متطرفون يفرضون الجباية على دخول البضائع إلى العراق عبر الأراضي المسيطر عليها

سكان أقضية ونواحي وبلدات الأنبار مهددون بالمجاعة وتفشي الأمراض

متطرفون يفرضون الجباية على دخول البضائع إلى العراق عبر الأراضي المسيطر عليها
TT

متطرفون يفرضون الجباية على دخول البضائع إلى العراق عبر الأراضي المسيطر عليها

متطرفون يفرضون الجباية على دخول البضائع إلى العراق عبر الأراضي المسيطر عليها

قال فالح العيساوي نائب رئيس مجلس محافظة الأنبار لـ«الشرق الأوسط» إن «كل الطرق المؤدية إلى مدن الأنبار، التي كانت تربط العراق بثلاث دول جارة، هي الآن كلها أصبحت بيد مسلحي تنظيم داعش، والبضائع التي قد تصل إلى مدن الأنبار أصبحت قيمتها تساوي أضعافا مضاعفة عن سعرها الأصلي لسببين رئيسيين؛ أولهما أن مسلحي تنظيم داعش فرضوا على سائقي الشاحنات التي تأتي من المنافذ الحدودية عبر الطرق والمناطق التي تخضع لسيطرة تنظيمهم، دفع مبالغ (لدعم عمليات التنظيم) (ضريبة مرور للشاحنات) ويعطى لسائق الشاحنة وصل جباية يسمح من خلاله بالمرور عبر مناطق وجود مسلحي (داعش) وصولا إلى بغداد.. والكل على علم بهذا الأمر. والسبب الآخر يتعلق بإمكانية وصول المواد الغذائية إلى مدن الأنبار، وأخص بها مناطق الفلوجة والرمادي ومحيط مركز محافظة الأنبار حيث تتصاعد أسعار المواد نتيجة الطرق الوعرة التي تسلكها الشاحنات، فهناك مثلا نقطة فاصلة يتم فيها تفريغ المواد من الشاحنات ثم نقلها إلى شاحنات أخرى تنتظرها عبر جسر (بزيبز) الصغير الرابط بين ضفتي نهر الفرات القريب من ناحية العامرية شرق الرمادي والمخصص لعبور السابلة فقط».
وأضاف العيساوي أن «السكان في مدن الأنبار يعيشون تحت خطر كارثة إنسانية، فمع انعدام المواد الغذائية والطبية، يعاني أهالي الأنبار من بطالة أوصلت لحالة شديدة من الفقر نتيجة سيطرة تنظيم داعش على مدنهم، فأغلب السكان من طبقتي العمال والمزارعين، وفقدوا أعمالهم بعد أن كانت محافظة الأنبار من أكثر المحافظات العراقية ازدحاما بالأيدي العاملة، والآن كل هذه الطبقات الكادحة بلا عمل، ومسحوقة بالكامل، فأكثر من 47 في المائة من أبناء الأنبار كانوا يمارسون مهنة الزراعة، ومنذ أكثر من عام لا يوجد أي عمل زراعي إطلاقا.. كما انهارت مشاريع تربية المواشي والدواجن نتيجة الأعمال العسكرية والنزوح وانعدام التيار الكهربائي ومواد الطاقة من المشتقات النفطية التي تشغل الأجهزة الزراعية والإروائية»، وأضاف: «نعم هناك كارثة إنسانية تعصف بسكان مدن الأنبار، وعلى الحكومة المركزية إنقاذ الناس وبشكل فوري». وتعيش مدن الأنبار المترامية الأطراف غرب العراق كوارث إنسانية وحياة أشبه بالموت، فالسكان في هذه المدن يعيشون في ظل فقر ومجاعة تسببت في موت الكثير منهم، غالبيتهم بين كبار السن والأطفال.
وتبدو الأسواق خاوية والمحلات مغلقة؛ إذ نفدت منها البضاعة منذ شهور، والطرق مغلقة، وسط حصار خانق مفروض على سكان المناطق في مدن الأنبار من قبل مسلحي تنظيم داعش. وحتى المواد الغذائية التي يسمح لها بالدخول للمناطق المحاصرة تفرض عليها ضرائب جباية من قبل المسلحين مما يجعل أسعارها تصل إلى 20 ضعفا.
وقال صهيب الراوي محافظ الأنبار لـ«الشرق الأوسط»: «لدينا إشكالية كبيرة بخصوص إيصال المواد الغذائية والطبية لسكان المناطق في مدن الأنبار، خصوصا في قضاء حديثة وناحية البغدادي المحاصرين من قبل مسلحي تنظيم داعش، وهذه الإشكالية تتمثل في قطع الطرق وعدم إمكانية الوصول للمناطق المحاصرة». وأضاف قائلا: «نعم هناك الآلاف من العائلات يعيشون اليوم مأساة حقيقية نتيجة انعدام المواد الغذائية والطبية، ونحن ننتظر وبفارغ الصبر من قواتنا الأمنية أن تتمكن من فتح الطرق وطرد المسلحين كي يتسنى لنا إيصال المواد الغذائية لمواطنينا وبالسرعة الممكنة».
وفي سؤالنا لمحافظ الأنبار صهيب الراوي عن إمكانية إيصال المواد الغذائية بواسطة جسر جوي، أجاب: «هذا الأمر من مسؤولية الحكومة المركزية وقوات التحالف التي تسيطر على أجواء المنطقة، ونحن لدينا مثل هذه الفكرة، وقد تواصلت مع وزير الدفاع من أجل تحقيقها وإيصال المواد الغذائية للسكان المحاصرين عن طريق رميها بواسطة المروحيات العراقية».
عضو مجلس قضاء حديثة فاروق الراوي، قال لـ«الشرق الأوسط» إن «آلاف العائلات من سكان قضاء حديثة والعائلات التي نزحت إليها من قرى زوية وبروانة تعيش الآن كارثة إنسانية حقيقية وتتضور جوعا ونحن وجهنا نداءات استغاثة إلى الحكومة المركزية واليوم نتوجه بنداءاتنا إلى المنظمات الدولية والعالم لإنقاذ الناس هنا في حديثة وناحية البغدادي وبقية مدن الأنبار التي وقعت تحت سيطرة مسلحي تنظيم داعش الذي يهدف إلى إبادة جماعية لسكان المناطق التي وقفت بوجه التنظيم وقاتلته».
وفي ناحية البغدادي (90 كلم) غرب الرمادي مركز محافظة الأنبار، يعيش أكثر من 50 ألف من المواطنين تحت المجاعة والفقر والعطش رغم أن مدينتهم تجاور نهر الفرات حيث يحاصرهم مسلحو تنظيم داعش حصارا خانقا.
وقال عضو مجلس ناحية البغدادي محمد العبيدي لـ«الشرق الأوسط» إن «الجوع والعطش وتفشي الأوبئة والأمراض فتكت بالناس والأطفال ماتوا من الجوع والعطش وكانوا محاصرين في المجمع السكني الذي سيطر عليه مسلحو تنظيم داعش لأيام. كما أن الأمراض تفشت بين السكان وأدت إلى وفاة الكثير منهم، وناحية البغدادي تعاني حصارا مزدوجا من جهة المسلحين والقوات الأمنية التي صارت تمنع الناس من الذهاب إلى قاعدة الأسد لغرض الحصول على مكان في المروحيات العسكرية التي تنقلهم لغرض النزوح للعاصمة بغداد».



