلق من اليمن قبل عبوره إلى المناطق الإسرائيلية».

ويوم الجمعة الماضي، كان الجيش الإسرائيلي قد أفاد، في بيان، بأنه اعترض صاروخاً حوثياً وطائرة مُسيّرة أطلقتها الجماعة دون تسجيل أي أضرار، باستثناء ما أعلنت خدمة الإسعاف الإسرائيلية من تقديم المساعدة لبعض الأشخاص الذين أصيبوا بشكل طفيف خلال هروعهم نحو الملاجئ المحصَّنة.

وجاءت عملية تبنِّي إطلاق الصاروخ وإعلان اعتراضه، عقب اعتراف الجماعة الحوثية باستقبال ثلاث غارات وصفتها بـ«الأميركية البريطانية»، قالت إنها استهدفت موقعاً شرق مدينة صعدة، دون إيراد أي تفاصيل بخصوص نوعية المكان المستهدَف أو الأضرار الناجمة عن الضربات.

مقاتلة أميركية على متن حاملة طائرات في البحر الأحمر (أ.ب)

وإذ لم يُعلق الجيش الأميركي على الفور، بخصوص هذه الضربات، التي تُعد الأولى في السنة الجديدة، كان قد ختتم السنة المنصرمة في 31 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، باستهداف منشآت عسكرية خاضعة للحوثيين في صنعاء بـ12 ضربة.

وذكرت وسائل الإعلام الحوثية حينها أن الضربات استهدفت «مجمع العرضي»؛ حيث مباني وزارة الدفاع اليمنية الخاضعة للجماعة في صنعاء، و«مجمع 22 مايو» العسكري؛ والمعروف شعبياً بـ«معسكر الصيانة».

106 قتلى

مع ادعاء الجماعة الحوثية أنها تشن هجماتها ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن وباتجاه إسرائيل، ابتداء من 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، في سياق مناصرتها للفلسطينيين في غزة، كان زعيمها عبد الملك الحوثي قد اعترف، في آخِر خُطبه الأسبوعية، الخميس الماضي، باستقبال 931 غارة جوية وقصفاً بحرياً، خلال عام من التدخل الأميركي، وأن ذلك أدى إلى مقتل 106 أشخاص، وإصابة 314 آخرين.

وكانت الولايات المتحدة قد أنشأت، في ديسمبر 2023، تحالفاً سمّته «حارس الازدهار»؛ ردّاً على هجمات الحوثيين ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن، قبل أن تشنّ ضرباتها الجوية ابتداء من 12 يناير (كانون الثاني) 2024، بمشاركة بريطانيا في بعض المرات؛ أملاً في إضعاف قدرات الجماعة الهجومية.

دخان يتصاعد من موقع عسكري في صنعاء خاضع للحوثيين على أثر ضربة أميركية (أ.ف.ب)

واستهدفت الضربات مواقع في صنعاء وصعدة وإب وتعز وذمار، في حين استأثرت الحديدة الساحلية بأغلبية الضربات، كما لجأت واشنطن إلى استخدام القاذفات الشبحية، لأول مرة، لاستهداف المواقع الحوثية المحصَّنة، غير أن كل ذلك لم يمنع تصاعد عمليات الجماعة التي تبنّت مهاجمة أكثر من 211 سفينة منذ نوفمبر 2023.

وأدّت هجمات الحوثيين إلى إصابة عشرات السفن بأضرار، وغرق سفينتين، وقرصنة ثالثة، ومقتل 3 بحارة، فضلاً عن تقديرات بتراجع مرور السفن التجارية عبر باب المندب، بنسبة أعلى من 50 في المائة.

4 ضربات إسرائيلية

رداً على تصعيد الحوثيين، الذين شنوا مئات الهجمات بالصواريخ والطائرات المُسيرة باتجاه إسرائيل، ردّت الأخيرة بأربع موجات من الضربات الانتقامية حتى الآن، وهدد قادتها السياسيون والعسكريون الجماعة الحوثية بمصير مُشابه لحركة «حماس» و«حزب الله» اللبناني، مع الوعيد باستهداف البنية التحتية في مناطق سيطرة الجماعة.

ومع توقع أن تُواصل الجماعة الحوثية هجماتها، لا يستبعد المراقبون أن تُوسِّع إسرائيل ردها الانتقامي، على الرغم من أن الهجمات ضدها لم يكن لها أي تأثير هجومي ملموس، باستثناء مُسيَّرة قتلت شخصاً بعد انفجارها بشقة في تل أبيب يوم 19 يوليو (تموز) الماضي.

كذلك تضررت مدرسة إسرائيلية بشكل كبير، جراء انفجار رأس صاروخ، في 19 ديسمبر الماضي، وإصابة نحو 23 شخصاً جراء صاروخ آخر انفجر في 21 من الشهر نفسه.

زجاج متناثر في مطار صنعاء الدولي بعد الغارات الجوية الإسرائيلية (أ.ب)

واستدعت هذه الهجمات الحوثية من إسرائيل الرد، في 20 يوليو الماضي، مستهدفة مستودعات للوقود في ميناء الحديدة، ما أدى إلى مقتل 6 أشخاص، وإصابة نحو 80 آخرين.

وفي 29 سبتمبر (أيلول) الماضي، قصفت إسرائيل مستودعات للوقود في كل من الحديدة وميناء رأس عيسى، كما استهدفت محطتيْ توليد كهرباء في الحديدة، إضافة إلى مطار المدينة الخارج عن الخدمة منذ سنوات، وأسفرت هذه الغارات عن مقتل 4 أشخاص، وإصابة نحو 30 شخصاً.

وتكررت الضربات، في 19 ديسمبر الماضي؛ إذ شنّ الطيران الإسرائيلي نحو 14 غارة على مواني الحديدة الثلاثة، الخاضعة للحوثيين غرب اليمن، وعلى محطتين لتوليد الكهرباء في صنعاء؛ ما أدى إلى مقتل 9 أشخاص، وإصابة 3 آخرين.

وفي المرة الرابعة من الضربات الانتقامية في 26 ديسمبر الماضي، استهدفت تل أبيب، لأول مرة، مطار صنعاء، وضربت في المدينة محطة كهرباء للمرة الثانية، كما استهدفت محطة كهرباء في الحديدة وميناء رأس عيسى النفطي، وهي الضربات التي أدت إلى مقتل 6 أشخاص، وإصابة أكثر من 40، وفق ما اعترفت به السلطات الصحية الخاضعة للجماعة.