بعد 5 سنوات من استفتاء «بريكست»... بريطانيا تتخبّط في لجج الانقسامات

TT

بعد 5 سنوات من استفتاء «بريكست»... بريطانيا تتخبّط في لجج الانقسامات

بعد خمس سنوات من استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي «بريكست» حدث الانفصال، لكن الانقسامات ما زالت حادة والتغيّرات العميقة الناتجة عنها بدأت تظهر في سياق تعكره الجائحة.
مع تأييد 52 في المائة من البريطانيين الخروج من الكتلة الأوروبية و48 في المائة البقاء فيها، خلفت نتيجة استفتاء 23 يونيو (حزيران) 2016 الذي أجرته حكومة ديفيد كاميرون موجة هزت البلاد وأحدثت شرخًا بين المملكة المتحدة وحلفائها في أوروبا.
وبعد عدة تأجيلات وأكثر من ثلاث سنوات من الصراعات السياسية، انفصلت المملكة المتحدة أخيرًا في الأول من فبراير (شباط) 2020 عن الكتلة، وأدارت ظهرها لما يقرب من خمسة عقود من التكامل.
تبع ذلك في الأول من يناير (كانون الثاني) 2021، في نهاية فترة انتقالية واتفاق تجاري تم التفاوض عليه بشق الأنفس، خروج نهائي من الاتحاد الجمركي والسوق الأوروبية الموحدة.
منذ بداية العام، تراجعت التجارة بين الشركاء السابقين. ولم تقطف المملكة المتحدة بعد فوائد خروجها من الاتحاد الأوروبي وتعزيز مكانتها على الساحة الدولية، كما وعد رئيس الوزراء المحافظ بوريس جونسون، أحد كبار المدافعين عن «بريكست».
وبمناسبة الذكرى الخامسة للاستفتاء، سلط رئيس الحكومة الضوء على أوجه التقدم التي أتاحها حسب قوله قرار مغادرة الاتحاد الأوروبي، وهي برأيه تشديد شروط الهجرة ونجاح حملة التلقيح ضد كوفيد وتوقيع اتفاقات تجارية جديدة. وقال: «الآن بعد أن نتعافى من الوباء، سنوظف كامل الإمكانات التي تتيحها سيادتنا المستعادة».
في غضون ذلك، أدى الخروج من الاتحاد الأوروبي إلى مزيد من التصدع في نسيج البلاد الداخلي، إذ يرى فيه الانفصاليون الحاكمون في اسكتلندا المؤيدون للبقاء في أوروبا، فرصة جديدة لتعزيز نضالهم من أجل الاستقلال ووسيلة لعودتهم إلى الاتحاد الأوروبي.
وللمرة الأولى منذ أجيال عدة، لم يعد البريطانيون يتمتعون بحرية الوصول إلى القارة والعكس صحيح؛ فقد انتهت حرية تنقل الأشخاص التي ستظهر أثارها واضحة بمجرد رفع القيود الصارمة على السفر الدولي بسبب الجائحة.
وبعد تنفيذ الطلاق، ما زال البريطانيون يتساءلون عن آثاره. وفي دلالة على الانقسام المستمر، يقدر استطلاع للرأي نشره، اليوم الأربعاء، معهد سافانتا كومريس أن 51 في المائة من البريطانيين سيصوتون للبقاء في الاتحاد الأوروبي إذا تم التصويت الآن و49 في المائة سيصوتون للخروج.
تقول ديان ويليس المحاضرة الجامعية في أدنبره لوكالة الصحافة الفرنسية: «لم نشعر بعد بتأثير خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لأننا كنا مثل بقية العالم تحت وطأة كوفيد... أعتقد أن الشيطان يكمن في التفاصيل والتفاصيل لم تظهر بعد».
في بوسطن، المدينة التي تؤيد غالبية سكانها «بريكست» في شمال شرق إنكلترا، يعتقد ستيفن كلارك، الموسيقي البالغ من العمر 60 عامًا، أنه «مهما حدث، سواء كان جيدًا أو سيئًا، من الأفضل لنا أن نمسك بزمام أمورنا بأيدينا».
لكن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لا يعني قطع جميع العلاقات بين الشركاء السابقين. ففي المملكة المتحدة، تقدم نحو 5,4 مليون من مواطني الاتحاد الأوروبي بطلبات لمواصلة الإقامة هناك والاحتفاظ بالحقوق نفسها في العمل والاستفادة من الضمان الاجتماعي. وهو أكبر بكثير من رقم 3,4 مليون توقعته الحكومة البريطانية.
ومن شأن هذا أن يحدث تغييرًا ديموغرافيًا هائلًا وفق جوناثان بورتس أستاذ الاقتصاد في جامعة كينغز كولدج اللندنية، مع «عواقب اجتماعية وثقافية وسياسية تمتد لفترة طويلة جدًا بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ونهاية حرية تنقل الأشخاص».
وعدا عن الأشخاص، يقول أحد الخبراء إنه سيتعين على بروكسل ولندن تعميق روابطهما السياسية على الرغم من التوتر في علاقاتهما بسبب تنفيذ جزء من اتفاق الخروج الذي ينص على أحكام جمركية خاصة تبقي بحكم الواقع آيرلندا الشمالية في الاتحاد الجمركي الأوروبي.
ويشعر الوحدويون الإيرلنديون الشماليون المتمسكون بالانتماء للتاج البريطاني بأنهم تعرضوا للخيانة بسبب هذا الاتفاق الذي بررته الحاجة إلى الحفاظ على السلام في المقاطعة البريطانية بعد ثلاثة عقود من الاضطرابات الدامية وتجنب إقامة حدود مادية جديدة مع جمهورية آيرلندا المجاورة العضو في الاتحاد الأوروبي.
ويقول أناند مينون، مدير مركز أبحاث المملكة المتحدة في أوروبا المتغيرة: «سيكون علينا الجلوس مع الدول الأعضاء والتفكير في سبل التعاون على نطاق أوسع، ليس في سياق التجارة، ولكن لجعل علاقتنا السياسية فاعلة» من أجل الاستجابة للتهديدات العالمية المشتركة.