«جمعة رجب»... مناسبة حوثية لفرض الإتاوات وابتزاز التجار

مسلحون حوثيون ضمن حشدهم الأسبوعي في صنعاء بأمر من زعيم الجماعة (رويترز)
مسلحون حوثيون ضمن حشدهم الأسبوعي في صنعاء بأمر من زعيم الجماعة (رويترز)
TT

«جمعة رجب»... مناسبة حوثية لفرض الإتاوات وابتزاز التجار

مسلحون حوثيون ضمن حشدهم الأسبوعي في صنعاء بأمر من زعيم الجماعة (رويترز)
مسلحون حوثيون ضمن حشدهم الأسبوعي في صنعاء بأمر من زعيم الجماعة (رويترز)

استهلت الجماعة الحوثية السنة الميلادية الجديدة بإطلاق حملات جباية استهدفت التجار وأصحاب ورؤوس الأموال في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، بغية إجبارهم على دفع الأموال لتمويل احتفالات الجماعة بما تسميه «جمعة رجب».

وتزعم الجماعة الحوثية أن دخول اليمنيين في الإسلام يصادف أول جمعة من شهر رجب الهجري، ويستغلون المناسبة لربطها بضرورة الولاء لزعيمهم عبد الملك الحوثي تحت ادعاء أن نسبه يمتد إلى علي بن أبي طالب الذي أدخل اليمنيين في الإسلام قبل أكثر من 14 قرناً هجرياً. وفق زعمهم.

وذكرت مصادر مطلعة في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، أن مشرفين حوثيين برفقة عربات ومسلحين يتبعون عدة مكاتب تنفيذية تابعة للجماعة، نفذوا حملات واسعة ضد متاجر ومؤسسات تجارية في عدة مديريات في المدينة، وأجبروا ملاكها على دفع جبايات، بينما أغلقوا عدداً من المتاجر التي رفض ملاكها التبرع.

