د. محمد مختار جمعة لـ «الشرق الأوسط»: المساجد للدعوة وليست للسياسة

وزير الأوقاف المصري الدكتور محمد مختار جمعة («الشرق الأوسط»)
وزير الأوقاف المصري الدكتور محمد مختار جمعة («الشرق الأوسط»)
TT

د. محمد مختار جمعة لـ «الشرق الأوسط»: المساجد للدعوة وليست للسياسة

وزير الأوقاف المصري الدكتور محمد مختار جمعة («الشرق الأوسط»)
وزير الأوقاف المصري الدكتور محمد مختار جمعة («الشرق الأوسط»)

أكد الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف المصري، أن رسالة الوزارة هي إعمار المساجد بضوابط شرعية ودعوية ووطنية لا إغلاقها. وقال إنه أصدر «قرارا بإلغاء جميع تصاريح الخطابة الخاصة بخطباء المكافأة، وذلك لمنع صعود غير الأزهريين على منابر المساجد الحكومية والأهلية».
و عين الدكتور جمعة (64 عاما) وزيرا للأوقاف في أول حكومة جرى تشكيلها في 17 يوليو (تموز) الماضي برئاسة الدكتور حازم الببلاوي، بعد عزل الرئيس السابق محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين. ويمثل الدكتور جمعة رمزا للمنهج الأزهري الوسطي المعتدل، بعد نحو عام عانى فيه الخطاب الدعوي لوزارة الأوقاف من توجه حزبي وديني معين واتهامات بـ«أسلفة وأخونة» الأوقاف والدعاة والأئمة في عهد وزير الأوقاف السابق الدكتور طلعت عفيفي، نائب رئيس هيئة الشريعة للحقوق والإصلاح السلفية، والذي أثار اختياره وزيرا للأوقاف في أغسطس (آب) من العام الماضي الجدل داخل الوسط الديني في مصر، بعد قيام الدكتور هشام قنديل، رئيس الحكومة وقتها، بتكليف الدكتور أسامة العبد، رئيس جامعة الأزهر، لشغل منصب وزير الأوقاف، إلا أنه تراجع عن ذلك في محاولة لاسترضاء السلفيين و«الإخوان»، وقام بإسناد حقيبة الأوقاف لعفيفي.
وقال الدكتور جمعة في حوار مع «الشرق الأوسط» في القاهرة، إنه يجري «تشكيل لجنة بالوزارة للمساجد الكبرى لمتابعة ما يحدث ببعضها من الخروج عن دورها في الدعوة والتوجه بها إلى العمل السياسي أو الحزبي، وتحويل أي مسؤول عن هذه الأعمال للمساءلة حال ثبوت قيامه بالإساءة لاستخدام المنابر».
وتحاول وزارة الأوقاف مواجهة حالة انفلات دعوي عمت المساجد في مصر بعد عامين من ثورة «25 يناير (كانون الثاني)»، وبغرض إبعاد المساجد عن الصراعات السياسية بين الأحزاب. وقال الدكتور مختار جمعة، إن «هذه الإجراءات الأخيرة تأتي في سياق حملة الأوقاف لمنع تسخير المنابر للترويج لمواقف سياسية». وفي ما يلي نص الحوار.
* أصدرت قرارا جريئا بإلغاء جميع تصاريح الخطابة الخاصة بخطباء المكافأة من غير الأزهريين.. كيف كان ذلك؟
- هذا القرار لمنع صعود غير الأزهريين منابر المساجد الحكومية والأهلية.. ستعاد هيكلة وتجديد التراخيص التي منحت لغير الأزهريين في السابق، والتثبت من علمهم وقدرتهم على العطاء. وأي تصريح سابق أصبح كالعدم طالما لم يجري تجديده من الوزارة خلال شهرين. فالوزارة تفتح الباب أمام جميع الأزهريين للحصول على تصريح للخطابة، على أن يقدموا صورة من المؤهل الأزهري، وسيجري ربط التصاريح الجديدة بالرقم القومي، وسيتم سد العجز في خطباء المساجد بالتنسيق مع الوعظ في الأزهر.
* وهل لدى الوزارة ما يكفي من الأئمة لسد العجز في المساجد التي سوف تخلو من غير الأزهريين؟
- نعم لدى الوزارة ما يكفي لسد عجز الدعاة غير المؤهلين من خلال الاستعانة بالكفاءات وخريجي الأزهر الشريف والوعاظ.
* وما الهدف من ذلك؟
- وزارة الأوقاف لا تقصي أحدا بناء على هويته السياسية، وليس هناك توقيف أو إقصاء لأي خطيب أو إمام أو أي عامل بوزارة الأوقاف وفقا للقرار. لكن نسعى لأن تكون المساجد للدعوة والعبادة بناء على وسطية الأزهر الشريف.
* هناك الكثير من المعاهد التي تخرج الدعاة.. ما مصيرها؟
- لن نعترف بأي معاهد لإعداد الدعاة لا تخضع للإشراف الكامل للوزارة من حيث اختيار العمداء والأساتذة والمناهج والكتب الدراسية، لأن الوزارة ترغب في نشر الوسطية والاعتدال وسماحة الإسلام. أما أي معاهد تختار كتبا دراسية تابعة لتيارات بعينها فلن تعترف الوزارة إطلاقا بهذه المعاهد التي لا تتبع منهج الأزهر والأوقاف، فالوزارة ليس لها سلطة إغلاق هذه المعاهد، لكنها لن تعترف بأي خريج منها، والوزارة لديها 19 معهدا فقط، ونلزم المعاهد التي نعترف بها بأن تضع التصريح الخاص بموافقة الأوقاف في لوحة واضحة بالمعهد.
