مصر تحث القوى الكبرى على تحريك قضية السد عبر مجلس الأمن

السيسي اعتبر الأزمة «تهديداً مباشراً للأمن القومي بمختلف جوانبه»

سد النهضة الذي تبنيه إثيوبيا على الرافد الرئيسي لنهر النيل (رويترز)
سد النهضة الذي تبنيه إثيوبيا على الرافد الرئيسي لنهر النيل (رويترز)
TT

مصر تحث القوى الكبرى على تحريك قضية السد عبر مجلس الأمن

سد النهضة الذي تبنيه إثيوبيا على الرافد الرئيسي لنهر النيل (رويترز)
سد النهضة الذي تبنيه إثيوبيا على الرافد الرئيسي لنهر النيل (رويترز)

تسعى الدبلوماسية المصرية، من خلال اتصالات مُكثفة مع القوى الكبرى، إلى عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن الدولي، على أمل إيجاد مخرج لنزاع «سد النهضة» الإثيوبي، والذي اعتبره الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أمس، بمثابة «تهديد مباشر للأمن القومي المصري بمختلف جوانبه». وتُصر إثيوبيا على ملء خزان السد، الذي تبنيه على الرافد الرئيسي لنهر النيل، مع بدء موسم الأمطار في يوليو (تموز) المقبل، متجاهلة مطالب مصر والسودان، بضرورة إبرام اتفاق قانوني أولاً ينظم قواعد ملء وتشغيل السد، ويجنبهما أضراراً متوقعة على حصتيهما المائية. وخلال قمة ثلاثية (مصرية - أردنية - عراقية) في بغداد، أمس، جدد السيسي موقف بلاده والذي يقضي بـ«ضرورة التوصل لاتفاق قانوني مُلزم بشأن قواعد ملء وتشغيل سد النهضة»، مشدداً على أن القضية «تمثل إحدى أولويات السياسة المصرية، لتهديدها المباشر للأمن القومي المصري بمختلف جوانبه».
وأكد السيسي، وفق بيان رئاسي مصري، حرص بلاده على «الحفاظ على الأمن المائي العربي»، مرحباً بموقفي العراق والأردن المساندين للموقف المصري بشأن قضية «سد النهضة». وتتهم مصر إثيوبيا بالتعنت وإفشال المفاوضات، التي أُجريت على مدار نحو 10 سنوات بشكل متقطع. وقبل نحو أسبوعين أرسلت مصر والسودان، خطابين متتالين إلى مجلس الأمن، طالبا فيه بالتدخل كون النزاع «مهدداً للأمن والسلم الدوليين»، مع إحاطته بما وصلت إليه المفاوضات، وآخرها السنة الماضية، التي جرت برعاية الاتحاد الأفريقي، وتوقفت في أبريل (نيسان) الماضي. ووفق وزير الخارجية المصري سامح شكري، فإن بلاده تجري في الوقت الراهن «اتصالات على مستوى أعضاء المجلس مع ووزراء الخارجية في نيويورك والمندوبين الدائمين، لقبول المجلس عقد جلسة والتشاور فيما يتعلق بإيجاد مخرج». مؤكدا أن هذه الأمور «تحتاج الكثير من التنسيق والتداول والتشاور، وتعتمد على الإطار لتناول هذه القضية من منظور الدول أعضاء مجلس الأمن دائمة العضوية أو غير الدائمة ونظرتها للأمور وعلاقاتها بالأطراف».
وحدد شكري في تصريحات تلفزيونية مساء أول من أمس، مطالب مصر من مجلس الأمن، والتي تتضمن «التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم يضع القواعد الخاصة بملء وتشغيل سد النهضة، من خلال إطار أفريقي أممي معزز من المراقبين، وأن يتاح للرئاسة الأفريقية وسكرتير عام الأمم المتحدة الاستعانة بالمراقبين، والآليات التي في متناول أيديهم للمساعدة في وضع الحلول للمشاكل العالقة في طرح المقترحات التي تخرج من الأزمة وتؤدى إلى التوصل لاتفاق».
