القوى السياسية تدعم مبادرة حمدوك... والمعارضة تتردد

مراقبون: نجاح «الانتقال» رهين لدى المكون العسكري

البرهان وحميدتي خلال اجتماع بكبار ضباط الجيش أول من أمس (نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي)
البرهان وحميدتي خلال اجتماع بكبار ضباط الجيش أول من أمس (نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي)
TT

القوى السياسية تدعم مبادرة حمدوك... والمعارضة تتردد

البرهان وحميدتي خلال اجتماع بكبار ضباط الجيش أول من أمس (نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي)
البرهان وحميدتي خلال اجتماع بكبار ضباط الجيش أول من أمس (نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي)

لقيت مبادرة رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك الرامية لخلق اصطفاف جديد، في الساحة السياسية السودانية، يعيد لثورة ديسمبر (كانون الأول) 2018، ألقها ويحقق أهداف الفترة الانتقالية، قبولاً واسعاً من قوى اجتماعية وسياسية مؤثرة، في حين تفاوتت آراء المعارضين بين الرفض المطلق والتحفظ على بعض مفرداتها، بينما وصفها خبراء بأنها تحول سياسي كبير في تاريخ البلاد، قد ينتج منه إعادة تقديم رئيس الوزراء زعيماً سياسياً إلى جانب دوره التنفيذي.
وأطلق حمدوك - الثلاثاء الماضي - مبادرة بعنوان «الأزمة الوطنية وقضايا الانتقال – الطريق إلى الأمام»، وتهدف لإعادة توحيد شركاء الثورة، من مدنيين وعسكريين، وتكوين كتلة انتقالية وإجماع على مهام مرحلة الانتقال، وتتضمن تكوين جيش وطني واحد، وتوحيد السياسات الداخلية والخارجية، ومراكز القرار وإصلاح الوضع الاقتصادي.
ورحّبت قوى إعلان الحرية والتغيير والجبهة الثورية، (المرجعية السياسية للحكومة الانتقالية)، بمبادرة رئيس الوزراء، وأعلنت دعمها لها، ودعت الشركاء كافة لاعتمادها مشروعاً استراتيجياً لإنجاح الانتقال وبناء السودان.
وقال الناطق الرسمي للحرية والتغيير، كمال بولاد، ونظيره في الجبهة الثورية، أسامة سعيد، في نشرة صحافية أمس، إن كتلتي الحرية والتغيير والجبهة الثورية، عقدتا اجتماعاً مطولاً شهد نقاشاً معمقاً وشفافاً، خلص إلى دعم المبادرة ودعوة الشركاء كافة لتطويرها واعتبارها مشروعاً استراتيجياً.
وذكرت النشرة، أن الطرفين رحبا كذلك، بإعلان قادة القوات المسلحة والدعم السريع على «الرفقة المشتركة بينهما، وتأكيد وحدة القوات الضرورية لحماية البلاد»، وأكدا على أهمية الحوار بين المدنيين والعسكريين، لنجاح الانتقال.
وتعهد الطرفان بالعمل الجاد لإقامة «جبهة سياسية عريضة» وكتلة انتقالية تحت راية الحرية والتغيير، لتنفيذ شعارات الثورة، واستكمال مهام الانتقال، وبالعمل على تحويل مظاهرات 30 يونيو (حزيران) المقبلة، إلى عمل جماهيري يدعم مشروع الانتقال ويقطع الطريق على قوى «الثورة المضادة».
وقالت النشرة، إن الكتلتين أكدتا كذلك على أهمية الاتصال بـ«شركاء الانتقال كافة»، لتوحيد الكتلة الانتقالية، والعمل على إصلاح الحرية والتغيير، باعتباره تحالفاً ضامناً للانتقال.
واعتبر حزب المؤتمر السوداني في بيان منفصل، أن المبادرة خريطة طريق قابلة للتطبيق، تمهد لتصحيح المسار، حال توفر إرادة سياسية وتعهد بتسخير جهوده كافة مع القوى الداعمة للتغير لإنجاحها.
ورفض الحزب الشيوعي التعليق على المبادرة، ورهن موقفه بإكمال دراستها، بيد أن السياسي المثير للجدل مبارك الفاضل المهدي وجّه انتقادات حادة لمحتوى للمبادرة، ودعا للتوافق على ما أطلق عليه ميثاقاً سياسياً واقتصادياً لفترة محدودة لا تتعدى نهاية عام 2022 تجري خلالها انتخابات عامة، وطالب رئيس الوزراء لتقديم استقالة حكومته، وتكوين حكومة تصريف أعمال، وطلب من المجلس العسكري – لا يوجد تنظيم بهذا الاسم حالياً – دعوة القوى التي شاركت في الثورة والقوى ذات الوزن للتشاور لإعادة تشكيل السلطة الانتقالية.