* أثار قرارك بمنع إقامة صلاة الجمعة في الزوايا الصغيرة وقصرها على المساجد الكبيرة جدلا بين تيار الإسلام السياسي في مصر ما وجهة نظرك في ذلك؟
- أصدرت تعليماتي لكل وكلاء الوزارة بنقل الأئمة الموجودين بالزوايا الصغيرة للمساجد الكبرى، وتجنب إقامة صلاة الجمعة بالزوايا وقصرها على المساجد الجامعة، فالوزارة تريد إسناد الأمر إلى أهله بالنسبة إلى خطب الجمعة، حتى لا تتشتت كلمة المسلمين، ولا يخطب فيهم غير المتخصصين، وذلك بعد أن لاحظنا تجرؤا على المساجد باتخاذها مكانا للنوم والراحة، وليست للعبادة والدعوة إلى الله، فضلا عن أن الزوايا الصغيرة التي تقام أسفل البنايات لا تنطبق عليها كلمة مسجد حسب إجماع العلماء، لأنه غير متوافر فيها شروط المسجد. ولدينا من الخطط والإجراءات ما يضمن التطبيق الأمثل في القريب العاجل، وجعل المساجد للعبادة والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، وإدارة كل مسجد مسؤولة مسؤولية قانونية وإجرائية حيال أي تجاوز قد يحدث.
* هل معنى هذا أن الوزارة ستغلق الزوايا الصغيرة؟
- الوزارة لن تغلق أي مسجد، وكل مسجد بني لله سيظل مسجدا إلى قيام الساعة، لكن صلاة الجمعة لا بد أن تقام في المسجد الجامع، ومنع إقامة صلاة الجمعة في الزوايا التي تقل مساحتها عن 80 مترا، إلا بموافقة من وكيل الوزارة لشؤون الدعوة.
* بعض الأئمة يقوم بإنابة غيره في خطبة الجمعة ماذا ستفعلون حيال ذلك؟
- لا يجوز لأي واعظ كما لا يجوز لأي إمام أن ينيب عنه أحدا في الخطبة، إنما يرجع إلى مفتش المنطقة التابع لها المسجد لاتخاذ ما يلزم، وفى حالة الغياب بعذر والتنسيق مع المفتش يخصم بدل الخطبة التي لم تؤد، وفي حالة الغياب من دون عذر يخصم بدل خطبتين مع عمل كل الجزاءات القانونية التي تترتب على الغياب أو أخطاء خطبة البديل. وأنه في حالة تكرار الغياب من دون عذر يعد الواعظ معتذرا عن العمل مع الأوقاف ويرفع اسمه من الكشوف مع إخطار منطقته، وفي حالة عدم العجز يؤدي الوعاظ خطتهم الدعوية وفق واجبهم الوظيفي دون أي بدلات من الأوقاف إلا من يقبل العمل منهم في أقرب محافظة له.
* وهل الفترة المقبلة ستشهد متابعة للخطاب الديني بالمساجد خاصة الكبرى؟
- جرى تشكيل لجنة بالوزارة للمساجد الكبرى لمتابعة ما يحدث ببعضها من الخروج عن دورها في الدعوة والتوجه بها إلى العمل السياسي أو الحزبي، وتحويل أي مسؤول عن هذه الأعمال فورا للمساءلة حال ثبوت قيامه بالإساءة لاستخدام المنابر. فالوزارة ملك لأبنائها ولا مجال للعمل السياسي بوزارة الأوقاف، وإن المساجد للدعوة وليست للسياسة، ولا مكان للرموز والقيادات التي تنتمي لأي حزب في أي مفصل من المفاصل القيادية لوزارة الأوقاف، كما أنه سيجري ضرب الفساد في الوزارة بيد من حديد وتقديم أي مخالف إلى النيابة العامة والاهتمام الخاص بموضوع المساجد التي ضمت وهميا إلى الوزارة.
* البعض يجمع تبرعات في المساجد تحت أسانيد معينة.. كيف سيجري التصدي لهذه التبرعات غير المعلوم مصادر إنفاقها؟
- الوزارة أصدرت قرارا بمنع دفع أي أموال لأي جمعية أو لجنة في المساجد حتى لا تذهب هذه الأموال إلى جهات لا تتقي الله بمال الله، والوزارة شددت على هذا الأمر ومنعت أي شخص أو جهة تقوم بجمع التبرعات، إلا إذا كانت جهات رسمية والتبرع يكون من خلال إيصال معتمد. أما بالنسبة لإمامة المساجد الكبرى ومساجد النذور، فهناك لجنة لدراسة تنقلات الأئمة بين هذه المساجد، وإذا كان البعض لديه رصيد وشعبية في هذه المساجد، سيكون هناك فصل بين الإمامة وخطبة الجمعة.
* وهل هناك تنسيق بين وزارة الأوقاف والوعاظ في الأزهر الشريف؟
- تقرر معاملة الواعظ معاملة المؤهلات العليا الأزهرية من حيث مكافأة الخطبة وتثبيت الوعاظ في المساجد والأولوية للمساجد الحكومية ثم الأهلية الكبرى، وبالنسبة لقيادات الوعظ الراغبة في الاشتراك في هذا النظام التقدم بكشف عن طريق مدير عام الوعظ لمديرية الأوقاف التابع لها للإدراج في الخطة.
* القوات المسلحة قامت بمجهودات كبيرة لإعادة ترميم مسجد رابعة العدوية (مقر اعتصام أنصار الرئيس المعزول) بمدينة نصر.. ماذا تريد أن تقول في ذلك؟