وسبق أن رفضت إثيوبيا مقترحا سودانيا بتوسيع دور المراقبين في المفاوضات، كما رفضت أي دور للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، متمسكة بالاتحاد الأفريقي طرفاً وحيداً لإدارة المفاوضات. واعتبر شكري وجود هذه الأطراف «من شأنه أن يوضح للمجتمع الدولي بشكل مباشر إلى أي مدى أظهرت كل من مصر والسودان المرونة وأظهرتا كل ما تستطيعان لتيسير الأمور بالنسبة للجانب الإثيوبي». وأعرب شكري عن أمله في أن يتحول الجانب الإثيوبي من التعنت إلى قبول الدخول في هذا الاتفاق».
وحذر شكري إثيوبيا من عدم الالتزام بقرار مجلس الأمن - حال صدوره - وقال إنه «سيكون دليلا آخر على عدم وجود الإرادة السياسية منها ودليلا واضحا أمام المجتمع الدولي، وينكشف الموقف والسياسة الإثيوبية، ويصبح على المجتمع الدولي التعامل مع هذا التعنت، وتكون مصر والسودان قد استنفذتا كافة الوسائل المتاحة في الإطار السياسي من مشاورات ومفاوضات ثلاثية ومفاوضات برعاية الولايات المتحدة ثم مفاوضات المسار الأفريقي، ثم إطار أممي من أعلى جهاز في منظومة من الأمم المتحدة».
وأضاف شكري «مصر والسودان لهما كل الحق وفقا للميثاق بأن يطلبا عقد مجلس الأمن، والأمر يتم التداول فيه في المشاورات فيما بين الأعضاء ليصلوا إلى قرار بعقد المجلس وتوقيت الانعقاد وطبيعته». وتابع: «بالتأكيد نحن في هذه المرحلة نجري مشاورات مع الدول الأعضاء نطرح عليهم كل التفاصيل الخاصة بالقضية وما نتوقعه من مخرج، وفي ضوء ذلك نبدأ في رصد وجود الـ9 أصوات الداعمة للمخرج ولانعقاد الجلسة».
وبخصوص زيارة شكري المرتقبة إلى نيويورك، أجاب قائلا: «كل ذلك وارد وفقا للمداولات والاتصالات الجارية والموعد الذي يتم تحديد الجلسة فيه بعد مداولات المجلس حول الموضوع».
وردت إثيوبيا على الخطابين المصري والسودان، بخطاب مقابل اتهمت فيه البلدين بأنهما «السبب في إفشال هذه المفاوضات»، وأنهما «يريدان الخروج من العباءة الأفريقية وتدويل القضية وتسييسها». لكن شكري أكد أنها «ادعاءات اعتادت إثيوبيا على إطلاقها كمحاولات التنصل وبإلقاء المسؤولية على الغير لإخفاء حقيقة موقفها»، مشيرا إلى أن «مصر والسودان طرحتا صيغا عديدة لاستئناف المفاوضات بشكل يرضي الرئاسة الكونغولية ويرضي المراقبين، لكن كان الرفض من قبل إثيوبيا خير دليل على أن ما ورد في الخطاب الإثيوبي مجرد افتراء».
وبين شكري أنه لم تطرح أي مقترحات مرتبطة باستئناف المسار منذ أن أوقفته إثيوبيا في اجتماعات كنشاسا الماضية، مضيفا «أنه بالتأكيد أن الرئاسة الكونغولية تجري مشاورات حول كيفية استمرار المسار الأفريقي، لكن لم يكن هناك أي اقتراح محدد في هذا الصدد».
وبشأن رفض بعض الدول التدخلات في قضايا الأنهار، قال شكري: «هناك بعض الدول تأخذ هذا المنحى، لكن في نهاية الأمر لا بد من دول أعضاء المجلس أن تتحمل مسؤوليتها عندما تم انتخابها نيابة عن العضوية العامة للجمعية العامة على أساس أن تعمل لحفظ السلم والأمن الدوليين؛ وعندما تكون هناك قضية سواء كانت متصلة بالأنهار أو أي قضية أخرى لها تأثيرها على السلم والأمن لا بد أن يضطلع المجلس بمسؤوليته».



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.