مؤسسة «حزب الله» المالية تحتل دور المصارف بدعم المشاريع الصغيرة

«القرض الحسن» تصرف القروض... وجدل حول طبيعتها القانونية

TT

مؤسسة «حزب الله» المالية تحتل دور المصارف بدعم المشاريع الصغيرة

بدأ «حزب الله» اللبناني في الاستحواذ على الدور الذي كانت تضطلع به المصارف اللبنانية والمؤسسات الرسمية قبل الأزمة لناحية دعم المشاريع الصغيرة، عبر تمويل «آلاف المشاريع» من خلال مؤسسته المالية «القرض الحسن»، بغرض «دعم القطاع الإنتاجي»، بحسب ما كشف أحد أعضاء كتلته البرلمانية النائب حسن فضل الله أمس.
ولطالما اضطلعت المصارف اللبنانية بهذا الدور، كذلك المؤسسات الرسمية، ومن ضمنها «مصرف لبنان» الذي تدخل منذ عام 2011 بتخصيص حزم من الدعم للمشاريع الصناعية والزراعية عبر قروض متدنية الفوائد، وناهزت الـ400 مليون دولار سنوياً، بغرض تنشيط الاقتصاد اللبناني. لكن هذه القروض توقفت منذ عام 2019 بعد الأزمة المالية والاقتصادية التي ضربت البلاد، ونتيجة ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية، وتقلص النشاط المالي للمصارف.
ودخل «حزب الله» على خط تمويل هذه «المشاريع الإنتاجية» عبر جمعية «القرض الحسن»، وهي مؤسسته المالية التي توفر القروض بلا فوائد مقابل رهن الذهب لآلاف اللبنانيين عبر 31 فرعاً ينتشر معظمها في مناطق تسكنها أغلبية من الطائفة الشيعية، وتخضع مؤسسة «القرض الحسن» للعقوبات الأميركية.
وقال النائب فضل الله، في مقابلة إذاعية أمس، إن «القرض الحسن» يوفر القروض للمشاريع الإنتاجية، في إشارة إلى المشاريع الزراعية والصناعية، وخصوصاً في مناطق شرق لبنان، وقال إن الجمعية ستعلن عن حزمة المشاريع قريباً. ورأى فضل الله، أن المشاريع التي يعمل عليها الحزب بهدف التخفيف من الضائقة الاقتصادية ليست حلاً دائماً؛ كون الحل يقع على عاتق الدولة. وإذ لفت إلى مشروع تأمين السلع الغذائية بأسعار مخفضة وتستفيد منه عشرات آلاف العائلات اللبنانية، قال إن «هناك آلاف المشاريع الصغيرة التي ستحصل على قروض ميسرة، بالإضافة إلى العديد من المشاريع التي لم يتم الإعلان عنها بعد».
وكان مسؤولون في الحزب تحدثوا في الأشهر الماضية عن «تمويل 300 مشروع إنتاجي صغير ودراسة تمويل ألفي طلب بقروض ميسرة» عبر «القرض الحسن».
وتقول مصادر ميدانية في بعلبك في شرق لبنان لـ«الشرق الأوسط»، إن القروض الإنتاجية «تتراوح قيمتها بين 3 آلاف و5 آلاف دولار»، وأنها خصصت «لمزارعين وصناعيين لافتتاح مشاريع صغيرة أو استصلاح أراض أو تأهيل شبكات الري وغيرها»، لافتة إلى أنها «قروض من غير فوائد».
وافتتحت المؤسسة في ثمانينات القرن الماضي، حيث تم تسجيلها بصفة جمعية خيرية، وتُعرف بأنها مؤسسة تكافل اجتماعي تمنح القروض من دون فوائد بالدولار الأميركي حصراً، مقابل رهن الذهب. ولا تخضع الجمعية للنظام المصرفي اللبناني ولا لقانون «النقد والتسليف» الذي يحكم علاقة المؤسسات المالية بمصرف لبنان المركزي. وأدرجتها وزارة الخزانة الأميركية على قائمتها السوداء في عام 2007.
ويحيط الالتباس القانوني بطبيعة الجمعية، بالنظر إلى أنه لم تتحدد طبيعتها القانونية بين ما إذا كانت جمعية أو جهازاً تسليفياً. ويقول الباحث القانوني الدكتور أنطوان صفير لـ«الشرق الأوسط»، إن الجمعيات التي لا تبغي الربح، قانوناً، «يحق لها منح القروض الصغيرة؛ لأنها تقدم الدعم من غير مقابل، ولكن عندما يتوسع الموضوع ليصبح كأنه جهاز تسليف مصرفي أو شركة مالية، فإنه يقع تحت طائلة قانون النقد والتسليف».
ويشير صفير إلى أن ما تقدمه «القرض الحسن» يتخطى كونها جمعية خيرية، ذلك أن القروض هنا «منظمة وتخضع لشروط وعقود بالتالي يجب أن تخضع للسلطات الرقابية، أي مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف والأصول التي ترعى هذه النشاطات».
ويؤكد صفير، أن موضوع «القرض الحسن» غير واضح من الناحية القانونية، ولم تتحرك السلطات الرقابية حتى الآن لتبيان ما إذا كانت جمعية تعطي القروض البسيطة (مايكرو)، أو باتت جهاز تسليف مثل المصارف»، مشدداً على ضرورة «تحديد ما تقوم به القرض الحسن ليبنى على الشيء مقتضاه، ويتخذ مصرف لبنان والجهات الرقابية موقفاً وتحديد طبيعتها وتنظيم عملها مثل المؤسسات الشبيهة».
ولا ترى مصادر مصرفية، أن نشاط «القرض الحسن» سيكون بديلاً عن المصارف اللبنانية، مشيرة إلى أنها «تقدم القروض البسيطة التي تقل قيمتها عن 5 آلاف دولار»، لافتة إلى أن حصة هذه القروض من القطاع المصرفي اللبناني «كانت قبل عام 2019 قليلة جداً، وكانت تستند بعض المصارف إلى صناديق عربية أو دولية لدعم الفلاحين وصغار الصناعيين فيها». أما المصارف بشكل عام «فإنها كانت تدعم بقروض أكبر، بينها القروض الصغيرة التي تتراوح قيمتها بين 10 و100 ألف دولار، والقروض التجارية والصناعية الضخمة».
وبلغت نسبة التسليفات الممنوحة للقطاعات الإنتاجية من قبل المصارف اللبنانية في عام 2018 نحو 100 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، بحسب ما ورد في التقرير السنوي لجمعية المصارف في عام 2018، علماً بأن حجم التسليفات للزبائن تراجع في العام 2018 1 في المائة عما كان عليه في عام 2017 وبلغ 58.91 مليار دولار في عام 2018، نتيجة الجمود الاقتصادي، إضافة إلى ارتفاع معدلات الفائدة المدينة في سوق بيروت بدءاً من ديسمبر (كانون الأول) 2017 والتي جاءت في موازاة ارتفاع الفائدة الدائنة لاجتذاب الودائع والمحافظة عليها.



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».