- أريد أن أشيد بدور القوات المسلحة في تجديد مسجد رابعة العدوية في مدينة نصر، والذي كلف نحو 85 مليون جنيه، كما أحب أن أقول إن القوات المسلحة أيضا بادرت وأعلنت عن تجديد وترميم مسجد الفتح بميدان رمسيس بوسط القاهرة، وفي أسوان (بصعيد مصر) قامت القوات المسلحة ببناء ستة مساجد لأهالي النوبة.
* حدثنا عن حالة الإصلاح التي تشهدها وزارة الأوقاف في عهدك؟
- الإصلاح متواصل مع كل الجهات وعلى جميع الأصعدة داخل الوزارة في سبيل إعطاء التمييز والريادة لوزارة الأوقاف، لكونها وزارة إصلاحية توجيهية، حيث إنه إذا أصلح الله حالها فسينصلح حال الجميع.. ولا بد أن يمضي الإصلاح في كل اتجاه.. إصلاح الإدارة والداعية وهيئة الأوقاف المصرية والمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية.. وكل هذه الأمور نحاول الاجتهاد فيها. وفيما يخص تفعيل دور هيئة الأوقاف للمساهمة في خدمة المجتمع والاقتصاد الوطني، تقرر إقامة معارض لمنتجات مصنع السجاد التابع لهيئة الأوقاف بتخفيضات فعلية حقيقية.
* طالبت منذ توليكم الوزارة بضرورة الاستفادة بمكانة الأزهر الشريف في العالم لتغيير الصورة السلبية التي أخذت عن مصر بعد ثورة «30 يونيو».. حدثنا عن هذا؟
- بالفعل طالبت بضرورة الاستفادة من قوة الأزهر الناعمة ومكانة مصر وريادتها في العالم الإسلامي والعربي والأفريقي، من خلال تعزيز بعثات الأزهر والأوقاف في الخارج ورعاية الطلاب الوافدين للأزهر من أفريقيا وآسيا وتنظيم منتديات علمية وثقافية مشتركة لتعود لمصر ريادتها في العالم، وتوضيح الصورة السلبية التي نقلت عن مصر بعد 30 يونيو (حزيران) الماضي.
* حدثت وقيعة بين مؤسسة الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف خلال العام الماضي في فترة ولاية الوزير السابق.. ما خطتكم لعودة العلاقة مع الأزهر إلى سابق عهده؟
- أؤكد أهمية التنسيق الكامل بين الوزارة والأزهر الشريف في كل ما يتعلق بالدعوة والقضايا الوطنية، ونطرح فكرة دمج الأوقاف والإفتاء بالأزهر الشريف وتخصيص وكيل للإمام الأكبر لكل منهما لتنسيق جهود الدعوة في مصر.
* وهل هناك تعاون مع مشيخة الأزهر بعد عام من القطيعة؟
- فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، يترك لكل من وزير الأوقاف ومفتي مصر الصلاحيات الكاملة لإدارة ما يخصه على أن يجري التنسيق في مسائل الدعوة والقضايا الوطنية.
* نعيش في مرحلة اختلطت فيها الأوراق وأصبحت لغة الدماء تتحكم في كثير من القضايا.. من وجهة نظرك ما دور وزارة الأوقاف وهي تحمل عاتق الدعوة من منابرها؟
- الوزارة تدعم أي مصالحة وطنية جادة تحقن دماء المصريين جميعا، لأن دماءهم عزيزة ومحرمة ونرفض في الوقت نفسه محاولات الاعتداء على مؤسسات الدولة أو قطع الطرق أو ترويع الآمنين، ذلك لتعاليم الإسلام السمحة التي تهتم بقضاء حوائج الناس لا تعطيلها.
* وكيف ترى انخراط بعض الدعاة في السياسة؟
- على الرغم من المكاسب الكثيرة التي جنيناها من حرية الرأي والكلمة، فإن انشغال الناس خاصة العلماء والدعاة بالجوانب السياسية أكثر من قضايا الدين وتحول أكثر القنوات التي تقوم بالتربية والأخلاق إلى الشق السياسي وحياة الناس العامة بعيدا عن حفظ القرآن والشؤون الدينية، أوجد فجوة أخلاقية كبيرة في المجتمع.. فالمساجد قبل ثورة «25 يناير» كانت أكثر امتلاء من الآن، وهو ما جعلنا نتساءل ما الذي حدث؟ ونقف أمام أنفسنا أمام مسؤوليتنا الشرعية ونبحث ونركز على الجانب الروحي والأخلاقي والتربوي، فلو انفلتت منظومة القيم سنكون في خطر شديد، لأن هناك تغيرا كبيرا في سلوكيات كثير من الشباب بسبب الاستقطاب السياسي، وهو ما يؤكد أنه يجب علينا أن نركز على بث القيم الدينية والأخلاقية والتربوية حتى نجني ثمار ذلك مستقبلا، والنبي صلى الله عليه وسلم حدد الهدف الرئيس من الرسالة وهو مكارم الأخلاق، بالإضافة لثمرة العبادات والتي يظهر أثرها في السلوك.
* نعاني الآن من بعض الأفكار التي تدعو للتشدد والعنف خاصة في سيناء.. كيف يمكن أن نواجه هذه الأفكار؟
- الفقه عند أهل العلم هو التيسير، بدليل أنه لم يقل أحد من أهل العلم من القديم أو الحديث، إن الفقه هو التشدد، والشريعة الإسلامية قائمة على اليسر ورفع الحرج «وما جعل عليكم في الدين من حرج»، وما خير النبي بين أمرين إلا واختار أيسرهما ما لم يكن إثما أو قطيعة رحم، والرفق ما وضع في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه.. وعندما يتحدث العلماء عن الوسطية في الإسلام يظن المتشددون أن في هذا نوعا من التفريط أو التساهل في حق الدين، وهم على خطأ لأننا ننبذ التفريط قدر نبذنا للتشدد حتى لا تختل الموازنة. فالإسلام دين الوسطية واليسر فلا إفراط ولا تقصير، فلا نفرط في أي شيء من ثوابتنا حفاظا على وسطية الدين، والإسلام فتح باب الأمل واسعا وباب التوبة مفتوح دائما وأبدا أمام الجميع.
* وكيف نرتقي بلغة التعايش مع الآخر؟
- سماحة الإسلام ليست للمسلمين فقط، وإنما أرسل النبي محمد رحمة للعالمين ولم يقل إنه رحمة للمسلمين فقط، وهو ما يدعونا إلى العودة للغة التعايش التي دعا إليها الرسول وعلمنا إياها حينما عاد إلى مكة فاتحا فلم يعد منتقما أو غاضبا، ولكنه عاد مسامحا عافيا عن كل من أساء إليه.
* بعيدا عن السياسية، بماذا تنصح المصريين ونحن على أبواب موسم الحج؟
- لا شك أن الحج أحد أركان الإسلام الخمسة التي لا يكتمل إسلام المرء المستطيع بدنيا وماليا إلا بها، غير أن رحمة الله عز وجل بعباده ربطت الحج بالاستطاعة البدنية والمالية، فمن كانت نيته قائمة على الحج وقعد به عجزه البدني أو المالي بلغه الله درجة الحجيج بنيته الصادقة، وقد جعل الله للضعفاء وغير القادرين في الذكر والصلاة والقيام وسائر القربات والنوافل ما يسمو بهم إلى درجة الحجيج وأسمى، ما صدقت نياتهم وأخلصوا لله فيما ممكنهم منه. والله عز وجل جعل فريضة الحج مرة واحدة، وقد اقتضت حكمة الله عز وجل أن يكون الحج آخر أركان الإسلام فرضا على المسلمين.
وإذا كان بعض الناس يذكرنا بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم «تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة»، فإن ذلك مرتبط بحال الأمة ويسارها ووضع اقتصادها، فإذا كان الاقتصاد الوطني قويا متينا ليس في أبناء الوطن جائع لا يجد ما يسد جوعته، أو عار لا يجد ما يستر عورته، أو مريض لا يجد ما يتداوى به، فليحج الناس ما شاءوا أو ليعتمروا ما شاءوا. لكن إذا كان في الأمة أو الوطن فقير ومريض لا يكاد يجد ما يتداوى به إلا بشق الأنفس، وشاب لا يجد ما يعف به نفسه، فنقول إن فقه الأولويات يقتضي أن كل ذلك مقدم على حج النافلة وعمرة النافلة. فأمة لا تملك كامل قوتها، أو كامل دوائها، أو وسائل أمنها من سلاح وعتاد، أولى بها أن تتوجه إلى سد هذه الجوانب قبل التفكير في حج النافلة وعمرة النافلة.
* وماذا عن المزاحمة في موسم الحج؟
- الحكمة والفقه يقتضيان أن يترك من أدى الفريضة الفرصة لغيره ممن لم يؤدها، فدرء المفسدة المتوقعة من كثرة الزحام مقدم على جلب المنفعة المترتبة على النوافل.
* وزير الأوقاف المصري في سطور
* محمد مختار جمعة وزير الأوقاف، هو عميد منتخب لكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنين بالقاهرة جامعة الأزهر، وعضو المكتب الفني لشيخ الأزهر الشريف.
* شارك الوزير في مؤتمرات إسلامية عربية ودولية، وله الكثير من الإسهامات العلمية والشرعية والأدبية، منها وضع مناهج اللغة العربية وآدابها لكليات التربية بسلطنة عمان وفي تطوير مناهجها. كما شارك في مؤتمر الإسلام في أفريقيا بالسودان وفي حفل تسلم جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام.
* حصل وزير الأوقاف على عضوية الكثير من الاتحادات المختصة في الأدب، منها اتحاد كتاب مصر ورابطة الأدب الإسلامي والرابطة العالمية لخريجي الأزهر، وله اهتمامات كبيرة بمجال التنمية البشرية التي حاضر في كثير من منتدياتها كداعية وأستاذ جامعي متخصص في العلوم الشرعية والأدبية.
* لوزير الأوقاف الكثير من المؤلفات في الأدب والشعر أبرزها، الأدب العربي في عصره الأول، والفكر النقدي في المثل السائر لابن الأثير في ضوء النقد الأدبي الحديث، والتمرد في شعر الجواهري.
* بعد تعيينه وزيرا للأوقاف رحبت به الأوساط الدينية في مصر نظرا لكونه مستقلا سياسيا وكونه عميدا منتخبا من أعضاء هيئة تدريس كلية الدراسات الإسلامية، وطالب باستقلال الأزهر مرارا، وطالب بميزانية مخصصة للأزهر ليؤدي رسالته على أكمل وجه.



