ارتفاع قياسي للدولار مقابل الليرة بعد تشريع المس باحتياطات {المركزي}

تراجع قيمة الحد الأدنى للأجور في لبنان إلى 38 دولاراً في الشهر

حرق دواليب في وسط بيروت مساء امس احتجاجاً على ارتفاع سعر الدولار (أ.ف.ب)
حرق دواليب في وسط بيروت مساء امس احتجاجاً على ارتفاع سعر الدولار (أ.ف.ب)
TT

ارتفاع قياسي للدولار مقابل الليرة بعد تشريع المس باحتياطات {المركزي}

حرق دواليب في وسط بيروت مساء امس احتجاجاً على ارتفاع سعر الدولار (أ.ف.ب)
حرق دواليب في وسط بيروت مساء امس احتجاجاً على ارتفاع سعر الدولار (أ.ف.ب)

تصاعدت قيمة الدولار الأميركي، بشكل قياسي، مقابل الليرة اللبنانية في الأسواق الموازية، ما أطاح بحزمة الإجراءات التمهيدية لترشيد الدعم على المحروقات، وإقرار البطاقة التمويلية التي اتخذتها السلطات اللبنانية في الأسبوع الماضي.
وفوجئ اللبنانيون بارتفاع سعر الدولار سريعاً ليتخطى عتبة الـ17 ألف ليرة، ويلامس الـ18 ألف ليرة وسط تقديرات بازدياد المضاربات على ضوء موجة شائعات عن لجوء فوري من قبل العديد من المحلات التجارية الكبرى والعادية إلى اعتماد تسعير يقترب من مستوى 20 ألف ليرة للدولار احتياطاً، بينما اختار الكثير منها الإقفال في نهاية الأسبوع تحسباً لتفاقم الفوضى النقدية.
وعدت مصادر مالية ومصرفية لـ«الشرق الأوسط»، تفاعل الأسواق بسلبية بأنها تحسبات تلقائية وبديهية، توازياً مع زيادة المخاطر العامة الناتجة عن التوجه الرسمي إلى استنفاد آخر الاحتياطات بالعملات الصعبة.
فبمعزل عن المبالغ التي سيتم صرفها لتمويل استيراد المحروقات لمدة ثلاثة أشهر، والمقدرة بنحو 500 مليون دولار، فقد سبق، قبل شهر، اعتماد ذريعة «الظروف الاستثنائية» والتغطية القانونية لتمويل حاجات الكهرباء لنحو ثلاثة أشهر بمبلغ 200 مليون دولار. وثمة مخاوف جدية من اعتمادات مماثلة لتغطية نواقص الأكلاف المترتبة على البطاقة التمويلية وسواها من المصاريف الخارجية الملحة للدولة أو السلع الضرورية، علماً بأن تمويل استيراد القمح والدواء مستمر على سعر 1515 ليرة للدولار.
وفي قراءات المحللين والخبراء، فإن «فتح نافذة التمويل من الاحتياطات الإلزامية للودائع المحررة بالعملات الصعبة، هو بمنزلة خلع أبواب منزل متهالك وسط رياح عاصفة وشهادة رسمية جديدة بإفلاس الدولة، بعدما عمدت الحكومة الحالية في أولى مهماتها «الإنقاذية» إلى إخراج قسري للبنان وأوراقه المالية العامة والخاصة، قبل نحو 15 شهراً، من الأسواق المالية الدولية عبر تعليق دفع متوجبات سندات الدين الدولية التي تتوزع تواريخ استحقاقاتها على شرائح حتى عام 2037، ومن دون بذل أي جهود تفاوضية جدية مع الدائنين الخارجيين.
ثم علقت، عقب كارثة انفجار مرفأ بيروت واستقالة الحكومة، المفاوضات الخاصة ببرنامج دعم وتمويل مع صندوق النقد الدولي.
وبالإضافة إلى تفاقم التداعيات التي تضرب كامل أوجه الحياة في البلد المنكوب وتفاقم الأزمات المعيشية والاقتصادية، تلفت المصادر إلى «حقيقة خطر تعريض المدخرات في المصارف لاندثار شبه تام وتحويلها إلى قيود دفترية معلقة على استعادة التوازن المالي للدولة المفلسة التي ستضمن الديون الجديدة تلبية لشروط البنك المركزي». وسألت المصادر المصرفية: «ما يمنع لاحقاً أصحاب القرار في الدولة من التنصل من مسؤولياتهم، والاستجابة لمقتضيات الأزمات الآخذة بالتمدد إلى الاستقرار الأمني والداخلي الهش»، في وقت «جاهر البنك المركزي بعجزه التام عن تمويل عجوزات الدولة المالية من احتياطاته الحرة التي جرى استنفادها بالكامل بطلب من السلطات عينها، وبما يشمل تغطية الاعتمادات المستندية والتحويلات لدعم مجموعة السلع الاستراتيجية والأساسية».
وباعتبار أن الاحتياطات المتبقية في البنك المركزي تخص حصراً المودعين في المصارف التي تم تغييبها عن التوجهات المستجدة لتأمين التمويل، ترى المصادر «أن تكريس قاعدة تمويل الإنفاق العام من المدخرات أساساً عبر حجز توظيفات البنوك لدى المركزي في الفترة السابقة، ووصولاً إلى الاحتياطي الإلزامي الذي يوازي حالياً 14 في المائة من قيمة الوديعة المحررة بالعملات الصعبة، سيفضي حكماً إلى تبديد أي آمال باستعادة الحقوق المحتجزة».
فالمودعون يعانون أصلاً من اقتطاعات هائلة تقارب 80 في المائة من حساباتهم الدولارية التي تشكل نحو 82 في المائة من إجمالي الودائع في المصارف، عند تنفيذ عمليات سحب مقيدة بسقوف شهرية أيضاً، فيما تنحو الودائع بالليرة ومعها الأجور والرواتب إلى ذوبان شبه تام في قيمتها الشرائية، بحيث أصبح الحد الأدنى للأجور البالغ 675 ألف ليرة في الشهر، موازياً لنحو 38 دولاراً فقط، أي نحو 1.25 دولار يومياً.
ومع انتظارهم الثقيل لموعد صرف الحصص الشهرية بواقع 800 دولار شهرياً بدءاً من الشهر المقبل، سجل أصحاب الحسابات الدولارية، الذين تربو أعدادهم على 800 ألف، خسارات مسبقة تعدت الثلث، حتى الساعة، من القيمة التبادلية لنصف الحصة الموعودة والموزعة بين 400 دولار نقداً (بنكنوت) و400 دولار يتم صرفها بالليرة على سعر 12 ألف ليرة لكل دولار. بينما أشارت مصادر مصرفية إلى اجتماع جديد بين حاكمية المركزي ووفد جمعية المصارف مطلع الأسبوع المقبل مخصص لاستكمال الاتفاق على الترتيبات الخاصة بالصرف، مع التشديد على التزام المواعيد المحددة بالتعميم رقم 158، وحفظ حق الحصة الشهرية في حال اضطرار بعض المصارف إلى تأخير الصرف لأسباب تقنية أو ذات علاقة بتوفير السيولة النقدية.



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم