لماذا ينضم صينيون إلى الحزب الشيوعي الحاكم؟

بات اليوم في صفوفه عدد متزايد من الشبان المتعلمين والفنانين

لماذا ينضم صينيون إلى الحزب الشيوعي الحاكم؟
TT

لماذا ينضم صينيون إلى الحزب الشيوعي الحاكم؟

لماذا ينضم صينيون إلى الحزب الشيوعي الحاكم؟

يحتفل الأسبوع المقبل الحزب الشيوعي الصيني بالذكرى المئوية لتأسيسه، فيما يعود الشعار المتكرر للحقبة الثورية «لا صين جديدة من دون الحزب الشيوعي». والسؤال: لماذا ينضم إليه الناس، رغم فشل الأنظمة الشيوعية والأحزاب التي حكمت دول أوروبا الشرقية وسقوط أهم معاقلها في الاتحاد السوفياتي منذ أكثر من 30 عاماً؟ هل هي رغبة في خدمة بلادهم، أم فخر بالانضمام إلى النخبة الحاكمة أو طموح؟ وروى صينيون لوكالة الصحافة الفرنسية كيفية انضمامهم وتجاربهم الشخصية.
أسس الحزب في الأول من يوليو (تموز) 1921 نحو عشرة مثقفين وطنيين ومناهضين للاستعمار، وتحول إلى آلية سياسية تتولى الحكم من دون منازع. كان يضم سابقاً بشكل خاص موظفين رسميين وعسكريين وفلاحين وعمالاً، لكنه بات اليوم يَعدّ في صفوفه عدداً متزايداً من الشبان المتعلمين أو حتى الفنانين. وفي ظل حكم شي جينبينغ الأمين العام للحزب منذ 2012 ورئيس الجمهورية الشعبية، أسكت الحزب الذي يضم 92 مليون عضواً، الأصوات المعارضة في داخله. ومن أجل تجنب وصول مثيري شغب محتملين، شدد الحزب الشيوعي الصيني معايير الانضمام، على غرار شركة خاصة. إذا كان الحزب يضم في السابق أعضاء من خلفية «جيدة» (عائلات عمالية أو مزارعين) فقد بات الآن أكثر نخبوية ويفضل الخريجين الشباب ذوي الأخلاق الحسنة. منذ وصول شي جينبينغ إلى السلطة، تمت معاقبة 1,5 مليون مسؤول بشكل أو بآخر بتهم فساد -وهي سياسة يُشتبه في بعض الأحيان أنها تُستخدم لتصفية معارضين في الداخل لرجل الصين القوي.
يستمر النظر في الترشيحات عموماً سنتين. يبحث الحزب بشكل خاص عن شبان لم يعرفوا سوى سنوات الازدهار الاقتصادي للصين منذ نهاية السبعينات وليست أخطاء الحقبة الماوية (1949 - 1976) التي نُسبت إليها مسؤولية سقوط عشرات ملايين القتلى.
المؤرخ تشو جيا البالغ من العمر 33 عاماً انتمى إلى الحزب عام 2010 وقد عمل لدى معهد أبحاث تابع للحزب، حيث أعد تقارير حلل فيها خصوصاً تاريخ الحزب وأخطاءه كذلك. يتحدر من عائلة شيوعية، وكان الانضمام إلى الحزب بالنسبة إليه «دافعاً» للتواصل «مع الآخرين» و«الحصول على مزيد من الفرص لتحقيق أمور» من أجل بلاده. مثل أعضاء الحزب الآخرين، فقد استغرق طلب انضمامه عامين من المراقبة. وقال: «خلال هذه الفترة، يجب أن تُثبت من خلال مبادراتك وذهنيتك أنك شخص يمضي إلى الأمام، قائد». يضيف: «لا أنكر أن الانضمام يساعد في إيجاد عمل، في حياتك المهنية. لكنّ هذا الأمر ليس ممكناً في النهاية إلا إذا كنت عضواً كفؤاً على قدر المسؤولية». يقول الخبير في شؤون الصين توني سايش، من جامعة هارفارد في الولايات المتحدة: «إنها مشكلة محتمَلة»، مضيفاً: «إذا تم ضم الأشخاص الممتثلين فقط، فهناك مخاطر بالضعف التدريجي».
يقر وانغ ينغ بأنه لا مجال للنقد داخل الحزب وأن الصينيين ليس لديهم خيار سوى الانصياع للحزب. لكنه يعتقد أن الحزب الشيوعي الصيني يؤسس «ديمقراطية مركزية» أكثر ملاءمة لدولة لم تختبر أبداً الليبرالية الغربية.