الحوثيون يجهّزون لمحاكمة دفعة جديدة من موظفي الأمم المتحدة

محكمة يديرها الحوثيون أصدرت أحكاماً بإعدام 17 معتقلاً (إ.ب.أ)
محكمة يديرها الحوثيون أصدرت أحكاماً بإعدام 17 معتقلاً (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يجهّزون لمحاكمة دفعة جديدة من موظفي الأمم المتحدة

محكمة يديرها الحوثيون أصدرت أحكاماً بإعدام 17 معتقلاً (إ.ب.أ)
محكمة يديرها الحوثيون أصدرت أحكاماً بإعدام 17 معتقلاً (إ.ب.أ)

فيما تواصل الجماعة الحوثية تجاهل الدعوات الدولية المطالِبة بوقف ملاحقة موظفي المنظمات الدولية والإغاثية، كشفت مصادر قضائية عن استعداد الجماعة لإحالة دفعة جديدة من موظفي الأمم المتحدة والعاملين لدى منظمات إغاثية دولية ومحلية، إضافة إلى أفراد من بعثات دبلوماسية، إلى المحاكمة أمام محكمة متخصصة بقضايا «الإرهاب».

يأتي ذلك بالتزامن مع إعلان محامٍ يمني بارز، تولّى منذ سنوات الدفاع عن عشرات المعتقلين لدى الحوثيين، دخوله في إضراب مفتوح عن الطعام احتجاجاً على استمرار اعتقاله ووضعه في زنزانة انفرادية منذ 3 أشهر، وفق ما أفاد به أفراد من أسرته.

وقالت المصادر القضائية لـ«الشرق الأوسط»، إن الجماعة بدأت فعلياً بمحاكمة 3 دفعات من المعتقلين، أُصدرت بحقهم حتى الآن أحكام إعدام بحق 17 شخصاً، في قضايا تتعلق باتهامات «التجسس» والتعاون مع أطراف خارجية. وأوضحت أن التحضيرات جارية لإحالة دفعة رابعة، تضم موظفين أمميين وعاملين في المجال الإنساني، إلى المحاكمة خلال الفترة المقبلة.

العشرات من موظفي الأمم المتحدة والمنظمات الإغاثية مهددون بأوامر الإعدام الحوثية (إعلام محلي)

وبحسب المصادر نفسها، فإن الحوثيين نقلوا العشرات من المعلمين والنشطاء في محافظة إب إلى العاصمة صنعاء، في خطوة وُصفت بأنها تمهيد لمحاكمتهم، بعد أشهر من اعتقالهم. وأكدت أن جهاز مخابرات الشرطة، الذي يقوده علي الحوثي نجل مؤسس الجماعة، بدأ بنقل أكثر من 100 معتقل من إب إلى صنعاء، عقب فترات تحقيق مطوّلة داخل سجن المخابرات في المحافظة.

وأشارت إلى أن المعتقلين حُرموا من توكيل محامين للدفاع عنهم، كما مُنعت أسرهم من زيارتهم أو التواصل معهم، رغم مرور أكثر من 6 أشهر على اعتقال بعضهم، في مخالفة صريحة لأبسط ضمانات العدالة والإجراءات القانونية.

دور أمني إيراني

وفق ما أفادت به المصادر في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، فإن خبراء أمن إيرانيين تولّوا الإشراف على حملات الاعتقال الواسعة، التي انطلقت بذريعة منع الاحتفال بالذكرى السنوية لثورة 26 سبتمبر (أيلول) 1962، التي أطاحت بحكم أسلاف الحوثيين في شمال اليمن. وانتهت تلك الحملات باعتقال العشرات بتهم «التجسس» لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل.

وأضافت أن إحكام القبضة الإيرانية على ملف المخابرات لدى الحوثيين، جاء في إطار احتواء الصراعات بين الأجهزة الأمنية المتعددة التابعة للجماعة، إلى جانب الإشراف على خطط تأمين قياداتها السياسية والعسكرية.

