الانتخابات الفرنسية تخلط الأوراق وتضعف ماكرون ولوبن

«انتخابات من غير ناخبين»... ومقاطعة غير مسبوقة فاقت الـ66 %

ماكرون خلال زيارته أحد مصانع سيارات رينو أمس (رويترز)
ماكرون خلال زيارته أحد مصانع سيارات رينو أمس (رويترز)
TT

الانتخابات الفرنسية تخلط الأوراق وتضعف ماكرون ولوبن

ماكرون خلال زيارته أحد مصانع سيارات رينو أمس (رويترز)
ماكرون خلال زيارته أحد مصانع سيارات رينو أمس (رويترز)

لم تجد النداءات التي أطلقها قادة الأحزاب والمسؤولون السياسيون الفرنسيون لتحفيز الـ48 مليون ناخب للمشاركة في الجولة الثانية من انتخابات الأقاليم والمقاطعات التي جرت أول من أمس بعد المقاطعة غير مسبوقة التي شهدتها الدورة الأولى والتي فاقت الـ66 في المائة. وكما الأسبوع الماضي، فقد تبارى السياسيون والمحللون في تفسير أسباب الحب المفقود بين الناخب وصندوق الاقتراع. منهم من رأى فيه أزمة الديمقراطية وتشويهاً لمعناها. وآخرون أبدوا أسفهم أن تحصل انتخابات من غير ناخبين. وذهبت فئة أخرى لاعتبار أن ما حصل ليس أقل من أزمة نظام فيما سعى المتفائلون لتبرير التغيب بالإشارة إلى تبعات وباء كوفيد 19 وتحوراته وتدابير التباعد الاجتماعي ورغبة المواطنين الاستفادة من نهاية أسبوع ما بعد تدابير الحجر التي أنهكتهم طيلة شهور طويلة. أما التفسير الأخير فعنوانه أن نسبة كبيرة من المواطنين لا تعي أهمية الانتخابات الإقليمية وبالتالي فإن اهتمامها ينصب بالدرجة الأولى على ثلاثة استحقاقات رئيسية: الانتخابات الرئاسية والتشريعية والبلدية.
ورغم التحفظ المشار إليه، فإن ثمة علامات بارزة لا يمكن القفز فوقها لما تحمله من دلالات ستكون لها تبعاتها في الاستحقاقات القادمة. وأولى هذه العلامات الضعف البنيوي الذي تبدى من خلال النتائج لحزب الرئيس ماكرون «الجمهورية إلى الأمام» الذي لم ينجح في الحصول على نسبة تتجاوز 7 في المائة من الناخبين، التي تعد الأسوأ لحزب يمارس السلطة ويتمتع بأكثرية نيابية مريحة منذ عام 2017. ماكرون أرسل 15 وزيراً من حكومته للمشاركة في هذه الانتخابات أملاً أحد أمرين: الفوز بإدارة أحد الأقاليم الـ13 التي تتشكل منها فرنسا القارية أو على الأقل أن يحتل موقعاً تجعله قاطعاً في ضمان الفوز للفريق الذي يتجاوب معه بحيث يأمل أن يرد له الجميل في الانتخابات الرئاسية. ولعل أكبر صفعة للفريق الرئاسي أن خمسة وزراء ترشحوا على لائحة هذا الحزب لمنع الوزير السابق كزافيه برتراند، رئيس إقليم «هو دو فرنسا» «أي منطقة الشمال» من الفوز مجدداً برئاسة الإقليم. والسبب في ذلك أن برتراند الذي ينتمي إلى التيار اليميني من غير أن يكون عضواً في حزب «الجمهوريون» الممثل لليمين الكلاسيكي، ربط ترشحه لرئاسة الجمهورية بفوزه في الانتخابات الإقليمية وهو ما تحقق له. وبرتراند أحد أبرز المرشحين المحتملين الثلاثة لرئاسة الجمهورية عن اليمين. وفق استطلاع للرأي نشرت نتائجه يوم الأحد، فإن الأخير يمكن أن يحصل على 18 في المائة من الأصوات مقابل 24 في المائة لكل من ماكرون ومارين لو بن، رئيسة حزب «التجمع الوطني» «اليمين المتطرف». والحال أن عشرة أشهر ما زالت تفصل الناخبين عن الاستحقاق الرئاسي في مايو (أيار) 2022. وخلال هذه الفترة الطويلة نسبياً، لا شيء يمكن أن يعيق تحولات الخريطة السياسية في فرنسا بمعنى أن تنمو شعبية برتراند وأن ينجح في اجتذاب أجنحة اليمين للتحلق حوله ما سيحرم ماكرون من الاستمرار في عملية تفكيك اليمين واجتذاب عدد من «باروناته» أملاً في منع بروز أي منافس جدي من صفوفه. وللتذكير، فإن رئيس الحكومة ووزراء الداخلية والاقتصاد والمال والتجارة