أكثر من نصفهم في غزة... عدد قياسي لضحايا الأسلحة المتفجرة في 2024

فلسطيني يحمل جسداً ملفوفاً لضحية من ضحايا الغارات الإسرائيلية على غزة (أ.ف.ب)
فلسطيني يحمل جسداً ملفوفاً لضحية من ضحايا الغارات الإسرائيلية على غزة (أ.ف.ب)
TT

أكثر من نصفهم في غزة... عدد قياسي لضحايا الأسلحة المتفجرة في 2024

فلسطيني يحمل جسداً ملفوفاً لضحية من ضحايا الغارات الإسرائيلية على غزة (أ.ف.ب)
فلسطيني يحمل جسداً ملفوفاً لضحية من ضحايا الغارات الإسرائيلية على غزة (أ.ف.ب)

خلُص تقرير جديد إلى أن عدد ضحايا الأسلحة المتفجرة من المدنيين وصل إلى أعلى مستوياته عالمياً منذ أكثر من عقد من الزمان، وذلك بعد الخسائر المدمرة للقصف المُكثف لغزة ولبنان، والحرب الدائرة في أوكرانيا.

ووفق صحيفة «الغارديان» البريطانية، فقد قالت منظمة «العمل على الحد من العنف المسلح» (AOAV)، ومقرها المملكة المتحدة، إن هناك أكثر من 61 ألف مدني قُتل أو أصيب خلال عام 2024، بزيادة قدرها 67 في المائة على العام الماضي، وهو أكبر عدد أحصته منذ بدأت مسحها في عام 2010.

ووفق التقرير، فقد تسببت الحرب الإسرائيلية على غزة بنحو 55 في المائة من إجمالي عدد المدنيين المسجلين «قتلى أو جرحى» خلال العام؛ إذ بلغ عددهم أكثر من 33 ألفاً، في حين كانت الهجمات الروسية في أوكرانيا السبب الثاني للوفاة أو الإصابة بنسبة 19 في المائة (أكثر من 11 ألف قتيل وجريح).

فلسطينيون يؤدون صلاة الجنازة على أقاربهم الذين قُتلوا بالغارات الجوية الإسرائيلية في مستشفى شهداء الأقصى بدير البلح (د.ب.أ)

وشكّلت الصراعات في السودان وميانمار معاً 8 في المائة من إجمالي عدد الضحايا.

ووصف إيان أوفيرتون، المدير التنفيذي لمنظمة «العمل على الحد من العنف المسلح»، الأرقام بأنها «مروعة».

وأضاف قائلاً: «كان 2024 عاماً كارثياً للمدنيين الذين وقعوا في فخ العنف المتفجر، خصوصاً في غزة وأوكرانيا ولبنان. ولا يمكن للمجتمع الدولي أن يتجاهل حجم الضرر الناجم عن هذه الصراعات».

هناك أكثر من 61 ألف مدني قُتل أو أصيب خلال عام 2024 (أ.ب)

وتستند منظمة «العمل على الحد من العنف المسلح» في تقديراتها إلى تقارير إعلامية باللغة الإنجليزية فقط عن حوادث العنف المتفجر على مستوى العالم، ومن ثم فهي غالباً ما تحسب أعداداً أقل من الأعداد الحقيقية للمدنيين القتلى والجرحى.

ومع ذلك، فإن استخدام المنظمة المنهجية نفسها منذ عام 2010 يسمح بمقارنة الضرر الناجم عن المتفجرات بين كل عام، ما يُعطي مؤشراً على ما إذا كان العنف يتزايد عالمياً أم لا.