من جهتها، رحبت كونفدرالية منظمات المجتمع المدني بمبادرة رئيس الوزراء، ووصفتها بأنها «ألقت حجراً في ساكن المشهد السياسي الذي يتشظى»، وأكد العمل على عقد حوار داخلي بين مكوناتها، للتأسيس لخريطة طريق تدعم المبادرة والانتقال الديمقراطي السلس، وتحقيق شعارات الثورة.
ويرهن مراقبون نجاح مبادرة رئيس الوزراء وفشلها بالمكون العسكري، الذي يعيش تصدعات كبيرة، كما جاء في حديث رئيس الوزراء في المبادرة، وإشارته للتوافق والتراضي على عملية دمج قوات الدعم السريع.
ويقول المحلل السياسي ماهر أبو الجوخ «إذا استجاب المكون العسكري، وأجرى تسوية ومعالجة لموضوع دمج الدعم السريع، وأزال الاحتقان فيما بينهم، سيكون النجاح الأكبر للمبادرة»، وتابع «الصراع بين المكونات المدنية يترتب عليه مشاكل سياسية وحوار، لكن صراع المكون العسكري يؤدي إلى حرب، فحين يختلف العسكريون لا يتكلمون بألسنتهم، بل بأسلحتهم».
بيد أن أبو الجوخ استبعد حدوث صدام بين المكون والعسكري، وقال «سيتفقون؛ لأن أي تجربة استخدام للسلاح قاموا بها، كانت نتيجتها وبال عليهم».
ولم تخف مصادر عليمة وجود خلافات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، مهما حاول الطرفان إنكار ذلك، لكن من غير المعروف المستوى الذي وصلت له، مشيرة إلى أن اللقاء المشترك الذي جمع رئيس مجلس السيادة، عبد الفتاح البرهان، ونائبه محمد حمدان دقلو (حميدتي) بكبار القادة العسكريين والأمنيين بالجيش والدعم السريع، أول من أمس، محاولة لخفض أجواء التوتر المشحون التي تسربت إلى الشارع العام، وأصبحت تشكل مصدر قلق من صدام بين القوتين يعقد المشهد السياسي ويدخل البلاد في نفق مظلم.
وقالت، من الواضح أن التنوير المشترك الذي قدمه البرهان وحميدتي، بصفتهما قادة الجيش والدعم السريع، للضباط، هدفه احتواء حالة الاحتقان في المستويات العليا، حتى لا تنزل لمستوى القواعد (الجنود)؛ إذ إن أي احتكاك يمكن أن يتطور سريعاً مواجهات عسكرية مفتوحة بين الطرفين داخل العاصمة الخرطوم، خاصة أن هناك أطرافاً كثيرة تستثمر في تغذية الخلاف ودفعه في اتجاهات حادة.
وتعود المصادر لتشير إلى أن الخلاف ومستوى التوتر بين الجيش والدعم السريع، لا يمكن قراءته بعيداً عن الخلافات وتباين وجهات النظر بين البرهان وحميدتي داخل السلطة في الكثير من القضايا الداخلية والخارجية، منها التعامل في ملف الحدود مع إثيوبيا وما ترتب عليه من حشد عسكري وانتشار للقوات المسلحة السودانية داخل أراضيها، حيث يرى فيها الأخير إهداراً لموارد البلاد.
ومن جهة أخرى، تعزو «المصادر» حالة التوتر بين الجيش والدعم السريع إلى أسباب أخرى، منها الصراع والتنافس على مراكز القوة في السلطة؛ إذ يتولد عند حميدتي إحساس بأن هنالك تكتلات داخل السلطة الانتقالية تسعى لتهميش دوره، أطرافها من المدنيين وأخرى المكون العسكري داخل مجلس السيادة.
وترى المصادر المقربة من دوائر الحكم، أن الخلاف يأخذ منحى آخر بين المكون المدني والعسكري، فيما يتعلق بتدخل «العسكريين» في ملفات تقع تحت سلطة رئيس الوزراء والحكومة التنفيذية، منها محاولة الانفراد بملف السلام، والتغول في العلاقات الخارجية، ومحاولة تعطيلهم عمداً تنفيذ ملف الترتيبات الأمنية مع أطراف السلام لدمج كل القوات في جيش وأحد.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».