غير أن هذا الترتيب، بحسب المصادر، أدى إلى إغلاق معظم قنوات الوساطة القبلية التي كانت تُستخدم سابقاً للإفراج عن بعض المعتقلين، مقابل دفع فِدى مالية كبيرة وتقديم ضمانات اجتماعية بحسن السيرة.

إضراب محامي المعتقلين

في سياق هذه التطورات القمعية الحوثية، أعلن المحامي اليمني المعروف عبد المجيد صبرة، الذي تولّى الدفاع عن عشرات المعتقلين لدى الحوثيين، إضراباً عاماً عن الطعام، احتجاجاً على استمرار احتجازه منذ نهاية سبتمبر الماضي. ونقل شقيقه وليد صبرة، في نداء استغاثة، أنه تلقى اتصالاً مقتضباً من شقيقه أبلغه فيه ببدء الإضراب، وبأن إدارة سجن المخابرات أعادته إلى الزنزانة الانفرادية.

دفاع صبرة عن المعتقلين أغضب الحوثيين فاعتقلوه (إعلام محلي)

وأوضح وليد صبرة أن سبب اعتقال شقيقه يعود إلى منشور على مواقع التواصل الاجتماعي احتفى فيه بالذكرى السنوية لثورة 26 سبتمبر، مؤكداً أن الأسرة لا تعلم شيئاً عن وضعه الصحي، وأن طلباتهم المتكررة لزيارته قوبلت بالرفض. وتساءل عن مصير الفريق القانوني الذي كلفته نقابة المحامين بمتابعة القضية، وما إذا كان قد تمكّن من معرفة مكان احتجازه أو الجهة المسؤولة عنه.

وأثار إعلان الإضراب موجة تضامن واسعة، حيث عبّر عشرات الكتّاب والنشطاء عن دعمهم للمحامي صبرة، مطالبين بالإفراج الفوري عنه، وضمان حقه في الزيارة والرعاية الطبية.

كما ناشدوا نقابة المحامين، واتحاد المحامين اليمنيين والعرب، ومنظمات حقوق الإنسان، التدخل العاجل لحماية حياته، باعتباره أحد أبرز المدافعين عن الحريات والحقوق، وعن الصحافة والصحافيين، وعن المعتقلين والمختفين قسرياً، والمحكوم عليهم بالإعدام في مناطق سيطرة الحوثيين.


العليمي يشيد بجهود تحالف دعم الشرعية لخفض التصعيد شرق اليمن

جانب من لقاء العليمي في الرياض مع سفراء الدول الراعية للعملية السياسية باليمن (سبأ)
جانب من لقاء العليمي في الرياض مع سفراء الدول الراعية للعملية السياسية باليمن (سبأ)
TT

العليمي يشيد بجهود تحالف دعم الشرعية لخفض التصعيد شرق اليمن

جانب من لقاء العليمي في الرياض مع سفراء الدول الراعية للعملية السياسية باليمن (سبأ)
جانب من لقاء العليمي في الرياض مع سفراء الدول الراعية للعملية السياسية باليمن (سبأ)

شدّد رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي على أن الاستقرار السياسي يُعد شرطاً أساسياً لنجاح أي إصلاحات اقتصادية، في ظل تداعيات قرار صندوق النقد الدولي تعليق أنشطته في اليمن، مشيداً في الوقت ذاته بجهود تحالف دعم الشرعية بقيادة السعودية والإمارات لخفض التصعيد، وإعادة تطبيع الأوضاع في محافظات شرق البلاد.

جاءت تصريحات العليمي، الأحد، خلال اتصال أجراه بمحافظ البنك المركزي اليمني أحمد غالب، للاطلاع على المستجدات الاقتصادية والنقدية، والتداعيات المحتملة لقرار صندوق النقد الدولي تعليق أنشطته في اليمن، على خلفية الإجراءات الأحادية التي شهدتها المحافظات الشرقية في الأيام الماضية.

ونقل الإعلام الرسمي اليمني عن مصدر رئاسي أن العليمي استمع إلى إحاطة من محافظ البنك المركزي حول مستوى تنفيذ قرارات مجلس القيادة، وتوصياته الهادفة لمعالجة الاختلالات القائمة في عملية تحصيل الإيرادات العامة إلى حساب الحكومة في البنك المركزي، إضافة إلى عرض للمؤشرات المالية والنقدية، والجهود المطلوبة لاحتواء تداعيات القرار الدولي على استقرار سعر الصرف، وتدفق الوقود والسلع، وتحسين مستوى الخدمات الأساسية.

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (سبأ)

وأضاف المصدر أن الاتصال تطرق إلى تقييم شامل للأوضاع الاقتصادية الراهنة، وما يفرضه تعليق أنشطة صندوق النقد من تحديات تتطلب تنسيقاً حكومياً عاجلاً للحفاظ على الاستقرار سواء المالي أو النقدي، وضمان استمرار التزامات الدولة تجاه المواطنين.

