أزمة الكهرباء تشعل الاحتجاجات في شمال لبنان

إعلان البواخر التركية عن استئناف الإنتاج لم يحسّن التغذية

TT

أزمة الكهرباء تشعل الاحتجاجات في شمال لبنان

سيطر هدوء حذر على مدينة طرابلس في شمال لبنان، أمس، عقب احتجاجات اندلعت على خلفية احتجاج والد طفلة لم تتمكن عائلتها من تأمين الكهرباء لماكينة تزودها بالأكسجين، بموازاة تراجع التغذية الكهربائية عبر محطات الإنتاج والشبكة الرديفة، على الرغم من إعلان الشركة المالكة لبواخر الكهرباء التركية أنها استأنفت الإنتاج، في «بادرة حسن نية».
وتدهور الوضع الأمني في طرابلس تضامناً مع والد طفلة تفاقم وضعها الصحي نتيجة انقطاع الكهرباء وهي تعاني من نقص في الأكسجين. وقالت مصادر ميدانية في طرابلس إن الشبان الغاضبين تضامنوا مع والد الطفلة، وقطعوا الطرقات، وأجبروا المحال التجارية على الإقفال، احتجاجاً على انقطاع الكهرباء، قبل أن يتدخل الجيش لإعادة فتح الطرقات.
وأقفل المحتجون الشوارع، وعرقلوا آليات الجيش اللبناني التي حاولت فتح الطرقات، وسط إطلاق نار في الهواء لإبعاد المحتجين الذين حاولوا منع الجيش من الدخول إلى أحياء أغلقوها في شارع سوريا في باب التبانة، وطرق الريفا في القبة، وعزمي وسط طرابلس وأبي سمرا، وسط حالة فوضى ومعلومات عن ظهور مسلح من قبل المحتجين. وتناقل السكان مقاطع فيديو لآليات للجيش تحاول فتح الطرقات، وصوراً أخرى لعناصر عسكرية تطلق النار في الهواء لتتمكن من الخروج من الأحياء.
وعلى الفور، وصلت تعزيزات للجيش، وبدأت بتسيير دوريات في المناطق التي شهدت إطلاق نار، وأعادت فرض الأمن في المنطقة. وبعدها، انتقل المحتجون إلى شركة كهرباء قاديشا، لمحاولة إجبار الموظفين على تغذية أحيائهم بالكهرباء، قبل أن تصل وحدات الجيش، وتجبرهم على الخروج من الشركة.
وتفاقمت المعاناة في شمال لبنان على أثر ارتفاع سعر صرف الدولار والمواد الغذائية، وتردي الأوضاع المعيشية، وفقدان المحروقات والأدوية، وتردي الخدمات، في ظل الحر الشديد وانقطاع التيار الكهربائي.
وقال رئيس بلدية طرابلس، رياض يمق، بعد الظهر، ‘ن الوضع في المدينة خرج عن السيطرة، قبل أن يعلن أن الجيش اللبناني سيطر على الوضع، وأعاد الأمور إلى طبيعتها، مع توقف إطلاق النار في المدينة.
ويعاني لبنان من أسوأ أزمة مرتبطة بالتغذية الكهربائية، حيث أدى التأخير في تزويد محطات الإنتاج بالفيول، نتيجة النقص في السيولة بالدولار الأميركي لدى الحكومة ومصرف لبنان، إلى توقف معامل الإنتاج. كما ازدادت الأزمة عندما توقفت المحطات العائمة المستأجرة من قبل الحكومة لتوليد الكهرباء عن الإنتاج.
ولم تتحسن ظروف التغذية، على الرغم من إعلان شركة الطاقة التركية «كارباور شيب»، أول من أمس (الثلاثاء)، عن استئناف تزويد لبنان بالكهرباء، من خلال سفينتي التوليد التابعتين لها «فاطمة غول» و«أورهان باي»، في بادرة حسن نية، علماً بأن للشركة عائدات مالية في ذمة الدولة اللبنانية لم تدفع لها بسبب ملفات قضائية مرتبطة بالفساد، ودفع الشركة عمولات مالية مقابل العقد.
وقالت الشركة، في بيان أصدرته، إنها بدأت توريد الكهرباء الثلاثاء، لافتة إلى أنها «تتفهم بشدة التحديات الهائلة التي يواجهها لبنان في الوقت الراهن، وأنها ستثبت دعمها المستمر في أقرب وقت ممكن».
وكانت الشركة التركية قد أعلنت، في مايو (أيار) الماضي، عن وقف تشغيل سفينتي التوليد وإمداد لبنان بالكهرباء بسبب عدم تسوية الخلافات حول مستحقاتها، ووجود مخاطر قانونية. وتقول الشركة إن لها أكثر من 100 مليون دولار مستحقة لدى الجانب اللبناني، وتضيف: «على الرغم من الأحداث المحبطة خلال الشهر الماضي، تجدد (كارباور شيب) التزامها بالتوصل إلى حل عملي للخلافات».
وتوفر محطات الكهرباء الحكومية التيار لمدة ساعتين يومياً، في حين يحصل اللبنانيون على احتياجاتهم باقي اليوم من وحدات توليد خاصة.
وكان النائب العام المالي اللبناني قد أمر باحتجاز وحدتي التوليد التابعتين لشركة «كارباور شيب» التركية لحين التحقيق في تجديد عقود معها.
وتوفر الشركة التركية 400 ميغاوات من الطاقة، وترسو وحدتاها قبالة سواحل لبنان على البحر المتوسط منذ عام 2013. وبحسب وسائل إعلام محلية، فإن استئناف إمدادات الكهرباء من الشركة التركية يعني زيادة فترات توافر التيار الكهربائي للبنانيين، بما يتراوح بين 4 و6 ساعات يومياً.



