الأمير فيصل بن سلمان يرعى تخريج متدربي المعهد العالي للصناعات المطاطية في ينبع

تفقد ورش التدريب وشاهد نماذج من أعمال الخريجين

الأمير فيصل بن سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة المدينة المنورة في صورة تذكارية مع 57 من خريجي المعهد العالي للصناعات المطاطية في محافظة ينبع
الأمير فيصل بن سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة المدينة المنورة في صورة تذكارية مع 57 من خريجي المعهد العالي للصناعات المطاطية في محافظة ينبع
TT

الأمير فيصل بن سلمان يرعى تخريج متدربي المعهد العالي للصناعات المطاطية في ينبع

الأمير فيصل بن سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة المدينة المنورة في صورة تذكارية مع 57 من خريجي المعهد العالي للصناعات المطاطية في محافظة ينبع
الأمير فيصل بن سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة المدينة المنورة في صورة تذكارية مع 57 من خريجي المعهد العالي للصناعات المطاطية في محافظة ينبع

رعى الأمير فيصل بن سلمان بن عبد العزيز، أمير منطقة المدينة المنورة الأربعاء، حفل تخريج 57 متدربا بالمعهد العالي للصناعات المطاطية في محافظة ينبع.
وأعرب الدكتور علي بن ناصر الغفيص محافظ المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني بهذه المناسبة، عن شكره للقيادة الحكيمة على دعمها المستمر والسخي لقطاع التدريب بالسعودية، مشيرا إلى أن المؤسسة تبذل الجهود كافة لدعم القطاعات التنموية بالكفاءات الوطنيّة المدرّبة تدريبا متخصصا وبأحدث الأساليب والتقنيات التي تتواءم مع تطورات واحتياجات سوق العمل السعودي، وعبر عن خالص شكره لأمير المنطقة على تكريمه الخريجين في الدفعة الأولى من المعهد العالي للصناعات المطاطية.
وأوضح الدكتور الغفيص أن المعهد العالي للصناعات المطاطية يعد أحد نماذج برنامج الشراكات الاستراتيجية الذي تنفذه المؤسسة مع كبرى شركات قطاع الأعمال في الكثير من القطاعات الحيويّة، الذي ساهم في دخول هذه الشركات قطاع التدريب، والإسهام في تنمية الموارد البشرية الوطنية وتأهيلها، وتتولى المؤسسة بموجب تلك الشراكات عمليات التنظيم والتمويل والإشراف على هذه المعاهد المتخصصة بمشاركة صندوق تنمية الموارد البشرية.
من جانبه، أوضح الدكتور علاء نصيف رئيس مجلس إدارة المعهد العالي للصناعات المطاطية أن المعهد يعد أحد الصروح التي تسهم بفاعلية في إعداد وتأهيل الكوادر الوطنية المزودة بكل عناصر التفوق والاقتدار في إدارة مرافق التنمية، لافتا إلى أن المعهد سيكون مزودا رئيسيا لسوق العمل بالكوادر الشابة التي اكتسبت الخبرات التقنية لتواكب خطط الإنماء الوطني، مبينا أن نسبة السعودة بالمعهد بلغت 100 في المائة من أعضاء هيئة التدريب والهيئة الإدارية.
وثمن رئيس مجلس إدارة المعهد الدعم والمساندة التي يجدونها من الأمير سعود بن عبد الله بن ثنيان رئيس الهيئة الملكية للجبيل وينبع رئيس مجلس إدارة شركة سابك، كما رفع شكره لوزارة البترول والثروة المعدنية والمؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني على دورهما في تأسيس المعهد، وكذلك الشركاء الأساسيون في مسيرة المعهد وهم شركة ينبع السعودية للبتروكيماويات (ينبت) وشركة سابك وشركة إكسون موبيل.
وفي ختام الحفل، كرّم أمير المنطقة الخريجين وشركاء المعهد، ثم قام بجولة تفقدية لورش التدريب وشاهد نماذج من أعمال الخريجين في صناعة المنتجات المطاطية.
من جهته، أوضح لـ«الشرق الأوسط» مراد العروي عضو مجلس إدارة الغرفة التجارية الصناعية في ينبع والخبير الاقتصادي، أنّ التعليم المهني والتدريب ضرورة حضارية واجتماعية تمليها متطلبات واحتياجات ما تعيشه السعودية من نهضة وتطور في المجالات كافة، وفي مقدمتها التطور الصناعي الذي يحتاج إلى العناصر الشابة المؤهلة.
وأضاف: «تأتي رعاية الأمير فيصل بن سلمان أمير منطقة المدينة المنورة لحفل تخرج الدفعة الأولى من متدربي المعهد العالي للصناعات المطاطية التابع للمؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني، لتؤكد اهتمام وحرص المسؤولين في الدولة على الأهمية القصوى للتأهيل الفني والمهني في المجالات التي تتمتع فيها السعودية بميزات نسبية عالية وحاجات سوق العمل».
وأضاف: «التعليم المهني أساس تطور الدول فحتى الدول المتقدمة صناعيا واقتصاديا كأميركا واليابان تعتمد اعتمادا كليا على مخرجات التعليم الفني والمهني في صياغة تقدمها ورقي صناعاتها وتقدم اقتصادها الذي ينعكس على رفاه مواطنيها وهو ما تسعى إليه السعودية بسواعد شبابها من الخريجين». وتابع العروي «القوى العاملة أهم عنصر من عناصر الإنتاج، والدعامة الأساسية لتحقيق أهداف التنمية الشاملة والتقدم والرفاهية الاجتماعية وتوفير الحياة الكريمة للمواطنين».
من جانبه، أوضح عبد الغني الأنصاري الخبير الاقتصادي وعضو مجلس إدارة الغرفة التجارية الصناعية، أنّ المرحلة الحالية تتطلب إعداد الكوادر البشرية والأيدي العاملة المتخصصة في الصناعات التحويلية ومجالات البتروكيماويات والطاقة، مشيرا إلى أن ذلك المطلب هو ما تمليه ظروف المرحلة، حيث تتسارع عجلة التنمية في السعودية وتشهد تطورا كبيرا ولافتا على الأصعدة كافة، لافتا إلى أن التعليم الفني المتخصص يسهم في صقل مهارات المتدربين ويعدهم للإسهام الفاعل في مراحل التنمية، وتوطين المهن المختلفة، لإيجاد وفتح فرص العمل للشباب.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)