وكانت مصادر يمنية رسمية ذكرت أن صندوق النقد الدولي قد أعلن تعليق أنشطته في اليمن، عقب التوتر الأمني في حضرموت والمهرة خلال الأيام الماضية، الأمر الذي أثار مخاوف من انعكاسات اقتصادية محتملة، في وقت تعتمد فيه الحكومة اليمنية على الدعم الخارجي والمؤسسات الدولية في تنفيذ برامج الاستقرار المالي والإصلاحات الاقتصادية.

إشادة بمساعي التهدئة

أفاد المصدر الرئاسي اليمني - حسب ما نقلته وكالة «سبأ» بأن العليمي أشاد بالمساعي التي يبذلها تحالف دعم الشرعية، بقيادة المملكة العربية السعودية والإمارات، لخفض التصعيد وإعادة تطبيع الأوضاع في محافظتي حضرموت والمهرة، مثمناً دعم الرياض للموازنة العامة، وتعزيز صمود مؤسسات الدولة، واستمرار الوفاء بالالتزامات الحتمية تجاه المواطنين.

جنود تابعون للمجلس الانتقالي الجنوبي في عدن يحرسون مدخل القصر الرئاسي (رويترز)

وأشار المصدر إلى أن العليمي عدّ إعلان صندوق النقد الدولي تعليق أنشطته في اليمن بمثابة «جرس إنذار»، يؤكد ارتباط الاستقرار الاقتصادي بالاستقرار السياسي، ويبرز أهمية توحيد الجهود لتفادي انعكاسات سلبية على الوضعين المالي والمعيشي.

كما جدّد رئيس مجلس القيادة التأكيد على أن الانسحاب الفوري للقوات الوافدة كافة من خارج محافظتي حضرموت والمهرة يُمثل الخيار الوحيد لإعادة تطبيع الأوضاع في المحافظات الشرقية، واستعادة مسار النمو والتعافي، وتعزيز الثقة مع مجتمع المانحين والمؤسسات الدولية.

توحيد الجهود

يأتي اتصال العليمي بمحافظ البنك المركزي عقب لقاء عضو مجلس القيادة الرئاسي عيدروس الزُّبيدي (رئيس مجلس الانتقالي الجنوبي) في العاصمة المؤقتة عدن بقيادة القوات المشتركة لتحالف دعم الشرعية، برئاسة اللواء الركن سلطان العنزي، واللواء الركن عوض الأحبابي.

وكان اللقاء ناقش - حسب الإعلام الرسمي اليمني - سُبل توحيد الجهود في مواجهة المخاطر التي تهدد أمن المنطقة والإقليم، وتمس المصالح الدولية، وتهدد حرية الملاحة، إلى جانب آليات تعزيز جهود مكافحة الإرهاب، وتجفيف منابع تمويله، والتنسيق مع الشركاء الدوليين لوقف تهريب الأسلحة إلى الجماعات الإرهابية.

اجتماع وفد عسكري سعودي إماراتي في عدن مع رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي (سبأ)

وأكد الزُّبيدي خلال اللقاء عمق ومتانة العلاقات الأخوية مع دول التحالف، مثمناً الدور الذي تقوم به في دعم القوات المسلحة، ومواجهة الميليشيات الحوثية، ومكافحة الإرهاب. وفق ما أورده الإعلام الرسمي.

وعقب هذا اللقاء كانت القيادة التنفيذية العليا للمجلس الانتقالي الجنوبي عقدت اجتماعها الدوري برئاسة الزبيدي، واستعرضت نتائج اللقاء مع قيادة القوات المشتركة للتحالف، وما خرج به من تفاهمات لتعزيز الأمن والاستقرار، ومكافحة الإرهاب، وتأمين خطوط الملاحة وحماية الأمن البحري، إضافة إلى الأوضاع في وادي حضرموت والمهرة، والجهود المبذولة لتطبيع الأوضاع، وحفظ السكينة العامة.


«ادفع أو أُغلق»... الحوثيون يشنّون حرب جبايات تخنق صنعاء

مبنى وزارة الصناعة والتجارة الخاضع للحوثيين في صنعاء (فيسبوك)
مبنى وزارة الصناعة والتجارة الخاضع للحوثيين في صنعاء (فيسبوك)
TT

«ادفع أو أُغلق»... الحوثيون يشنّون حرب جبايات تخنق صنعاء

مبنى وزارة الصناعة والتجارة الخاضع للحوثيين في صنعاء (فيسبوك)
مبنى وزارة الصناعة والتجارة الخاضع للحوثيين في صنعاء (فيسبوك)

أغلقت الجماعة الحوثية خلال الشهر الماضي 98 منشأة ومتجراً متنوعاً في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، في سياق تصعيدها لحملات الدهم والإغلاق وفرض الإتاوات التي تستهدف كبار التجار وأصحاب المتاجر الصغيرة على حد سواء، لإرغامهم على دفع جبايات مالية وعينية تحت مسميات متعددة، تُفاقم من هشاشة الاقتصاد المحلي، وتزيد من معاناة السكان.

