تكتم حول مقترحات لحل الأزمة التونسية ناقشها رئيسا الجمهورية والبرلمان

لقاء بعد 6 أشهر من القطيعة

جانب من احتجاج ضد حركة «النهضة» في العاصمة التونسية يوم 19 يونيو الحالي (إ.ب.أ)
جانب من احتجاج ضد حركة «النهضة» في العاصمة التونسية يوم 19 يونيو الحالي (إ.ب.أ)
TT

تكتم حول مقترحات لحل الأزمة التونسية ناقشها رئيسا الجمهورية والبرلمان

جانب من احتجاج ضد حركة «النهضة» في العاصمة التونسية يوم 19 يونيو الحالي (إ.ب.أ)
جانب من احتجاج ضد حركة «النهضة» في العاصمة التونسية يوم 19 يونيو الحالي (إ.ب.أ)

أكد فتحي العيادي، المتحدث باسم حركة «النهضة» في تونس، أهمية اللقاء الذي جمع الرئيس التونسي قيس سعيد، وراشد الغنوشي رئيس «النهضة» ورئيس البرلمان التونسي، قائلاً إن اللقاء جاء بعد قطيعة دامت أكثر من ستة أشهر. ونفى أن تكون لديه تفاصيل عما دار في اللقاء، مشيراً إلى أنه كان سـرياً ولم يتم تصويره. وأضاف في تصريح إذاعي أن التسريبات المتعلقة باللقاء غير صحيحة، ومن «غير المعقول» الخوض في خريطة طريق للحل منذ اللقاء الأول بينهما. ومن المنتظر أن يحصل لقاء آخر بين الطرفين خلال الأيام المقبلة لتوضيح مقترحات نوقشت في اللقاء الأول الذي دام لمدة قاربت الساعة.
ولم تحمل البيانات الرسمية الصادرة عن رئاسة الجمهورية أو عن البرلمان، الكثير من التفاصيل، إذ اقتصرت على إعلان اللقاء ومكانه وزمانه. أما مضمونه والمقترحات التي تقدم بها كل طرف، فقد التزم الطرفان الصمت تجاهها.
وفي هذا الشأن، قال حسان العيادي، المحلل السياسي التونسي، إن التلميحات الصادرة عن المحيطين برئيس الجمهورية قيس سعيد «تنسف لغة التفاؤل والتقييم الإيجابي» الذي تقدمه قيادات في «النهضة»، مشيراً إلى أن المحيطين بالرئيس يشددون على أن اللقاء «برتوكولي»، وأنه كان مناسبة ليعلن سعيد عن موقفه الثابت الذي لا يقبل التنازل أو التراجع. وعبر العيادي عن الخشية من أن الطرفين يتعاملان مع اللقاء بمقاربة تقتصر على التسويق السياسي في ظل صراع على انتزاع تنازلات.
وقالت مصادر تونسية مطلعة على ما دار في اللقاء بين سعيد والغنوشي إن الرئيس التونسي اقترح على رئيس البرلمان خريطة طريق مفصلة لتجاوز الخلاف القائم بين الرئاسات الثلاث، وتشمل موافقة سعيد على التعديل الوزاري الذي أجري يوم 26 يناير (كانون الثاني) الماضي وصادق عليه البرلمان وبقي معطلاً، شريطة أن يتم استبدال الوزراء الأربعة الذين تتعلق بهم «شبهات فساد».
وفي هذا السياق، شكك عبد اللطيف المكي، القيادي في «النهضة»، في نجاح وساطة لطفي زيتون (القيادي السابق في «النهضة») في التوصل إلى حل نهائي للأزمة، قائلاً إنه «لا معنى للوساطات إذا لم تمر إلى الفعل».
لكن لطفي زيتون، صاحب الوساطة بين الرئيسين، أكد أن أفضل حل للخروج من الأزمة السياسية الراهنة في تونس هو تنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية سابقة لأوانها في غضون ثلاثة أشهر، وهو مقترح قد تكون له أهميته بالنظر للقاءين اللذين جمعا الرئيس التونسي ورئيس البرلمان بزيتون. وكشفت تقارير إعلامية عن تقدم الرئيس التونسي بمقترح لإقالة أو استقالة حكومة هشام المشيشي خلال فترة لا تتجاوز ستة أشهر، وتشكيل حكومة جديدة تختار حركة «النهضة» رئيسها باعتبارها الحزب الفائز في الانتخابات التشريعية وتتحمل مسؤولية نجاحها أو فشلها، وهو مقترح لم تؤكد عليه قيادات «النهضة» في تصريحاتها المختلفة.
كان الرئيس التونسي قد اقترح في تصريحات سابقة تعديل القانون الانتخابي والنظام السياسي في البلاد قبل موعد الانتخابات التشريعية والرئاسية المقررة دستورياً سنة 2024. وتشمل خريطة الطريق إجراء حوار وطني شريطة استبعاد شخصيات وأحزاب سياسية تتعلق بها شبهات فساد، وإشراك ممثلين عن الشباب من مختلف الجهات في جلسات الحوار.
غير أن قيادات «النهضة» لم تعتبر هذه المقترحات مسائل ذات أولوية، وقالت إن الأولوية ستعطى للملفات الاجتماعية والاقتصادية والصحية، أما الملف السياسي فسيؤجل إلى وقت لاحق، وهو ما لا يتوافق مع الخطة التي اقترحها رئيس الجمهورية.
على صعيد آخر، كشفت حسناء بن سليمان وزيرة العدل التونسية بالإنابة في جلسة برلمانية، عن ختم الأبحاث في الواقعة المتعلقة بشبهة دس مادة مشبوهة بعجين الخبز بأحد مخابز منطقة البحيرة (الضاحية الشمالية للعاصمة التونسية) ضمن مخطط لاغتيال رئيس الجمهورية، وأكدت أن القطب القضائي لمكافحة الإرهاب الذي تعهد بالملف قد قرر حفظ القضية لعدم كفاية الحجة. وبشأن القضية المفتوحة حول الظرف المسموم الموجه إلى مصالح رئاسة الجمهورية، بينت وزيرة العدل أن نتائج الاختبارات الفنية المجراة على هذا الظرف المسموم الذي وصل إلى رئاسة الجمهورية، جاءت سلبية لكن التحقيقات في الملف متواصلة.



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم