دي ميستورا يبحث في لندن عن أفكار جديدة لدعم مبادرته

ظهور «داعش» وانطلاق التحالف الدولي ضده غيرا المعادلة بعد «جنيف 1»

دي ميستورا
دي ميستورا
TT

دي ميستورا يبحث في لندن عن أفكار جديدة لدعم مبادرته

دي ميستورا
دي ميستورا

رغم أن طبيعة عمله كمبعوث دولي حملته لأكثر الأماكن سخونة واضطرابا في العالم، مثل العراق وأفغانستان ورواندا، فإن ستيفان دي ميستورا، المبعوث الدولي الخاص لسوريا، يعترف بأن مهمته الأخيرة هي الأصعب بين سابقاتها. فبعد أن قوبلت مبادرته لتجميد القتال في حلب، ومحاولة عصرها من قبل النظام الذي أنزلها إلى شارعين وحددها بستة أسابيع لوقف القصف الجوي فقط، بالرفض من قبل المعارضة، خصوصا من قبل الفصائل العسكرية في حلب، يجول هذه الأيام على العواصم الغربية في محاولة للترويج دوليا لما لم ينجح حتى الآن محليا.
وأول من أمس كان ستيفان دي ميستورا في فرنسا، حيث سبقه تصريح سفيرها لدى الأمم المتحدة الذي قال إن بلاده «تشكك» في فرص نجاح خطة موفد الأمم المتحدة إلى سوريا. أما أمس، فقد اكتفى في العاصمة البريطانية بلقاء نخبوي استضافه المعهد الملكي للعلاقات الدولية (تشاتام هاوس)، حضره صحافيون وباحثون ومهتمون بالشأن السوري. وبسبب كثرة الانتقادات التي طالت مبادرته، استهل دي ميستورا حديثه بالقول إنه يحتاج لسماع الأفكار التي قد تفيد في تحريك ودعم المبادرة، أكثر من الحاجة لسماع الأسئلة، على أهميتها. كما طلب من الحضور عدم توجيه أسئلة عن مهمة مساعدته وفريقها في مدينة حلب، لأنها لا تزال هناك «ولا أجوبة قبل عودتهم». ورفع كتابا بغلاف أسود يضم 100 ألف اسم لقتلى النزاع في سوريا، وبات مرجعه طوال الحديث، كمثال على ضرورة خفض مستوى العنف وخفض عدد الضحايا. فمن نسبتهم 80 في المائة من الضحايا قتلوا بالسلاح الثقيل، مثل الغارات الجوية، وهو ما تحتاج خطته لوقفه.
«لماذا حلب؟»، لأنها مدينة كبيرة في سوريا تمتزج فيها الثقافات والديانات والطوائف، ونصف مليون من أهلها قد ينزحون خارجها في حال استمر الصراع، باتجاه تركيا، وهذا عبء إضافي على دولة استضافت أكثر من مليون لاجئ حتى الآن. كما أن حلب مدينة تدمر تراثها المعماري التاريخي ويجب الحفاظ على ما تبقى منه. لكن الفكرة أثارت اعتراض أكثر من شخص باعتبار أن درعا وحمص وريف دمشق، كأمثلة، بحاجة إلى الحماية أيضا ووقف القتال كذلك، وهو أمر أقره دي ميستورا، لكنه بحاجة لوقف القصف العنيف أولا وتطبيقه في حلب، ليتم تعميمه على بقية المناطق.. فـ«عندما يقف العنف يمكن الحديث عن بدء العملية السياسية»، حسب قوله، من دون أن ينسى الإشارة إلى أهمية بيان «جنيف 1» كمنطلق توافق عليه الروس والدول الغربية الراعية.
لكن هناك عنصرين ظهرا لاحقا، وهما وجود «داعش»، وانطلاق التحالف الدولي ضده. كما اعترض البعض على أن المبادرة تقلصت بحسب طلب النظام السوري إلى شارعين ومجرد وقف الغارات الجوية إلى 6 أسابيع. غير أن دي ميستورا أكد أمس أن الخطة لا تزال تطال كل مدينة حلب، وأن هناك سوء فهم لها، وهذا مبرر للقائه بالمهتمين بصورة مستمرة لشرح هذه التفاصيل.
يريد دي ميستورا أن يستعين بأي فكرة لدعم خطته، فيستند إلى لقاء موسكو (الهش)، وإلى لقاءات المعارضة في القاهرة، لحلحلة الحوار السياسي بين النظام والمعارضة، ما داما يرتبطان بمبادرة الأمم المتحدة ويدعمانها. وتحدث عن حل شامل يضم جميع الأطراف في الحوار، ومن ذلك إيران «لكي نصل إلى الحل لا بد من دمج إيران.. يجب أن تشعر إيران بأنها طرف في الحل». وعندما سئل عن التواصل مع حزب الله في ما يخص مبادرته (كونه طرفا أيضا في العمليات العسكرية في سوريا)، قال إنه التقى ممثليه في زيارته الأولى لبيروت.
ونوه دي ميستورا، أكثر من مرة، أثناء لقائه بجمهور «تشاتام هاوس»، أمس، بأن مهمة أي مبعوث دولي هي التواصل مع جميع الأطراف بحثا عن الحل. لكن السؤال المحرج الذي وجه له، كان حول شمول «داعش» و«النصرة» بهذا التواصل، فقال ممازحا «هذا ثالث سؤال يوجه لي اليوم في هذا الخصوص، مما يشعرني بأهميته». وتابع «التقيت في حياتي بأشخاص كثر لن تفخر بي أمي أن عرفتهم.. لكن إن كان ذلك بهدف الحفاظ على مزيد من أرواح البشر فلم لا؟ لكنني لا أشعر بأنهم في عجلة للقائي أيضا». ثم استدرك قائلا «إن التنظيمين على قوائم الإرهاب، وربما احتاج الأمر إلى اتصال غير مباشر معهما».
يريد دي ميستورا أن يدخل جميع الأطراف في العملية السياسية للوصول إلى السلام في سوريا، البلد الذي لم ير حجم دمار مماثلا لما رآه فيه في المناطق التي عمل فيها سابقا، وأن الحل الشامل وعدم استبعاد الأطراف ما كانا ليظهرا تنظيما إرهابيا مثل «داعش»، فلو أن العراق، مثلا، أخذ بهذا المبدأ ولم يستبعد السنّة من العملية السياسية، لما ظهر فيه التنظيم.
حضور لقاء دي ميستورا أمس أعطى الانطباع بأنه وسيط محبط منزوع القوة لتطبيق مبادرة انتدب لها قبل شهور، بصفته ذا خبرة في النزاعات الدولية غطت جنوب لبنان وأفغانستان والعراق، وأماكن أخرى. وكما قال لي لاحقا أحد الحضور من المعنيين بتقديم المساعدات الإغاثية في سوريا، فإنه «بدلا من أن يمنحنا الإجابات بدا أنه يبحث عنها بيننا، وهذا مؤشر لفشل المهمة بسبب غياب الدعم الدولي لها».
لم يبعد التوصيف عن الحقيقة، ففي سؤال وجه له عن تزايد التدخل الإيراني العسكري في سوريا، وإن كان تحدث للمجتمع الدولي حوله، عبرت حركته الجسدية عن هذا الحرج، وأشار بيديه اليائستين وبنظراته ناحية الأرض، ولم ينطق بالكلام.
أي رجل مهزوم في خطته هو ستيفان دي ميستورا، ويطلب منه العالم أن يصنع المعجزات؟! حتى رسامو الكاريكاتير استهدفوه كما لم يستهدف في مهمة سابقة، حسب قوله (أشار أحد المتحدثين إلى كاريكاتير نشر في «الشرق الأوسط»). إنه يجمع تلك الرسومات، قال للحضور بحس تهكمي يلجأ له ليداري عجزه والحرج من المهمة الصعبة الموكلة إليه.



أحداث سوريا تدفع الحوثيين لإطلاق مجاميع من المعتقلين

الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
TT

أحداث سوريا تدفع الحوثيين لإطلاق مجاميع من المعتقلين

الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)

دفعت الأحداث المتسارعة التي شهدتها سوريا الحوثيين إلى إطلاق العشرات من المعتقلين على ذمة التخطيط للاحتفال بالذكرى السنوية لإسقاط أسلافهم في شمال اليمن، في خطوة تؤكد المصادر أنها تهدف إلى امتصاص النقمة الشعبية ومواجهة الدعوات لاستنساخ التجربة السورية في تحرير صنعاء.

وذكرت مصادر سياسية في إب وصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن الحوثيين أطلقوا دفعة جديدة من المعتقلين المنحدرين من محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) بعد مضي ثلاثة أشهر على اعتقالهم بتهمة الدعوة للاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بنظام حكم الإمامة في شمال البلاد عام 1962.

الكثيري والحذيفي بعد ساعات من إطلاق سراحهما من المعتقل الحوثي (إعلام محلي)

وبيّنت المصادر أن معتقلين آخرين من صنعاء تم إطلاق سراحهم أيضاً، ورأت أن هذه الخطوة تهدف إلى امتصاص النقمة الشعبية على إثر انكشاف حجم الجرائم التي ظهرت في سجون النظام السوري، الذي كان حليفاً للحوثيين.

وبحسب هذه المصادر، تم إطلاق سراح محمد الكثيري، وهو أول المعتقلين في محافظة إب، ومعه الناشط الحوثي سابقاً رداد الحذيفي، كما أُطلق سراح المراهق أمجد مرعي، والكاتب سعيد الحيمي، والطيار الحربي مقبل الكوكباني، مع مجموعة من المعتقلين الذين تم نقلهم إلى السجون السرية لمخابرات الحوثيين في صنعاء.

وتوقعت المصادر أن يقوم الحوثيون خلال الأيام المقبلة بإطلاق دفعة من قيادات حزب «المؤتمر الشعبي» الذين اعتقلوا للأسباب ذاتها.

امتصاص النقمة

كان الحوثيون، وفقاً للمصادر السياسية، يرفضون حتى وقت قريب إطلاق سراح المعتقلين الذين يُقدر عددهم بالمئات، وأغلبهم من محافظة إب، ومن بينهم قيادات في جناح حزب «المؤتمر الشعبي»، أمضوا أكثر من ثلاثة أشهر في المعتقل واتُهموا بالتخطيط لإشاعة الفوضى في مناطق حكم الجماعة من خلال دعوة السكان للاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم الإمامة.

تعنت حوثي بشأن إطلاق سراح قيادات حزب «المؤتمر الشعبي» (إعلام محلي)

وبيّنت المصادر أن الجهود التي بذلتها قيادة جناح حزب «المؤتمر» المتحالف شكليّاً مع الحوثيين، وكذلك الناشطون والمثقفون والشخصيات الاجتماعية، وصلت إلى طريق مسدود بسبب رفض مخابرات الحوثيين الاستجابة لطلب إطلاق سراح هؤلاء المعتقلين، على الرغم أنه لا يوجد نص قانوني يجرم الاحتفال بذكرى الثورة (26 سبتمبر 1962) أو رفع العلم الوطني، فضلاً عن أن الجماعة فشلت في إثبات أي تهمة على المعتقلين عدا منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي تدعو للاحتفال بالمناسبة ورفع الأعلام.

وتذكر المصادر أنه عقب الإطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد وانكشاف حجم الانتهاكات والجرائم التي كانت تُمارس في سجونه، ووسط دعوات من أنصار الحكومة المعترف بها دولياً لإسقاط حكم الحوثيين على غرار ما حدث في سوريا وتفكك المحور الإيراني في المنطقة، سارعت الجماعة إلى ترتيب إطلاق الدفعات الجديدة من المعتقلين من خلال تكليف محافظي المحافظات باستلامهم والالتزام نيابة عنهم بعدم الاحتفال بذكرى الإطاحة بالإمامة أو رفع العلم الوطني، في مسعى لامتصاص النقمة الشعبية وتحسين صورتها أمام الرأي العام.

مراهق أمضى 3 أشهر في المعتقل الحوثي بسبب رفع العلم اليمني (إعلام محلي)

ورغم انقسام اليمنيين بشأن التوجهات الدينية للحكام الجدد في سوريا، أجمعت النخب اليمنية على المطالبة بتكرار سيناريو سقوط دمشق في بلادهم، وانتزاع العاصمة المختطفة صنعاء من يد الحوثيين، بوصفهم أحد مكونات المحور التابع لإيران.

وخلافاً لحالة التوجس التي يعيشها الحوثيون ومخاوفهم من أن يكونوا الهدف المقبل، أظهر قطاع عريض من اليمنيين، سواء في الشوارع أو على مواقع التواصل الاجتماعي، ارتياحاً للإطاحة بنظام الحكم في سوريا، ورأوا أن ذلك يزيد من الآمال بقرب إنهاء سيطرة الحوثيين على أجزاء من شمال البلاد، ودعوا الحكومة إلى استغلال هذا المناخ والتفاعل الشعبي للهجوم على مناطق سيطرة الحوثيين.