​«هدنة غزة»: هل تسرّع نتائج الانتخابات الأميركية جهود الوسطاء؟

امرأة فلسطينية تبكي على أقاربها الذين قُتلوا في غارة إسرائيلية على خيام النزوح بدير البلح وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
امرأة فلسطينية تبكي على أقاربها الذين قُتلوا في غارة إسرائيلية على خيام النزوح بدير البلح وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

​«هدنة غزة»: هل تسرّع نتائج الانتخابات الأميركية جهود الوسطاء؟

امرأة فلسطينية تبكي على أقاربها الذين قُتلوا في غارة إسرائيلية على خيام النزوح بدير البلح وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
امرأة فلسطينية تبكي على أقاربها الذين قُتلوا في غارة إسرائيلية على خيام النزوح بدير البلح وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

يعول كثيرون على نتائج الانتخابات الأميركية، التي ستقود المرشح الجمهوري دونالد ترمب أو نظيرته الديمقراطية كامالا هاريس للبيت الأبيض، في إنجاز صفقة الرهائن، وإنهاء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة بعد نحو عام راوحت المفاوضات مكانها، وسط مطالبات لنحو 50 دولة بوقف تسليح إسرائيل.

تلك النتائج التي يترقبها، لا سيما دولتا الوساطة مصر وقطر، وطرفا الحرب «حماس»، ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وفق خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، قد تؤثر بشكل كبير على مسار المفاوضات بغزة، وتسرع من وتيرة إبرام الوسطاء صفقة تنهي أطول حرب بين الجانبين، لافتين إلى وجود حراك دولي وعربي نحو إتمام حل دائم للأزمة في القطاع، يظهر مع القمة العربية الإسلامية الوشيكة في 11 نوفمبر (تشرين الثاني)، والجهود الدولية لوقف تسليح إسرائيل.

وفتحت مراكز الاقتراع، الثلاثاء، أبوابها أمام الناخبين الأميركيين بالانتخابات التي تُجرى لاختيار الرئيس الـ47 للولايات المتحدة، بعد أيام كانت قضية غزة هي مثار حديث كلا المرشحين في حملاتهما الانتخابية في محاولة لخطب ود الأميركيين العرب الذين يقدر عددهم بنحو 3.7 مليون من أصل 337 مليون نسمة يعيشون في الولايات المتحدة، ويعد اللبنانيون أكبر جالية عربية بينهم، وفق تقديرات المعهد العربي الأميركي (غير حكومي).

وأكدت هاريس، الأحد، في خطاب «الحاجة لإنهاء الحرب وإطلاق سراح الرهائن»، وتعهدت بـ«بذل كل ما في وسعها من أجل حلّ الدولتين، ومنح الفلسطينيين حقّهم في تقرير المصير والأمن والاستقرار».

وتعهد ترمب، في تغريدة أواخر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي بأنه سيحل السلام بالشرق الأوسط، وسيوقف المعاناة والدمار في لبنان إذا عاد إلى البيت الأبيض، في حين نقلت صحيفة «تايمز أوف إسرائيل» عن مصدرين مطلعين قولهما إن الرئيس الأميركي السابق أخبر نتنياهو أنه يريد أن تضع إسرائيل حداً لحربها في غزة بحلول موعد تسلمه للسلطة إذا فاز في الانتخابات.

وعشية الانتخابات الأميركية، طالب أكثر من 50 دولة مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة باتخاذ خطوات فورية لوقف بيع أو نقل الأسلحة إلى إسرائيل، وفق رسالة موجهة إلى الهيئتين التابعتين للأمم المتحدة والأمين العام أنطونيو غوتيريش: «اتهمت إسرائيل بانتهاك القوانين الدولية بشكل مستمر في غزة وبقية الأراضي الفلسطينية، وكذلك في لبنان وبقية الشرق الأوسط».

أطفال فلسطينيون يجمعون الدقيق من الأرض بعد سقوط كيس من شاحنة مساعدات كانت تسير على طريق صلاح الدين في دير البلح وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

وبالمقابل، ندّد مندوب إسرائيل لدى الأمم المتحدة داني دانون، بطلب الحظر، ووصف على منصة «إكس» ذلك الطلب بأنه «تحرك آخر من محور الشر ضد إسرائيل على الساحة الدولية».

غير أن هذا التحرك، وفق المحلل السياسي الأميركي، مايكل مورغان، يأتي ضمن «حراك عربي ودولي يريد وقف الحرب فوراً بغزة ولبنان، وقد تساعد تلك المطالبات وغيرها في إنهاء ذلك، لا سيما بعد الانتخابات الأميركية التي يعول على نتائجها في حسم استقرار المنطقة».

ويتوقع الأكاديمي المصري المتخصص في الشؤون الإسرائيلية، الدكتور أحمد فؤاد أنور، تسريع جهود الوسطاء في إنهاء الحرب بغزة بعد إعلان الفائز بالسباق الرئاسي، مرجعاً ذلك إلى «رغبة الإدارة الأميركية الجديدة أياً كانت في تحقيق استقرار في المنطقة تحقيقاً للوعود، ويعلم الجانبان؛ الإسرائيلي ومعسكر المقاومة ذلك وربما يستعدان».

وتحرك الـ50 دولة لحظر تسليح إسرائيل، ينضم لحراك مصري باستضافة القاهرة على مدار الأيام الماضية اجتماعات «حماس» و«فتح» للتحضير لليوم التالي للحرب، وإنشاء لجنة لإدارة قطاع غزة، بجانب قمة عربية إسلامية مرتقبة بالرياض ستحمل فرصاً أخرى لتسريع حل أزمة غزة، وفق أنور الذي أكد أنها مؤشرات تقول إن ثمة انفراجة محتملة، واستعدادات عربية ودولية لإنهاء الأزمة بالمنطقة.

بالمقابل، يعتقد المحلل السياسي الأردني، صلاح العبادي، أن موقف الدول الخمسين «لن يكون مؤثراً على الدول المزودة لإسرائيل بالأسلحة؛ على اعتبار أن إسرائيل تحظى بدعم أميركي ودعم غربي واضح في الاتجاهات كافة»، غير أنه «قد يشكل ضغطاً على الجانب الإسرائيلي يسهم في تسريع إنهاء الحرب».

وتزامناً مع الانتخابات الأميركية نشرت صحيفة «واشنطن تايمز» مقالاً لوزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي بعنوان «حل الدولتين ممكن بين الفلسطينيين وإسرائيل»، في إطار المساعي المصرية لحشد المجتمع الدولي لإقامة دولة فلسطينية مستقلة، وفق إفادة الخارجية المصرية، الثلاثاء.

وشدّد وزير الخارجية المصري على أنه «يجب التعامل مع الأسباب الجذرية للصراع وليس أعراضه، من خلال إنهاء احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية، وممارسة الفلسطينيين حقهم في تقرير المصير»، مؤكداً أن «مصر تواصل العمل لتحقيق هذه الغاية».

وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أكد في لقاء بالقاهرة الاثنين مع نظيره الفلسطيني، محمود عباس: «استمرار الجهود المصرية المكثفة والهادفة للتهدئة ووقف إطلاق النار، وإنفاذ المساعدات الإنسانية، ودعم مصر للسلطة الفلسطينية، وبذل جهود كبيرة لمساعدة الأشقاء في الوصول لتفاهمات وتوافق في الرؤى بين جميع أطياف الشعب الفلسطيني، لضمان مواجهة التحديات الجسيمة والتهديدات التي تواجهها القضية الفلسطينية».

وباعتقاد مورغان، فإن الموقف المصري ثابت في دعم القضية الفلسطينية وإقامة دولة مستقلة، مؤكداً أن المطالبة المستمرة بحل الدولتين يشكل نوعاً من الضغط على ترمب وهاريس، لكنه سيواجه بتعنت إسرائيلي، وربما يقود لصفقة وقف إطلاق نار على الأقل لتفادي تلك المطالبة.

ويرى الأكاديمي المصري فؤاد أنور، أن «مطلب حل الدولتين بات يلاقي جدية في الطرح أكثر مما سبق خلال السنوات الماضية»، متوقعاً أن «تكون هناك مساع لإعلان قيام دولة فلسطينية من جانب واحد، وذلك في سياق طبيعي بعد التضحيات الكبيرة التي قدمتها فلسطين بالحرب الحالية».

ووفق المحلل السياسي الأردني، صلاح العبادي، فإن «ما ذهب إليه وزير الخارجية المصري في مقاله هو عين الصواب، وهو يشدّد على تمسك الدبلوماسية المصرية برؤيتها الواضحة والثاقبة تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، المتمثل في إقامة الدولة الفلسطينية».

ويؤكد أن «مصر تلعب دوراً دبلوماسياً كبيراً في التأثير على المجتمع الدولي تجاه القضية الفلسطينية وإنهاء الحرب على غزة، خصوصاً أن الدبلوماسية المصرية تتوافق مع الدبلوماسية الأردنية، وهناك تنسيق مشترك بينهما على صعيد تحشيد الدعم الدولي للقضية الفلسطينية»، وأن «حل الدولتين أمر ممكن لكنه مرهون بحزمة من الإجراءات التوافقية لإنهاء القضايا الخلافية، والتوصل إلى قرار ملزم للجانبين».