وكشفت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط» عن تنفيذ نحو 40 لجنة ميدانية تتبع ما يُسمى مكتب الصناعة والتجارة الخاضع للجماعة الحوثية في صنعاء، عدة نزولات خلال 4 أسابيع، استهدفت بالدهم والإغلاق وفرض الإتاوات ما يقارب 683 منشأة تجارية في أحياء متفرقة من صنعاء، شملت أسواقاً مركزية، ومحال بيع بالتجزئة، ومطاعم ومخازن.

وأقرّ تقرير أولي صادر عن مكتب الصناعة والتجارة الخاضع للحوثيين بأن القائمين على الحملة أغلقوا خلال 30 يوماً نحو 98 منشأة ومتجراً، وأصدروا 227 تعميماً، ونحو 110 إشعارات حضور، وأحالوا 55 مخالفة إلى النيابة التابعة للجماعة، فضلاً عن اتخاذ سلسلة إجراءات إدارية وغرامات مالية بحق 190 منشأة بزعم ارتكاب مخالفات.

عناصر حوثيون خلال دهم أحد المتاجر في صنعاء (فيسبوك)

ويزعم الحوثيون أن حملاتهم تهدف إلى ضبط الأسعار، ومكافحة الغش التجاري والاحتكار، والتصدي لمواد مخالفة للمواصفات أو منتهية الصلاحية، ونقص الأوزان، ورفض التفتيش، وغيرها من المبررات التي يرى التجار أنها تُستخدم غطاءً لابتزازهم وجباية الأموال بالقوة.

مضايقات متكررة

واشتكى تجار في صنعاء، تحدّثوا إلى «الشرق الأوسط»، من تكرار المضايقات الحوثية بحقهم، مؤكدين أن الجماعة تواصل شن حملات واسعة لجمع إتاوات نقدية وعينية تحت تسميات عدة، أبرزها تمويل ما تُسمى الوقفات المسلحة، وحملات التعبئة والتجنيد الإجباري، ودورات «طوفان الأقصى» العسكرية، تحت مزاعم الاستعداد لما تصفه بمعارك مرتقبة مع إسرائيل وأميركا.

وأكد تجار أن فرض مزيد من الجبايات يتزامن مع تراجع حاد في النشاط التجاري وكساد البضائع وارتفاع النفقات التشغيلية، ما يجعل كثيراً من المنشآت الصغيرة والمتوسطة مهددة بالإفلاس أو الإغلاق القسري، في ظل غياب أي حماية قانونية أو بيئة أعمال مستقرة.

جرافة حوثية تعتدي على باعة أرصفة بالقرب من متاجر في صنعاء (إعلام حوثي)

ويقول «خالد» (اسم مستعار)، وهو تاجر مواد غذائية في حي السنينة بمديرية معين، إن عناصر حوثية مسنودة بعربات أمنية اقتحمت متجره، وأرغمته على دفع 10 آلاف ريال يمني (الدولار نحو 535 ريالاً) بحجة الإسهام في تمويل أنشطة الجماعة الحالية لاستقطاب وتجنيد مقاتلين جدد. ويوضح أن المبالغ المفروضة تُحدد تقديرياً بناءً على حجم البضائع، دون أي معايير قانونية واضحة.

من جهته، يؤكد صاحب متجر صغير في حي شميلة بمديرية السبعين، لـ«الشرق الأوسط»، تكثيف مسلحي الجماعة خلال الأسابيع الأخيرة من استهداف التجار وصغار الباعة في سوق شميلة المركزية، لإجبارهم على دفع إتاوات غير قانونية.

ويشير إلى أن متجره تعرّض للدهم منتصف الشهر الماضي، وأُجبر بالقوة على دفع مبلغ مالي بزعم وجود مخالفات سابقة، قبل أن يصادر المسلحون أصنافاً غذائية من متجره نتيجة عجزه عن السداد، بذريعة دعم المقاتلين في الجبهات.

تدهور اقتصادي

تأتي هذه التطورات في وقت كشف فيه تقرير دولي حديث عن استمرار تدهور الوضع الاقتصادي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، في ظل تصاعد حملات الجباية التي تستهدف الأنشطة التجارية، ما يُعمِّق أزمة انعدام الأمن الغذائي ويقلّص قدرة الأسر على تلبية احتياجاتها الأساسية.

حوثيون يغلقون متجراً في صنعاء لعدم استجابة مالكه لدفع جبايات (إكس)

ووفقاً لتقرير صادر عن «شبكة الإنذار المبكر للاستجابة للمجاعة»، فإن الاقتصاد في مناطق سيطرة الجماعة يواصل التراجع بوتيرة عالية، بفعل الحملات المتكررة التي تطول المطاعم والمتاجر والفنادق وبقية القطاعات، ولا تقتصر على فرض رسوم إضافية فحسب، بل تشمل تشديد القيود التنظيمية، الأمر الذي أدى إلى إغلاق عدد من المنشآت الصغيرة.

وحذّر التقرير من أن استمرار هذا النهج سيُضعف قدرة الأسر على الحصول على الغذاء حتى بالتقسيط، الذي شكّل خلال السنوات الماضية ملاذاً أخيراً لمواجهة الضائقة المعيشية، متوقعاً زيادة حدة انعدام الأمن الغذائي في ظل استمرار الجبايات وتراجع المساعدات الإنسانية أو توقفها.