وأكدت المصادر أن الانقلابيين شرعوا في توسيع أنشطتهم الاستهدافية في تحصيل الإتاوات أكثر مما كان عليه قبل أشهر ماضية، حيث لم تستثنِ الجماعة حتى صغار التجار والباعة المتجولين والسكان الأشد فقراً.

الانقلابيون سيطروا بالقوة على مبنى الغرفة التجارية في صنعاء (إعلام محلي)

وفي ظل تجاهل الجماعة المستمر لفقر السكان في مناطق سيطرتها، أقرت ما تسمى اللجنة العليا للاحتفالات والمناسبات في اجتماع لها بصنعاء، إطلاق برنامج الفعاليات المصاحب لما يُسمى ذكرى «جمعة رجب»، بالتوازي مع بدء شنّ حملات جباية على التجار والسكان الذين يعانون من ظروف معيشية حرجة.

وهاجم بعض السكان في صنعاء كبار قادة الجماعة لجهة انشغالهم بابتكار مزيد من الفعاليات ذات المنحى الطائفي وتخصيص ميزانية ضخمة لأعمال الدعاية والإعلان، ومكافآت ونفقات لإقامة الندوات وتحركات مشرفيها أثناء حشد الجماهير إليها.

وكانت تقارير محلية اتهمت في وقت سابق قيادات حوثية بارزة في الجماعة يتصدرهم حمود عباد وخالد المداني بجباية مليارات الريالات اليمنية من موارد المؤسسات الحكومية الخاضعة لسلطات الجماعة في صنعاء، لافتة إلى أن معظم المبالغ لم يتم توريدها إلى حسابات بنكية.

تعميم صوري

في حين زعمت وسائل إعلام حوثية أن تعميماً أصدره القيادي في الجماعة حمود عباد المعين أميناً للعاصمة المختطفة، يقضي بمنع إغلاق أي محل أو منشأة تجارية إلا بعد اتخاذ ما سماها «الإجراءات القانونية»، نفى تجار وأصحاب مؤسسات تجارية بصنعاء توقّف عناصر الجماعة عن مداهمة متاجرهم وإغلاقها بعد رفضهم دفع جبايات.

تجمع للمارة في صنعاء أثناء محاولة اعتقال مالك أحد المطاعم (الشرق الأوسط)

وفي مسعى لتلميع صورتها عقب حملات التعسف كانت الجماعة أصدرت تعميماً يُلزِم قادتها في عموم المديريات والمكاتب التنفيذية في صنعاء بعدم إغلاق أي منشأة تجارية إلا بعد اتخاذ «الإجراءات اللازمة».

وحض التعميم الانقلابي كل الجهات على «عمل برامج شهرية» لتنفيذ حملات نزول ميداني لاستهداف المتاجر، مرة واحدة كل شهر عوضاً عن تنفيذ حملات نزول يومية أو أسبوعية.

واعترفت الجماعة الحوثية بوجود شكاوى لتجار وملاك منشآت تجارية من قيام مكاتب تنفيذية في صنعاء بتحصيل مبالغ مالية غير قانونية منهم بالقوة، وبإغلاق مصادر عيشهم دون أي مسوغ قانوني.

توسيع الاستهداف

اشتكى تُجار في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، من تصاعد كبير في حملات الاستهداف وفرض الإتاوات ضدهم عقب صدور تلك التعليمات التي يصفونها بـ«غير الإلزامية».

ويتهم عدد من التجار القياديَين حمود عباد وخالد المداني، والأخير هو مشرف الجماعة على المدينة، بتكثيف الأنشطة القمعية بحقهم وصغار الباعة وإرغامهم في كل حملة استهداف على دفع جبايات مالية مقابل السماح لهم بمزاولة أنشطتهم التجارية.

الحوثيون يستهدفون المتاجر والشركات لإجبارها على دفع الأموال (إعلام حوثي)

ويتحدث (أحمد.و)، مالك محل تجاري بصنعاء، عن استهداف متجره بسوق شعبي في حي السنينة بمديرية معين بصنعاء من قِبَل حملة حوثية فرضت عليه دفع مبلغ مالي بالقوة بحجة تمويل مناسبة «جمعة رجب».

وذكر أن عناصر الجماعة توعدته بالإغلاق والاعتقال في حال عدم تفاعله مع مطالبها غير القانونية.

وتحدث أحمد لـ«الشرق الأوسط»، عن إغلاق عدد من المتاجر في الحي الذي يعمل فيه من قِبَل مسلحي الجماعة الذين قال إنهم اعتقلوا بعض ملاك المحلات قبل أن يتم الإفراج عنهم بعد أن رضخوا لدفع الجبايات.