الخارجية وآخرون جاء بهم من صفوف اليمين. لكن بروز مرشح يميني قوي يعيد الأمل بالفوز وإن كان ضعيفاً، من شأنه أن يمنع الالتحاق برئيس الجمهورية وأن يعيق مخططات ماكرون الذي يريد أن يبقى السباق النهائي محصوراً بينه وبين مارين لو بن. وثمة قناعة راسخة بأن الفرنسيين ليسوا جاهزين بعد لانتخاب رئيس ينتمي إلى اليمين المتطرف بشخص لو بن ما يضمن للرئيس الحالي خمس سنوات إضافية في قصر الإليزيه. لكن من الواضح أن اليمين قادم على معركة داخلية لتعيين مرشحه إذ إن - إضافة إلى برتراند - هناك مرشحين إضافيين محتملين هما، فاليري بيكريس، رئيسة إقليم إيل دو فرانس «باريس ومنطقتها الكبيرة» التي فازت في معركة التجديد، ورولان فوكييز، رئيس منطقة أوفرني - رون - آلب الذي أحرز بدوره فوزاً مريحاً الأحد الماضي.
الخاسر الثاني بعد ماكرون هي بلا شك لو بن نفسها التي كانت تمني النفس بالسيطرة على 3 مناطق واستخدام ذلك منصة للانتخابات الرئاسية. والحال أن إخفاقها جاء ساطعاً، إذ لم ينجح «التجمع الوطني» في وضع اليد على أي منطقة بما في ذلك منطقة «بروفنس - ألب - كوت دازور» «جنوب شرقي فرنسا» رغم أنه رشح لها النائب تييري مارياني القادم من صفوف اليمين الكلاسيكي حيث يحظى «التجمع» بشعبية عالية. وسبب الإخفاق إلى اليسار الاشتراكي والخضر سحب لائحتهم مما مكن مرشح «الجمهوريون» رونو موزوليه من الفوز. وكما كان منتظراً، سعت لو بن للتهوين من تبعات النتائج الأخيرة بحجة التغيب الطاغي عن المشاركة. إلا أن المحللين يرون في تراجع حزبي ماكرون ولو بن مؤشراً على إمكانية تغير المعادلات في الانتخابات القادمة. ولكن التسرع في الخلاصات ليس مضموناً باعتبار أن الانتخابات المحلية والإقليمية شيء والانتخابات الرئاسية شيء آخر. وماكرون يعول، كما لو بن، على شخصيته وقدراته الخاصة وليس على قوة حزبه وانغراسه الإقليمي والمحلي. مع وصول ماكرون إلى رئاسة الجمهورية في عام 2017. أراد أن يطوي صفحة «العالم القديم» وأن يدشن عهداً جديداً، بمعنى تجاوز الأحزاب التقليدية والعمل مع اليمين واليسار في وقت واحد. في مرحلة أولى، فجر اليسار الاشتراكي من الداخل واستمال شخصيات من اليمين واتبع سياسات يمينية غالباً ووسطية ويسارية أحياناً. بيد أن الانتخابات البلدية العام الماضي وانتخابات الأقاليم والمقاطعات الأخيرة أعادت إحياء «العالم القديم»، والدليل على ذلك أن اليمين نجح في الاحتفاظ بالأقاليم الستة التي كان يهمين عليها منذ عام 2015 واليسار والخضر حافظوا على خمسة أقاليم لا بل نجحوا في الفوز بإقليم إضافي ما وراء البحار. وتبين الخارطة السياسية أن ألوان الأقاليم تتأرجح ما بين الأزرق «اليميني» والأحمر «اليساري» فيما غابت ألوان اليمن المتطرف والحزب الرئاسي. والأمثولة التي لا شك أن اليسار الاشتراكي إن يحفظها هي حاجته لتحالف وثيق مع الخضر.
وثمة تنافس داخلي بين الطرفين اللذين تشاركا حيناً وتنافسا حيناً آخر في الانتخابات الأخيرة فيما يتربص بهم، على أقصى اليسار النائب والمرشح الرئاسي السابق جان لوك ميلونشون الذي يرأس حزب «فرنسا المتمردة». فالأخير يرفض التعاون معهما وهما أيضاً غير راغبين في ذلك وجاءت التجربة التي خاضتها الأحزاب الثلاثة في إقليم «إيل دو فرانس» لتخفف من اندفاعة المتحمسين لجمع كل اليسار بكل تلاوينه في جبهة موحدة إذ فشلت هذه الجبهة في الإطاحة باليمني الكلاسيكي ممثلاً برئيسة الإقليم فاليري بيكريس. هكذا، فإن هذه الانتخابات تدفع الجميع إلى عملية مراجعة سياسية واسعة للتأقلم مع المعطيات الجدية التي أفرزتها رغم ما شابها من عيوب وأولها ضعف المشاركة الشعبية.



هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
TT

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)

تخضع «هيئة تحرير الشام»، التي قادت قوات المعارضة للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، لعقوبات من الأمم المتحدة منذ فترة طويلة، وهو ما وصفه المبعوث الخاص للمنظمة الدولية إلى سوريا غير بيدرسون، بأنه «عامل تعقيد لنا جميعاً».

كانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف في السابق باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت العلاقات بالتنظيم في عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما فُرض عليها تجميد عالمي للأصول وحظر أسلحة.

ويخضع عدد من أعضاء «هيئة تحرير الشام» أيضاً لعقوبات الأمم المتحدة مثل حظر السفر، وتجميد الأصول، وحظر الأسلحة، ومنهم زعيمها وقائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع، المكنى «أبو محمد الجولاني»، المدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.

وقال دبلوماسيون إنه لا يوجد حالياً أي مناقشات عن رفع العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على الجماعة. ولا تمنع العقوبات التواصل مع «هيئة تحرير الشام».

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟ (رويترز)

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

فرضت الأمم المتحدة عقوبات على «جبهة النصرة»، لأن الجماعة مرتبطة بتنظيم «القاعدة»، ولأنها كانت «تشارك في تمويل أو تخطيط أو تسهيل أو إعداد أو ارتكاب أعمال أو أنشطة» مع «القاعدة» أو دعماً لها وتستقطب أفراداً وتدعم أنشطة «القاعدة».

وجاء في قائمة العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة: «في يناير (كانون الثاني) 2017، أنشأت جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام)، وسيلة لتعزيز موقعها في التمرد السوري وتعزيز أهدافها باعتبارها فرعاً لتنظيم (القاعدة) في سوريا»... ورغم وصف ظهور «هيئة تحرير الشام» بطرق مختلفة (على سبيل المثال كاندماج أو تغيير في الاسم)، فإن جبهة «النصرة» استمرت في الهيمنة والعمل من خلال «هيئة تحرير الشام» في السعي لتحقيق أهدافها.

وفُرضت عقوبات على الجولاني بسبب ارتباطه بتنظيم «القاعدة» وعمله معه.

كيف يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة؟

تستطيع أي دولة عضو في الأمم المتحدة في أي وقت تقديم طلب لرفع العقوبات عن كيان أو شخص إلى لجنة عقوبات تنظيمي «داعش» و«القاعدة» التابعة لمجلس الأمن الدولي المؤلف من 15 دولة.

وإذا جاء الطلب من دولة لم تقترح في البداية فرض عقوبات الأمم المتحدة، فإن اللجنة تتخذ القرار بالإجماع.

وإذا تقدمت الدولة التي اقترحت في البداية فرض العقوبات بطلب الشطب من القائمة، فسيمحى الاسم من القائمة بعد 60 يوماً، ما لم توافق اللجنة بالإجماع على بقاء التدابير.

لكن إذا لم يتم التوصل إلى إجماع، يستطيع أحد الأعضاء أن يطلب إحالة الطلب إلى مجلس الأمن للتصويت عليه في غضون 60 يوماً.

ولم تتضح بعد الدول التي اقترحت فرض عقوبات على جبهة «النصرة» والجولاني.

ويستطيع أيضاً الشخص أو الكيان الخاضع للعقوبات أن يطلب إزالة التدابير عن طريق الاتصال بأمين عام المظالم، وهو منصب أنشأه المجلس في عام 2009، ليقوم بمراجعة الطلب.

وإذا أوصى أمين عام المظالم بإبقاء اسم ما على القائمة، فسيظل مدرجاً على القائمة. وإذا أوصى أمين عام المظالم بإزالة اسم ما، فسترفع العقوبات بعد عملية قد تستغرق ما يصل إلى 9 أشهر، ما لم توافق اللجنة في وقت أسبق بالإجماع على اتخاذ إجراء أو الإحالة إلى المجلس لتصويت محتمل.

هل هناك استثناءات من العقوبات؟

يستطيع الأشخاص الخاضعون لعقوبات الأمم المتحدة التقدم بطلب للحصول على إعفاءات فيما يتعلق بالسفر، وهو ما تقرره اللجنة بالإجماع.

ويقول المجلس إن عقوباته «لا تستهدف إحداث عواقب إنسانية تضر بالسكان المدنيين».

وهناك استثناء إنساني للأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة يسمح «بتوفير أو معالجة أو دفع الأموال أو الأصول المالية الأخرى أو الموارد الاقتصادية، أو توفير السلع والخدمات اللازمة لضمان تقديم المساعدات الإنسانية في الوقت المناسب، أو لمساندة الأنشطة الأخرى التي تدعم الاحتياجات الإنسانية الأساسية».