سو تشاودونغ وُلد في 1954 بعد خمس سنوات على إعلان جمهورية الصين الشعبية من الشيوعيين. وانضم إلى الحزب الشيوعي في العشرين من عمره. يقول في شقته في بكين: «في تلك الفترة، كل الشباب الصينيين كانوا يطمحون للانضمام إلى الحزب. كان بالفعل حلم الحياة».
بعدما فوّت قسماً من دراسته خلال الفوضى التي عمّت إبان الثورة الثقافية (1966 - 1976) وهو شيء يتأسف عليه، قاتل خلال الحرب بين الصين وفيتنام (1979). شكّلت الإصلاحات الاقتصادية وانفتاح البلاد اعتباراً من 1978 بالنسبة إليه ولمواطنيه «تغييراً عقائدياً كبيراً» بعد الحقبة الماويّة، كما يقول هذا المتقاعد البالغ من العمر 67 عاماً. يضيف: «كأعضاء في الحزب، كان علينا أن نكون رواد هذا التفكير الجديد وأن نجعل الناس يلتزمون به»، مشيداً في الوقت نفسه بـ«براغماتية» القادة الذين استخدموا اقتصاد السوق لتطوير الصين.
أما يانغ نا، الرسامة البالغة من العمر 38 عاماً والتي تمثل أعمالها السريالية شخصيات نسائية ذات شفاه كبيرة وأشكال مثيرة، فقد انضمت إلى الحزب عام 2001 محاطة بزوجها وطفلها، ترسم في مشغلها المشرق في بكين لوحات تعرضها في الصين والخارج. وتأمل من خلال فنها في «جعل الناس يفهمون أن كل الصينيين وكل أعضاء الحزب الشيوعي الصيني ليسوا جميعاً بعضهم مثل بعض»، مشيرة إلى أن الحزب بات يُظهر الآن بعض التنوع في سمات أعضائه.
انضم دالونغ التيبتي البالغ من العمر 75 عاماً، إلى الحزب عام 1974، على مدى ثلاثة عقود كان أبرز مسؤول في الحزب في قرية بمنطقة حساسة في التيبت (جنوب غرب). وقال الرجل المتقاعد: «لقد شهدتُ القسوة من المجتمع السابق (التيبتي) واللطف من المجتمع الجديد». وهو لا يزال يقيم في نفس القرية.
تشين جيان، البالغ من العمر 51 عاماً، هو الرئيس التنفيذي لشركة تملكها الدولة وسكرتير الحزب في شركته. يقول إن مهمته كعضو هي ضمان نمو الشركة وتوفير فرص عمل للصينيين. يدعو الأجانب الذين يعدّون الحزب الشيوعي الصيني ديكتاتورياً إلى «التخلي عن أحكامهم المسبقة» و«المجيء لرؤية إنجازاته» لا سيما «ظروف الحياة التي تحسنت بشكل هائل» خلال 40 عاماً. ويوضح أن «أكواخ الماضي حلت محلها هذه المباني الحديثة الكبرى. لقد استبدلنا بصنادل القش أو القماش أحذية جلدية».
انضمت يانغ غوانغ، البالغة من العمر 24 عاماً، إلى الحزب في 2018 وهي تدرس الموارد المالية، في بكين، وبعد التخرج ستعود إلى مقاطعة سيشوان بجنوب غربي البلاد للعمل في مصرف. تقول هذه الشابة التي تعد الأولى في صفها، إنها مستعدة دائماً «لمساعدة الآخرين» خصوصاً خلال انتشار الوباء، وهو «طموح» غذّى رغبتها في الانضمام إلى الحزب «للمشاركة في تنمية» الصين.
يقول سونغ: «لا علاقة للديمقراطية الصينية بديمقراطية الدول الأخرى»، مضيفاً: «الصين دولة كبيرة معرّضة للكوارث الطبيعية وتتطلب سلطة مركزية قوية». يقرّ الجامعي بأنه كانت لديه «شكوك» في الماضي تجاه نظام لم يتردد في إطلاق النار على شبابه المحتجين في عام 1989، لكنه يقول إن المسار الحالي «الأفضل ملاءمة للصين».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